(الصفحة 249)
و لكنه لا يقدر لاجل المرض الاعلى الركوب على الطيارة و في مثال الخادم كانت
الاستطاعة المناسبة لشأنه حاصلة بدون الخادم ايضا و لكن المرض اقتضى استصحابه و
المفروض في المثالين عدم القدرة المالية على المحمل و على الخادم.
ثم ان وجه الحكم بعدم الوجوب في الفرعين واضح لان ما يقدر عليه لا يكون عنده
مؤنته و ما لا يقدر عليه لا يجب عليه لذلك فالحكم هو عدم الوجوب و لكنه وقع
الكلام فى ان سقوط وجوب الحج فيهما هل هو لاجل فقدان الاستطاعة المالية و عدم
التمكن المالى او انه لاجل وجود المرض و فقد الاستطاعة البدنية فعلى الاول لا
يجب الحج بالمرة فلا تجب الاستنابة كما لا تجب المباشرة و على الثانى تجب
الاستنابة لما سيأتى من وجوب الاستنابة على المريض لدلالة النصوص عليه.
و الظاهر من الحاق العروة هو الثانى و هو الحق لان المفروض ان الاستطاعة
المالية المناسبة لشأنه حاصلة لا نقص فيها اصلا غاية الامر ان المرض صار مانعا
عن الجرى على طبقها و الركوب على الدابة و الحج بدون استصحاب الخادم و عليه
فيجرى فيهما حكم المريض من وجوب الاستنابة كما سيأتى بيان حكم المريض.
هذا و يظهر من عبارة المتن بلحاظ جعل المثال عدم القدرة على الركوب و لو على
المحمل او السيارة او الطيارة ان صورة القدرة على الركوب على المحمل او مثله
خارج عن مثال المرض فاللازم ان يكون الوجه للسقوط هو فقد الاستطاعة المالية.
و هذا المعنى و ان كان يستفاد من العبارة الاّ ان الظاهر عدم كونه مرادا للماتن
(قدس سره) و يؤيده بل يدل عليه خلو هذين الفرعين المذكورين في العروة عن موارد
تعليقته عليها و هو يدل على موافقته معها في هذه الجهة كما لا يخفى
الثانية الاستطاعة الزمانية و قد نسب
اعتبارها في الوجوب العلامة في التذكرة الى علمائنا و في كشف اللثام انه اجماع
و قال النراقى (قدس سره) في المستند: للاجماع
(الصفحة 250)
و فقد الاستطاعة و لزوم الحرج و العسر و كونه مما يعذره اللّه تعالى فيه كما
صرح به فى بعض الاخبار.
و يدل على اعتبارها و ان كانت الروايات الواردة في الاستطاعة و بيان المراد
منها خالية عن التعرض لها انه لو كان الوقت ضيقا بحيث لا يقدر و لا يمكنه
الوصول الى الحج تكون العلة لعدم الوجوب هو عدم القدرة العقلية المعتبرة في
ثبوت التكليف و إذا امكنه لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة يكون الوجه لعدم
الوجوب هو دليل نفى الحرج الحاكم بعدم ثبوته معه كما لا يخفى.
ثم انه فرع السيد (قدس سره) في العروة على عدم وجوب الحج فيما إذا كان الوقت
ضيقا قوله: و ـ حينئذ ـ فان بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب و الا فلا و
يظهر من اكثر محشى العروة و منهم الامام الماتن (قدس سره) الموافقة معه في هذه
الجهة.
و لكنه اورد عليه بعض الاعلام في شرح العروة بان الصحيح وجوب ابقاء الاستطاعة و
عدم جواز تفويتها اختيارا لان وجوب الحج غير مقيد بزمان و انما الواجب مقيد
بزمان خاص فالوجوب حالى و الواجب استقبالى كما هو شأن الواجب المعلق و لذا لو
توقف الحج على قطع المسافة ازيد من سنة واحدة كما كان يتفق ذلك احيانا في
الازمنة السابقة وجب الذهاب، و الاستطاعة الموجبة للحج غير مقيدة بحصولها في
اشهر الحج او بخروج الرفقة بل متى حصلت وجب الحج و يجب عليه التحفظ على
الاستطاعة فلو استطاع في الخامس من شهر ذى الحجة و لم يتمكن من السفر الى الحج
في هذه السنة يجب عليه ابقاء المال الى السنة الآتية ليحج به.
