(الصفحة 99)مسئلة 12 ـ لا تعتبر الاستطاعة من بلده و وطنه فلو استطاع العراقى او
الايرانى و هو في الشام او الحجاز وجب و ان لم يستطع من وطئه، بل لو مشى الى
قبل الميقات متسكعا او لحاجة و كان هناك جامعا لشرائط الحج وجب و يكفى عن حجة
الاسلام، بل لو احرم متسكعا فاستطاع و كان امامه ميقات آخر يمكن القول بوجوبه و
ان لا يخلو من اشكال1.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع ثلاثة:
الاول ما لو استطاع الشخص في غير بلده و
وطنه و لم يكن مستطيعا من وطنه و محل الكلام ما إذا لم تكن اقامته في البلد
الثانى بنحو الدوام و قصد التوطن و ما إذا لم تكن اقامته فيه موجبا لانتقال
الفرض كالمجاور بمكة بعد السنين بل كانت اقامته فيه موقتة قصيرة ففى هذه الصورة
إذا استطاع من البلد الثانى كما إذا استطاع الايرانى و هو في الشام الواقع في
وسط الطريق تقريبا، كما ان محل البحث ما إذا كان واجدا للزاد و الراحلة بعد
العود الى وطنه لا الى محل الاستطاعة ففى هذه الصورة وقع البحث في انه مستطيع
يجب عليه الحج ام لا؟فالمحكى عن المدارك و المستند و الذخيرة و بعض المتأخرين
القول بوجوب الحج و عن الشهيد الثانى العدم و عمدة ما يدل على الاول تحقق
الاستطاعة الفعلية بالاضافة اليه و لا دليل على اعتبار حصولها من البلد بعد عدم
وقوع التقييد به لا في الاية و لا في غيرها من الادلة فالملاك هى فعلية
الاستطاعة و هى متحققة على ما هو المفروض كما ان المفروض وجدانه للزاد و
الراحلة بالاضافة الى العود حتى الى وطنه نعم ربما يستدل على الوجوب ـ مضافا
الى ما ذكر ـ بصحيحة معاوية بن عمار قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام)
الرجل يمرّ مجتازا يريد اليمن او غيرها من البلدان و طريقة بمكة فيدرك الناس و
هم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد ايجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال:
نعم(1)
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 100)
و قد استشكل في الاستدلال بها ـ تارة ـ بان الظاهر منها كون جهة السؤال عدم قصد
الحج من البلد لا عدم تحقق الاستطاعة منه ـ و اخرى ـ بان الاجزاء اعم من كونه
حجة الاسلام و الجواب عن الثانى واضح فانك عرفت ان الحج له حقائق متعددة و مهية
حجة الاسلام مغايرة مع مهية غيرها من الحج الاستحبابى و النيابى و غيرهما
فالحكم بالاجزاء لا محالة ينطبق على حجة الاسلام و اجيب عن الاول بصلاحية
الجواب للاستدلال بها من جهة ترك الاستفصال بين ما إذا كان مستطيعا من البلد و
بين ما إذا لم يكن كذلك و لكن الظاهر انه لا مجال لهذا الجواب فانه بعد ما فرض
كون حيثية السؤال امرا لا يرتبط بمسئلة الاستطاعة لا مجال ـ حينئذ ـ للاستدلال
بترك الاستفصال في الجواب كما لا يخفى فالانصاف تمامية الاشكال الاول لكن عرفت
انه لا حاجة الى الاستدلال بالرواية اصلا فالحكم في هذا الفرع هو وجوب الحج كما
افيد في المتن.
الثانى ما لو مشى الى ما قبل الميقات متسكعا
او لحاجة ثم حصل له الاستطاعة هناك و الظاهر وجوب الحج عليه لما عرفت من عدم
اعتبار الاستطاعة من البلد الاّ لمن اراد الحج منه بان كان مقيما فيه.
