(الصفحة 456)
الوقت فلا تكون القضيتان متحدتين فلا مجال لجريان الاستصحاب.
هذا و يمكن تقرير الاستصحاب بوجه لا يرد عليه الايراد المذكور و هو اجرائه بنحو
القسم الثانى من اقسام استصحاب الكلى بان يقال ان مرجع الشك في وجوب القضاء
خارج الوقت الى الشك في وحدة المطلوب و تعدده فان وجوب القضاء يكشف عن تعدده
كما ان عدم وجوبه يكشف عن وحدته ففى الحقيقة إذا كان الاشتغال بنحو وحدة
المطلوب فعدم بقائه بعد خروج الوقت مقطوع كما انه لو كان بنحو التعدد يكون
بقائه بعده مقطوعا فالامر يدور بين مقطوع البقاء و مقطوع الزوال و بالنتيجة
يصير بقاء الكلى مشكوكا و لا مانع من استصحابه ففى المقام نقول ان اصل الاشتغال
المردد بين المقيد بالوقت و بين غير المقيد به معلوم و الشك في بقائه و مقتضى
الاستصحاب ذلك و لازمه الاتيان بالواجب بعد الوقت ليتحقق الفراغ و الخروج عن
عهدة التكليف الثابت بالاستصحاب.
الفرع الخامس: ما لو نذر ان يحج من غير ان
يقيده بزمان خاص و البحث فيه يقع من جهات:
الاولى اصل جواز التأخير و عدم لزوم فورية
الوفاء المناسبة للعمل ففى الحج عبارة عن الاتيان به في سنة النذر و في غيره
بتناسبه و الدليل على عدم لزوم الفورية ما حقق في الاصول في مبحث عدم دلالة
هيئة افعل و ما يشابهها على الفورية من ان متعلقها نفس الطبيعة و صرف الماهية و
الامر الى اتيانها و ايجادها في الخارج بعث الى نفسها من دون دلالة على الفور
اصلا كما انه لا دلالة له على التراخى نعم بناء على ما حكاه سيدنا الاستاذ
الاعظم الماتن (قدس سره) عن شيخه المحقق الحائرى (قدس سره) من ذهابه في اواخر
عمره الى ان العلل الشرعية كالعلل التكوينية و انه يترتب عليها ما يترتب عليها
من الآثار و الاحكام و الخصوصيات لا بد من الالتزام بالفورية لان ترتب المعلول
التكوينى على علته التكوينية فورى لا انفكاك بينهما اصلا فلا بد من ان يكون في
العلل التشريعية التى منها الامر و منها النذر كما في المقام ان يكون كذلك و
لكنا قد حققنا في الاصول تبعا للاستاذ (قدس سره)
(الصفحة 457)
بطلان هذا المبنى و عليه فلا مجال للحكم بلزوم الوفاء بالنذر فورا.
نعم حكى عن التذكرة انه بعد ما قوى عدم الفورية ذكر وجوها لاحتمالها مثل انصراف
المطلق اليها او انه لو لم نقل بالفورية لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام
حيا او ان ظن الحياة هنا ضعيف لانه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الاتيان به
الا من عام آخر او اطلاق بعض الاخبار الناهية عن تسويف الحج و لكن المناقشة في
جميع هذه الوجوه واضحة كما لا يخفى.
الثانية غاية جواز التاخير وحدّه قال في
المدارك: «قد قطع الاصحاب بان من نذر الحج مطلقا يجوز له تاخيره الى ان يتضيق
الوقت بظن الوفاة» و قال في المسالك «لا خلاف في جواز تأخير المطلق الا ان يظن
الوفاة سواء حصل مانع ام لا» و في الجواهر انه هو المعروف بين الاصحاب.