و الجواب عن هذا الايراد يظهر بعد ملاحظة
امرين:
الاول: ان الواجب المشروط الذى يتوقف وجوبه
على تحقق الشرط و ثبوته إذا كان مشروطا بشرائط متعددة بحيث كان اجتماعها و تحقق
مجموعها دخيلا في
(الصفحة 251)
ثبوت الوجوب لا يتحقق وجوب الا بعد اجتماعها و يكون نقصان واحد منها كافيا فى
عدم تحقق الوجوب لان المفروض شرطية الاجتماع.
الثانى ان ارتباط الزمان و اضافته الى الحج
يكون على نحوين فان الملحوظ ان كان نفس الزمان الذى يقع فيه اعمال الحج و
مناسكه تكون مدخليته في الحج بنحو الواجب المعلق الذى افاده المورد بمعنى كونه
قيدا و دخيلا في الواجب دون الوجوب و ان كان الملحوظ الاستطاعة الزمانية التى
هى وصف المكلف لان المراد به هى قدرته على ان يأتى بالحج في زمانه من دون ان
يكون هناك حرج و مشقة فاعتبارها انما هو في الوجوب كاعتبار الاستطاعة المالية و
الاستطاعه البدنية و لا يتحقق الوجوب بدونها لان القدرة العقلية شرط لاصل ثبوت
التكليف و دليل نفى الحرج رافع لاصل الحكم في مورد ثبوت الحرج.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان مقتضى الامرين عدم وجوب الحج مع انتفاء الاستطاعة
الزمانية كعدم وجوبه مع انتفاء الاستطاعة المالية او البدنية و مع عدم وجوب
الحج لا مجال للحكم بوجوب ابقاء الاستطاعة و التحفظ عليها الى العام القابل و
الا فاللازم وجوب ابقاء الاستطاعة البدنية ايضا إذا كانت الاستطاعة المالية
منتفية و لكنه يعلم بتحققها في العام القابل لان دخالة الاستطاعتين في الوجوب
على نحو واحد خصوصا مع التصريح في كثير من الروايات المتقدمة الواردة في تفسير
الاستطاعة باعتبار كلا الامرين كما ان اللازم فيما إذا كانت الاستطاعة المالية
متحققة دون البدنية الحكم بلزوم ابقائها خصوصا في صورة العلم بتحقق الاستطاعة
البدنية في العام القابل و الظاهر عدم التزامه به.
و لا مجال لدعوى ان المراد بالاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج هى
الاستطاعة و لو بعد خمسين عاما بحيث لو علم بتحقق الاستطاعة الزمانية بعد
الخمسين يجب عليه الحج فعلا و يجب عليه حفظ الاستطاعة المالية و ابقائها في مدة
(الصفحة 252)
الخمسين فالظاهر ـ حينئذ ـ ما افاده السيد (قدس سره) في العروة و العجب انه لم
يعلق المورد على هذا المورد في تعليقاته على العروة كاكثر المحشين على ما عرفت.
الثالثة الاستطاعة السربية و اعتبارها في
وجوب الحج هو المشهور بين الفقهاء بل ادعى عليه الاجماع كما ذكره النراقى في
المستند و يدل عليه الاية الشريفة المتضمنة لقوله تعالى: من استطاع اليه سبيلا
نظرا الى ان استطاعة السبيل هى الاستطاعة السربية و لا اقل من شموله لهذه
الاستطاعة كما يدل عليه جملة من الروايات المتقدمة الدالة على ان تخلية السرب
مأخوذة في الاستطاعة في رديف صحة البدن و الزاد و الراحلة و السرب بفتح السين
المهملة و قد تكسر بمعنى الطريق فلا اشكال في اعتبارها و عليه فلو كان في
الطريق مانع من الوصول الى الميقات او الى مواضع الاعمال الاخر كمكة و عرفات و
منى و نحوها لا يجب الحج من اول الامر نعم لو عرض المانع في الاثناء فهو من
المصدود الذى يأتى حكمه بعدا.