ثم انه يظهر من ذلك انه لو علم بحصول الاستطاعة عند الميقات و هو في البلد لا
يجب عليه السفر الى الميقات لعدم لزوم تحصيل الاستطاعة بوجه كما إذا علم الشخص
بانه لو اتجر تجارة فلانية يصير مستطيعا فانه لا يجب عليه الاتجار المذكور لهذا
الوجه و هذا بخلاف الفرع الذى ذكرنا في ذيل بعض المسائل السابقة و هو ما لو علم
الصغير المستطيع بحصول البلوغ له قبل الميقات فانه يلزم عليه عقلا السفر الى
الميقات لوجود الاستطاعة الفعلية و حصول البلوغ قبل الشروع في الاعمال و الفرق
الزام العقل هناك و المفروض وجود الاستطاعة و لا مجال للالزام هنا بعد كونه
متسكعا كما لا يخفى.
(الصفحة 101)
الثالث ما لو احرم متسكعا فاستطاع و في
المتن ـ تبعا للعروة ـ امكان القول بالوجوب إذا كان امامه ميقات آخر و ان ذكرا
بعده انه لا يخلو من اشكال و ظاهر التقييد بما إذا كان امامه ميقات آخر هو
تجديد الاحرام من ذلك الميقات و ان كان يحتمل ان يكون الوجه فيه هو العبور عن
الميقات محرما و في هذا الفرع قولان آخران:
احدهما ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) في
شرح العروة من عدم كون حجه حجة الاسلام لان صيرورته كذلك تتوقف على تحقق
الاستطاعة له من اول الاعمال الى آخرها لعدم كون صرف الوجود من المال و لو في
اثناء الاعمال موضوعا للوجوب كى يحكم بالاجزاء فيما إذا حصلت له الاستطاعة بعد
احرامه و لا فائدة في وجود ميقات آخر امامه لانه ليس له تجديد احرامه في
الميقات الثانى لانه لا احرام في احرام نعم لو قلنا ان الاحرام شرط للحج لا جزء
من اعماله امكن القول بالاجزاء بلا فرق بينما إذا كان امامه ميقات آخر اولا.
ثانيهما ما افاده بعض الاعلام في شرحه على
العروة ايضا من ان مقتضى اطلاق الادلة وجوب الحج عليه و الذى يمنع عن القول
بالوجوب احرامه لغير حجة الاسلام اذ ليس له ابطاله و الاحرام ثانيا لحج الاسلام
و هو لا يمنع عنه لانه بعد فرض شمول اطلاق الادلة المذكورة يكشف عن بطلان
الاحرام الاول و انه لم يكن له امر ندبى بالحج و انما هو مجرد تخيل و وهم فحصول
الاستطاعة و لو بعد الميقات يكشف عن بطلان احرامه الاول و لذا لو انكشف انه كان
مستطيعا من بلده و كان لا يعلم بذلك فلم يجب عليه الاّ حجة الاسلام و يجرى عليه
احكام من تجاوز الميقات بغير احرام من الرجوع اليه مع الامكان و مع عدمه
التفصيل الآتى في محله و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان امامه ميقات آخر ام لا.
اقول البحث مع هذا البعض في مراحل:
الاولى أنه هل يكون لادلة الحج اطلاق يشمل
المقام و هو ما لو حصلت
(الصفحة 102)
الاستطاعة بعد الاحرام او ان ظاهرها هو حصول الاستطاعة قبل الشروع في اعمال
الحج كما افاده ذلك البعض لا يبعد ان يقال بالثانى فكما ان الدليل الدال على
شرطية شىء للمأمور به ظاهر في لزوم اقتران الشرط مع تمام اجزاء المأمور به من
اوله الى آخره كذلك الدليل الدال على شرطية شىء لتعلق التكليف بالمأمور به ظاهر
في لزوم تحقق الشرط قبل اجزاء المأمور به و الشروع فيها.
