(الصفحة 196)
مسئلة 32 ـ يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام و كذا بعده
على الاقوى، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، و لو رجع
عنه فى اثناء الطريق فلا يبعد ان يجب عليه نفقة عوده، و لو رجع بعد الاحرام فلا
يبعد وجوب بذل نفقة اتمام الحج عليه1.
الحج كالحج الواجب بالنذر و شبهه و من المعلوم انه لا يجزى عن حجة الاسلام إذا
استطاع بعدا هذا و في العبارة خلل و حقها ان يقال نعم لو اعطاه سهم من سهم سبيل
اللّه ليحج لا يجب عليه القبول و لكنه إذا قبل لا يجوز صرفه في غيره و لا يكون
من الاستطاعة المالية....فتأمل في الفرق بين العبارتين.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول الرجوع عن البذل قبل الدخول في
الاحرام و الظاهر انه لا اشكال عندهم في الجواز و هو كذلك لو كان البذل بنحو
الاباحة ضرورة ان مقتضى سلطنة الناس على اموالهم جواز الرجوع حتى فيما صرح
ابتداء ببقاء الاباحة لكان التصريح بذلك لا يمنع عن الرجوع بالاضافة الى البقاء
فهو اى المال في كل حال باختياره و تحت سلطنته فيجوز لمن قدم طعاما الى غيره
للاكل ان يرجع عن اباحته في وسط الاكل و قبل تمامه فلا اشكال في الجواز مطلقا
فيما لو كان البذل بنحو الاباحة.
و اما لو كان بنحو التمليك فظاهر اطلاقهم جواز الرجوع في هذه الصورة ايضا مع ان
الظاهر انه لم يقم دليل عليه لانه لا مجال لقاعدة السلطنة هنا بعد فرض خروجه عن
ملكه و كما ان الاصل في العقود اللزوم كذلك الاصل في الايقاعات كالعتق و نحوه و
قد قام الدليل على جواز الرجوع في الطلاق بالاضافة الى احد نوعيه و هو الطلاق
الرجعى و بالجملة لا بد من اقامة الدليل على الجواز في هذه الصورة و لم يثبت
ذلك و لعل اطلاقهم جواز الرجوع انما يكون لاجل ان المرتكز عندهم كون البذل
الايقاعى انما يكون بنحو الاباحة دون التمليك و ان صرح بالتعميم في اول مسئلة
البذل كما في المتن على ما تقدم.
(الصفحة 197)
الثانى: الرجوع عن البذل بعد الدخول في
الاحرام و قد حكم في المتن بان الاقوى هو الجواز خلافا للمحقق النائينى (قدس
سره) في رسالته في مناسك الحج حيث قال و اما بعد احرامه فالاقوى لزوم البذل و
لغوية رجوعه نحو ما مر من لغوية رجوع مالك المكان عن اذنه في الصلوة فيه بعد
الاحرام لها.
و يظهر من السيد (قدس سره) في العروة التوقف حيث ذكر ان في المسئلة وجهين من
دون ان يرجح احدهما على الاخر.
و كيف كان فمقتضى قاعدة السلطنة الجواز في هذه الصورة ايضا و لكن التشبيه
الواقع في كلام المحقق النائينى (قدس سره) اشارة الى دليل على المنع و لذا لا
بد من ملاحظته فنقول تارة يبحث فيه من جهة المشبه به و المقيس عليه و اخرى من
جهة صحة التشبيه على تقدير تسليم ثبوت الحكم في المشبه به و عدمها.
اما من الجهة الاولى فربما يناقش في لغوية
رجوع المالك عن اذنه في اثناء الصلوة تارة من جهة ان منشأ الحكم باللغوية هو
وجوب اتمام الصلوة على المصلى و حرمة القطع مع ان الدليل على حرمة القطع هو
الاجماع و القدر المتيقن منه غير المقام فانه لم يحرز ثبوت الاجماع مع تصريح
المالك بعدم رضاه بان يتم صلوته في منزله فلا دليل على حرمة القطع حتى تكون
منشأ لعدم جواز الرجوع و لغويته كما لا يخفى.