و ذكر بعض الاعلام بعد نقل ما هو المعروف بين الاصحاب من ان الحدّ هو ظن الموت
او الفوت في مقام الاشكال عليه ما ملخصه انه لا دليل على اعتبار الظن في المقام
بل لو قلنا بجواز التأخير فاللازم الحكم بجوازه مطلقا و ان تحقق الظن باحدهما
بل الظاهر عدم جواز التأخير الا مع الاطمينان باتيان الواجب في آخر الوقت او
كون التأخير مستندا الى العذر لان مقتضى حكم العقل بعد اشتغال ذمة العبد
بالواجب افراغ ذمته عما وجب عليه و ليس له التأخير في ادائه ما لم يكن هناك
مؤمّن و هو احد امرين و هما العذر في التأخير و حصول الاطمينان له بالوفاء في
آخر الوقت او قيام طريق شرعى كالبينة فلو كان شاكا في امكان الامتثال لا يجوز
له التأخير و ان لم يظن الموت بل لا يجوز في صورة الظن بالبقاء ان لم يبلغ حد
الاطمينان.
و استصحاب بقاء الحيوة او التمكن لا يصلح مستندا لجواز التأخير لانه مضافا الى
جريانه في صورة الظن بالموت ايضا يكون مثبتا لانه لا يحقق الامتثال و احرازه
فيما بعد بل هو لازم عقلى لبقاء الحيوة و القدرة.
(الصفحة 458)
و هذا القول هو الوسط بين القول او احتمال الفورية و بين ما هو المعروف بين
الاصحاب لان مقتضاه عدم لزوم الفورية و جواز التأخير و عدم كون حدّ الجواز هو
الظن بالموت او الفوت بل مشروط بالاطمينان بالبقاء و القدرة.
و يندفع الاشكال عن المشهور بان الظاهر ان مرادهم من الظن بالموت هو الاطمينان
الذى يعامل معه معاملة العلم عند العرف و العقلاء فلا مجال لدعوى عدم الدليل
على اعتبار الظن في المقام على ما عرفت.
و اما تعليق الحكم بجواز التأخير على الاطمينان بالبقاء و لازمه عدم الجواز مع
الظن به فضلا عن الشك و الوهم فيرد عليه ان الحاكم بجواز التأخير ليس الا العقل
لانه من شئوون الامتثال و الخروج عن عهدة التكليف الذى تنجز على المكلف و
الظاهر ان التعليق المذكور يستلزم عدم جواز التأخير نوعا لانه لا يتحقق
الاطمينان بالبقاء كذلك فيلزم ان لا يتحقق الجواز بحسب الغالب و منه يستكشف ان
حكمه بالجواز مغيى بما هو المعروف من الاطمينان بالموت او الفوت لا مشروط
بالاطمينان بالبقاء و مما ذكرنا انه لا وجه لدعوى كون الاستصحاب مثبتا بعد كون
مورده مثل ما إذا كان الاثر الشرعى مترتبا على المستصحب بواسطة لازم عقلى او
عادى مع انك عرفت انه لا يكون هنا اثر شرعى لان جواز التأخير انما هو حكم العقل
و لا ارتباط له بالشرع.
الثالثة انه لو مات بعد تمكنه من الاتيان
بالحج و الوفاء بالنذر و لم يأت به ففى وجوب القضاء على الوارث و عدمه ما مر من
البحث فيه في الفرع السابق بالاضافة الى وجوب القضاء على نفسه و لا خصوصية لهذه
الجهة في هذا الفرع كما لا يخفى
الرابعة انه هل القضاء عن الميت من اصل
التركة او من الثلث قولان: ذهب جماعة كالمحقق في الشرايع الى الاول و استدل
عليه بان الحج واجب مالى و الاجماع قائم على ان الواجبات المالية تخرج من الاصل
و قد مرّ الايراد عليه بالمنع من كون
(الصفحة 459)
الحج واجبا ماليا كما في المدارك نظرا الى انه عبارة عن المناسك المخصوصة و ليس
بذل المال داخلا في ماهيته و لا من ضرورياته و توقفه عليه في بعض الصور كتوقف
الصلوة عليه في بعض الوجوه كما إذا احتاج الى شراء الماء او استيجار المكان و
الساتر و نحو ذلك مع القطع بعدم وجوب قضائها من اصل التركة.
