(الصفحة 542)
رواية محمّد بن مسلم قال : ولد لأبي جعفر (عليه السلام) غلامان جميعاً ، فأمر زيد بن عليّ أن يشتري له جزورين للعقيقة ، وكان زمن غلاء ، فاشترى له واحدة وعسرت عليه الأُخرى ، فقال لأبي جعفر (عليه السلام) : قد عسرت عليّ الأُخرى ، فأتصدّق بثمنها؟ قال : لا ، اطلبها حتى تقدر عليها ، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إهراق الدماء وإطعام الطعام(1) .
ورواية عبدالله بن بكير قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فجاءه رسول عمّه عبدالله بن عليّ ، فقال له : يقول لك عمّك : إنّا طلبنا العقيقة فلم نجدها ، فما ترى نتصدّق بثمنها؟ قال : لا ، إنّ الله يحبّ إطعام الطعام وإراقة الدّماء(2) .
ومنها : إنّه قال في الشرائع : ويستحبّ أن يجتمع فيها شروط الأُضحية(3) . وقد فسّرت الشروط بكونها سليمة من العيوب ، وبمراتب السّن على ما في المتن المختلفة في الأنعام الثلاثة ، واستشكل في المتن في أصل اعتبار هذه الشروط في الأضحية ، وفي استحباب الاعتبار في العقيقة على تقدير الاعتبار في الأضحية ، ولعلّ الوجه في الاعتبار هنا ما ورد في بعض الروايات المتقدّمة من كون العقيقة أوجب من الأضحية ، وما في بعض النصوص من أنّه إذا ضحّى أو ضُحِّيَ عنه فقد أجزأه عن العقيقة ، مثل :
موثّقة سماعة قال : سألته عن رجل لم يعقّ عنه والده حتى كبر فكان غلاماً شابّاً أو رجلا قد بلغ ، فقال : إذا ضُحِّيَ عنه أو ضحّى الولد عن نفسه فقد أجزأ عنه
- (1) الكافي : 6/25 ح8 ، الوسائل : 21/415 ، أبواب أحكام الأولاد ب40 ح2 .
- (2) الكافي : 6/25 ح6 ، التهذيب : 7/441 ح 1764 ، الوسائل : 21/415 ، أبواب أحكام الأولاد ب40 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/344 .
(الصفحة 543)
عقيقته ، وقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الولد مرتهن بعقيقته فكّه أبواه أو تركاه(1) .
ولكنّ الجواب عنه واضح ، مضافاً إلى ما ورد في بعض الأخبار من التصريح بأنّها ليست بمنزلة الأضحية ، وهي رواية منهال القمّاط قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ أصحابنا يطلبون العقيقة إذا كان أبان يقدم الأعراب فيجدون الفحول ، وإذا كان غير ذلك الابان لم توجد فتعسّر عليهم ، فقال : إنّما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي منها كلّ شيء(2) . والأمر سهل كما في المتن .
ومنها : استحباب تخصيص القابلة بالرِّجل والورك ، وقد وردت فيه روايات .
منها : رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المولود قال : يسمّى في اليوم السابع ويعقّ عنه ويحلق رأسه ويتصدّق بوزن شعره فضّة ، ويبعث إلى القابلة بالرِّجل مع الورك ، ويطعم منه ويتصدّق(3) .
وهنا استحباب آخر وهو تخصيص القابلة بالثلث ، كما في رواية أبي خديجة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة ، وقال : وللقابلة ثلث العقيقة ، وإن كانت القابلة أُمّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شيء ، وتجعل أعضاء ثمّ يطبخها ويقسّمها ولا يعطيها إلاّ أهل الولاية ، وقال : يأكل من العقيقة كلّ أحد إلاّ الأُم(4) .
ودونه بالرّبع كما في رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألت عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم ، يعقّ عنه ويحلق رأسه وهو ابن سبعة ، ويوزن شعره فضّة أو
- (1) الكافي : 6/39 ح3 ، التهذيب : 7/447 ح 1789 ، الوسائل : 21/449 ، أبواب أحكام الأولاد ب65 ح1 .
- (2) الكافي : 6/29 ح1 ، التهذيب : 7/443 ح 1773 ، الوسائل : 21/425 ، أبواب أحكام الأولاد ب45 ح1 .
- (3) الكافي : 6/29 ح10 ، الوسائل : 21/420 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح1 .
- (4) الكافي : 6/32 ح2 ، التهذيب : 7/444 ح 1775 ، الوسائل : 21/428 ، أبواب أحكام الأولاد ب47 ح1 .
(الصفحة 544)مسألة 10 : يتخيّر في العقيقة بين أن يفرّقها لحماً أو مطبوخاً أو تُطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين ، ولا أقّل من عشرة ، وإن زاد فهو أفضل ، ويأكلون منها ويدعون للولد ، ولا بأس بطبخها على ما هو المتعارف ، وقد يقال : الأفضل طبخها بماء وملح وهو غير معلوم1.
ذهب (ذهباً ظ ) يتصدّق به ، وتطعم قابلته ربع الشاة ، والعقيقة شاة أو بدنة(1) .
ولا يكون تخصيص العقيقة بالشاة أو بدنة في مقابل الإبل ، بل لعلّ المقصود عدم إجزاء التصدّق بثمنها كما عرفت ، والظّاهر تعدّد الرواية مع رواية أبي بصير السّابقة ، ثمّ إنّه ذكر في المتن أنّه لو أعطى القابلة الربع الذي فيه الرجل والورك من دون أن يكون الرجل والورك زائداً على الربع يكون عاملا بالاستحبابين ، ولا يبعُد ما أفاده الماتن(قدس سره) .
