(الصفحة 10)
و تحقق المناسبة بين الكفر و الحج كما لا يخفى فهذا الاحتمال في كمال الضعف ثم
ان هذه الاحتمالات مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسير الاية و اما مع
ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة معوية بن عمار عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال: قال اللّه: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا
قال هذه لمن كان عنده مال (الى ان قال) و عن قول اللّه عز و جل و من كفر يعنى
من ترك.(1) و قد وقع فيها تفسير الكفر بالترك يعنى ان المراد من
الكفر هو الترك و حيث انه لا محيص عن وجود المناسبة بين الامرين و الا لا
ارتباط بينهما بوجه لا بد اما من القول بان المناسبة هى السببية و المسببية
بمعنى ان ترك الحج سبب للكفر و قد استعمل اللفظ الموضوع للمسبب في السبب و عليه
فيكون المراد بالكفر هو الكفر الاصطلاحى المقابل للايمان و اما من القول بان
المراد بالكفر هو الكفر بالمعنى اللغوى الذى هو عبارة عن الستر و الاخفاء و قد
وقع الاستعمال بهذا المعنى في الكتاب في مثل قوله تعالى:
(اعجب الكفار نباته) فان المراد بالكفار هو
الزراع لاجل انهم يسترون الحبة في بطن الارض و يخفونها فيها و في المقام يكون
ترك الحج و عدم الاتيان به سترا له و اخفاء كما لا يخفى.
و منها: ما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن
عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليه السلام) في
وصية النبى (صلى الله عليه وآله) لعلى (عليه السلام) قال يا على كفر باللّه
العظيم من هذه الامة عشرة: القتات و الساحر و الديوث و ناكح المرئة حراما في
دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعى في الفتنة، و بايع السلاح
من اهل الحرب، و مانع الزكوة، و من وجد سعة فمات و لم يحج يا علىّ تارك الحج و
هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى و للّه على الناس حج البيت من استطاع
اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين يا على من سوف الحج حتى يموت
بعثه اللّه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 2
(الصفحة 11)
يوم القيامة يهوديا او نصرانيا.(1) و ظاهرها ان مجرد الترك في تمام
العمر يوجب تحقق الكفر و لا محالة يكون حين الموت كافرا و لكن حيث لا تكون
الطوائف التسعة الاخرى محكومة بالكفر الاصطلاحى الموجب لترتب آثار الكفر من
النجاسة و غيرها فلا محالة لا يكون المراد من الكفر المسبب عن ترك الحج ايضا
ذلك و يؤيده انه على هذا التقدير كان اللازم ان يقال مات يهوديا او نصرانيا لا
انه يبعثه اللّه يوم القيامة كذلك و عليه فهو حين الموت لا يكون كافرا حتى
يترتب عليه ما يترتب على الميت الكافر من الاحكام.
و منها: ما رواه الكلينى بسندين احدهما صحيح
عن على بن جعفر عن اخيه موسى (عليه السلام) قال ان اللّه عز و جل فرض الحج على
اهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع
اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين قال قلت فمن لم يحج منا فقد
كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2)
و في معنى ذيل الرواية احتمالان:
احدهما ان يكون المراد ان من قال ليس الحج
هكذا اى بواجب و في الحقيقة انكر وجوب الحج فقد كفر.
ثانيهما ما افاده بعض الاعلام من ان الظاهر
من ذلك رجوعه الى انكار القرآن و ان هذه الاية ليست من القرآن و ان القرآن ليس
هكذا فانه (عليه السلام) استشهد اولا بقول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس
حج البيت ثم سئل السائل فمن لم يحج منا فقد كفر قال (عليه السلام) لا و لكن من
قال ليس هذا هكذا فقد كفر فالانكار راجع الى انكار القرآن و تكذيب النبى (صلى
الله عليه وآله).
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 3
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 1
(الصفحة 12)
و يرد عليه منع ظهور الرواية في ذلك جدا فانه لم يكن البحث في انكار القرآن
بوجه و الاستشهاد بالاية لا يدل على كون المراد ذلك بل حيث ان الآية كانت ظاهرة
في تحقق الكفر بمجرد ترك الحج و كان ذلك موجبا لتعجب السائل سئل عن المراد منها
و لا معنى لكون المراد من الكفر هو الكفر بالآية بعد عدم تمامية الآية بعد نعم
حيث يكون وجوب الحج مدلولا عليه بصدر الآية و لادخالة للذيل فيه فلا مانع من
فرض الكفر بالوجوب في القضية الشرطية المذكورة في الذيل و اما مع عدم تمامية
الآية فلا مجال لفرض الانكار في نفسها بعد عدم تماميتها كما لا يخفى.
ثم ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و الصحيحة الاولى ان يقال بان هذه الصحيحة
تصير قرينة على امرين احدهما ان المراد من الكفر المفسر بالترك في الاولى ليس
هو الكفر اللغوى الذى كان احد الاحتمالين فيها و ثانيهما ان المراد من الترك
فيها ليس مجرد الترك و مطلقه بل الترك عن انكار و اعتقاد بعدم الوجوب فيصير
معنى الآية بلحاظ الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المسبب عن الانكار و
ينطبق على تفسير ابن عباس و بعض آخر فتدبر.
