(الصفحة 604)
ومثلها رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)(1) .
ومرسلة جميل بن دراج المضمرة قال : لا يجبر الرجل إلاّ على نفقة الأبوين والولد ، قال ابن أبي عمير : قلت لجميل : والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلاّ طلّقها ، قلت : فهل يُجبر على نفقة الأُخت؟ فقال : لو أُجبر على نفقة الأُخت كان ذلك خلاف الرواية(2) .
إلى غير ذلك من النصوص(3) الدّالة عليه ، الّتي لا يبقى مع ملاحظة الجميع ارتياب في أصل وجوب نفقة الأقارب في الجملة ، إنّما الكلام في وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمّهاتهما ، فقد تردّد المحقّق(4) في ذلك في الشرائع ، ثمّ استظهر الوجوب ، وقال صاحب الجواهر : لم نعرف المناقشة من أحد منهم سوى المصنّف هنا وفي النافع(5) (6) . والدليل على الثبوت الظنّ لو لا القطع بأنّ المراد من الأبوين هما الأبوان ومن علا ولو بمعونة الإتّفاق ظاهراً ، خصوصاً بعد إشعار الخبر(7)الوارد في الزكاة الدّال على أنّه يعطى من الزكاة الأخ والأخت والعم والعمّة والخال والخالة ، ولا يعطى الجدّ والجدّة مع حرمة الزكاة لواجبي النفقة ، فليس النهي عن الأخيرين إلاّ لوجوب الإنفاق عليهما .
- (1) الكافي : 4/13 ح3 ، الوسائل : 21/526 ، أبواب النفقات ب11 ح5 .
- (2) الكافي : 5/512 ح 8 ، الوسائل : 21/510 ، أبواب النفقات ب1 ح4 .
- (3) الوسائل : 21/507 ـ 512 و525 ـ 526 ، أبواب النفقات ب1 و11 .
- (4) شرائع الإسلام : 2/352 .
- (5) المختصر النافع : 220 .
- (6) جواهر الكلام : 31/367 .
- (7) الوسائل : 9/241 ـ 242 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 .
(الصفحة 605)
وكذا الكلام في أولاد الأولاد ولو البنات منهم وإن نزلوا ، وهم خارجون عن محلّ ترديد المحقّق والدليل على ثبوت وجوب الإنفاق بالإضافة إليهم ما مرّ في آباء الآباء ، مضافاً إلى قوله تعالى :
{لاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}(1) .
نعم ، لا إشكال ولا خلاف في أنّه لا تجب نفقة غير العمودين والأواد من الأقارب ، كالإخوة والأعمام والأخوال وغيرهم ، لما عرفت من الحصر في النصوص السابقة بالأبوين والأولاد والزوجة ، بل قد عرفت في مرسلة جميل أنّه لو أُجبر على نفقة الأُخت كان خلاف الرواية .
وفي صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والأُم ، والولد ، والمملوك ، والمرأة ، وذلك أنّهم عياله لازمون له(2) .
وعن الشيخ في محكيّ المبسوط(3) إسناد الوجوب على مطلق الوارث إلى رواية حملها على الإستحباب ، مع أنّه أنكر جملة ممّن تأخّر عنه على العثور عليها .
نعم يمكن أن يكون المراد به خبر غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتيم فقال : خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه(4) .
- (1) سورة الإسراء : 17/31 .
- (2) الكافي : 3/552 ح5 ، الوسائل : 21/525 ، أبواب النفقات ب11 ح1 .
- (3) المبسوط : 6/35 .
- (4) الكافي : 4/13 ح2 ، التهذيب : 6/293 ح 814 ، الإستبصار : 3/44 ح 147 ، الوسائل : 21/526 ، أبواب النفقات ب11 ح4 .
(الصفحة 606)
وحمله الشيخ في محكي الإستبصار على الندب أو على ما إذا لم يكن وارث غيره ، وعن سيّد المدارك(1) الميل إلى العمل بمضمون هذه الصحيحة ، وهي :
رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : من الذي أُجبر على نفقته؟ قال : الوالدان والولد والزوجة والوارث الصغير(2) .
وفي رواية رواها عبدالرحمن بن الحجّاج ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : والوارث الصغير ـ يعني الأخ وابن الأخ ـ ونحوه(3) .
ولكن ذكر صاحب الجواهر : أنّه من الضروري عدم الالتفات إلى أمثال ذلك بعد استقرار الكلمة في الأعصار المتعدّدة على عدم الوجوب ، وبعد ما سمعته من الأدلّة المعتضدة(4) . وعن ابن أبي ليلى قول صاحب المدارك(5) . مستدلاًّ عليه بقوله تعالى :
{ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}(6) مع أنّه ليس فيه الوارث الصغير الذي هو المدّعى ، بل المراد منه الصبي الرضيع الذي كان له مال ورثه من أبيه ، فإنفاقه عليه مثل ما كـان على أبيه ، مضافاً إلى الاختلاف الشديد الواقع بينهم في معنى الآية من جهة المراد بالوارث ، ومن جهة المراد بمثل ذلك فراجع .
