(الصفحة 21)
عام بمعناه الظاهر الذى ينبق الى الذهن ابتداء فالجمع بين التعرض لهذه الجهة و
بين عدم دلالة الآية بالظهور على ذلك يقتضى الحمل على معنى يستفاد من ظاهر
الآية و هو ليس الا ما ذكرنا من كون المراد به هى القضية الحقيقية التى هى ظاهر
الآية ايضا فتدبر جيدا.
ثم انه لو لم يتم شىء من هذه الوجوه و المحامل و بلغت النوبة الى فرض التعارض
بين الطائفتين فاللازم ترجيح ما دل على عدم الوجوب الامرة واحدة لانها موافقة
للشهرة الفتوائية لما عرفت من انه لم ينقل الخلاف عن احد سوى الصدوق (قدس سره)
و قد حقق في محله ان المستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ان اول المرجحات
في باب المتعارضين هى الشهرة الفتوائية فاللازم هو الحكم بما عليه المشهور من
عدم وجوب الحج على المستطيع الآمرة واحدة طول العمر و ما زاد فهو تطوع.
الامر الثانى من الامرين المذكورين في المتن
ان وجوب الحج فورى بمعنى انه يجب الاتيان به في عام الاستطاعة و ان تركه ففى
الثانى و هكذا و في الفورية بهذا المعنى جهتان:
احديهما: لزوم الاتيان في عام الاستطاعة
فورا و قد تطابقت الفتاوى و الآراء من السلف الى الخلف و من القديم و الحديث
على ان وجوب الحج فورى و حكى الاتفاق عليه من الناصريات و الخلاف و شرح الجمل
للقاضى و التذكرة و المنتهى و يستدل عليه بامور:
احدها: نفس الاجماع المذكور الكاشف عن رأى
المعصوم (عليه السلام) و لم ينقل الخلاف فى هذا الامر حتى من واحد و لكن الكشف
في مثله مما يحتمل ان يكون مدرك المجمعين بعض الوجوه الاتية من حكم العقل و من
الروايات الواردة في موارد مختلفة محل نظر بل منع فالظاهر انه لا اصالة لهذا
الاجماع بل اللازم ملاحظة المدارك
(الصفحة 22)
الاخر كما لا يخفى.
ثانيها: ان فورية وجوب الحج من المرتكزات
عند المتشرعة المبالين بالشريعة المقيدين بها فانهم يذمون من ترك الحج في اول
عام الاستطاعة من دون عذر له و لا يرونه الا تاركا للوظيفة الالهية و مخالفا
لما هو واجب عليه في الشريعة و هذا الارتكاز كاشف عن الثبوت في الشرع كما لا
يخفى.
و يرد عليه ان هذا الدليل انما يتم على تقدير احراز اتصال هذا الارتكاز بزمن
المتشرعة في ازمنة الائمة المعصومين (عليهم السلام) لان الارتكاز الثابت في ذلك
الزمان يكشف قطعا عن التلقى عن الامام المعصوم و الاخذ منه و اما مع عدم
الاحراز المذكور و احتمال كون منشأ الارتكاز وجود اتفاق المراجع و اصحاب الفتوى
من الفقهاء على لزوم الفورية و الرسائل العملية المتفقة في هذه الجهة كما لا
تبعد دعويه فلا يكون هذا النوع من الارتكاز بكاشف عن رأى المعصوم (عليه السلام)
اصلا.
ثالثها: حكم العقل بانه إذا كان المكلف
واجدا لجميع الشرائط التى لها دخل في التكليف و صار التكليف منجزا عليه فلا بد
له من تفريغ ذمته فورا و لا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت احتمالا عقلائيا
و ليس ذلك لاجل دلالة صيغة الامر على الفورية بالدلالة اللفظية لما قد حقق في
محله من عدم دلالتها عليها بوجه لا بمادتها و لا بهيئتها بل لاجل حكم العقل
بذلك و جواز التأخير في مثل الصلوة انما هو لاجل حصول الوثوق و الاطمينان
ببقائه غالبا و ذلك لاجل قصر الوقت الموجب لحصول الاطمينان كذلك و اما فى مثل
الحج الذى لا يمكن تحققه في كل عام الامرة فوجود الفصل الطويل يمنع عن تحقق
الوثوق فلا مساغ لتأخيره الى العام القابل.
و هذا الدليل و ان كان تاما في نفسه الا انه لا ينطبق على تمام المدعى لان
المدعى وجوب الفورية في الحج و لو مع العلم بالبقاء و التمكن من الحج في العام
القابل و الدليل لا يقتضى ذلك.
