(الصفحة 217)
يكون ذلك الداعى صالحا للاستقلال في الداعوية و هو لا ينافى وجود داع آخر كذلك
نعم اطلاقه يقتضى الصحة و ان كان داعى القربة تبعيا لكن هذا الاطلاق ليس بحد
يصلح للخروج بها عن ظاهر الاية لقرب حمل الكلام على انه في مقام نفى مانعية
الضميمة و اما الخبر الثالث فحمله على ذلك اقرب فان قول السائل و لا ينوى غيره
ظاهر فى ذلك جدّا مضافا الى ضعف سنده بالارسال».
و يرد عليه ـ مضافا الى ما عرفت من عدم دلالة الاية على وجوب السفر و السعى الى
البيت بوجه لما عرفت ـ انه لا مجال لانكار ظهور الروايات في عدم مدخلية للسفر و
لو من الميقات في اعمال الحج و مناسكه و ان ما يعتبر فيه قصد القربة هى الاعمال
فقط دون السير فما هو الواجب في الميقات انما هو الاحرام و اما السير منه الى
البيت فلا يكون واجبا نفسيا بل انما يجب مقدمة لتحقق الطواف و السعى و مثلهما
فلو اختطف في الميقات بعد الاحرام ثم اطلق في مكة لا يقدح ذلك في صحة حجه و لا
يجب عليه العود الى الميقات ليتحقق منه السير الذى هو واجب تعبدى على ما افاده
فالانصاف انه لا مجال لدعوى الوجوب التعبدى بالاضافة الى السير و لو من الميقات
مع انه لا وجه لدعوى الاجمال ثم الحمل على السير من الميقات فانه بعد كون
التكليف بالحج ثابتا على كل مستطيع من الناس فاذا كان المراد من حج البيت هو
السعى اليه و الحركة نحوه فلا محالة يكون المراد هى حركة كل مكلف من محله و ما
هو موضع تعيشه و محل عائلته و لا مجال للحمل على السير من الميقات و التفكيك
بينه و بين السير من وطنه و بلده هذا مع انه قد تقرر في محله عدم منافاة اخذ
الاجرة للواجب النفسى التعبدى فضلا عن التوصلى و قد حققنا ذلك في كتابنا في
القواعد الفقهية و في بحث الاجارة من هذا الكتاب.
الفرع الثانى ما لو طلب منه اجارة نفسه
للخدمة في طريق الحج بما يصير به مستطيعا و قد حكم في المتن ـ تبعا للعروة ايضا
ـ بعدم وجوب القبول و الوجه في عدم
(الصفحة 218)
الوجوب عدم تحقق شىء من الاستطاعتين قبل القبول و عدم لزوم تحصيل الاستطاعة
بوجه من دون فرق بين الاستطاعة المالية و الاستطاعة البذلية.
اما عدم تحقق الاولى فلانه قبل الاجارة لا يكون مستطيعا على ما هو المفروض و
اما عدم تحقق الثانية فلانه لا يصدق انه عرض عليه الحج او دعى ان يحجوه لان
المطلوب منه هى اجارة نفسه للخدمة كالطبخ و نحوه فلا يصدق عليه انه عرض عليه
الحج و مثله كما لا يخفى.
و لكنه ربما يقال بالوجوب إذا لم يكن حرجا عليه كما قال به صاحب المستند و
استند في ذلك اولا الى صدق الاستطاعة و ثانيا الى انه مالك لمنافعه فيكون
مستطيعا قبل الاجارة كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده او دابته و كانت كافية في
استطاعته.
و اجاب عن الاول السيد في العروة بالمنع من صدق الاستطاعة بذلك و الظاهر ان
مراده منع صدق الاستطاعة العرفية مع انه لو كان المراد هى الاستطاعة العرفية لا
مجال لدعوى منعها و لذا لو كان الدليل منحصرا بالاية الظاهرة في الاستطاعة
العرفية كما مر البحث فيه سابقا لكان اللازم الحكم بالوجوب في المقام لكنه حيث
لا يكون الدليل منحصرا بها بل كان هناك روايات واردة في تفسير الاية و مقتضاها
ان المراد بالاستطاعة هو وجود الزاد و الراحلة عينا او بدلا و المفروض عدم
تحققهما في المقام فاللازم هو الحكم بعدم الوجوب.
