(الصفحة 377)مسئلة 58 ـ الاقوى وجوب الاستيجار عن الميت من اقرب المواقيت الى مكة ان
امكن و الا فمن الاقرب اليه فالاقرب، و الاحوط الاستيجار من البلد مع سعة المال
و الا فمن الاقرب اليه فالاقرب لكن لا يحسب الزائد على اجرة الميقاتية على صغار
الورثة.و لو اوصى بالبلدى يجب و يحسب الزائد على اجرة الميقاتية من الثلث، و لو
اوصى و لم يعين شيئا كفت الميقاتية الا إذا كان هناك انصراف الى البلدية او
قامت قرينة على ارادتها فحينئذ تكون الزيادة على الميقاتية من الثلث، و لو زاد
على الميقاتية و نقص عن البلدية يستأجر من الاقرب الى بلده فالاقرب على الاحوط،
و لو لم يمكن الاستيجار الا من البلد وجب و جميع مصرفه من الاصل1.
عن الميت و لو من ناحية المتبرع و التعدى عن مورد الوصية الى غيره و ان كان
يمكن القول به الا ان التعدى الى صورة وقوع الحج مما لا مجال له اصلا.
و ان كان منشأه عدم انتقال مقدار مصرف الحج الى الورثة او كونه متعلقا لحق
الميت فقد عرفت انه مع وقوع الحج من المتبرع لا مجال للاحتياط المذكور خصوصا مع
التخصيص بحصة الكبار كما لا يخفى.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في صورتين:
الاولى: ما إذا لم يكن هناك وصية و فيه
اقوال: قال في الشرايع: «الثانية ـ يعنى المسئلة الثانية ـ يقضى الحج من اقرب
الاماكن و قيل يستأجر من بلد الميت و قيل ان اتسع المال فمن بلده و الاّ فمن
حيث امكن» و البحث في هذا الكلام يقع من جهتين:
الجهة الاولى: في المراد من اقرب الاماكن
بعد وضوح انه ليس المراد هى الاقربية المكانية بل الاقلية من حيث النفقة و
المؤنة لانه لا مدخل للقرب و البعد المكانيين في ذلك اصلا فنقول: قال في
المدارك: «ان المراد به اقرب المواقيت الى مكة ان امكن الاستيجار منه و الاّ
فمن غيره مراعيا الاقرب فالاقرب فان تعذر الاستيجار
(الصفحة 378)
من احد المواقيت وجب الاستيجار من اقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات».
و قد فسر بهذا النحو كاشف اللثام عبارة القواعد قال في القواعد: من اقرب
الاماكن الى الميقات و في كشف اللثام: و انما يجب اى الحج عنه من اقرب الاماكن
الى مكة من بلده الى الميقات فان امكن من الميقات لم يجب الاّ منه و الا فمن
الاقرب اليه فالاقرب و لا يجب من بلد موته او بلد استقراره عليه.
و في الجواهر بعد نقل ما ذكر: «قلت الظاهر اتحاد المراد و هو الحج عنه من اقرب
الاماكن الى مبدء نسك الحج».و الظاهر عدم شمول هذه العبارة للاستيجار من نفس
الميقات و لا الترتيب في المواقيت بين القريب و البعيد و الظاهر ان مراد
المشهور هو التعبير الواقع في مثل المتن.
الجهة الثانية: في المراد من القولين
الاخرين المذكورين في الشرايع فنقول الظاهر من القول الثانى و هو لزوم
الاستيجار من بلد الميت هو الاستيجار مع اتساع المال له و احتمال لزوم التكميل
من الولى مع عدم الاتساع او الحج عنه بنفسه في غاية البعد و الغرابة.
و على ما استظهرنا يقع الكلام في الفرق بين القولين بعد اشتراكهما في لزوم
الاستيجار من البلد مع سعة المال و فيه احتمالان:
الاول سقوط الحج مع عدم السعة كما في محكى
المدارك حيث قال: الموجود في كلام الاصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر ان في
المسئلة قولين و قد جعل المصنف هنا الاقوال ثلاثة و لا يتحقق الفرق بين القولين
الاخيرين الاّ على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على
القول الثانى و لا نعرف بذلك قائلا مع انه مخالف للروايات كلها.
الثانى: ما ذكره في الجواهر في مقام
المناقشة على الفرق الذى ذكره المدارك من انه يمكن عدم التزام سقوط الحج بل
ينتقل الى الحج من الميقات و لا يجب الاستيجار من حيث امكن كما هو مقتضى جملة
من الروايات و بذلك يتحقق الفرق
(الصفحة 379)
بين القولين.
و هذا هو الذى ذكره السيد (قدس سره) في العروة بصورة الاحتمال لا القول و لعل
الوجه فيه عدم وضوح كون مراد القائل بهذا القول هذا المعنى و لكن من جميع ما
ذكرنا يظهر انه لا يكون في المسئلة اقوال اربعة كما ذكره بعض الاعلام حيث جعل
الاستيجار من البلد مقابلا للقول الثانى بناء على التوجيه المذكور في الجواهر و
للقول الثالث و قد عرفت اعتراض المدارك على الشرايع بجعل الاقوال فيها ثلاثة مع
تصريحه في المعتبر كالموجود فى كلام الاصحاب بان في المسئلة قولين و عليه فكيف
يمكن القول بوجود اقوال اربعة.
