(الصفحة 472)
مسئلة 6 ـ لو نذر حجا غير حجة الاسلام في عامها و هو مستطيع انعقد لكن
تقدم حجة الاسلام، و لو زالت الاستطاعة يجب عليه الحج النذرى، و لو تركهما لا
يبعد وجوب الكفارة، و لو نذر حجا في حال عدمها ثم استطاع تقدم حجة الاسلام و لو
كان نذره مضيقا، و كذا لو نذر اتيانه فورا ففورا تقدم حجة الاسلام و يأتى به في
العام القابل، و لو نذر حجا من غير تقييد و كان مستطيعا او حصل الاستطاعة بعده
و لم يكن انصراف فالاقرب كفاية حج واحد عنهما مع قصدهما و لكن مع ذلك لا يترك
الاحتياط في صورة عدم قصد التعميم لحجة الاسلام باتيان كل واحد مستقلا مقدما
لحجة الاسلام1.
النذر فان اهمل و استمرت الاستطاعة الى القابل وجبت حجة الاسلام ايضا».
و ذكر في المستمسك بعد نقل هذه العبارة: «و لا يخفى ان تفريع ما ذكره يصلح ان
يكون قرينة على ارادة غير الظاهر من كلامه و لو كان مراده ظاهر الكلام كان
اللازم ان يقول فلو لم يملك زادا و لا راحلة لم يجب الوفاء بالنذر» اقول:
التفريع يؤكد ما هو الظاهر من الكلام لان مفاده انه بعد حصول الاستطاعة الشرعية
يجب الوفاء بالنذر و يكون مقدما على حجة الاسلام التى تكون مشروطة بها و لكن
يرد عليه انه لا دليل على ما ذكره ثم ان صورة استثناء كون الحج بنفسه حرجيا او
مستلزما للضرر الذى يلزم منه الحرج سواء كان نفسيا او عرضيا او ماليا انما هو
بلحاظ تقدم قاعدة نفى الحرج على الادلة الدالة على الاحكام الوجوبية و ان كانت
مشروطة بالقدرة العقلية.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع.
الاول: ما لو نذر حجا غير حجة الاسلام في
هذا العام و هو مستطيع و الخصوصيات المأخوذة في هذا الفرع عبارة عن كون الحج
المنذور مقيدا بغير حجة الاسلام لا مطلقا و لا مقيدا بحجة الاسلام الذى مر
البحث فيه و كونه مستطيعا في
(الصفحة 473)
حال النذر في مقابل ما لو نذر ثم استطاع و كون المنذور مقيدا بهذا العام الذى
يجب فيه حجة الاسلام لفرض الاستطاعة في مقابل ما لو كان مطلقا او مقيدا بغير
هذا العام كالعام القابل ـ مثلا ـ و كون النذر مطلقا غير معلق على زوال
الاستطاعة في مقابل ما لو كان معلقا عليه كما لو قال ان زالت استطاعتى فلّله
علىّ ان احج غير حجة الاسلام في هذا العام فانه فى هذه الصورة لا شبهة في صحة
النذر و انعقاده و وجوب الوفاء بالنذر على تقدير زوال الاستطاعة.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه صرح السيد (قدس سره) في العروة بعدم الانعقاد و استثنى
ما إذا نوى ذلك على تقدير زوال الاستطاعة فزالت و قد تبع في ذلك صاحبى المدارك
و الجواهر قال في المدارك فيمن كان مستطيعا حال النذر و قد نذر حجا غير حجة
الاسلام «فان قيدها بسنة الاستطاعة و قصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل
النذر من اصله لانه نذر ما لا يصح فعله و ان قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح و لو
خلا عن القصد احتمل البطلان لانه نذر في عام الاستطاعة غير حج الاسلام و الصحة
حملا للنذر على الوجه المصحح و هو ما إذا فقدت الاستطاعة» و قال في العروة بعد
الحكم المذكور: «و يحتمل الصحة مع الاطلاق ايضا إذا زالت حملا لنذره على الصحة»
هذا و صريح المتن الحكم بالصحة و الانعقاد من دون فرق بين صورة بقاء الاستطاعة
و صورة زوالها غاية الامر انه في صورة البقاء يتحقق التزاحم و يحكم بتقدم حجة
الاسلام لاجل اهميتها بالاضافة الى الوفاء بالنذر الواجب شرعا و في صورة الزوال
لا بد من الاتيان بالحج النذرى لكشف الزوال عن عدم وجوب حجة الاسلام.
