(الصفحة 425)
الثانى: العقل و الكلام فيه هو الكلام في
اعتبار البلوغ من دون فرق.
الثالث: القصد بمعنى التوجه و الالتفات الى
مفاد الصيغة في مقابل الغافل و الساهى و السكران و النائم حيث لا يصدر منهم مع
الالتفات و التوجه و الدليل على اعتبار هذا الامر ظهور مثل دليل وجوب الوفاء
بالعقود و بالنذر و امثالهما في الانشاءات الصادرة كذلك ضرورة عدم كون العقد او
الايقاع الصادر من الغافل او النائم ـ مثلا ـ مصداقا لعنوان العقد و الايقاع
عند العرف و العقلاء كما هو ظاهر،
الرابع: الاختيار في مقابل الاكراه و يدل
عليه حديث الرفع بعد الاستشهاد به في بعض الروايات لبطلان الطلاق إذا وقع عن
اكراه و غيره من الادلة الاخرى.
الخامس: الاسلام فالمشهور في باب النذر
اعتباره بل قال صاحب الجواهر (قدس سره) لا خلاف في عدم صحته ـ اى النذر من
الكافر ـ بين اساطين الاصحاب و استظهر في محكى الرياض الاجماع لكن المحكى عن
صاحبى المدارك و الكفاية التأمل فيه.
و المشهور في باب اليمين عدم الاعتبار نعم حكى عن الشيخ في الخلاف و ابن ادريس
عدم الفرق بينها و بين النذر، و المذكور في وجه الفرق بين اليمين و النذر ـ كما
هو المشهور ـ ان قصد القربة لا يعتبر في اليمين و يعتبر في النذر و لا تتحقق
القربة من الكافر.
قال المحقق في الشرايع: يشترط مع الصيغة قصد القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا
للّه لم ينعقد...ثم قال بعد ذلك و اما متعلق النذر فضابطه ان يكون طاعة للّه
مقدورا...و قد ادعى في الجواهر الاجماع بقسميه على الحكم المذكور.
و قد وقع الاختلاف في المراد من عبارة الشرايع ففى محكى المسالك: «ان الظاهر ان
المراد جعل شىء للّه تعالى في مقابل جعل شىء لغيره او جعل شىء من دون ذكر انه
له تعالى او لغيره».
و يبعده ان ظاهر عبارة الشرايع اعتبار قصد القربة زائدا على الصيغة المعتبرة في
النذر مع ان جعل شىء له تعالى انما هو مفاد نفس الصيغة فان الالتزام النذرى
انما
(الصفحة 426)
هو في مقابل البارى تعالى و بالاضافة اليه لا بالاضافة الى غيره و لو كان هو
نفسه فظاهر العبارة اعتبار نية القربة زائدة على ذلك.
و عن الجواهر ان المراد منه رجحان المنذور و كونه عبادة في مقابل نذر المباح.
و يبعده ـ مضافا الى كونه خلاف ظاهر التفريع المذكور في العبارة ـ التعرض في
الذيل لضابطة المتعلق و لزوم ان يكون طاعة للّه مقدورا و لو حملت العبارة على
كون نفس ايقاع النذر امرا عباديا لا بد ان يؤتى به بقصد الامتثال كسائر
العبادات الواجبة او المستحبة فيبعده ما في الجواهر من دعوى الضرورة على عدم
الامر به بل ظاهر موثقة اسحق بن عمار كراهة ايقاعه قال قلت لابى عبد اللّه
(عليه السلام) انى جعلت على نفسى شكرا للّه تعالى ركعتين اصليهما في السفر و
الحضر افاصليهما في السفر بالنهار فقال نعم ثم قال انى لاكره الايجاب ان يوجب
الرجل على نفسه.قلت انى لم اجعلهما للّه علىّ انما جعلت ذلك على نفسى اصليهما
شكرا للّه و لم اوجبهما على نفسى افادعهما إذا شئت قال: نعم(1) هذا
ما يتعلق بعبارة الشرايع.
