(الصفحة 358)
فى ان مقتضى القاعدة ايضا ذلك فان المراد بالفريضة ليس كونه فريضة على الميت
ضرورة انه مع فقد الحياة لا يبقى مجال لبقاء التكليف بل الظاهر من الفرض كونه
واجبا على الوارث الاخراج و لو لم يكن هناك وصية كما عرفت في الفرع الاول و ما
كان حاله هكذا لا يصلح الوصايا المستحبة للمزاحمة معه فالوجوب من قبل الوصية و
ان كان متساوى النسبة الى الجميع و لا فرق فيه بين الحج و غيره الا ان اهمية
الحج باللحاظ المذكور لكونه فرضا مع قطع النظر عن الوصية دون ساير الوصايا
تقتضى ترجيحه و صرف الثلث فيه و لا مجال للتوزيع و التقسيم بالسوية كما لا
يخفى.
فالرواية كما انها تدل على اصل الحكم ترشد الى مفاد القاعدة بلحاظ التعليل لما
عرفت من عدم كونه بامر تعبدى على خلاف القاعدة فتدبر.
الصورة الثانية ما إذا لم يكن مع الحج وصية
اخرى و الحكم فيه ـ كما في المتن ـ من صرف الثلث في الحج و لزوم التكميل من
بقية المال و الوجه فيه انه مقتضى الجمع بين ما يدل على وجوب الاخراج من اصل
التركة خصوصا مع ما في بعض الروايات من التعليل بانه بمنزلة الدين الواجب و بين
ما يدل على نفوذ الوصية و بعبارة اخرى الوصية باخراج الحج من الثلث انما تكون
نافذة بالاضافة الى جهة الاثبات و اما بالنسبة الى جهة النفى و هو عدم صرف ما
زاد على الثلث فيه فلا مجال لنفوذها فمقتضى الجمع بين الدليلين المذكورين ما
ذكرنا.
الفرع الرابع: حج النذر و الحكم فيه ـ على
ما في المتن ـ هو الاخراج من اصل التركة ايضا كما في حجة الاسلام و قد استدل
على ذلك بوجوه:
الاول: انه دين اللّه كما في سائر التكاليف
الالهية و الوظائف الشرعية و قد عبر عن حجة الاسلام كما عرفت مرارا باللام و
على في الاية الشريفة و في رواية الخثعمية المتقدمة التعبير عن الحج بانه دين
اللّه و الظاهر وقوع التعبير عن الصلوة بذلك في بعض الروايات فاذا ثبت كونه
دينا فاللازم اخراج ذلك من الاصل ايضا.
(الصفحة 359)
و الجواب ان ترتيب جميع احكام الدين على مثل حج النذر خصوصا مع عدم وقوع
التعبير بالدين فيه و وضوح كونه على تقديره لا يكون على سبيل الحقيقة بل على
نحو المسامحة و العناية ممنوع مضافا الى انصراف الدين في موضوع تلك الاحكام الى
دين الناس كما لا يخفى.
الثانى: الاجماع على ان الواجبات المالية
تخرج من الاصل.
و فيه: انه على تقدير ثبوت الاجماع و تحققة
يكون القدر المتيقن من معقده هى الواجبات المالية النفسية المحضة كالزكوة و
الخمس و امثالهما و لا يشمل مثل الحج الذى يكون المال مقدمة لتحقق مناسكه و
اعماله او يكون مختلطا من المال و غيره
الثالث: ما افاده في «المستمسك» من انه
مقتضى الاخذ بمضمون النذر فانه تمليك للّه سبحانه العمل المنذور فاذا كان
مملوكا كان دينا فيجب اخراجه من الاصل كسائر الديون و مرجعه الى ان صيغة النذر
المتحققة باللام و على ظاهرة في كون المنذور دينا و مملوكا له تعالى على عهدة
الناذر و ذمته.
