(الصفحة 9)
الثاني : عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في هذا الباب بوجه ، بل النكاح إنّما هو كالبيع مثلاً ، فكما أنّ الشارع لم يكن له في باب البيع معنى آخر ، بل كان البيع معمولاً عند العقلاء ، غاية الأمر اعتبار الشارع فيه اُموراً وجودية وعدميّة بعد امضاء البيع بقوله تعالى :
{ أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ}(1) ، الذي معناه إنّ الله تبارك وتعالى أمضى البيع العقلائي ، ولا مجال لأن يقال : إنّ معناه أمضى الله البيع الشرعي; لأنّه ضرورية بشرط المحمول ، فكذلك النكاح لا يكون له في بابه معنى آخر ، بل أمضى النكاح العقلائي مع اعتبار اُمور وجوديّة أو عدمية فيه .
ودعوى الفرق بين النكاح وبين البيع من هذه الجهة ممنوعة جدّاً، ويؤيّد الأمرين إنّ معنى قوله : بعت لا يرجع إلى أوجدت عقد البيع ، بل العقد وجود انشائي يتحقّق بإيجاد مفهوم البيع بلفظ بعت مثلاً ، وكذا معنى قولها في إيجاب النكاح : أنكحت لا يرجع إلى أنّي أوجدت عقد النكاح بل الوجود الانشائي المذكور .
إذا عرفت الأمرين فاعلم أنّ معنى النكاح هو الأمر الأوّل ، لكن لا بمعنى نفس العقد الذي هو وجود انشائي لفظي ، بل بمعنى مدلول العقد الذي هو حصول السلطة للزوج على بضع الزوجة; لأنّه المفهوم العرفي من قوله : فلان زوج فلانة ، أي يكون مسلّطاً على بضعها ولو لم يقع منه وطء أصلاً أو لم يتمكّن من الوطء ، ولا فرق في هذا المعنى بين أن نقول بانحصار السبب في ألفاظ خاصة ، أو نقول بجريان المعاطاة في النكاح أيضاً وان كان خلاف الاجماع ظاهراً ، ويؤيّد ما ذكرنا ترتيب وجوب الوطء في زمان خاصّ أو جوازه على النكاح في كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فيعلم أنّ النكاح أمر و الوجوب أو الجواز أمر آخر .
- (1) سورة البقرة : 2/275 .
(الصفحة 10)هذا ، وممّا يناسب تقديمه على مقاصد هذا الكتاب اُمور : بعضها متعلّق بمن ينبغي إختياره للزواج ومن لا ينبغي ، وبعضها في آداب العقد ، وبعضها في آداب الخلوة مع الزوجة ، وبعضها من اللواحق التي لها مناسبة بالمقام ، وهي تذكر في ضمن مسائل :مسألة 1 : ممّا ينبغي أن يهتمّ به الإنسان النظر في صفات من يريد تزويجها ، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) : إختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين(1) ، وفي خبر آخر : تخيّروا لنطفكم فإنّ الأبناء تشبه الأخوال(2) ، وعن مولانا الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه حين قال : هممت أن أتزوّج ، فقال لي : اُنظر أين تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرّك ، فإن كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق(3) الخبر ، وعنه (عليه السلام) : إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد ، وليس للمرأة خطر لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهنّ ، فامّا صالحتهنّ فليس خطرها الذهب والفضّة ، هي خير من الذهب والفضّة ، وأمّا طالحتهنّ فليس خطرها التراب ، التراب خير منها(4) . وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها بالنسبة إلى الرجل ، فعن مولانا
الرضا ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنهّ قال : النكاح رقّ ، فإذا أنكح
- (1) الكافي : 5/332 ح2 ، التهذيب : 7/402 ح 1603 ، الوسائل : 20/47 ، أبواب مقدّمات النكاح ب13 ح2 .
- (2) كنز العمال : 16/295 ح44557 ، الجامع الصغير : 1/503 ح3269 ، وفيهما «تخيّروا لنطفكم فانّ النساء يلدن أشباه اخوانهنّ وأخواتهنّ» .
- (3) الكافي : 5/323 ح3 ، الوسائل : 20/27 ، أبواب مقدّمات النكاح ب6 ح1 .
- (4) معاني الأخبار : 144 ح1 ، الوسائل : 20/33 ، أبواب مقدّمات النكاح ب6 ح16 .
