(الصفحة 153)
مسئلة 23 ـ ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده او مع غيره و يمكن من
التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا و الا فلا، فلو تلف في الصورة الاولى
بعد مضى الموسم، او كان التلف بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة استقر
عليه الحج على الاقوى، و كذا الحال لو مات مورثه و هو في بلد آخر1.
الاستطاعة الى السنين القابلة كما في المتن تبعا للعروة لعله يكون مستندا الى
الفتاوى و الاجماع كما في المستمسك.
الثالث ان ما في المتن من قوله و كذا لا
يجوز التصرف قبل مجىء وقت الحج لم يعلم المراد منه فانه ان كان المراد من وقت
الحج هو اشهر الحج فاللازم بقرينة المقابلة ان يكون المراد من الفرضين
المذكورين قبله ما إذا كان بعد اشهر الحج و عليه فيصير حكم قبل الاشهر اثقل مما
بعده لثبوت التفصيل فيما بعد و اطلاق عدم الجواز قبله، و ان كان المراد من وقت
الحج هو الوقت الخاص الذى يقع الحج فيه كعرفة و ما بعده من الايام المعدودة
فيرد عليه ان الفرضين المذكورين قبله واقعان قبل الوقت المذكور ـ كما هو ظاهر ـ
الا ان يراد قبيل الوقت المذكور بعد السفر الى البيت و هو ايضا في غاية البعد و
بالجملة لم يعلم المراد من هذا الفرض بوجه.
1 ـ قد مر ان المعيار في حصول الاستطاعة ما إذا اجتمع امور ثلاثة هى عبارة عن
ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفهما في الحج عبارة عن
ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفها في الحج و اما
حضور المال و غيابه فهما امران لا ارتباط لهما بالاستطاعة اثباتا و نفيا فاذا
كان المال غائبا و تمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا كما انه إذا
كان المال حاضرا و لم يتمكن من التصرف فيه لاجل الغصب او وجود مانع آخر لا يكون
مستطيعا فالغياب و الحضور خارجان عن مسئلة الاستطاعة و منه يظهر حال ما لو مات
مورثه و هو في بلد آخر فان المعيار هو التمكن من التصرف في الارث من دون فرق
بين كونه في بلد اخر و غيره فانه ربما يكون التمكن متوفقا على شىء او اشياء
(الصفحة 154)
مسئلة 24 ـ لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به او غافلا عن وجوب
الحج عليه ثم تذكر بعد تلفه بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة، او تلف و
لو بلا تقصير منه بعد مضى الموسم استقر عليه الحج مع حصول سائر الشرائط حال
وجوده.2 .
مع الحضور ايضا كما هو المتعارف في هذه الازمنة من اثبات النسب و انحصار
الوراثة و مثلهما من المقدمات فالملاك ما ذكرنا كما هو ظاهر.
2 ـ فى هذه المسئلة اقوال ثلاثة:
احدها ما اختاره صاحب العروة و الماتن ـ دام
ظله ـ من استقرار الحج نظرا الى وجود الاستطاعة بحسب الواقع و هى الشرط في ثبوت
التكليف و العلم شرط في التنجز لا في اصل التكليف و عدم التمكن من جهة الجهل او
الغفلة لا ينافى الوجوب الواقعى غاية الامر انه معذور في ترك ما وجب عليه و اما
الاستقرار فهو تابع للوجوب الواقعى و عدم الاتيان بالحج فاللازم الحكم بثبوت
الاستقرار في الفرضين غاية الامر انه إذا كان التلف بلا تقصير لا بد من فرض
تحققه بعد مضى الموسم لان التلف قبله يكشف عن عدم الاستطاعة كما عرفت و إذا كان
بتقصير لا بد من تعميمه لما إذا كان قبل خروج الرفقة ايضا كما ان المفروض فيهما
ما إذا ارتفع الجهل و النسيان بعد ما لم يتمكن من الحج في عام الاستطاعة كما لا
يخفى.