و يرد عليه: انها لا تقتضى كونه كالدين
المتعارف بحيث يترتب عليه احكامه لانصراف الدين في موضوعها الى دين الناس و
حقهم.
فانقدح انه لم ينهض دليل على اخراج حج النذر من الاصل الاّ ان يثبت الاجماع على
خصوصه و هو غير معلوم خصوصا مع عدم وقوع التعرض له في كثير من الكلمات.
الفرع الخامس: ما لو كان عليه دين او خمس او
زكوة و قصرت التركة عن الوفاء بالجميع و الفرض ما لو كان عليه شىء من هذه
الامور زائدا على حجة الاسلام الثابتة عليه و الاّ فلا يرتبط بالمقام و عليه
فايراد الرواية الدالة على التوزيع مع عدم ثبوت الحج في موردها كما في بعض شروح
العروة لا وجه له اصلا و كيف كان ففى خصوص مورد ثبوت الخمس او الزكوة ان كان
المال المتعلق به احدهما موجودا
(الصفحة 360)
بعينه فاللازم تقديمه على الحج و لا يجوز صرفه اى صرف مقدار الخمس او الزكوة فى
غيرهما من دون فرق بين القول بالاشاعة فيهما المقتضية للتشريك في عين المال
واصله و بين القول بالتشريك في المالية و بين القول بكونهما حقا متعلقا بالمال
لانه في جميع الفروض لا يكون المجموع متعلقا بالميت جائزا له التصرف فيه مطلقا.
و اما لو كان الخمس او الزكوة متعلقا بالذمة كما في الدين الذى يكون تعلقه بها
دائما فالمشهور بينهم ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس و
عن الحدائق الميل الى تقديم الحج و عن جواهر القاضى احتماله.
و دليل المشهور ثبوت الجميع على العهدة و عدم الترجيح لبعض على الاخر فمقتضى
القاعدة التوزيع على الكل.
و اما ما يدل على تقديم الحج فروايتان دالتان على تقديمه على الزكوة:
احديهما: صحيحة معاوية بن عمار قال قلت له:
رجل يموت و عليه خمسمأة درهم من الزكوة و عليه حجة الاسلام و ترك ثلاثمأة درهم
و اوصى بحجة الاسلام و ان يقضى عنه دين الزكوة قال: يحج عنه من اقرب ما يكون و
يرد الباقى في الزكوة.(1)
ثانيتهما: صحيحته الاخرى عن ابى عبد اللّه
(عليه السلام) في رجل مات و ترك ثلاثمأة درهم و عليه من الزكوة سبعمأة درهم و
اوصى ان يحج عنه قال: يحج عنه من اقرب المواضع و يجعل ما بقى في الزكوة.(2)
و لكن الظاهر اتحاد الروايتين و عدم تعددهما بمعنى وقوع السؤال من معاوية بن
عمار مرة واحدة و الجواب كذلك غاية الامر انّ الاختلاف انما هو فى النقل عنه و
هو لا يقتضى تعدد الرواية و عليه فالاشكال في سند الثانية كما في الجواهر على
تقدير
-
1 ـ ئل ابواب المستحقين للزكوة الباب الواحد و العشرون ح ـ 2
-
2 ـ ئل كتاب الوصايا الباب الثانى و الاربعون ح ـ 1
(الصفحة 361)
ثبوته و الاغماض عن جوابه لا يوجب الاشكال في سند الرواية بعد صحة سند الاولى
فلا مجال للاشكال من ناحية السند.
و اما من ناحية الدلالة فالظاهر ان المتفاهم العرفى من الجواب هو تقديم الحج
غاية الامر من اقرب المواضع و قوله يرد الباقى في الزكوة ليس معناه لزوم ابقاء
شىء من المال لاجل الزكوة حتى يكون ظاهرا في التوزيع بل معناه لزوم رد الباقى
في الزكوة على تقدير بقاء شىء بعد الحج و عليه فلا مجال لحملهما على التوزيع و
بالجملة لا خفاء في ظهور الجواب في لزوم تقديم الحج و ان كان مستوعبا لجميع
التركة بحيث لم يبق شىء للزكوة بعد الحج.