كما انه قد مرّ جواب صاحب العروة عن هذا الايراد بان الحج في الغالب محتاج الى
بذل المال بخلاف الصلوة و سائر العبادات البدنية فان كان هناك اجماع او غيره
على ان الواجبات المالية من الاصل يشمل الحج قطعا.
و التحقيق انه لا مجال لدعوى كون الحج
المنذور واجبا ماليا حتى يدخل في معقد الاجماع المذكور لما عرفت مرارا من ان
الواجب في باب النذر ليس هو العمل المنذور و ما تعلق به النذر و ان كان مفاد
الصيغة هو التمليك لان الصيغة بمجردها لا تثبت الحكم الشرعى بل الحكم الشرعى
انما ثبت بمقتضى دليل وجوب الوفاء بالنذر ضرورة انه مع قطع النظر عن الدليل
المذكور لا يكون في البين وجوب و واجب فالدليل المتكفل لاثبات الحكم الشرعى هو
ما يدل على وجوب الوفاء لا الصيغة بنفسها و عليه فاللازم ملاحظة الواجب في ذلك
الدليل و من المعلوم انه هو عنوان الوفاء و لا يكون هذا واجبا ماليا و مجرد
تحققه في الخارج فيما إذا كان المنذور امرا ماليا بايجاد ذلك الامر المالى لا
يوجب كون عنوان الوفاء واجبا ماليا و هذا بخلاف حجة الاسلام التى تكون بنفسها
معروضة للوجوب و يمكن القول بل لا يبعد الالتزام بانه واجب مالى كالزكوة و
الخمس و الدين.
و قد انقدح ان كون الحج امرا ماليا لا يستلزم ان يكون واجبا ماليا داخلا في
معقد الاجماع المذكور فيما إذا صار متعلقا للنذر و شبهه و بما ذكرنا يظهر النظر
فيما تقدم عن المستمسك و صاحب الجواهر في باب مطلق النذر او خصوص نذر الحج فان
نظر الاول الى مفاد الصيغة و نظر الثانى الى متعلق النذر مع انه لا بد ان يكون
(الصفحة 460)
النظر الى دليل وجوب الوفاء بالنذر و لا يكون الوفاء بعنوانه امرا ماليا كما
عرفت.
هذا و ذهب جماعة الى انه يخرج من الثلث و استدلوا عليه بروايتين واردتين في نذر
الاحجاج بضميمة الاولوية.
احديهما صحيحة ضريس الكناسى قال سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الاسلام نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا الى
مكة فمات الذى نذر قبل ان يحج حجة الاسلام و من قبل ان يفى بنذره الذى نذر قال
(عليه السلام): ان ترك ما لا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال، و اخرج من
ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و ان لم يكن ترك ما لا الا بقدر
ما يحج به حجة الاسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل
دين عليه.(1) و التعليل المشتمل على التشبيه بالدين انما هو في اصل
وجوب الاخراج على الولى و الا فالمشبه به الذى هو الدين يخرج من جميع التركة لا
من الثلث و ان كان يرد عليه ان لزوم الاخراج على الولى انما هو فيما إذا كان
للميت تركة لانه لا يجب الاخراج على الولى من مال شخصه كما لا يخفى.
ثانيتهما صحيحة ابن ابى يعفور قال قلت لابى
عبد اللّه (عليه السلام) رجل نذر للّه ان عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى
بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الاب فقال: الحجة على الاب يؤديها
عنه بعض ولده قلت: هى واجبة على ابنه الذى نذر فيه فقال: هى واجبة على الاب من
ثلثه او يتطوع ابنه فيحج عن ابيه.(2) و تقريب الاولوية على ما في
العروة تبعا لكشف اللثام انه إذا كان نذر الاحجاج كذلك اى خارجا من الثلث مع
كونه ماليا قطعا فنذر الحج بنفسه اولى بعدم الخروج من الاصل.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح ـ 3