و اما الدليل الثانى فيدفعه ان الحرّ لا يكون مالكا لمنافعه بل لعله لا مجال له
اصلا لانه لا يعتبر كون الانسان مالكا لنفسه و لو كانت هى منافعه و لا ينافى
ذلك جواز اجارة نفسه المستلزمة لتمليك منفعته الى المستأجر لعدم الملازمة بين
صحة التمليك و تحقق الملكية قبله كما ان تحقق وصف الغنى المانع من جواز اخذ
الزكوة ـ مثلا ـ بسبب القدرة على مثل الخياطة لا يوجب تحقق الملكية للمنفعة فان
الغنى لا يتوقف على ثبوتها كما لا يخفى.
(الصفحة 219)
و يدل على عدم الملكية انه لو قلنا بها لكان اللازم ان يمهد مقدمات الطلب و
يتصدى لذلك و يجعل نفسه معرضا للايجار من دون ان يكون الوجوب متوقفا على الطلب
كما هو المدعى مع انه من الواضح عدم الوجوب.
الفرع الثالث ما لو آجر نفسه للنيابة عن
الغير فصار مستطيعا بمال الاجارة ففى المتن و العروة لزوم تقديم الحج النيابى
ان كان الاستيجار للسنة الاولى.
و يستفاد من العبارة عدم كونه في حال الايجار مستطيعا و قد صرح به السيد في
العروة و ظاهرهما انه إذا كان في حال الايجار مستطيعا لا يجوز ان يوجر نفسه
للنيابة مع انه لا يتم على اطلاقه فانه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص السنة
الاولى و لم يكن هناك انصراف اليها بل كان الاستيجار بنحو الاطلاق او مع
التصريح بعدم الاختصاص بالسنة الاولى لا مجال للمناقشة في الجواز لعدم المانع ـ
ح ـ بوجه فانه لا تزاحم بين الامرين اصلا.
نعم فيما إذا كان الاستيجار لخصوص السنة الاولى ـ تصريحا او انصرافا ـ لا وجه
لجواز النيابة و ان قلنا بجواز اخذ الاجرة على الواجب النفسى التعبدى ـ كما هو
الحق ـ و ذلك لان مورد تلك المسئلة ما إذا اتى الاجير الواجب المذكور لنفسه
غاية الامر تعلق غرض عقلائى للمستأجر بذلك حتى تصح الاجارة و بذل الاجرة و اما
هنا فالمفروض ان العمل المستأجر عليه هو الحج النيابى الذى مرجعه الى لزوم
الاتيان به نيابة عن الغير و الاجرة انما تقع في مقابل هذا فما هو الواجب عليه
لا تقع في مقابله الاجرة و ما تقع في مقابله الاجرة غير واجب عليه و من المعلوم
انه لا يمكن الجمع بين الامرين لعدم صلاحية حج واحد لان يقع عن نفسه و عن غيره
فالمقام لا يرتبط بتلك المسئلة اصلا هذا إذا كان الاجير مستطيعا و اما إذا لم
يكن مستطيعا بل صار كذلك بمال الاجارة فقد عرفت انه حكم فيه بتقديم الحج
النيابى و قد علله بعض الاعلام في الشرح بانه يجب عليه تسليم العمل المستأجر
عليه الى من يستحقه كما لو اجر نفسه لساير الاعمال من البناء و الخياطة
(الصفحة 220)
فان وجوب تسليم ما عليه من الاعمال ينافى وجوب الحج و يزاحمه.
و يرد عليه ان لزوم تسليم العمل المستأجر عليه الى من يستحقه و ان كان لا مجال
للاشكال فيه الا ان المفروض انه يكون هنا وجوب اخر و هو وجوب حجة الاسلام
المشروط بالاستطاعة الحاصلة بمال الاجارة فهنا وجوبان تحقق احدهما بالاجارة و
الاخر بالاستطاعة و لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال و الكلام انما هو في
وجه تقدم الحج النيابى على الحج عن نفسه و من المعلوم ان لزوم تسليم العمل في
باب الاجارة لا يصلح لان يكون وجها للتقدم فهذا التعليل عليل.