الثانية انه لو فرض ثبوت الاطلاق لادلة الحج
و شمولها لما إذا حصلت الاستطاعة بعد الاحرام الذى هو اول جزء من المأمور به
نقول ان في مقابل هذا الاطلاق اطلاقا آخر و هى الادلة الواردة فيمن احرم من
الميقات احراما صحيحا و لو ندبا الدالة على انه ليس له رفع اليد عن الاحرام بل
يجب عليه اتمام هذا العمل فان مقتضى اطلاقها الشمول لما إذا حصل شرط الوجوب بعد
الاحرام و عليه فيجب اتمامه ندبا و لا مجال لدعوى عدم نهوض دليل الاستحباب في
مقابل دليل الوجوب بعد كون مقتضى هذه الادلة لزوم الاكمال بعنوان الاستحباب
كصلوة الليل التى وقعت متعلقة للنذر فانه يجب على الناذر الاتيان بصلوة الليل
لكن بقصد الاستحباب دون الوجوب.
و بعد تعارض الاطلاقين لا مرجح لاطلاق ادلة وجوب الحج و ادخال مورد التعارض
تحتها كما لا يخفى.
الثالثة انه لو فرض ثبوت المزية لاطلاق ادلة
وجوب الحج و لزوم ادخال المورد تحتها فالحكم بانه يكشف عن فساد الاحرام الاول
لا سبيل اليه و الاستناد الى ما لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا
يعلم بذلك غير تام فانه في ذلك المورد يتبين له ان الشروع في الاحرام بعنوان
الاستحباب لم يكن في محله لكونه مستطيعا في الواقع يجب عليه حجة الاسلام و اما
المقام فالشروع بنية الندب كان في موضعه لعدم كونه مستطيعا في هذا الحال و لا
دليل على بطلان هذا الاحرام و مقتضى اطلاق ادلة
(الصفحة 103)
الحج لزوم كون الاعمال الآتية بعنوان حجة الاسلام فكما انه صرح هذا البعض في
العبد المنعتق قبل المشعر بان مقتضى ادلة اجزاء حجه عن حجة الاسلام هو الانقلاب
القهرى الشرعى من دون حاجة الى تجديد النية ايضا كذلك مقتضى شمول الاطلاق في
المقام ذلك و يمكن ان يقال بلزوم تجديد النية ايضا و اما الكشف عن الفساد و
لزوم تجديد احرام آخر فلم يظهر وجهه و (دعوى) ان لازم القول بتعدد المهية في
باب الحج ذلك (مدفوعة) بعدم كون لازمه ذلك بل اللازم هو العدول كما في صلوة
العصر حيث يعدل عنها الى صلوة الظهر لو انكشف له في الاثناء انه لم يأت بها و
كما في العدول في العبد المنعتق قبل المشعر لو لم نقل بالانقلاب القهرى و
(دعوى) كون العدول على خلاف القاعدة و الاصل و لا يؤخذ به الاّ في موارد وجود
الدليل و المفروض ثبوته في العبد المنعتق و عدم وجوده في المقام (مدفوعة) بان
التعبير في العبد و ان كان هو الاجزاء عن حجة الاسلام و في المقام هو الحكم
بوجوب الحج الاّ ان الظاهر انه لا فرق بينهما في الحقيقة لان مرجع الاجزاء الى
وجوب حجة الاسلام عليه في ذلك الحال غاية الامر ان الوجوب في المقام ثبت
بالاطلاق و هناك بالنص و هذا المقدار لا يوجب الفرق من جهة ما نحن فيه من
العدول الى حجة الاسلام كما لا يخفى.
ان قلت لعل نظره في الحكم ببطلان الاحرام
الى ان توجه الحكم بالوجوب اليه بعد الاستطاعة ـ لفرض الاطلاق ـ يقتضى البطلان
من جهة ان الامر انما تعلق بالحج و هى عبادة مركبة من عدة اجزاء منها الاحرام
فكانّ الامر تعلق الى الاحرام و لا معنى لتعلقه اليه فى حالة الاحرام الاّ بعد
كون الاحرام الاول محكوما بالفساد لانه لا معنى للامر بالاحرام في حالة كونه
محرما بالاحرام الصحيح لانه من تحصيل الحاصل كما لا يخفى.