(الصفحة 300)
هل هو الحج الفاسد الذى يتمه اولا و الحج الثانى عقوبة للافساد و جزاء عليه او
انها هو الحج الثانى الذى يأتى به بعد اتمام الحج الاول الفاسد فان قلنا بالاول
فالحكم لا يجرى فيه لان المفروض تحقق الموت في اثناء الحج الثانى و هو ليس بحجة
الاسلام فلا دليل على الاجزاء فيه بل يجب القضاء عنه و ان قلنا بالثانى فالحكم
بالاجزاء يجرى فيه لان المفروض انه هو حجة الاسلام فتشمله الروايات هذا تمام
الكلام في المقام الاول.
و اما الكلام في المقام الثانى و هو من لم
يستقر عليه الحج بل كان عام استطاعته فالمهم فيه هو الحكم بوجوب القضاء عنه و
فيه اقوال ثلاثة:
الاول القول بوجوب القضاء عنه حكى عن
المقنعة و المبسوط و النهاية و ظاهر القواعد و اختاره في المستند حيث قال: «لو
مات المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الاحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه
بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الاقرب المنصور» و
كذا اختاره جمع من المحققين من شراح العروة.
الثانى القول باستحباب القضاء عنه و هو ظاهر
الجواهر حاكيا له عن بعض و جعله السيد في العروة اظهر.
الثالث عدم وجوب القضاء عنه و عدم استحبابه
ايضا و هو مختار المتن و لعله المشهور.
اما القول الاول فمستنده الاخذ باطلاق صحيحة
ضريس الظاهرة في وجوب القضاء عنه فيما إذا مات دون الحرم فان قوله فيها رجل خرج
حاجا حجة الاسلام مطلق شامل لمن لم يستقر الحج عليه ايضا و لا يقدح في ذلك كون
الحكم بوجوب القضاء مختلفا بالاضافة الى من استقر و من لم يستقر حيث انه في
الاول يكون موافقا للقاعدة و في الثانى مخالفا لها نظرا الى ان الموت في عام
الاستطاعة بعد الاحرام قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الاول
لفقد الاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج بحكم العقل و قاعدة نفى الحرج
على ما عرفت سابقا
(الصفحة 301)
فكما ان فقد الاستطاعة المالية بعد الاحرام و قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب
الحج من الاول كذلك عدم الاستطاعة الزمانية المتحقق بالموت.
هذا و لكن ذلك لا يقدح في دلالة الروايات على الحكم بوجوب القضاء عنه و ان كان
خلاف القاعدة فمقتضى الاطلاق وجوب القضاء في المقام ايضا.
و اما القول الثانى فمستنده انه لا وجه
لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية و لذا
لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب او إذا فقد بعض الشرائط الاخر مع كونه
موسرا و عليه فيحمل الامر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن
استقر عليه من الخارج مثل الاجماع فالاطلاق في الصدر و ان كان محفوظا الاّ ان
قوله: فليقض لا دلالة له على الوجوب بل على القدر المشترك فيدل على رجحان
القضاء عمن لم يستقر عليه الحج.
و اما القول الثالث فمبنى على اختصاص صحيحة
ضريس بخصوص من استقر عليه الحج نظرا الى لزوم رفع اليد عن اطلاق قوله: خرج حاجا
حجة الاسلام لا لاجل الحكم بوجوب القضاء عنه في الذيل و هو لا يلائم مع عدم
ثبوت التكليف من الاول فان الحكم إذا كان على خلاف القاعدة لا بد من الالتزام
به إذا دل الدليل عليه بل لاجل ان التعبير بالاجزاء في الرواية و كذا التعبير
بالقضاء في قوله فليقض ظاهر ان فيما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف
فانه مع عدم ثبوت التكليف و عدم وجوب حجة الاسلام الذى يكشف عنه الموت في
الاثناء لا مجال للتعبير بالاجزاء فيما إذا مات بعد الاحرام و دخول الحرم و
للتعبير بالقضاء فيما إذا مات دون الحرم فهذان التعبيران قرينتان على اختصاص
مورد الحكم بما إذا كان هناك تكليف ثابت على عهدة المكلف و في ذمته فالرواية لا
دلالة لها على حكم من لم يستقر اصلا و من الواضح انه كما ان الوجوب يحتاج الى
دليل كذلك الاستحباب يحتاج اليه ايضا و من المعلوم عدمه ايضا و عليه ففى هذا
المقام كما انه
(الصفحة 302)
مسئلة 50 ـ يجب الحج على الكافر و لا يصح منه و لو اسلم و قد زالت
استطاعته قبله لم يجب عليه، و لو مات حال كفره لا يقضى عنه، و لو احرم ثم اسلم
لم يكفه و وجب عليه الاعادة من الميقات ان امكن و الا فمن موضعه نعم لو كان
داخلا في الحرم فاسلم فالاحوط مع الامكان ان يخرج خارج الحرم و يحرم.و المرتد يجب عليه الحج سواء كانت استطاعته حال اسلامه او بعد ارتداده و
لا يصح منه فان مات قبل ان يتوب يعاقب عليه و لا يقضى عنه على الاقوى و أن تاب
وجب عليه و صح منه على الاقوى سواء بقيت استطاعته او زالت قبل توبته، و لو احرم
حال ارتداده فكالكافر الاصلى، و لو حج في حال اسلامه ثم ارتد لم يجب عليه
الاعادة على الاقوى، و لو احرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل احرامه على الاصح1.