ثانيها ما حكى عن المحقق القمى (قدس سره) في
اجوبة مسائله من عدم الوجوب اى عدم الاستقرار نظرا الى انه ما دام كونه جاهلا
او غافلا لا يكون التكليف متوجها اليه و بعد ارتفاعهما لا يكون عنده ما يكفيه
للحج على ما هو المفروض فلم يستقر عليه و قال في «المستمسك»: و كان الوجه الذى
دعا القمى الى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص من ان من ترك الحج و لم يكن له
شغل يعذره اللّه به فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام مما يدل على ان وجود العذر
ناف للاستطاعة.
و اورد عليه بان المفهوم من النصوص العذر الواقعى الذى لا يشمل قصور
(الصفحة 155)
المكلف من جهة غلطه و جهله و اشتباهه بل يختص بالامر الواقعى الذى يكون معلوما
تارة و مجهولا اخرى.
ثالثها ما اختاره بعض الاعلام ـ على ما في
تقريراته في شرح العروة ـ من التفصيل في الغفلة بين ما إذا كانت مستندة الى
تقصير منه كترك التعلم و بين ما إذا كانت غير مستندة اليه ككثرة الاشتغال و
الابتلاء ففى الاول يستقر عليه الحج دون الثانى و كذا في الجاهل بين ما إذا كان
جهله بسيطا فيستقر و بين ما إذا كان مركبا فلا اما التفصيل في الغفلة فلان
مقتضى حديث الرفع في غير «ما لا يعملون» هو الرفع الواقعى و مرجعه الى التخصيص
في الادلة الاولية و عدم ثبوت الحكم في حقه واقعا و عليه ففى فرض الغفلة لا يجب
عليه الحج لعدم ثبوته في حقه و بعد رفعها لا مال له بالفعل حتى يجب عليه الحج
غاية الامر اختصاص الحديث بما إذا كانت الغفلة غير مستندة الى التقصير و اما مع
استنادها اليه فلا مخصص في مقابل الادلة الاولية فالحج واجب عليه و مستقر.
و اما التفصيل في الجاهل فلان الجاهل بالجهل البسيط و ان لم يجب عليه الحج
بمقتضى حديث الرفع الا ان هذا الحكم حكم ظاهرى لا ينافى وجوب الحج عليه واقعا
فاذا انكشف الخلاف يجب عليه الاتيان بالحج لاستقراره عليه لان العلم بالاستطاعة
لم يؤخذ في الموضوع و انما الموضوع وجود ما يحج به واقعا و الجاهل بالجهل
البسيط يتمكن من اتيان الحج و لو احتياطا و اما الجاهل بالجهل المركب فلا يتوجه
اليه التكليف واقعا لعدم تمكنه من الامتثال و لو على نحو الاحتياط، و الاحكام و
ان كانت مشتركة بين العالم و الجاهل و لكن بالجهل البسيط الذى يتمكن من
الامتثال لا الجهل المركب و الجزم بالعدم الذى لا يتمكن من الامتثال ابدا فهو
كالغفلة.
اقول: قد حققنا في الاصول تبعا لسيدنا
العلامة الاستاذ الماتن ـ دام ظله
(الصفحة 156)
مسئلة 25 ـ لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا فان امكن فيه الاشتباه في
التطبيق صح و اجزأ عن حجة الاسلام، لكن حصوله مع العلم و الالتفات بالحكم و
الموضوع مشكل، و ان قصد الامر الندبى على وجه التقييد لم يجز عنه و في صحة حجة
تأمل، و كذا لو علم باستطاعته ثم غفل عنها، و لو تخيل عدم فوريته فقصد الندب لا
يجزى و في صحته تأمل1.