الامر الثانى من الامور الثلاثة المذكورة في
المتن ان مجرد ترك الحج من المعاصى الكبيرة و يدل عليه ـ مضافا الى ما عرفت من
اهمية فريضة الحج و عظم شأنه ـ انه قد عد فى الروايات الواردة في بيان المعاصى
الكبيرة و تعدادها الاستخفاف بالحج منها و المراد من الاستخفاف ان كان هو الترك
فينطبق على المقام و ان كان هو الاتيان عن استخفاف سواء كان لاجل التأخير عن
عام الاستطاعة او لاجل عدم الاعتناء بشأنه كما هو و ان اتى به فى عام الاستطاعة
فدلالته على المقام انما هى بالاولوية هذا مضافا الى انطباق الضابطة الكلية في
المعصية الكبيرة عليه و هى ايعاد اللّه تبارك و تعالى عليها النار او العذاب
صريحا او ضمنيا او باللزوم و لذا عد السيد الطباطبائى بحر العلوم ترك الحج منها
مستندا الى قوله تعالى:
و من كفر فان اللّه غنى عن
العالمين
(الصفحة 13)مسئلة ـ 1 لا يجب الحج طول العمر في اصل الشرع الا مرة واحدة. و وجوبه مع
تحقق شرائطه فورى بمعنى وجوب المبادرة اليه في العام الاول من الاستطاعة و لا
يجوز تأخيره و ان تركه فيه ففى الثانى و هكذا1.
و لكن بملاحظة ما ذكرنا في تفسير الآية من ان المراد هو الكفر الناشى عن الترك
عن انكار و جحود لا يبقى للآية دلالة على حكم التارك المحض الخالى عن الانكار و
الامر سهل.
الامر الثالث كونه من اركان الدين و يدل
عليه ـ مضافا الى ما عرفت ـ الروايات التى رواها الفريقان العامة و الخاصة
الدالة على انه بنى الاسلام على خمس على الصلوة و الزكوة و الحج و الصوم و
الولاية.(1) فإنه قد جعل مما بنى عليه الاسلام و لعله لذا يطلق عليه
حجة الاسلام و لا يضاف غيره اليه و لعل هذا الاطلاق يؤيد ما تقدم من اهمية الحج
و افضليته حتى عن الصلوة التى هى عمود الدين و على اى فكونه من اركان الدين مما
لا مجال للمناقشة فيه اصلا.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لامرين:
احدهما عدم وجوب الحج طول العمر باصل الشرع
الامرة واحدة و التقييد باصل الشرع في مقابل الحج الواجب بالنذر و الاستيجار و
غيرهما و المخالف في المسئلة الصدوق فانه بعد نقل رواية محمد بن سنان الآتية
الدالة على وجوب الحج واحدا قال في محكى العلل: «جاء هذا الحديث هكذا و الذى
اعتمده و افتى به ان الحج على اهل الجدة فى كل عام فريضة» ثم استدل بالاحاديث
الدالة عليه.
و قد استدل للمشهور بامور:
احدها: الاجماع قال في الجواهر عقيب حكم
المتن بعدم الوجوب الامرة واحدة: «اجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين»
و حكى الاجماع عن المنتهى ايضا.
-
1 ـ ئل ابواب مقدمة العبادات الباب الاول
(الصفحة 14)
و الظاهر ان الاجماع في مثل المقام لا يكون صالحا للاستناد اليه مستقلا لوجود
الادلة الاخرى التى هى المدرك للمجمعين فلا اصالة له اصلا.
ثانيها: الاية الشريفة:
(و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا)
نظرا الى ان مقتضاه تعلق الوجوب بالماهية و الامر بطبيعة الحج غاية
الامر كونه مشروطا بالاستطاعة و امتثال الامر المتعلق بالماهية يتحقق بايجادها
في الخارج و لو مرة لتحقق الطبيعة به فالمستطيع إذا حج في عام الاستطاعة فقد
امتثل الامر المتوجه اليه، و التكرار اللازم في مثل الصلوة و الصيام لاجل
الادلة الخارجية الدالة عليه لا لنفس الامر بهما فالاية لا دلالة لها على ازيد
من المرة و مع الشك في وجوب الزائد يكون مقتضى الاصل البرائة من الوجوب لعدم
كون المقام من قبيل الاقل و الاكثر الارتباطيين كما هو واضح.
ثالثها: الروايات الدالة بالصراحة او الظهور
على عدم وجوب الزائد مثل: صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام)قال: ما كلف اللّه العباد الا ما يطيقون، انما كلفهم في اليوم و الليلة
خمس صلوات الى ان قال و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون اكثر من ذلك.(1)و
رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال انما امروا بحجة واحدة لا
اكثر من ذلك لان اللّه وضع الفرائض على ادنى القوة كما قال: «فما استيسر من
الهدى» يعنى شاة ليسع القوى و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى
القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد اهل القوة بقدر
طاقتهم.(2) و رواية محمد بن سنان ان ابا الحسن على بن موسى الرضا
(عليهما السلام)
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 1
-
2 ـ ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 2