لا يجب القضاء كذلك لا يستحب و هذا القول هو الظاهر كما في المتن.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة ايضا فى مقامين:
المقام الاول في الكافر و فيه جهات من
البحث:
الاولى: انه يجب الحج على الكافر فيما إذا
تمت شرائط الوجوب كالمسلم و هو مبنى على القاعدة المعروفة الفقهية التى التزم
بها المشهور و هى اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكليف بالفروع كاشتراكهم معهم
في التكليف بالاصول و قد خالف المشهور جماعة كالمحدث الكاشانى و الامين
الاسترابادى و صاحب الحدائق و بعض المتاخرين و قد تكلمنا فيها مفصلا في كتابنا
في القواعد الفقهية و اخترنا فيه ما هو المشهور
الثانية: انه مع وجوب الحج على الكافر إذا
اتى به في حال كفره لا يقع منه صحيحا اما لعدم تحقق قصد القربة منه بعد عدم
اعتقاده بالاسلام و كونه مقربا في شرعه فلا معنى لتحقق قصد القربة و اما لقيام
الدليل من الاجماع و غيره على كون الاسلام من شرائط صحة العبادة فلا تقع من
الكافر كذلك و لو فرض اعتقاده بوجوبه
(الصفحة 303)
و الاتيان به مع قصد القربة.
الثالثة: ان الكافر إذا اسلم فان بقيت
استطاعته الحادثة حال الكفر الى ما بعد الاسلام فلا اشكال في عدم سقوط وجوب
الحج عنه و لزوم الاتيان به بعده و كذا إذا حدثت له الاستطاعة بعد الاسلام
ثانيا فانه لا اشكال ايضا في وجوب الحج عليه انما الكلام فيما إذا زالت
استطاعته قبل الاسلام مع عدم حدوثها بعده في انه هل يجب عليه الحج متسكعا
كالمسلم الذى استقر عليه الحج او انه لا يجب عليه الحج اصلا؟ الظاهر هو الثانى
لانه مقتضى قاعدة «الجب» المعروفة التى هى ايضا من القواعد الفقهية و منشأها
الحديث المعروف الذى رواه العامة و الخاصة كما في مسند احمد و غيره و في تفسير
على بن ابراهيم و هو ان الاسلام يجب ما قبله و كذا سيرة النبى و الائمة
المعصومين ـ عليه و عليهم افضل صلوات المصلين ـ حيث لم يعهد و لم ينقل الزامه
او الزامهم الكافر الذى اسلم بقضاء ما فات منه من الصلوة و الصيام فالحكم بعدم
وجوب القضاء على الكافر متسالم عليه و لا مجال للاشكال فيه اصلا.
نعم ربما تجرى المناقشة في الحج بالاضافة الى قضاء الصلوة و الصيام نظرا الى ان
الحج غير موقت بوقت ليتصور فيه القضاء فهو نظير ما لو اسلم الكافر في اثناء
الوقت في الواجبات الموقتة فكما انه يجب عليه الاداء مع فرض بقاء الوقت و لا
يكون مقتضى قاعدة الجب سقوط الاداء في هذا الفرض كذلك يجب عليه الحج بعد
الاسلام و لو مع زوال الاستطاعة في حال الكفر و لا تجرى فيه القاعدة المذكورة.
و ان شئت قلت ان وجوب الحج متسكعا بعد زوال الاستطاعة تكليف يشترك فيه المسلم و
الكافر و لا يكون له وقت خاص بل يكون باقيا مادام العمر فلا وجه لاقتضاء قاعدة
الجب سقوطه بل هو نظير ما عرفت من الاسلام في اثناء الوقت.
و الجواب عن المناقشة انها جارية إذا كان
الحكم بوجوب الحج متسكعا موافقا للقاعدة ثابتا على المسلم و الكافر في صورة ترك
الحج في عام الاستطاعة و استقراره
(الصفحة 304)
على المكلف و اما لو فرض كونه مخالفا للقاعدة و كان الدليل على ثبوته بنحو لا
يشمل الكافر فلا مجال للمناقشة اصلا و الظاهر انه من هذا القبيل اما كونه
مخالفا للقاعدة فلان مقتضى الادلة الاولية وجوب الحج على المستطيع و مقتضاها
سقوط التكليف مع زوال الاستطاعة و ان كان الترك مستندا الى العصيان و المخالفة.
و اما عدم كون الدليل عليه شاملا للكافر فلان ظاهره هو الترك العمدى للحج مع
الاعتقاد بوجوبه و ثبوت التكليف به غاية الامر كان المنشأ للترك هو التسويف و
الاهمال و هذا العنوان لا يشمل الكافر الذى يكون منشأ تركه عدم الاعتقاد بوجوبه
كما لا يخفى فدليل وجوب الحج مع التسكع قاصر عن الشمول للكافر و المفروض زوال
استطاعته فلا يجب عليه الحج في الصورة التى هى محل البحث.
اشكال مشهور ذكره صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات و هو انه لا يعقل الوجوب ـ
اى وجوب القضاء عليه ـ اذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا اسلم
و استظهر وجوب الحج عليه في كتاب الحج حيث قال في محكيه: «لو اسلم وجب عليه
الاتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في اظهر الوجهين و اعتبر
العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة الى زمان الاسلام و هو غير
واضح».
واجيب عنه بوجوه:
احدها ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة من
انه يمكن ان يكون الامر به حال كفره امرا تهكميا ـ اى استهزائيا ـ ليعاقب لا
حقيقيا و لكنه استشكل فيه لعدم امكان اتيانه به لا كافرا و لا مسلما فلا يكون
قابلا للامتثال و من الواضح عدم معقوليته مع عدم القابلية للامتثال.
و يرد على هذا الجواب ايضا انه لو كان دليل تكليف الكافر دليلا خاصا منحصرا
بالكافر يمكن ان يقال فيه ذلك و اما مع عموم الدليل و شموله للمسلم و الكافر
فلا مجال لهذا الجواب لانه لا معنى لحمل الامر الواحد على الحقيقى و التهكمى
بالاضافة اليهما.
|