وكيف كان فلا دليل يعتدّ به على وجوب إنفاق مطلق الوارث أو خصوص الصغير .
- (1) نهاية المرام : 1/485 .
- (2) الفقيه : 3/59 ح209 ، الوسائل : 21/511 ، أبواب النفقات ب1 ح9 .
- (3) التهذيب : 6/293 ح813 ، الإستبصار : 3/44 ح148 ، الوسائل : 21/512 ، أبواب النفقات ب1 ح10 .
- (4) جواهر الكلام : 31/369 .
- (5) المغني لابن قدامة : 9/264 ـ 266 ، الشرح الكبير : 9/278 ـ 279 ، بدائع الصنائع : 3/441 ، المبسوط للسرخسي : 5/223 .
- (6) سورة البقرة : 2/233 .
(الصفحة 607)مسألة 2 : يُشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلا ، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلا و إن كان فقيراً لا يملك قوت سنته وجاز له أخذ الزكاة ونحوها ، وأمّا غير الواجد لها فعلا القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب كالاقتراض والاستعطاء والسؤال لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال ، وإن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه وقد ترك التعلّم وبقي بلا نفقة فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه ، وكذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال ، أو لا يُناسب شأنه فترك التكسّب بذلك ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه ، وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه وتركه طلباً للراحة فالظّاهر عدم وجوبه عليه . نعم لو فات عنه زمان الإكتساب بحيث صار فعلا محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب وإن كان العجز حصل باختياره ، كما أنّه لو ترك التشاغل به لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهمّ كطلب العلم الواجب لم يسقط بذلك وجوبه1.
1 ـ يُشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره واحتياجه ، غاية الأمر أنّ الفقر هنا يُغاير الفقر في باب الزكاة ، والنسبة العموم والخصوص من وجه ، فإن كان فقيراً بمعنى أنّه لا يملك قوت سنته ولكنّه قادر على نفقته فعلا شهراً مثلا أو شهرين لا يجب إنفاقه من باب القرابة ، وإن كان مستحّقاً للزكاة ، وإن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله وشأنه من دون مشقّة التحمّل كحمل الأثقال ، ولكنّه تركه طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوب الإنفاق عليه ، كما أنّه لو فات عنه زمان التكسّب بحيث صار فعلا محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيلها
(الصفحة 608)مسألة 3 : لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً ، فهل تكون بحكم القادر فلا يجب الإنفاق عليها أم لا؟ وجهان ، أوجههما الثاني1.
وجب ، وإن كان العجز حصل باختياره ولا يجوز أخذ الزكاة ، ومادّة الاجتماع واضحة .
والسرّ في اختلاف معنى الفقر في كلا المقامين على ما يُستفاد من الشرائع أنّ النفقة هنا معونة على سدّ الخلّة(1) بخلافها في ذلك المقام وفي مسألة الزوجيّة ، فإنّ الملاك في الزوجيّة على ما عرفت(2) في بعض المسائل السابقة نفس الزوجيّة وإن كانت الزوجة غير فقيرة ، وكذلك في مسألة الزكاة الفقر بمعنى عدم ملكيّة قوت سنته ، وأمّا هنا فالملاك هو سدّ الجوعة ، ومن ذلك يعلم وجه الفرق بين صور المسألة المذكورة في المتن ، ولا حاجة إلى البحث في كلّ منها مستقلا ، فتدبّر جيّداً .1 ـ لو أمكن للمرأة القريبة كالبنت مثلا التزويج بمن يليق بها من الكفو الشرعي والعرفي ، ويقدر الزوج على نفقتها ويقوم بها دائماً من جهة لزوم الإنفاق على الزوج ، أو منقطعاً من جهة المهر الذي هو دخيل في النكاح المنقطع ، أو من جهة قيام الزوج بإنفاقها وإن لم يكن واجباً عليه ، فهل هي كالقادر على التكسّب اللائق المناسب لشأنه التارك له طلباً للراحة ، فلا يجب الإنفاق على المرأة في هذه الصورة أم لا تكون كالقادر المذكور؟ في المسألة وجهان ، جعل في المتن أنّ الأرجح هو الثاني ، ولعلّه لأجل أنّ العرف لا يحكم بكون المرأة المزبورة غنيّة قادرة على
- (1) شرائع الإسلام : 2/352 .
- (2) في ص601 .