(الصفحة 587)وأمّا الإدام فقدراً وجنساً كالطعام يُراعى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها ، حتى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللّحم مثلا وجب ، وكذلك لو اعتادت بشيء خاصّ من الإدام بحيث تتضرّر بتركه ، بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها ، وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفيّة التي تناولها كاللازم في الأهوية الحارة ، بل وكذا ما تعارف من الفواكه المختلفة في الفصول لمثلها .
وكذلك الحال في الكسوة ، فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول الّتي تحتاج إليها شتاءً وصيفاً ، ضرورة شدّة الاختلاف في الكمّ والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك ، بل لو كانت من ذوات التجمّل وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها .
وهكذا الفراش والغطاء ، فإنّ لها ما يفرشها على الأرض وما تحتاج إليه للنوم من لحاف ومخدّة وما تنام عليها ، ويرجع في قدرها وجنسها ووصفها إلى ما ذكر في غيرها ، وتستحقّ في الإسكان أن يسكنها داراً تليق بها بحسب عادة أمثالها ، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها ولها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّة أو غيرها من دار أو حجرة منفردة المرافق ، إمّا بعارية أو إجارة أو ملك ، ولو كانت من أهل البادية كفاها كوخ أو بيت شعر منفرد يناسب حالها .
وأمّا الإخدام فإنّما يجب إذا كانت ذات حشمة وشأن ومن ذوي الأخدام ، وإلاّ خدمت نفسها ، وإذا وجبت الخدمة فإن كانت من ذوات الحشمة بحيث يتعارف من مثلها أن يكون لها خادم مخصوص لابدّ من اختصاصها به ، ولو بلغت
(الصفحة 588)
حشمتها بحيث يتعارف من مثلها تعدّد الخدّام فلا يبعُد وجوبه .
والأولى إيكال الأمر إلى العُرف والعادة في جميع المذكورات ، وكذا في الآلات والأدوات المُحتاج إليها ، فهي أيضاً تلاحظ ما هو المتعارف لأمثالها بحسب حاجات بلدها الّتي تسكن فيها1.
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : وقدر النفقة ، فضابطه القيام بما تحتاج المرأة إليه من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الإدهان، تبعاً لعادة أمثالها من أهل البلد(1).
أقول : المهمّ في المقام ملاحظة أمور :
منها : الدّليل على كون المعيار الإيكال إلى العرف في عادة الأمثال ، وهو إطلاق الأمر بالإنفاق كتاباً(2) وسنّة(3) الذي يرجع في مثله إليهما ، بعد إن لم يكن ثمّ تقدير شرعي ، وإن ورد في بعض الروايات(4) التقدير بالإضافة إلى بعض خصوصيّات الطعام أو الكسوة أو غيرهما ، والظاهر أنّه محمول على الاستحباب ، والذي ينبغي أن يلاحظ أنّها لو كانت لها عادة خاصّة على خلاف ما هي عادة لأمثالها من أهل البلد ـ مثل ما إذا كانت عادتها أكل اللحم في كلّ يوم لأجل الابتلاء بمرض خاصّ ، مع كون المتداول في البلد أكل اللحم في كلّ ثلاثة أيّام مثلا ، كما وقع تقديره به في بعض الروايات(5) ـ فهل اللازم حينئذ مراعاة حالها شخصيّاً أو مراعاة الأمثال في
- (1) شرائع الإسلام : 2/349 .
- (2) سورة البقرة : 2/233 ، سورة النساء : 4/34 ، سورة الطلاق : 65/6 .
- (3) الوسائل : 21/507 ـ 513 ، أبواب النفقات ب1 .
- (4) الوسائل : 21/512 ـ 513 ، أبواب النفقات ب1 ح11 وب2 ح1 .
- (5) الكافي : 5/511 ح5 ، الوسائل : 21/513 ، أبواب النفقات ب2 ح1 .
(الصفحة 589)
البلد؟ لا يبعُد أن يُقال بلزوم مراعاة الحال الشخصيّة خصوصاً مع علمه بالحال حال النكاح ، وبوجوب الإنفاق على الزوجة; لأنّ رزقها عبارة عن ذلك ، فيستفاد من قوله تعالى :
{ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ}(1) هو الرزق المضاف إلى الزوجة الخاصّة ، لا الرزق المضاف إلى الأزواج المنصرف إلى ما هو المعتاد لأمثالها ، وهكذا بالإضافة إلى غير الطعام .
ومنها : إنّ ما أفاده من أنّه لا فرق في المسكن بين أن يكون بعارية أو إجارة أو ملك يمكن أن يُقال بوجود الفرق بينها بحسب عادة أمثالها من أهل البلد ، فإنّها ربّما لا تكون السكونة في بيت غير ملكيّ لائقة بحالها ، بحيث لو سكنت في دار غير ملكيّ يكون نقصاً لها بحسب العادة ، وفي هذه الصورة لا يبعُد أن يُقال بلزوم إسكانها في دار كذلك; لِما عرفت من أنّه لا تقدير للنفقة شرعاً ، والإطلاقات محمولة على عادة الأمثال في البلد .