(الصفحة 23)
رابعها: الاخبار الواردة في التسويف الدالة
على حرمته و هى على طائفتين و قد جمعهما في الوسائل في باب واحد:
الطائفة الاولى ما يدل بظاهرها على حرمة نفس
عنوان التسويف الظاهر في مجرد التأخير و لو وقع منه الحج في العام القابل مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) قال: قال اللّه تعالى
(و للّه على
الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة،
و ان كان سوفه(1)للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة
من شرايع الاسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث(2) فان ظاهره عدم
كونه من جهة مجرد التسويف في سعة و انه لا يكون مجازا فيه و قوله: و ان
مات...انما هو فرض احدى صورتى التسويف و هو ما لو انجر الى الترك و لا دلالة
على اختصاص الجملة السابقة بخصوص التسويف الذى يوجب الترك كما هو ظاهر و مرت
الاشارة الى ان معنى التسويف يتحقق بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و لو حج في
العام القابل و لا يتوقف على التأخير سنين متعددة.
و صحيحة ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) قال قلت له: ارأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل
عام و ليس يشغله عنه الا التجارة او الدين فقال لا عذر له يسوف الحج ان مات و
قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام.(3) و هذه اظهر من
الرواية السابقة في الدلالة على وجوب الفورية.
-
1 ـ فى الطبعة الجديدة من الوسائل بدل «سوفه» بالفاء و التشديد «سوقه»
بالقاف و الظاهر انه غلط و يدل عليه الروايات الاخرى المذكورة في المتن
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 1
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4
(الصفحة 24)
و صحيحة زيد الشحام قال قلت لابى عبد اللّه
(عليه السلام) التاجر يسوف الحج؟قال ليس له عذر، فان مات فقد ترك شريعة من
شرايع الاسلام.(1) و تفريع الموت على التسويف تفريع على احد فرضيه و
لا دلالة له على اختصاصه بفرض الموت
الطائفة الثانية ما يدل على حرمة التسويف
فيما إذا كان موجبا للترك الى آخر الموت مثل: رواية معاوية بن عمار قال سئلت
ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّه
تعالى و نحشره يوم القيامة اعمى قال قلت له: سبحان اللّه اعمى قال اعماه اللّه
عن طريق الحق.(2)
و صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام) قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد
ترك شريعة من شرايع الاسلام الحديث.(3) و رواية ابى بصير قال: سئلت
ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و من كان في هذه اعمى
فهو فى الاخرة اعمى و اضل سبيلا قال: ذلك الذى يسوف نفسه الحج يعنى حجة الاسلام
حتى يأتيه الموت.(4) و غير ذلك من الروايات المذكورة في الوسائل في
ذلك الباب و الظاهر صحة الاستدلال بهذه الطائفة ايضا كما يظهر من الجواهر و ذلك
لانه مع جواز التأخير و عدم فورية الوجوب لا مجال للعذاب بمثل ما ذكر فيها و لا
لعدّه تاركا للشريعة و لا محالة يترتب عليه استحقاق العقوبة لانه لم يكن قاصدا
لترك الحج بل كان عازما على الاتيان
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 6
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 3
-
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 5
(الصفحة 25)
به غاية الامر ان التأخير كان مستندا الى عدم فورية الوجوب نظير من مات في
العصر قبل ان يصلى الظهر و العصر فانه لا يكون معاقبا على ترك الصلوتين فالعذاب
و استحقاق العقوبة في المقام انما هو لاجل فورية وجوب الحج فالاستدلال صحيح.
و خامسها: الروايات الظاهرة في انه يشترط في
النائب ان لا يكون مستطيعا يجب عليه الحج مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الاسلام و له مال قال يحج
عنه صرورة لا مال له(1). فان الظاهر من المال المنفى في الذيل و لو
بقرينة المال المثبت في الصدر هو المال الذى يكفى للحج و تتحقق به الاستطاعة
كما لا يخفى و غير ذلك من الروايات و تقريب دلالتها على المقام ان الاشتراط
المذكور يكشف عن فورية وجوب الحج لانه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك
وجه للاشتراط فمن هذا الطريق يستكشف الفورية فيما نحن فيه.
و يرد عليه ان الوجه المذكور و ان كان محتملا الا انه يحتمل ان يكون الوجه مجرد
اشتغال الذمة بالحج و ثبوت التكليف فانه يلائم مع الاشتراط ايضا و لا دليل على
ترجيح الاحتمال الاول حتى يتم الاستدلال.
و سادسها: الاخبار الواردة في الحج البذلى
الظاهرة في وجوب الاتيان به فورا و في عام البذل بضميمة انه لا فرق من هذه
الجهة بينه و بين الحج عن الاستطاعة النفسية في جهة الفورية اصلا و هذه
الروايات كثيرة:
منها: صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت
لابى جعفر (عليه السلام) فان عرض عليه الحج فاستحيى؟قال هو ممن يستطيع الحج و
لم يستحيى و لو على حمار اجدع ابتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب
بعضا فليفعل.(2)
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 2
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 1