(الصفحة 91)
عليه مثل :
صحيحة محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها ، فلمّا كبرت أبت التزويج؟ فكتب لي : لا تكره على ذلك والأمر أمرها(1) .
ورواية داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يريد أن يزوّج اُخته ، قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوّجها ، فإن قالت : زوّجني فلاناً زوّجها ممّن ترضى(2) . مع أنّ عدم الولاية لا يحتاج إلى إقامة الدليل فإنّ المحتاج إليه هو ثبوت الولاية ، نعم هنا بعض الروايات الدالّة على الثبوت ، مثل :
مرسلة الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن الرّضا (عليه السلام) قال : الأخ الأكبر بمنزلة الأب(3) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأيّ هؤلاء عفا فقد جاز(4) .
قال صاحب الجواهر(قدس سره) في ذيل الرواية الاُولى : لكنّه منزّل على ضرب من التقية أو على إرادة الولاية العرفية ، بمعنى هؤلاء وأشباههم الذين ينبغي لها عدم مخالفتهم إذا لم يضارّوها ، أو غير ذلك ممّا لا ينافي الإجماع عندنا على انحصار
- (1) الكافي : 5/394 ح7 ، التهذيب : 7/386 ح1551 ، الاستبصار : 3/239 ح857 ، الوسائل : 20/276 ، أبواب عقد النكاح ب6 ح2 .
- (2) الفقيه : 3/251 ح1196 ، الوسائل : 20/280 ، أبواب عقد النكاح ب7 ح1 .
- (3) التهذيب : 7/393 ح1575 ، الاستبصار : 3/240 ح860 ، الوسائل : 20/283 ، أبواب عقد النكاح ب8 ح6 .
- (4) التهذيب : 7/393 ح1573 ، الوسائل : 20/283 ، أبواب عقد النكاح ب8 ح4 .
(الصفحة 92)
الولاية بالقرابة فيهما(1) أي في الأب والجدّ له .
بقي الكلام في أنّه ربما يقال كما حكي عن الصدوق(2) والشيخ(3) وبني الجنيد(4)والبراج(5) وزهرة(6) وأبي الصلاح(7) وسلاّر(8) بأنّه يشترط في ولاية الجدّ بقاء الأب ، نظراً إلى رواية وصفها المحقّق في الشرائع بأنّها لا تخلو من ضعف(9) وهي رواية الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه وكان أبوها حيّاً وكان الجدّ مرضيّاً جاز . قلنا : فإن هوى أبو الجارية هوىً ، وهوى الجدّ هوى وهما سواء في العدل والرّضا؟ قال : أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ(10) .
والظاهر أنّ الرواية موثقة من حيث السند ، وأمّا الدلالة فتتوقّف على القول بمفهوم الشرط على خلاف ما حقّقناه في مباحث الاُصول من نفي المفهوم رأساً ، لدلالتها على مدخلية حياة الأب في جواز النكاح ومضيّه ، كاشتراط كون الجد مرضيّاً مراعياً لمصلحة الصغيرة المدلول عليها بالتعبير بالجارية في مقابل الغلام ، ولكنّه يحتمل قويّاً أن يكون التقييد بحياة الأب ردّاً على من اعتبر موت الأب في
- (1) جواهر الكلام : 29/171 .
- (2) الفقيه : 3/250 ـ 251 ذح 1193، الهداية : 260 .
- (3) النهاية : 2/312 .
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 7 / 117 .
- (5) المهذّب : 2/195 .
- (6) غنية النزوع : 342 .
- (7) الكافي في الفقه : 292 .
- (8) المراسم العلوية : 15 ، لكن كلامه مطلق كما أشار إليه في الحدائق الناضرة : 23/202 .
- (9) شرائع الإسلام : 2/276 .
- (10) الكافي : 5/5396 ح5 ، التهذيب : 7/391 ح 1564 ، الوسائل : 20/290 ، أبواب عقد النكاح ب11 ح4 .
(الصفحة 93)مسألة 2 : ليس للأب والجدّ للأب ولاية على البالغ الرشيد ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيِّبة ، وأمّا إذا كانت بكراً ففيه أقوال : استقلالها وعدم الولاية لهما عليها لا مستقلاًّ ولا منضمّاً ، واستقلالهما وعدم سلطنة وولاية لها كذلك ، والتشريك بمعنى اعتبار إذن الوليّ واذنها معاً ، والتفصيل بين الدوام والانقطاع إمّا باستقلالها في الأوّل دون الثاني أو العكس ، والأحوط الاستئذان منهما . نعم لا إشكال في سقوط اعتبار إذنهما إن منعاها من التزويج بمن هو كفو لها شرعاً وعرفاً مع ميلها ، وكذا إذا كانا غائبين بحيث لا يمكن الاستئذان منهما مع حاجتها إلى التزويج1.
ثبوت ولاية الجدّ من العامّة(1) .
ومع ذلك فقد حكي عن كشف اللثام الميل إلى اشتراط البقاء في ولاية الجدّ نظراً إلى ضعف الأدلّة من الطرفين(2) والأصل عدم الولاية إلاّ فيما أجمع عليه وهو عند حياة الأب . ولكن الأدلّة على المشهور(3) تامّة ، ولا تصل النوبة إلى الأصل كما لا يخفى .