و اما الشهيد (قدس سره) فقد قال في مبحث النذر من الدروس: «و هل يشترط فيه
القربة للصيغة و يكفى التقرب في الصيغة الاقرب الثانى».
و الظاهر ان مراده من الاول هو ايقاع النذر قربة الى اللّه بحيث كان الداعى الى
ايقاعه و الالتزام بثبوت الملكية له تعالى عليه هو الداعى الالهى كما في سائر
العبادات التى لا بدّ من اقترانها بقصد القربة و الداعى الالهى، و مراده من
الثانى كون الالتزام في الصيغة مضافا الى اللّه تعالى لا غيره من المخلوقين و
لو كان من الانبياء و المرسلين او الملائكة المقربين و عليه فيستفاد من العبارة
ان هذه الخصوصية يعبر عنها بقصد القربة و عنوان التقرب و قد استقرب نفسه هذا
الاحتمال.
و قال في مبحث اليمين من الدروس: «يصح ـ يعنى اليمين ـ من الكافر و ان لم
-
1 ـ ئل ابواب النذر الباب السادس ح ـ 1
(الصفحة 427)
يصح نذره لان القربة مرادة هناك دون هذا و لو قلنا بانعقاد نذر المباح اشكل
الفرق».
و قد استظهر في «المستمسك» من هذه العبارة ان مراده بقرينة الذيل هو اعتبار
القربة فى المتعلق لا في نفس النذر، مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد اعتبارها
في نفس النذر نظرا الى ان القربة الداعية الى الايقاع النذرى و الالتزام كذلك
انما تتحقق فيما إذا كان المتعلق راجحا غير مباح فان الالتزام بالاتيان بامر
مباح لا يكاد يجتمع مع الداع الالهى كما لا يخفى فلا مجال لحمل العبارة على
القربة في المتعلق نعم ظاهرها ينافى ما ذكره في مبحث النذر فان مفاده يرجع الى
كون المعتبر هو التقرب في الصيغة و ظاهر هذه العبارة هو كون نفس الايقاع و
الالتزام بداع الهى.
و ذكر الشهيد الثانى في الروضة: «انه يستفاد من الصيغة ان القربة المعتبرة في
النذر اجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفى تضمن الصيغة
لها و هو هنا موجود بقوله: للّه علىّ و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله قربة الى
اللّه و نحوه».
و هو ظاهر بل صريح في كون المراد من نية القربة المعتبرة في النذر اجماعا ـ على
حسب نقله ـ هو اشتمال الصيغة على الاضافة الى اللّه تعالى في مقابل الاضافة الى
غيره من المخلوقين.
و ذكر صاحب المدارك: «انه يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله: للّه و
هو المعبر عنه بنية القربة و انما لم يذكره المصنف صريحا لان الظاهر من حال
المتلفظ بقول للّه ان يكون قاصدا معنى الى معناه حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل
قوله فيه...» و قد استظهر منه صاحب الجواهر (قدس سره) ان مراده هو المعنى
المزبور الذى هو عبارة عن اشتمال الصيغة على الالتزام للّه لا لغيره من
المخلوقين مع ان ظاهر العبارة ان المراد من نية القربة المعتبرة هو الذى عبرنا
عنه بالقصد و التوجه و الالتفات و مرجعه الى ارادة مفاد الصيغة و قصد معناه في
مقابل مثل الغافل و النائم و كيف كان
(الصفحة 428)
فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا من العبارات ان الاحتمالات المتصورة في نية القربة
المعتبرة في النذر على المشهور بل نفى الاشكال و وجدان الخلاف فيه صاحب الجواهر
بل ادعى الاجماع عليه صاحبا الروضة و الرياض اربعة:
احدها: ان المراد منها كون ايقاع النذر
بعنوان انه عمل صادر من الناذر و فعل من افعال المكلفين امرا عباديا لا بد و ان
يكون الداعى اليه و المحرك نحوه امرا الهيا كسائر العبادات.