(الصفحة 11)أحدكم وليدته فقد أرقّها ، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته(1)1.مسألة 2 : ينبغي أن لا يكون النظر في اختيار المرأة مقصوراً على الجمال والمال; فعن النبي (صلى الله عليه وآله) : من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم يرَ فيها ما يحبّ ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ له وكّله الله إليه ، فعليكم بذات الدِّين(2) ، بل يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة قد وردت في مدحها الأخبار(3) ، فاقدة لصفات ذميمة قد نطقت بذمّها الآثار(4) ، و أجمع خبر في هذا الباب عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : خير نسائكم الولود الودود العفيفة ،
1 ـ لا شبهة في أنّ التزويج بالإضافة إلى الرجل وكذا بالإضافة إلى المرأة من أهمّ المسائل الاجتماعية الحياتية ، ولابدّ للرجل النظر في المرأة التي يُشركها في ماله ويطلعها على دينه وسرّه ، ويكون في أكثر الأوقات معها ، فلابدّ أن يكون حسن الخلق والمعاشرة من دون أن يكون نفاق في البين ، بل كان ذلك لأجل ذاتها وحبّها لزوجها ، كما أنّه لابدّ للمرأة في أن تنظر إلى من يصير زوجاً لها ، وفي الرواية الحاكية لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) التعبير بأنّ النكاح رقّ لابدّ من الدقّة فيمن تصير رقّاً له ، وعليه فلابدّ للرجل والمرأة من الدقّة والنظر في ذلك الأمر الذي أساس تعيّش الانسان وحياته الاجتماعية ، ويترتّب عليه الولادة نوعاً من الذكور والاناث ، ومع عدم النظر ربما يعرض بعض الاُمور التي يترتّب عليها الاختلاف والنزاع ، وربما ينجرّ إلى الطلاق الذي هو من أبغض الأشياء للشارع المقدّس .
- (1) أمالي الطوسي : 519 ح1139 ، الوسائل : 20/79 ، أبواب مقدّمات النكاح ب28 ح8 ، وفيهما : وليدة .
- (2) التهذيب : 7/399 ح1592 ، الوسائل : 20/50 ، أبواب مقدّمات النكاح ب14 ح4 .
- (3) الوسائل : 20/38 ، أبواب مقدّمات النكاح ب9 .
- (4) الوسائل : 20/79 ـ 85 ، أبواب مقدّمات النكاح ب29 ـ 34 .
(الصفحة 12)العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرّجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ـ إلى أن قال : ـ ألا أُخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورّع من قبيح ، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لاتسمع قوله ولا تطيع أمره ، وإذا خلا بها بعلها تمنّعت منه كما تمنّع الصعبة عند ركوبها ، ولاتقبل منه عذراً ولا تغفر له ذنباً(1) . وفي خبر آخر عنه (صلى الله عليه وآله) : إيّاكم وخضراء الدمن قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء(2) 1.مسألة 3 : يكره تزويج الزانية والمتولدة من الزنا وأن يتزوّج الشخص
1 ـ النكاح حيث إنّه كما عرفت من أهمّ المسائل الاجتماعية الحياتية ، ينبغي أن لا يكون النظر إلى المرأة فيها مقصوراً على الجمال والمال والأوصاف الدنيويّة غير دخيلة في كمال مراتب الإنسانية ، بل ينبغي أن يختار من كانت واجدة لصفات شريفة صالحة وفاقدة لصفات ذميمة قد نطق بها الأخبار والآثار ، وقد ذكر الماتن(قدس سره):إنّ أجمع خبر في هذا الباب ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ممّا هو مذكور في المتن ، وقد ذكر المحقّق في الشرائع استحباب أن يتخيّر من النساء من تجمع صفاتاً أربعاً : كرم الأصل ، وكونها بكراً ، ولوداً ، عفيفةً(3) .
- (1) الكافي : 5/324 ح1 ومن 325 ح 1 ، الفقيه :3/244 ح1158 وص 247 ح 1176 ، الوسائل : 20/28 ، أبواب مقدّمات النكاح ب6 ح2 وص33 ب7 ح1 .
- (2) معاني الأخبار : 316 ح1 ، الوسائل : 20/35 ، أبواب مقدّمات النكاح ب7 ح7 .
- (3) شرائع الإسلام : 2/266 ـ 267 .
(الصفحة 13)قابلته أو ابنتها1.مسألة 4 : لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيّئ الخلق والمخنّث والفاسق وشارب الخمر .مسألة 5 : يستحب الإشهاد في العقد والإعلان به والخطبة أمامه ، أكملها ما اشتملت على التحميد والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) ، والشهادتين والوصية بالتقوى والدعاء للزوجين ، ويجزي الحمد لله والصلاة على محمّد وآله ، بل يجزي التحميد فقط وإيقاعه ليلاً ، ويكره إيقاعه والقمر في برج العقرب ، وإيقاعه في محاق الشهر ، وفي أحد الأيّام المنحوسة في كلّ شهر المشتهرة في الألسن بكوامل الشهر; وهي سبعة : الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون .مسألة 6 : يستحب أن يكون الزفاف ليلاً والوليمة في ليله أو نهاره ، فانّها من سنن المرسلين; وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا وليمة إلاّ في خمس : في عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار ، أو ركاز(1) ; يعني للتزويج أو ولادة الولد أو الختان أو شراء الدّار أو القدوم من مكّة . وانّما تستحبّ يوماً أو يومين لا أزيد; للنبويّ :
1 ـ وقد شرع الماتن(قدس سره) من هذه المسألة إلى المسألة العاشرة لذكر المكروهات والمستحبّات ، وحيث إنّهما لا تحتاجان إلى إقامة دليل محكم عليهما ، وأيضاً الفرصة قصيرة فلذا نقتصر على ذكر عبارة المتن فقط .
- (1) التهذيب : 7/409 ح1634 ، الفقيه : 3/254 ح 1204 ، الوسائل : 20/95، أبواب مقدّمات النكاح ب40 ح5.