و اخرى من جهة ان لزوم الاتمام انما هو فيما إذا كان الاتمام صالحا لان يقع
صحيحا و قابلا للاتصاف بالصحة ضرورة انه لا مجال للحكم بوجوب الاتمام فيما إذا
خرج منه الحدث غير الاختيارى لعدم صلاحية الاجزاء الباقية للاتصاف بالصحة اصلا
و المقام ايضا من هذا القبيل ضرورة انه مع رجوع المالك يصير التصرف في داره
محرما و عليه فالاجزاء الباقية من الصلوة يكون ايقاعها فيه موردا لاجتماع الامر
و النهى فان قلنا بالامتناع و تقديم جانب النهى او بالاجتماع و ان لازمه ليس هى
صحة
(الصفحة 198)
الصلوة بل بطلانها كما اختاره سيدنا العلامة الاستاذ البروجردى (قدس سره) و
احتمله سيدنا المحقق الاستاذ الماتن ـ دام ظله ـ فلا يبقى مجال للحكم بوجوب
الاتمام و حرمة القطع اصلا لعدم امكان اتصاف الاجزاء الباقية بالصحة بناء على
ما ذكر.
و اما من الجهة الثانية فلانه على تقدير
تسليم الحكم في المقيس عليه نمنع ثبوت الحكم في المقام: اما لاجل عدم وجوب
الاتمام في المقام لان الحج الذى يجب اتمامه ما كان الشروع فيه بعنوان الندب او
ما كان الشروع فيه بعنوان الوجوب مع بقاء الاستطاعة و عدم زوالها و اما ما شرع
فيه عن استطاعة ثم زالت الاستطاعة قبل الاتمام بالسرقة و غيرها فالظاهر انه لا
يجب اتمامه و المقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين الاستطاعة المالية و
الاستطاعة البذلية من هذه الجهة و بالجملة بعد ما كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز
الرجوع بعد الاحرام ايضا لم ينهض دليل في مقابلها حتى يمنع عن جريانها لان
المانع هو وجوب الاتمام و لم يدل عليه دليل في المقام.
و اما لان الاتمام على تقدير وجوبه لا يتوقف على لغوية الرجوع و عدم تأثيره
مطلقا لانه يمكن الاتمام من طريق آخر كالاستدانة و الاستيهاب و العمل للغير و
الخدمة له بالاجرة و غيرها من الطرق نعم يتوقف عليها في بعض الصور و هو ما لم
يكن له طريق الى الاتمام غير ما بذل له.
و اما لاجل انه على تقدير ثبوت التوقف دائما لا مطابقة بين الدليل و المدعى لان
المدعى هى لغوية الرجوع التى مرجعها الى لزوم ان يكون الزاد و الراحلة
المبذولتان عنده الى آخر اعمال الحج و الدليل يقتضى ضمان الباذل لمصاريف
الاتمام بلحاظ ان الاذن في الحج اذن في الاتمام و هو يتوقف على مصاريف و اللازم
على الباذل بصورة الضمان بذل تلك المصاريف و من الواضح ان الضمان امر و لغوية
الرجوع
(الصفحة 199)
امر آخر و ربما يترتب ثمرة عملية كما إذا كانت المصاريف اقل مما ينقسم على
الاتمام من المبذول كما إذا كان المبذول زائدا على مصرف الحج بضعفين او اكثر و
عليه فالدليل لا ينطبق على المدعى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية
الدليل الذى اعتمد عليه المحقق النائينى (قدس سره).