العالى ـ ان الخطابات العامة المتضمنة للتكاليف و الاحكام بنحو العموم لا تكاد
تنحلّ الى خطابات متكثرة حسب تكثر افراد المكلفين و تعدد آحادهم بل انما هى
خطاب واحد متضمن لحكم عام و تكليف كلى و مقتضاه ثبوت مقتضاه بالاضافة الى
الجميع غاية الامر كون بعض الامور عذرا بالنسبة الى المخالفة و موجبا لعدم ترتب
استحقاق العقوبة عليها كالعجز و الجهل و الغفلة في الجملة و لا ملازمة بين
كونها عذرا و بين عدم ثبوت التكليف الذى يتضمنه الخطاب العام فقوله و للّه على
الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا يدل على ثبوت هذا التكليف و تحقق هذا
الدين في جميع موارد تحقق الاستطاعة الواقعية و عليه فالتكليف ثابت بنحو العموم
فاذا انكشف للجاهل انه مستطيع و للغافل انه كان يجب عليه الحج و لم يؤت به بعد
فاللازم الحكم بالاستقرار و لزوم الاتيان به و لو بنحو التسكع و لا فرق من هذه
الجهة بين فرضى الغفلة و كذا فرضى الجهل و ان كان بينهما فرق احيانا من جهة
المعذورية و عدمها و عليه لا مجال لدعوى خروج الجاهل بالجهل المركب عن الاحكام
المشتركة بين العالم و الجاهل و التفصيل المذكور مبتن على القول بالانحلال و
اختصاص كل مكلف بخطاب خاص و قد انقدح مما ذكرنا ان الاقوى ما عليه المتن.
1 ـ وجه الاجزاء عن حجة الاسلام في صورة الاشتباه في التطبيق على تقدير امكانه
هو انه في هذه الصورة قصد الامر الواقعى المتعلق بالحج بالاضافة اليه غاية
الامر تخيله باعتبار اعتقاده عدم الاستطاعة انه هو الامر الندبى فقصده و لو كان
عالما بالاستطاعة لكان يقصد الامر الوجوبى المتوجه اليه ففى الحقيقة كان قصده
امتثال الامر
(الصفحة 157)
الواقعى ايّاما كان و لكنه يتخيل انه الامر الندبى فلا مجال للحكم بعدم الاجزاء
في هذه الصورة و اما في صورة التقييد فتارة يقع البحث فيها عن الاجزاء عن حجة
الاسلام و عدمه و اخرى بعد الفراغ عن عدم الاجزاء في صحته في نفسه فنقول:
اما الجهة الاولى ففى المتن و العروة الحكم
بعدم الاجزاء نظرا الى انه لم يقصد امتثال الامر الواقعى ايّاما كان بل انما
قصد امتثاله على تقدير كونه هو الامر الندبى بحيث لو كان عالما بالاستطاعة لما
كان يقصد امتثال الامر الوجوبى بوجه فلم يتعلق قصده باتيان حجة الاسلام اصلا بل
انما تعلق باتيان خصوص الحج الندبى و عليه فكيف يمكن الحكم بالاجزاء عنه مع ما
عرفت من تعدد حقائق الحج و مغايرة حجة الاسلام لغيرها من حيث المهية.
هذا و لكن ذكر بعض الاعلام ـ على ما في شرح العروة ـ ان الظاهر هو الاجزاء في
هذه الصورة ايضا نظرا الى ان التقييد انما يتصور في الامور الكلية التى لها سعة
و قابلة للتقسيم الى الانواع و الاصناف و اما الامر الخارجى الذى لا يقبل
التقسيم فلا يتصور فيه التقييد نظير ما ذكروه من التفصيل في باب الايتمام الى
زيد فبان انه عمرو فانه غير قابل للتقييد لان الايتمام قد تعلق بهذا الشخص
المعين و هو لا يكون فيه سعة حتى يتصور فيه التقييد و في المقام يكون الامر
بالحج المتوجه اليه في هذه السنة امر شخصى ثابت في ذمته و ليس فيه سعة و
المفروض ان الثابت في ذمته ليس الا حجة الاسلام و قد اتى بها فان حج الاسلام
ليس الا الاعمال الصادرة من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط و لا
يعتبر قصد هذا العنوان في صحة الحج غاية الامر تخيل جواز الترك و هو غير ضائر
كما لو فرضنا انه صام في شهر رمضان ندبا بنية القربة و كان جاهلا بوجوب الصوم
فيه فانه لا ريب في الاكتفاء به بل لو فرضنا انه لو علم بالوجوب لم يأت به في
هذه السنة نلتزم بالصحة ايضا لانه من باب تخلف الداعى و ليس من التقييد بشىء.
|