اقول لا مجال للاشكال في الصحة و الانعقاد
في صورة الزوال لانه معه يعلم عدم وجوب حجة الاسلام و ان الظرف قابل لوقوع
غيرها فيه و بالجملة شروط الصحة كلها موجودة في هذا الفرض غاية الامر عدم العلم
بها بل ربما كان مقتضى الاستصحاب خلافها الا انه مع تحقق الزوال يعلم بتحققها و
بطلان الاستصحاب و انه لم يكن
(الصفحة 474)
يحسب الواقع مستطيعا يجب عليه الحج فلا تنبغى المناقشة في الصحة و لا يلزم
التعليق على الزوال و لو بحسب النية فان المفروض عدم كونه معلقا و لو كذلك و لا
وجه للزوم التعليق اصلا.
و اما صورة البقاء فالحكم بصحة النذر فيها و انعقاده يتوقف على ملاحظة امور:
الاول ما ذكرناه في المسئلة الاخيرة من
الفصل السابق من ان فورية وجوب حجة الاسلام و لزوم الاتيان بها في اول ازمنة
الامكان ليس مرجعها الى عدم قابلية زمانها لوقوع غير حجة الاسلام فيه كعدم
قابلية شهر رمضان لوقوع صيام غيره فيه فان الفورية امر لا يستلزم عدم القابلية
كما في مثال الصلوة و الازالة فان وجوب الازالة و ان كان فوريا ـ و لاجله يكون
مقدما على الصلوة و اهم بالاضافة اليها و بدونه لا مجال للاهمية فان مكان
الصلوة لا يقاس بمكان الازالة و موقعيتها كما هو واضح ـ الا انه لا يستلزم خروج
الزمان اللازم للازالة عن الظرفية لغيرها بحيث كانت الصلوة الواقعة في ذلك
الزمان واقعة في غير الوقت فاللازم في عدم القابلية قيام الدليل الخاص عليه
كقيامه في شهر رمضان و لم يقم فى حجة الاسلام.
الثانى انه لا يعتبر في صحة النذر و انعقاده
من ناحية المتعلق سوى التمكن من الاتيان به في ظرف الوفاء و العمل و كونه راجحا
في نفسه في نظر الشرع و طاعة للّه تبارك و تعالى و لا يعتبر عدم استلزامه لترك
واجب او فعل حرام كما في الحج على القول بتوقف وجوبه زائدا على الاستطاعات
الاربعة على عدم الاستلزام المذكور ـ على خلاف ما هو التحقيق كما مر مرارا ـ و
لازمه كما عرفت عدم وجوب الحج إذا كان مستلزما لترك مثل جواب السلام ايضا و ان
تصدى بعض القائلين بالقول المزبور لاخراج مثل الترك المزبور لكنه لم يأت بشىء
يمكن الاقتناع به على تقدير تسليم اصل المبنى و كيف كان فعدم الاستلزام المذكور
لا يعتبر في النذر و ان كان يستفاد ذلك من كلام بعض الاعلام.
(الصفحة 475)
الثالث ان اللازم في باب التزاحم ملاحظة نفس
التكليفين من جهة عدم امكان امتثالهما في زمان واحد و عدم قدرة المكلف على
الجمع بينهما كذلك و لا مجال لملاحظة المنشأ و الموجب لثبوت التكليف ففى المقام
لا بد من ملاحظة تكليف وجوب الوفاء بالنذر مع تكليف وجوب حجة الاسلام و لا وجه
لملاحظة الالتزام النذرى و ما هو مفاد صيغة النذر مع ذلك الدليل حتى يكون ـ في
صورة الترتب و القول به فيما إذا كان احدهما اهم و الاخر مهما ـ مفاد الصيغة
مترتبا على ترك الامر بالاهم و عصيانه بحيث كان نذره متعلقا بحج آخر غير حجة
الاسلام على تقدير تركه لها و في ظرف تركه بل اللازم ملاحظة دليل وجوب الوفاء و
ان كان النذر خاليا عن التعليق المذكور كما هو المفروض.
