(الصفحة 487)مسئلة 9 ـ لو نذر المشى في الحج انعقد حتى في مورد افضلية الركوبو لو نذر
الحج راكبا انعقد و وجب حتى لو نذر في مورد يكون المشى افضل و كذا لو نذر المشى
في بعض الطريق، و كذا لو نذر الحج حافيا، و يشترط في انعقاده تمكن الناذر و عدم
تضرره بهما و عدم كونهما حرجيين فلا ينعقد مع احدهما لو كان في الابتداء، و
يسقط الوجوب لو عرض في الاثناء و مبدء المشى او الحفاء تابع للتعيين و لو
انصرافا، و منتهاه رمى الجمار مع عدم التعيين1.
و القدر المشترك بين الامرين او الامور و انها مصاديق لذلك الجامع و افراد له
فانه ـ حينئذ ـ يكون التباين واضحا جدا فان الجامع الذى لا ينطبق على اطعام اقل
من ستين و لو كان واحدا مباين للجامع الذى ينطبق على اطعام العشرة و عليه
فاللازم الحكم بالاحتياط و رعاية الاكثر و هذا هو الاظهر.
1 ـ اعلم انه في كل واحد من العناوين الثلاثة المشى و الركوب و الحفاء تارة
يكون متعلق النذر هو الحج غاية الامر مع تقيده باحد هذه العناوين مثل ان يقول
للّه علىّ ان احج ماشيا او راكبا او حافيا و اخرى يكون متعلق النذر هو احد هذه
العناوين في طريق حجة الاسلام او غيرها مثل الحج المستحب و لا يكون لاصل الحج
مدخلية في المتعلق بحيث يجب عليه ايجاده و عليه فالفروض ستة قد وقع التعرض
لثلاثة منها كما انه وقع التعرض في العروة لخمسة منها و اللازم ملاحظة الجميع
فنقول: إذا كان متعلق النذر هو الحج المقيد باحد هذه العناوين فلا شبهة في
انعقاده من جهة اعتبار الرجحان في متعلق النذر فان المتعلق بلحاظ كونه هو الحج
لا محالة يكون مشتملا على الرجحان لانه يلاحظ ذلك بالاضافة الى الترك و عدم
الاتيان بالحج و لا يلزم ان يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و اوصافه فاذا نذر
ان يصلى صلوة مستحبة في الدار ينعقد نذره و ان كان وصف وقوعها في الدار فاقدا
للرجحان لما عرفت من ملاحظة ذلك مع الترك لا مع الصلوة الفاقدة للقيد المذكور
ففى المقام لا يكون ـ ح ـ فرق بين كون
(الصفحة 488)
المشى افضل و عدمه لعدم الفرق من هذه الجهة على ما ذكرنا فما عن البعض من عدم
انعقاد نذر الحج راكبا الاّ في مورد يكون الركوب افضل لا وجه له كما انه لا
مجال لدعوى الانعقاد في اصل الحج لا في صفة الركوب لان المفروض ان المتعلق انما
هو المقيد و لا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده و كيف كان لا تنبغى المناقشة في
صحة النذر في هذه الفروض الثلاثة التى يكون المتعلق هو الحج المقيد باحد
العناوين المذكورة.
و اما إذا كان المتعلق نفس هذه العناوين في طريق الحج فالكلام يقع في كل واحد
منها مستقلا فنقول:
الاول ما إذا نذر المشى في حجه الواجب عليه
او المستحب و هو ينعقد مطلقا حتى فى مورد يكون الركوب افضل لان المشى في حد
نفسه ذات فضيلة و رجحان كما يدل عليه الروايات و ما حكى عن الامام المجتبى
(عليه السلام) من انه حج ماشيا مرارا و المحامل تساق بين يديه و لا يعتبر في
متعلق النذر ان لا يكون هناك افضل منه فنذر المشى ينعقد و ان كان الركوب قد
يكون افضل لبعض الجهات فان الافضلية لا توجب زوال الفضيلة عن المشى فلو نذر ان
يأتى بصلوته في مسجد المحلة ينعقد نذره و ان كان مسجد السوق افضل منه و مسجد
الجامع افضل منهما فما هو المعتبر انما هو مجرد الرجحان المتحقق في المشى
بمقتضى ما ذكر من قول الامام (عليه السلام) و فعله و قد وقع التعرض في المتن
لهذا الفرض.