و قد ذكر في «المستمسك» في مقام بيان وجه التقديم ان وجوب حج النيابة عليه في
هذه السنة المحقق بالاجارة يكون مانعا عن الاستطاعة السربية التى هى شرط وجوب
حج الاسلام و ان كانت الاستطاعة المالية حاصلة.
و يرد عليه انه ان كان المراد من الاستطاعة السربية التى يكون وجوب حج النيابة
مانعا عنها هى تخلية السرب و انفتاح الطريق و عدم وجود مانع فمن الواضح ان وجوب
حج النيابة لا يكون مانعا عنها نعم صارت الاستنابة موجبة لتحقق الاستطاعة
المالية فقط نعم يمكن فرض ذلك فيما إذا كان انفتاح الطريق بيد المستأجر بحيث لو
لا قبول النيابة و تحقق الاستيجار لكان الطريق غير منفتح و اما كون نفس
الاستيجار مانعا عنه مطلقا فلم يعلم وجهه.
و ان كان المراد منها كون منفعة طى الطريق في السنة الاولى و منفعة الاتيان
بالاعمال و المناسك مملوكة للمستأجر و مع المملوكية له لا يقدر الاجير على
الاتيان بالحج لنفسه و ذلك كما إذا ملك منفعة نفسه في زمان خاص للمستأجر فانه
لا يجوز له ان يصرفها و لو فى نفسه و مصالحه فنقول ان عدم القدرة و لو في
المثال ممنوع و عدم الجواز فيه انما هو لاجل انه لا يكون في مقابل الاستيجار
الذى يجب الوفاء به وجوب آخر و اما في المقام ففى مقابل وجوب الوفاء بعقد
الاجارة وجوب الحج عن نفسه لتحقق شرطه
(الصفحة 221)
و هى الاستطاعة المالية و لو بسبب الاجارة.
ثم انه على فرض وجوب التقديم ففى المتن ان هذا التقديم انما هو فيما إذا كان
الاستيجار للسنة الاولى و مفهومه انه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص هذه السنة لا
بد من تقديم حجة الاسلام مع انه في هذا الفرض لا يجب التقديم مطلقا لانه إذا
علم بانه إذا صرف الاستطاعة في حجة الاسلام لا يكون قادرا على الحج النيابى في
السنين الآتية لا يبقى مجال للتقديم في هذه الصورة بل لا بد من الاتيان بالحج
النيابى كما لا يخفى.
الفرع الرابع ما لو حج مع عدم كونه مستطيعا
فانه لا يجزى عن حجة الاسلام بل يجب عليه الحج بعد ما صار مستطيعا و فيه فرضان:
الاول ما إذا حج لنفسه تسكعا بعنوان الاستحباب و الثانى ما إذا حج لغيره نيابة
سواء كان تبرعا او بمال الاجارة و المشهور المعروف في كلا الفرضين عدم الاجزاء
بل في الجواهر بلا خلاف اجده في شىء من ذلك بل يمكن تحصيل الاجماع عليه.
و يدل على عدم الاجزاء في كلا الفرضين اطلاق مثل الاية الشريفة فان مقتضاه انه
مع حدوث الاستطاعة و تحققها يجب الحج من دون فرق بين من حج قبلا مع عدم
الاستطاعة و من لم يتحقق منه الحج بعد و ليس في مقابل الاطلاق ما يوجب التقييد
خصوصا في الفرض الاول الذى لم يرد فيه رواية اصلا نعم يمكن استفادة حكمه من بعض
الروايات الدالة على الاجزاء كما يأتى.
و اما الفرض الثانى فقد ورد فيه طائفتان من الاخبار:
الاولى ما تدل على عدم الاجزاء مثل رواية
آدم بن على عن ابى الحسن (عليه السلام) قال من حج عن انسان و لم يكن له مال يحج
به اجزأت عنه حتى يرزقه اللّه ما يحج به و يجب عليه الحج.(1) و في
المستمسك بدل آدم «مرازم» لكن في الوسائل و التهذيب الذى رواها صاحب الوسائل
عنه هو آدم و هو مجهول و كذا الراوى عنه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح ـ 1