ثانيها: ان المراد منها اشتمال الصيغة على
اضافة اللام الظاهرة في الملكية او الملتزم له الى اللّه تبارك و تعالى دون
غيره.
ثالثها: ان يكون المراد اشتمال المتعلق على
خصوصية و هى كونه راجحا شرعا
رابعها: ان يكون المراد صدور الصيغة عن قصد
و التفات و توجه الى مفادها و انه التزام للّه تبارك و تعالى.
و لا بد قبل ترجيح بعض الاحتمالات على البعض الاخر من ملاحظة ما استدل به على
اعتبار نية القربة في النذر فنقول هى امور:
الاول: ان صيغة النذر مشتملة على خصوصية
تقتضى اعتبار نية القربة فيه و هى قول الناذر: للّه علىّ كذا من دون فرق بين ان
تكون اللام فيه للملك و الظرف مستقرا او تكون للغاية و الظرف لغوا متعلقا
بمحذوف و هو التزمت فانه على كلا التقديرين يكون العمل المنذور او الالتزام
مضافا الى اللّه تبارك و تعالى و القربة المعتبرة في العبادة لا تكون زائدة على
ذلك و عليه يكون النذر من التعبديات و لازمه عدم صحته من الكافر لعدم امكان
تحقق قصد القربة منه و الى هذا الدليل اشار الشهيد الثانى (قدس سره) في الروضة
في عبارته المتقدمة حيث ذكر انه يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله
«للّه علىّ» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله «قربة الى اللّه» فان مرجعه الى
ملازمة الصيغة لثبوت القربة بالاعتبار المذكور.
(الصفحة 429)
و فيه اولا النقض بالعهد و اليمين فان صيغة العهد التى هى عبارة عن عاهدت اللّه
و كذا صيغة اليمين التى يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّه تبارك و تعالى
مشتملة على هذه الخصوصية فالتفكيك بين النذر و اليمين خصوصا بنحو يكون المشهور
في الاول اعتبار نية القربة و في الثانى الشهرة على الخلاف في غير المحل.
و ثانيا ما افاده صاحب الجواهر في تنقيح مقاله في هذا المقام مما ملخصه انه ان
ارادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة فلا ريب في عدم
الاكتفاء عنها بقوله للّه على الذى هو جزء صيغة الالتزام لعدم دلالته عليه
باحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة.
و مرجع ما افاده الى ان ما يرتبط بالناذر هو الالتزام الذى عمله و ما هو الصادر
منه و البحث انما هو في عباديته و انه هل اللازم ان يكون الالتزام ناشيا عن داع
الهى او يتحقق النذر و لو كان الداعى شيئا من الدواعى النفسانية و هذا لا يرتبط
بكون الملتزم له هو اللّه تعالى كما لا يرتبط بكون الملتزم به امرا قربيا
فالالتزام شىء و الملتزم له امر آخر و يدل عليه انه ربما يكون الالتزام بداع
الهى مع كون الملتزم له هو المخلوق كما إذا التزم لزيد باداء دينه و كان الداعى
الى التزامه الاحسان المرغوب اليه في الشرع و ان الشارع قد حث عليه و على ما
ذكرنا فالذهاب الى عبادية النذر من هذا الطريق لا يكاد يوصل الى المطلوب.
الثانى: صدر موثقة اسحق بن عمار المتقدمة و
هو قوله: انى جعلت على نفسى شكرا للّه تعالى ركعتين اصليهما في السفر و الحضر
أفاصليهما في السفر بالنهار فقال نعم.
و يرد على الاستدلال به اولا انه لا دلالة له الا على الاتيان بصيغة النذر و
انه جعل على نفسه للّه شكرا ركعتين و اما كون الجعل و الالتزام ناشيا عن داع
الهى فلا يستفاد منه و لذا ذكر صاحب الجواهر ان مفاد مثله اعتبار كون النذر
للّه لا لغيره بمعنى