و الحق في المتن بذلك في عدم الوجوب ما لو كان خائفا على نفسه او بدنه او عرضه
او ماله و كان الطريق منحصرا به او كان جميع الطرق كذلك و الظاهر ان ملاك
الالحاق ليس هو شمول عدم تخلية السرب لصورة الخوف المذكور و عدم الا من فانه
مضافا الى ان التخلية و عدمها امران واقعيان و الاستطاعة السربية تكون كسائر
الاستطاعات من جهة الواقعية و لا ترتبط بالاحتمال الذى مورده النفس تكون تخلية
السرب امرا لانه عبارة عن عدم ثبوت المانع من الوصول الى الميقات او الى تمام
الاعمال و الخطر خصوصا إذا لم يكن على النفس امرا آخر.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان خوف الضرر بنفسه كما قد يستفاد
من بعض الروايات طريق عقلائى الى الضرر و لا يلزم ان يكون الضرر معلوما جزما بل
جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع
واقعا حتى لو انكشف الخلاف و تبين عدم وجود المانع في الطريق
(الصفحة 253)
و قد ذكر في المستمسك: «ان الحكم هنا ظاهرى فان موضوع الحكم الواقعى بعدم
الوجوب لعدم الاستطاعة هو عدم تخلية السرب واقعا فمع الشك لا يحرز الحكم
الواقعى بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا نعم مع احتمال تلف النفس لما كان
يحرم السفر يكون الحكم الظاهرى بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعى بانتفاء
الاستطاعة و انتفاء وجوب الحج لكن لا لاجل تخلية السرب بل للحرمة الظاهرية
المانعة عن القدرة على السفر اما مع احتمال تلف المال او غيره مما لا يكون
الاقدام معه حراما فالاصول و القواعد العقلائية المرخصة في ترك السفر تكون من
قيل الحجة على انتفاء تخلية السرب و لاجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر
وجود الحجة على عدم وجوبه من اصل عقلائى او امارة كذلك تقتضى الترخيص في تركه و
عليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا انتهى موضوع الحاجة من كلامه
زيد في علو شأنه و مقامه.
و يرد عليه ان ما افاده في صورة الخوف على النفس مبنى على اعتبار القدرة
الشرعية غير المتحققة مع ثبوت الحرمة في الحج و وجوبه و قد مر و يأتى عدم
اعتبارها في الوجوب اصلا و ان الاستطاعة المعتبرة في الوجوب تجتمع مع توقف الحج
على الاتيان بالمحرم لكنه تتحقق المزاحمة حينئذ و الترجيح مع ما هو اهم كما
سيأتى و ان التفصيل بين هذه الصورة و بين صورة الخوف على غير النفس من جهة
انتفاء تخلية السرب في الاخيرة و عدم انتفائها في الاولى مما لا يقبله الذوق
الفقهى اصلا.
و اما ما افاده بعض الاعلام مما تقدم فيرد عليه ان وجوب دفع الضرر المحتمل ان
كان فى مورد العقاب المحتمل فهو و ان كان مسلما الا انه يرجع الى الاحتياط
اللازم في مورد احتمال العقاب و يكون من الاصول العملية و الاحكام الظاهرية و
ان كان في مورد الضرر غير العقاب فهو مع انه محل اشكال و مناقشة لعدم الدليل
على الوجوب و لو عند العقلاء لا يكون على تقديره الاّ اصلا عقلائيا و لا مجال
لدعوى
|