هذا ، وامّا المجنون فإن كان جنونه متّصلاً بالبلوغ فالولاية بالقرابة ثابتة بالإضافة إليه ، وإن لم يكن جنونه متّصلاً بالبلوغ بل كان بينه وبين جنونه انفصال ، فالتحقيق في هذا المجال موكول إلى كتاب الحجر .1 ـ لا خلاف يعتدّ به في عدم ثبوت الولاية للأب والجدّ للأب على الولد الرشيد
- (1) الأمّ : 5/14 ، المغني لابن قدامة : 7/346 .
- (2) كشف اللثام : 7/59 ـ 60 .
- (3) رياض المسائل : 6/388 ، مسالك الأفهام : 7/117 ، الحدائق الناضرة : 23/203 .
(الصفحة 94)
ولا على الثّيبة الرشيدة ، ومحلّ الخلاف خصوص ولاية النكاح على البكر الكاملة التي لم تتزوّج ، أو تزوّجت ولم توطأ ، أو وطئت دبراً أو ذهبت بكارتها بغير الجماع ، وكان الأب أو الجدّ كاملاً حاضراً ، أمّا إذا لم يكونا أو كانا غائبين غيبة منقطعة أو ناقصين بجنون أو رقّ أو كفر مع إسلامهما فلا ولاية لأحد عليها مسلّماً .
وفي محلّ البحث ومورد النزاع أقوال متعدّدة :
أحدها : ما هو المشهور بين القدماء والمتأخّرين(1) بل عن المرتضى في الإنتصار والناصريات الإجماع عليه(2) ، وهو استقلالها وانتفاء الولاية عنها لا مستقلاًّ ولا منضمّاً ، ويدلّ عليه جملة من الآيات الشريفة والروايات المأثورة .
أمّا الآيات فمثل قوله تعالى في المعتدّات من الوفاة :
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ بالمَعْرُوفِ}(3) وقوله تعالى فيهنّ أيضاً :
{ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَعْرُوف}(4) وقوله تعالى فيهنّ :
{ فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنَ يَتَراجَعَا}(5) ، وغير ذلك(6) .
وامّا الروايات :
فمنها : صحيحة الفضلاء ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المرأة التي قد ملكت نفسها
- (1) السرائر : 2/561 ، كشف الرموز : 2/112 ، الروضة البهية : 5/112 ، رياض المسائل : 6/393 .
- (2) الانتصار : 283 ـ 284 ، الناصريات : 320 .
- (3) سورة البقرة : 2/234 .
- (4) سورة البقرة : 2/240 .
- (5) سورة البقرة : 2/230 .
- (6) سورة البقرة : 2/232 .
(الصفحة 95)
غير السفيهة ولا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز(1) . وقد يناقش في دلالتها بمنع كون البكر مالكة أمرها وغير مولّى عليها ، فانّه أوّل الكلام ومنع إفادة المفرد المعرّف العموم ، ودعوى كون المراد من ملك النفس غير ظاهر ممنوعة .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بمالكية المرأة نفسها إمّا الملكية في غير النكاح من البيع والشراء والعتق وإعطاء المال ما شاءت وإمّا انقضاء دوران صغرها وحصول البلوغ لها ، ويحتمل بعيداً أن يكون المراد بها المرأة الحرّة غير الأمَة .
ويؤيّد هذا الاحتمال الأوّل ، وكذا يدلّ على هذا القول أيضاً رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإنّ أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها ، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأمر وليّها(2) . بناء على كون قوله (عليه السلام) : تبيع وتشتري إلخ تفسيراً لكونها مالكة أمرها لا أمراً آخر زائداً عليها ، وعلى ذلك فيكون قوله (عليه السلام) : «غير السفيهة ولا المولّى عليها» تفسيراً لمالكية المرأة نفسها ، فإنّ السفيهة لا تكون مالكة لنفسها لممنوعيتها من التصرّفات المالية ، وكذا المولّى عليها التي يكون المراد منها المجنونة .
وإن أبيت إلاّ عن كون لفظ الغير للاستثناء والاستثناء أيضاً متصل كما هو ظاهر الكلام ، يكون المراد من المالكة البالغة التي هي أعمّ من الثيِّبة والبكر ، ولا يكون الاستدلال متوقّفاً على إفادة المفرد المعرّف للعموم ، فانّه لا يفيد إلاّ نفس الطبيعة ، ومقتضى الإطلاق عدم التقييد بالثيّبة ، فالرواية تامّة من حيث الدلالة ومعتبرة من
- (1) الفقيه : 3/251 ح1197 ، الكافي : 5/391 ح 1 ، التهذيب : 7/377 ح 1525 ، الإستبصار : 3/232 ح 837 ، الوسائل : 20/267 ، أبواب عقد النكاح ب3 ح1 .
- (2) التهذيب : 7/378 ح1530 ، الاستبصار : 3/234 ح842 ، الوسائل : 20/285 ، أبواب عقد النكاح ب9 ح6 .