إذا عرفت هذه الامور يظهر لك صحة النذر و انعقاده فيما هو محل البحث و الكلام
فان متعلقه يكون مقدورا في زمانه و لا ريب في رجحانه فان الحج راجح مطلقا و لو
في ظرف وجوب حجة الاسلام و زمانه غاية الامر ان دليل وجوب الوفاء بالنذر يكون
مزاحما لدليل وجوب حجة الاسلام و تكون هى واجبة و اهم الوفاء بالنذر يكون واجبا
مهما و اللازم تقديم الاهم.
و الجمع بين التكليفين اما بنحو الترتب كما عليه القائلون به و اما بالنحو الذى
حققناه فى الاصول تبعا للماتن (قدس سره).
ثم انه على تقدير رعاية الاهم و الاتيان بحجة الاسلام لا يترتب على مخالفة
النذر كفارة لمشروعية المخالفة و ترك الوفاء و الاتيان بحجة الاسلام و على
تقدير عدم رعايته و ترك الوفاء بالنذر تثبت عليه الكفارة كما نفى عنه البعد في
المتن لانه لازم ثبوت التكليفين و تحقق الالتزامين.
ثم ان ما افاده الماتن (قدس سره) هنا من الحكم بصحة النذر و انعقاده ينافى ما
افاده في المسئلة الاخيرة من الفصل السابق من الحكم ببطلان الاجارة فيما إذا
استوجر
(الصفحة 476)
من استقر عليه الحج مع تمكنه من الاتيان بالحج لنفسه للنيابة عن الغير فان
الفرق بين المسئلتين النذر و الاجارة غير ظاهر و الحق هو الحكم بالصحة في
المقامين، و مما ذكرنا يظهر بطلان ما افاده السيد (قدس سره) في العروة من الحكم
بعدم الانعقاد كما ان استثنائه صورة ما إذا كانت نيته التعليق على زوال
الاستطاعة مبنى على الاكتفاء بالنية في باب النذر و ان لم يتلفظ بها و التحقيق
في باب النذر.
و اما الحمل على الصحة في صورة الاطلاق الذى معناه الخلو عن التعليق ـ لفظا و
نية ـ فقد اورد عليه بان مجرى اصالة الصحة انما هى الشبهات الموضوعية التى
مرجعها الى الشك فيما وقع في الخارج من حيث الاتصاف بالصحة و الفساد و اما
الشبهات الحكمية كما في مثل المقام حيث ان المشكوك هو حكم الشارع بالصحة او
غيرها مع وضوح ما هو الواقع في الخارج حيث انه لاخفاء فيه و لا شبهة تعتريه
لظهور كون الواقع هو النذر المطلق الخالى عن التعليق في مرحلة اللفظ و في مرحلة
النية كما هو المفروض فلا مجال لجريان اصالة الصحة اصلا.
الفرع الثانى مثل الفرع الاول و الفرق
بينهما انما هو في تحقق الاستطاعة في حال النذر في الفرع الاول و عدم تحققها
حاله في هذا الفرع بل حدوثها بعد تحقق النذر و اما كون المنذور حجا غير حجة
الاسلام فمشترك في الفرعين و ان لم يصرح به في المتن في هذا الفرع لكن قوله
(قدس سره) في الفرع الآتى: و لو نذر حجا من غير تقييد قرينة على ثبوت التقييد
في الفرع الثانى.
ثم ان الحكم بصحة النذر في الفرع السابق يستلزم الحكم بها في هذا الفرع بطريق
اولى لانه إذا لم يكن وجود الاستطاعة و وجوب حجة الاسلام فعلا مانعا عن
الانعقاد و موجبا للحكم بعدم الصحة ففيما إذا لم تكن الاستطاعة موجودة حال
النذر يكون الحكم المذكور ثابتا بنحو الاولوية غاية الامر ان تحقق الاستطاعة
بعد النذر يوجب تكليفا آخر و يقع التزاحم بين التكليفين و من الواضح اهمية حجة
الاسلام
|