و كيف كان فالقول الاول المذكور في الشرايع منسوب الى الاكثر بل الى المشهور بل
عن الغنية الاجماع عليه و القول الثانى نسبه في الجواهر الى الشيخ و ابن ادريس
و يحيى بن سعيد و غيرهم و الظاهر اختيار الشيخ له في النهاية و اما في المبسوط
و الخلاف فقد اختار ما هو المشهور كما ذكره العلامة في المختلف و القول الثالث
محكى عن الدروس.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان ما تقتضيه القاعدة ـ مع قطع النظر عن الادلة الخاصة
و النصوص الواردة على تقدير ورودها في المقام او استفادة حكم المقام منها ـ هو
ما ذهب اليه المشهور و تبعهم العروة و المتن لان الثابت بمقتضى الادلة المتقدمة
هو وجوب قضاء حجة الاسلام عن الميت بعد استقرارها عليه في حال الحيوة و عدم
الاتيان بها مسامحة و مساهلة فاللازم على وليّه الاتيان بحجة الاسلام و من
الواضح ان حجة الاسلام عبارة عن الاعمال المخصوصة و المناسك المعروفة التى
شروعها من الميقات و طىّ الطريق و قطع المسافة و ان كان واجبا على الميت الا ان
وجوبه انما هو من باب المقدمة و لا يكون وجوب المقدمة الا عقليا و على تقدير
كونه شرعيا ـ كما اختاره القائل بوجوب المقدمة ـ لا يكون الا غيريا و الغرض
الاصلى تحقق الحج و هى
(الصفحة 380)
الاعمال و المناسك مع ان قطع الطريق و المسافة لا يلزم ان يتحقق بعنوان المقدمة
للحج فاذا سافر الى المدينة للتجارة ـ مثلا ـ ثم استطاع هناك كما إذا مات ابوه
كذلك و انتقل اليه بالارث اموال كثيرة موجبة لتحقق الاستطاعة لا يجب عليه الا
الحج من المدينة و لا يلزم عليه العود الى الوطن و السفر منه بقصد الحج و كذا
إذا كان مستطيعا في البلد و لكنه لم يكن قاصدا للحج اصلا فسافر الى المدينة
لغرض آخر ثم بداله بعد الوصول اليها ان يحج و يأتى بما هو الواجب عليه، و كذا
في صورة الاستطاعة في البلد يمكن له الخروج منه للحج متسكعا من دون صرف مال كما
عرفت سابقا.
فهذا و اشباهه دليل على ان طى الطريق لا ارتباط له بالحج الا من جهة المقدمية
فلو اختطف المستطيع في بلده و ارسل في المدينة يجب عليه الحج منها فلا ريب
حينئذ في ان مقتضى القاعدة هو قضاء حج الميت عنه من الميقات بل لا يلزم الا من
اقرب المواقيت الى مكة المكرمة.
و اما: ما يمكن ان يستدل به على وجوب الحج
من البلد فهو امران:
احدهما: انه لا فرق بين الاستنابة في الحج
عن الميت و بين استنابة الحى التى عرفت لزومها مع عدم القدرة على المباشرة في
صورة استقرار الحج لمرض او هرم او شبههما فكما انه يجب على المكلف هناك
الاستنابة من البلد كذلك يجب هنا لعدم الفرق بين المقامين اصلا.
و الجواب: اولا انه لم يثبت هناك لزوم
الاستنابة من البلد بل قد عرفت الاشكال و الاختلاف في المسئلة.
و ثانيا: انه على تقدير القول بذلك هناك لم
يثبت اتحاد المقامين و عدم تحقق الفرق فى البين بل ثبت الفرق من بعض الجهات
كعدم جريان التبرع هناك و جريانه في المقام بلا اشكال على ما عرفت من اقتضاء
النص و الفتوى لذلك.
(الصفحة 381)
و ثالثا: انه على تقدير المساواة و عدم ثبوت
الفرق تكون تسرية حكم ذلك المقام الى هنا من مصاديق القياس الا مع تنقيح المناط
القطعى او الغاء الخصوصية و كلاهما مفقودان بلا ريب.
ثانيهما: الروايات المتعددة و النصوص
المتكثرة و التمسك بهذه الروايات مبنى اولا على دلالتها على كون الواجب
الاستيجار من البلد و الاقرب اليه فالاقرب في موردها و هى الوصية فان جميعها
وارد في هذا المورد و لم يرد شىء منها في المقام الذى هى صورة عدم الوصية و
ثانيا على اثبات انه لا فرق بين الصورتين: الوصية و غيرها و مع عدم تمامية شىء
من الامرين لا يبقى مجال للاستدلال بها اصلا كما لا يخفى فنقول: منها صحيحة على
بن رئاب قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اوصى ان يحج عنه حجة
الاسلام و لم يبلغ جميع ما ترك الاخمسين درهما قال: يحج عنه من بعض المواقيت
التى وقّتها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من قرب.(1) و الظاهر
ان مورد السؤال صورة الوصية بحجة الاسلام فقط من دون تعيين المقدار و لا تعيين
المحل الذى يحج عنه من البلد او الميقات او غيرهما و المراد من الجواب لزوم
الحج عنه من بعض المواقيت و اما قوله (عليه السلام) من قرب فيحتمل ان يكون
المراد منه هو القرب من الميقات الذى عبر عنه في بعض الروايات بما دون الميقات
و يحتمل ان يكون المراد هو اقرب المواقيت المذكور في كلام المشهور و يحتمل ان
يكون المراد نفى لزوم الحج عنه من البلد بلحاظ كون الميقات قريبا من مكة و لو
ابعد المواقيت.
و كيف كان فالسؤال يدل على انه مع فرض كون التركة واسعة و كافية للحج من البلد
يكون اللزوم من البلد مرتكزا في ذهن السائل و الجواب تقرير له على هذه الجهة
فمقتضاها الوجوب من البلد مع سعة المال و كفايته.
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 1