ومنها : إنّ ما أفاده من أنّ لها أن تطالبه بالتفرّد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرّة أو غيرها ، يرد عليه إختلاف الأزواج بحسب ذلك ، فإن كان في بلد متداولا الجمع بين الضرّتين في دار واحد وكانت عادة أمثالها غير مقتضية للتفرّد فالمطالبة بالتفرّد حينئذ لا وجه لها ، وقد ذكر صاحب الجواهر : أنّ الأحسن الإحالة إلى العادة ، ولأجله يكون في كلماتهم التشويش والإضطراب ، وكأنّهم تبعوا ما في كتب العامّة(2) من التعرّض لأمثال هذه الأمور الّتي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها ، أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة(3) .
- (1) سورة البقرة : 2/233 .
- (2) المجموع : 19/356 ـ 373 ، الأمّ : 5/95 ، المغني والشرح الكبير : 9/231 ـ 233 .
- (3) جواهر الكلام : 31/336 .
(الصفحة 590)مسألة 9 : الظاهر أنّه من الإنفاق الذي تستحقّه الزوجة أُجرة الحمام عند الحاجة ، سواء كان للإغتسال أو للتنظيف إذا كان بلدها ممّا لم يتعارف فيه الغسل والاغتسال في البيت أو يتعذّر أو يتعسر ذلك لها لبرد أو غيره ، ومنه أيضاً الفحم والحطب ونحوهما في زمان الاحتياج إليها ، وكذا الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام الّتي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام . نعم الظاهر أنّه ليس منه الدواء وما يصرف في المعالجات الصعبة الّتي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير ، وهل يكون منها اُجرة الفصد والحجامة عند الاحتياج إليهما؟ فيه تأمّل وإشكال1.
1 ـ لا إشكال في لزوم تهيئة الحمّام في المنزل إذا كان من شأنها الاغتسال والتنظيف في البيت ، أو أُجرة الحمّام لأجله إذا لم يمكن الإغتسال في البيت لبرد أو نحوه من خراب أو غيره; لأنّه من أهمّ ما تحتاج إليه المرأة في تعيّشها مع زوجها ، ففي زماننا هذا الذي يكون الحمّام في البيت متداولا بين أغلب الناس لابدّ للزوج من تهيئته إذا كان من شأن أمثالها ذلك ، وهكذا الفحم والحطب أو ما يقوم مقامها في الشتاء كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، وهكذا وسيلة التبريد المعمولة فيها المتداولة بين أكثر الناس ، فهو من النفقة .
وأمّا الأدوية فقد فصّل فيها بين الأدوية المتعارفة الّتي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض والآلام ، الّتي قلّما يخلو الشخص منها في الشهور والأعوام ، كالأمراض سهلة المعالجة العامّة غالباً ، وبين ما يصرف في المعالجات الصعبة الّتي يكون الاحتياج إليها من باب الإتّفاق ، بثبوت كون النوع الأوّل من النفقة دون الثاني ، خصوصاً إذا احتاج إلى بذل مال خطير ، والوجه فيه أنّه في النوع الأوّل
(الصفحة 591)مسألة 10 : تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام والإدام وغيرهما ممّا يصرف ، ولا يبقى عينه في صبيحته ملكاً متزلزلا يراعى بحصول تمام التمكين منها ، وإلاّ فبمقداره وتستردّ البقيّة ، فلها أن تطالبه بها عنده ، فلو منعها مع التمكين وانقضى اليوم استقرّت في ذمّته وصار ديناً عليه ، وكذا يشترط ذلك في الاستقرار مع انقضاء أيّام ، فيستقرّ بمقدار التمكين على ذمّته نفقة تلك المدّة ، سواء طالبته بها أو سكتت عنها ، وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا ، وسواء كان موسراً أو معسراً ، ومع الإعسار يُنظر إلى اليسار ، وليس لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية1.
حيث يكون الابتلاء بتلك الأمراض كثيراً يكون الاحتياج بالأدوية المؤثّرة في معالجتها كثيراً ، فيكون جزء للنفقة ، بخلاف النوع الثاني الذي تكون الابتلاء به قليلا ومن باب الاتّفاق ، فإنّ ما يُصرف في معالجته لا يكون جزء للنفقة ، إلاّ أن يقال بعدم اشتغال الزوجة بشغل نوعاً ، وكون إدارة الحياة الاجتماعية الزوجيّة بيد الزوج موجباً لثبوت نفقة معالجة تلك الأمراض أيضاً على الزوج ، ولا يبعد الالتزام به ، وأمّا اُجرة الفصد والحجامة فعند عدم الاحتياج إليهما فلا إشكال في عدم ثبوتها على الزوج ، وأمّا في صورة الاحتياج فيجري عليها حكم ما يصرف في معالجة الأمراض الّتي نفينا البعد عن عدم الفرق بين السهلة والصعبة ، كما مرّ .
1 ـ لا خلاف في أنّ الزوجة تملك المطالبة بنفقة يومها مع التمكين; لانّ وجوب الإنفاق على الزوج ليس مجرّد حكم تكليفيّ ، بل هو حكم وضعيّ غاية الأمر أنّها تملكها ملكاً متزلزلاً مراعى بحصول التمكين منها في جميع آنات اليوم ، والظاهر عدم توقّف الملكيّة على قبضها ، إذ ـ مضافاً إلى أنّه ليس في الأدلّة ما يقتضي مدخليّة