ثمّ إنّه لو لم تكن هناك قابلة اُعطي سهمها الأمّ تتصدّق به; لأنّها لا تأكل منها كما في الروايات الّتي تقدّم بعضها ، وأمّا إعطاء الأُمّ مع عدم القابلة ففي رواية عمّار الطويلة : وتعطى القابلة ربعها ، وإن لم تكن قابلة فلأُمّه تعطيها من شاءت(2) . كما أنّ في هذه الرواية : إن كانت القابلة يهوديّة لا تأكل من ذبيحة المسلمين ، اُعطيت قيمة ربع الكبش .1 ـ بعد تحقّق ذبح العقيقة يتخيّر بين أن يفرّقها ويجعلها أعضاء لحماً أو مطبوخاً ، أو تُطبخ ويدعى إليها جماعة من المؤمنين ، ففي رواية أبي خديجة المتقدّمة : «وتجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسّمها» الخ .
- (1) الكافي : 6/27 ح3 ، التهذيب : 7/442 ح1768 ، الوسائل : 21/422 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح10 .
- (2) الكافي : 6/28 ح9 ، التهذيب : 7/443 ح1771 ، الوسائل : 21/421 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح4 .
(الصفحة 545)
وفي رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : عقّ عنه وأحلق رأسه يوم السابع ، وتصدّق بوزن شعره فضّة ، وأقطع العقيقة جذاوي وأطبخها وأدعُ عليها رهطاً من المسلمين(1) .
والظّاهر أنّ المراد هو الطبخ على ما هو المتعارف ، وأمّا كون الأفضل طبخها بماء وملح فهو غير معلوم; لعدم الدّليل عليه ، وحيث إنّ أحد الأقوال في معنى الرهط هو ما فوق العشرة إلى الأربعين ، فالأفضل أن تكون الجماعة اللاتي يدعون إليها أقلّ من العشرة ، خصوصاً مع رواية عمّار المشتملة على قوله (عليه السلام) : وتطعم منه عشرة من المسلمين ، فإن زادوا فهو أفضل(2) الحديث .
ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع : و ـ يعني يكره ـ أن يكسر شيء من عظامها ، بل يفصل أعضاؤها(3) . والأخبار في هذا المجال مختلفة فبعضها يدلّ على الجواز من دون كراهة ، بل على الأمر بالكسر ، مثل :
رواية الفقيه مرسلا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئلَ عن العقيقة إذا ذبحت يكسر عظمها؟ قال : نعم ، يكسر عظمها ويقطع لحمها ويصنع بها بعد الذبح ما شئت(4) .
وبعضها يدلّ على النهي عن الكسر ، مثل : رواية الكاهلي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : العقيقة يوم السّابع ، وتعطى القابلة الرجل مع الورك ، ولا يكسر العظم(5) . ومقتضى الجمع الحمل على الكراهة .
- (1) الكافي : 6/27 ح1 ، التهذيب : 7/442 ح1766 ، الوسائل : 21/421 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح8 .
- (2) الكافي : 6/28 ح 1 ، التهذيب : 7/443 ح 1771 ، الوسائل : 21/421 ، أبواب أحكام الأولاد ب 44 ح 4 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/345 .
- (4) الفقيه : 3/314 ح1524 ، الوسائل : 21/424 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح17 .
- (5) الكافي : 6/29 ح11 ، التهذيب : 7/443 ح 1772 ، الوسائل : 21/421 ، أبواب أحكام الأولاد ب44 ح5 .
(الصفحة 546)مسألة 11 : لا يجب على الأُمّ إرضاع ولدها لا مجّاناً ولا بالأُجرة مع عدم الإنحصار بها ، بل ومع الإنحصار لو أمكن حفظ الولد بلبن ونحوه مع الأمن من الضرر عليه ، كما أنّه لا يجب عليها إرضاعه مجّاناً وإن انحصر بها ، بل لها المطالبة باجرة الإرضاع من مال الولد إن كان له مال ، ومن أبيه إن لم يكن له مال وكان الأب موسراً . نعم لو لم يكن للولد مال ولم يكن الأب والجد وإن علا موسرين تعيّن على الأمّ إرضاعه مجاناً ، إمّا بنفسها أو باستئجار مرضعة أُخرى ، أو بغيره من طرق الحفظ إن لم يكن مضرّاً له ، وتكون الأُجرة أو النفقة عليها1.
ثمّ إنّه يستحبّ الدعاء عند ذبح العقيقة بالمأثور ، وهو كثير ، وذكر في الجواهر : أنّ ما اشتهر بين السّواد من استحباب لفّ العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلم نقف عليه في شيء ممّا وصل إلينا من نصوص الباب وفتاوى الأصحاب ، والله العالم(1) .1 ـ في هذه المسألة صور :
الأولى : صورة عدم الإنحصار بها ، وفي هذه الصّورة لا يجب على الأُمّ إرضاع ولدها لا مجّاناً ولا باُجرة ، وقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر(2) بين أصحابنا الإماميّة ، ويظهر منه عدم توقّف حفظ نفس الولد وحياته على إرضاع اللّباء ، وهو أوّل ما يحلب مطلقاً أو إلى ثلاثة أيّام ، كما أفتى به الفاضل(3) والشهيد(4) ولعلّه لأنّه لا يعيش بدونه ، وهو كما ترى .
- (1) جواهر الكلام : 31/271 .
- (2) جواهر الكلام : 31/272 .
- (3) قواعد الأحكام : 2/51 .
- (4) اللمعة الدمشقية : 120 .