و ربما يستشهد على عدم جواز الرجوع في مثل المقام بما وقع التسالم عليه من عدم
جواز رجوع المالك الاذن في رهن ملكه عن الرهن بعد تحققه و لكن يرد عليه ـ مضافا
الى انه يكون في المقامات المختلفة موارد جوزوا ـ للمالك فيها الرجوع و لم يقم
دليل على ان المقام هل يكون من قبيل الموارد الجائزة او يكون من قبيل الموارد
غير الجائزة ـ وضوح الفرق بين المقام و بين الرهن فانه هناك يكون حدوث الرهن
موجبا لتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة و مقتضى قاعدة السلطنة الثابتة له عدم
جواز التصرف في العين المرهونة بما ينافى كونها رهنا و لذا يتوقف بيع العين
المرهونة من الراهن على اجازة المرتهن كما ثبت في محله و بالجملة تصير العين
بعد الرهن متعلقة لحق الغير و اما في المقام فلم يتعلق حق من المبذول له بعد
تحقق البذل فالمقايسة في غير محلها.
ثم انه ربما يستظهر ان الوجه في توقف السيد (قدس سره) في العروة في الحكم بجواز
الرجوع في المقام مع انه افتى بجواز الرجوع في مسئلة الصلوة المذكورة في كلام
المحقق النائينى (قدس سره)هو التمسك بقاعدة الغرور المعروفة المدلول عليها
بقوله (صلى الله عليه وآله) المغرور يرجع الى من غره و هذا الحديث و ان لم يوجد
ـ على ما قاله بعض المتتبعين في الاحاديث ـ في شىء من كتب الاحاديث العامة و
الخاصة و ان اسنده الى النبى (صلى الله عليه وآله) بعض الاعاظم من الفقهاء
كالمحقق الكركى و صاحب الجواهر الا ان الدليل عليها لا ينحصر بالرواية النبوية
بل يدل عليها الاجماع و تسالم الاصحاب و السيرة
(الصفحة 200)
العقلائية و الروايات الواردة في تدليس الزوجة من جهة ارائتها حرة مع كونها امة
و من جهة العيوب المختلفة و قد وقع في بعضها التعليل بقوله (عليه السلام): كما
غر الرجل و خدعه و بالجملة لا مجال للاشكال في حجية القاعدة و كونها من القواعد
الفقهية المسلمة و قد تعرضنا لها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية الا ان
الاشكال في صحة الاستدلال بها للمقام.
تارة من جهة عدم تحقق عنوان الغرور هنا لان تحققه انما هو في مثل ما إذا قدم
طعام الغير المغصوب الى ضيفه الجاهل بالحال مع ان معنى الضيافة و ظاهرها كون
الطعام لنفسه و اما في المقام فلم يتحقق من المالك الا مجرد الاباحة و هى لا
تنافى الرجوع حتى فيما لو صرح ببقائها بل الاباحة موضوع لجواز الرجوع كما ان
الطلاق الرجعى موضوع لجواز الرجوع و لا دلالة لايقاعه على انه لا يرجع و لا
يتحقق فيه الرجوع بل هو انشاء الفراق بنحو قابل للرجوع و في المقام تكون خصوصية
الاباحة في مقابل التمليك هى جواز الرجوع بمقتضى قاعدة السلطنة غير الجارية في
صورة التمليك و عليه فلا مجال لان يقال ان انشاء الاباحة ظاهر في عدم الرجوع و
تغرير للمباح له و ايقاع له في خلاف ما هو الظاهر منه.
نعم ربما يقترن التصريح بعدم الرجوع في الاباحة بانشائها و يكون مقتضى التصريح
ـ حينئذ ـ الوعد بالعدم و انه لا يخلف في وعده و ـ حينئذ ـ يتحقق التعزير لاجل
هذا التصريح لا لاجل اصل انشاء الاباحة كما لا يخفى.
و اخرى من جهة ان صدق الغرور يتوقف على علم الغار و جهل المغرور و ربما يقال
بانه يعتبر فيه زائدا على العلم قصد ايقاع المغرور في خلاف الواقع لان الغرور
من العناوين القصدية المتقومة بالقصد فاذا لم يكن الغار قاصدا للايقاع في خلاف
الواقع لا يتحقق الغرور و ان ناقشنا في اعتبار القصد فيه في كتابنا في القواعد
الفقهية و كيف كان فلا شبهة فى اعتبار علم الغار مع ان فرضه في المقام الذى
يتحقق منه البذل
|