الثانى ما إذا نذر الركوب في حجه و الظاهر
انه لا ينعقد الاّ في مورد ثبوت الرجحان للركوب بلحاظ بعض الجهات و الخصوصيات و
الاّ فالركوب في نفسه يكون فاقدا للرجحان المعتبر في متعلق النذر و هذا كما إذا
نذر ان يأتى بصلواته اليومية في الدار بحيث كان المنذور مجرد الايقاع في الدار
فانه لا ينعقد و لم يقع التعرض لهذا الفرض في المتن كالفرض الآتى الذى لم يتعرض
له في العروة ايضا.
الثالث ما إذا نذر الحفاء في حجّه و الظاهر
انعقاده لانه من اظهر مصاديق المشى
(الصفحة 489)
الذى عرفت رجحانه بل يكون ثبوت الرجحان فيه بطريق اولى هذا ما تقتضيه القاعدة
فى هذا الامر و لكنه ورد فيه روايات لا بد من ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة ابى عبيدة الحذاء قال سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل نذران يمشى الى مكة حافيا فقال ان رسول اللّه (صلى
الله عليه وآله)خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشى بين الابل فقال: من هذه؟فقالوا:
اخت عقبة بن عامر نذرت ان تمشى الى مكة حافيا فقال رسول اللّه (صلى الله عليه
وآله) يا عقبة انطلق الى اختك فمرها فلتركب فان اللّه غنّى عن مشيها و حفاها،
قال فركبت.(1) و لا شبهة في دلالة الصحيحة على بطلان نذر الحفاء و
عدم انعقاده و لا مجال لدعوى كون ما وقع في زمان رسول اللّه (صلى الله عليه
وآله)قضية في واقعة يمكن ان يكون لمانع من صحة نذرها من ايجابه كشفها او تضررها
او غير ذلك فان هذه الدعوى لا تساعد مع اقتصار الامام (عليه السلام) في مقام
الجواب عن السؤال المذكور في الرواية على نقل القضية الواقعة في زمن الرسول
فانها لو كانت قضية خاصة في واقعة لما كان مجال للاقتصار عليه في مقام الجواب
الظاهر في كون مورد السؤال يستفاد حكمه من تلك القضية خصوصا مع كونه سؤالا عن
الرجل الذى نذر كذلك و مورد تلك القضية هى المرأة، و العجب من مثل السيد (قدس
سره) في العروة مع تبحره في الفقه و الحديث كيف حمل الرواية على ما ذكر مع انه
لا يحتمله من له ادنى معرفة بهما و كيف كان فدلالة الصحيحة على بطلان نذر المشى
حافيا بنحو الضابطة الكلية بلا فرق بين الرجل و المرئة واضحة لا مناقشة فيها
اصلا.
و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في
«نوادره» عن سماعة و حفص قال (لا) سألنا ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل
نذر ان يمشى الى بيت اللّه حافيا، قال فليمش فاذا
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 4
(الصفحة 490)
تعب ركب.(1) و في الرواية اشكال من حيث السند لان احمد بن محمد من
الطبقة السابعة و سماعة و حفص من الطبقة الخامسة و لا يمكن له النقل عنهما من
دون واسطة و هو مجهول فالرواية ضعيفة غير معتبرة و لكنها بعينها قد رواها رفاعة
و حفص عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)(2) مع صحة سندها فاللازم ـ ح
ـ البحث في مفادها لاعتبار السند بهذا الطريق.