ثم ان هاتين الروايتين و ان كانتا واردتين في مورد الزكوة الا ان الظاهر جريان
الحكم فى الخمس ايضا اما لكونه عوضا عن الزكوة و اما لظهور كون الزكوة اهم من
الحج و ذلك لعطفها على الصلوة في كثير من الموارد في الكتاب العزيز و لما توعّد
به من العذاب على تركها و عليه فالاشكال باختصاص الروايتين بالزكوة لا مجال له
اصلا.
ثم ان مقتضى بعض الروايات تقدم الحج على دين الناس و حقوقهم و هى صحيحة بريد
العجلى المتقدمة الواردة في رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في
الطريق، المشتملة على قوله (عليه السلام): و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم
جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو
للورثة ان لم يكن عليه دين.(1) بناء على تعلق قوله: ان لم يكن عليه
دين بقوله فهو للورثة فان مفاده حينئذ تقدم الحج على الدين و الدين على الارث و
اما لو كان متعلقا بقوله: جعل جمله و زاده...فمفاده تقدم الدين على الحج و على
اى تقدير فالرواية مخالفة للمشهور حيث انهم يقولون بالتوزيع بالنسبة من دون
تقدم للحج
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 362)
على غيره و لا تأخر كما ان صحيحة معاوية بن عمار ايضا مخالفة لهم فان قلنا بان
اعراض المشهور عن رواية يوجب الوهن و القدح فيها و لو كانت في كمال الصحة و
التمامية فاللازم رفع اليد عنهما لاجل الاعراض و قد صرح بذلك السيد (قدس سره)
في العروة تبعا لصاحب الجواهر (قدس سره) و ان لم نقل بذلك فاللازم الفتوى على
طبق الروايتين و الحكم بتقدم الحج على غيره من الخمس و الزكوة و الدين.
ثم: انه بناء على التوزيع بالنسبة ـ كما هو
المشهور ـ لا يبقى مجال لفرض كون حصة الحج وافية به اصلا فانه مع قصور التركة
عن الوفاء بالجميع و التوزيع بنسبة المصرف و المقدار لا محالة تكون حصة الحج
غير وافية به دائما و لاجله يستشكل على المتن و العروة لوقوع هذا الفرض فيهما
نعم لو كان التوزيع بنحو التساوى يمكن تحقق هذا الفرض احيانا و لكنه غير مراد
لتصريحهم بان التوزيع في المقام انما هو كالتوزيع في غرماء المفلس و من الواضح
كونه بالنسبة لا بالتساوى و عليه فاللازم سقوط الحج بالمرة مع التوزيع الا ان
تكون حصته بمقدار الحج فقط او العمرة فقط ففيه بحث سيأتى.
و بالجملة: مع عدم وفاء حصة الحج به كما هو
لازم التوزيع دائما لا مجال لتوهم لزوم صرف حصته في ابعاضه لعدم مشروعية شىء من
الابعاض و الاجزاء وحده فالوقوف وحده لا يكون كذلك و الوقوفان وحدهما ايضا كذلك
و هكذا نعم في خصوص الطواف قام الدليل على مشروعيته و رجحانه فيجوز الاتيان به
استحبابا و في الرواية المعروفة: الطواف بالبيت صلوة و لاجله يجوز تعلق النذر
به ايضا كتعلقه بالنافلة من الصلوة الا ان وقوعه جزء للحج الواجب او العمرة
الواجبة مع خلوه عن سائر الابعاض و الاعمال لم تثبت مشروعيته بوجه و بعبارة
اخرى وقوعه واجبا بالاصل كوجوب اصل الحج لم يقم دليل عليه و قاعدة الميسور لا
تجرى في مثل المقام من الاعمال الارتباطية و العبادات التى يرتبط بعض اجزائها
ببعض و عليه فاللازم سقوط