فنقول: يجرى في الجواب احتمالان: احدهما ان
يكون المراد من قوله: «فليمش» هو مجرد المشى المتعارف المنطبق على المشى مع
الحذاء و النعل و عليه فالمراد لغوية قيد الحفا المأخوذ في متعلق النذر لانه
كان هو المشى حافيا فالجواب ناظر الى لزوم الاقتصار على المشى في مورد النذر
المذكور و إذا تعب تصل النوبة الى الركوب و يؤيد هذا الاحتمال عدم ذكر مثل قوله
«كذلك» بعد قوله «فليمش» و لو كان المراد هو المشى المقيد بالحفاء المذكور لكان
اللازم الاشارة الى القيد في الجواب كما ان الانتقال الى الركوب في صورة التعب
يؤيد كون المراد هو التعب بالاضافة الى المشى لا التعب بالنسبة الى قيده الذى
هو الحفاء لان المناسب ـ ح ـ الانتقال الى المشى.
و ثانيهما كون المراد من قوله: «فليمش» هو
المشى المقيد بالحفاء الذى هو متعلق النذر و هذا الاحتمال بعيد.
ثم انه على التقدير الاول ذكر العلامة المجلسى (قدس سره) ان المستفاد من صحيح
رفاعة و حفص الوارد في باب النذر بطلان النذر بالحفاء فان قوله (عليه السلام)
«فليمش» معناه انه يمشى مشيا متعارفا متنعلا بلا حفاء فهذه الخصوصية ساقطة لا
اصل المشى كما اختاره في الدروس و صحيحة الحذاء ايضا دالة على مرجوحية الحفاء و
بطلان
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1
-
2 ـ ئل كتاب النذر الباب الثامن ح ـ 2
(الصفحة 491)
النذر بالنسبة اليه فالروايتان متفقتان على سقوط خصوصية الحفاء و بطلان النذر
بالنسبة اليه، و اما المشى المتعارف فيقع التعارض بين صحيح الحذاء و صحيح رفاعة
لان المستفاد من صحيح الحذاء مرجوحية المشى ايضا لامره (صلى الله عليه وآله)اخت
عقبة بن عامر بالركوب و قال (صلى الله عليه وآله): فان اللّه غنى عن مشيها و
حفاها، و اما صحيح رفاعة فيدل على سقوط الحفاء فقط و بقاء المشى على رجحانه
لقوله (عليه السلام): «فليمش» و بعد التعارض لا يمكن الرجوع الى الادلة العامة
الدالة على وجوب الوفاء بالنذر لان المفروض ان النذر مقيد بالحفاء و المنذور هو
المشى حافيا و العمل ببعض النذر دون البعض الاخر لا دليل عليه فلم يبق موضوع
للوفاء بالنذر فالنتيجة سقوط النذر.
و على التقدير الثانى تقع المعارضة بين الصحيحتين و تتساقطان و اللازم ـ ح ـ
الرجوع الى عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر و تصير النتيجة صحة نذر المشى حافيا
كما هو مقتضى القاعدة على ما عرفت و لكن هذا التقدير خلاف ظاهر الرواية و قد
استبعده العلامة المجلسى (قدس سره) ثم انه قد جمع صاحب «المستمسك» بين صحيحة
الحذاء و رواية سماعة و حفص بحمل الاخيرة على الاستحباب بقرينة الصحيحة مع ان
الظاهر ان الحمل على الاستحباب انما هو فيما إذا كان الاختلاف بين الروايتين في
الحكم التكليفى المحض كما في قوله: اغتسل للجمعة ـ مثلا ـ فانه يحمل على
الاستحباب بقرينة ما ظاهره نفى الوجوب، و اما في مثل المقام ممّا إذا كان في
البين حكم وضعى مشكوك كانعقاد النذر و عدمه و صحته و بطلانه فلا مجال للحمل على
الاستحباب فان احدى الروايتين ظاهرة فى البطلان و الاخرى في الصحة و لا جمع
بينهما و بعبارة اخرى النذر ان كان منعقدا و صحيحا فلا محيص عن وجوب الوفاء به
و ان لم ينعقد فلا يكون حكمه الاستحباب من جهة تعلق النذر بل يقع المنذور على
ما كان عليه قبل النذر من الحكم من دون ان يكون النذر مؤثرا في شىء اصلا كما لا
يخفى.