(الصفحة 278)
فان قلنا في موارد التبديل المذكورة بجواز تعجيز الانسان نفسه عن القيام و عن
الطهارة المائية ـ مثلا ـ مع الاختيار فاللازم الاتيان بالحج لتحقق الاستطاعة
بهذا المعنى ايضا لان المفروض عدم استلزامه لذلك بعد فرض جواز التعجيز.
و اما إذا قلنا بحرمة التعجيز المذكور فيشكل الامر و في «المستمسك» بعد ان
استظهر من الفتاوى عدم الفرق في مزاحمته لوجوب الحج و منافاته لتحقق الاستطاعة
بين كونه اهم من الحج و عدمه بل استظهر انه لا اشكال فيه عندهم قال: «و الذى
ينبغى ان يقال انه لا عموم في النصوص التى اعتمد عليها في مانعية ما ذكر عن
الاستطاعة لكل واجب بل يختص بالواجب الذى له نوع من الاهمية بحيث يصح ان يعتذر
به في ترك الحج فاذا علم المكلف انه إذا حج يفوته رد السلام على من سلم عليه او
الانفاق يوما مّا على من تجب نفقته عليه او نحو ذلك من الواجبات التى ليس لها
تلك الاهمية لا يجوز له ترك الحج فرارا عن تركها فانه لا يصح له الاعتذار
بذلك».
و انت خبير بان رفع اليد عن المبنى المذكور اولى من التوجيه بهذا النحو فان صحة
الاعتذار به في ترك الحج ان كان المقصود هى الصحة عند الشارع فلا طريق الى
اثباتها و ان كان هى الصحة عند المتشرعة ـ كما صرح به في ذيل كلامه ـ فلا تكون
كاشفة عن الصحة عند الشارع فانهم لا يرون جواز ترك الحج بمجرد استلزامه لترك
صلوة واحدة خصوصا إذا لم تكن ازيد من ركعتين مع انك عرفت ترجيحها على الحج بلا
كلام و بالجملة فهذا التوجيه لا يرجع الى محصل.
الرابعة: ما إذا استلزم الحج المذكور اكل
النجس او شربه و قد نفى البعد عن وجوب الحج في هذه الصورة و الوجه فيه ما ذكرنا
من اهمية وجوب الحج بالاضافة الى وجوب الاجتناب عن النجس فتلزم مراعاة وجوب
الحج نعم لا بد من الاقتصار على مقدار الضرورة و الاحتراز عن الزائد عليه جمعا
بين التكليفين و لو لم يحترز كذلك فلا يضر بصحة حجه بعد كون ذلك مرتبطا
بالمقدمة و بالسفر في البحر
(الصفحة 279)
او الجو غاية الامر تحقق الاثم و العصيان كما في ركوب الدابة المغصوبة و يجرى
في هذه الجهة ما ذكرنا في الجهة الثالثة بناء على مبنى الاستطاعة الشرعية.
الخامسة: ما لو استقر عليه الحج و كان عليه
خمس او زكوة او غيرهما من الحقوق الواجبة و في المتن انه يجب عليه ادائها و لكن
لو مشى الى الحج بدون الاداء اثم و صح حجه.
و قد تقدم في مسئلة مزاحمة الحج لاداء الدين في عام الاستطاعة و قبل استقرار
الحج ما يتعلق باهمية الحج او اهمية اداء الدين و مثله او التخيير بينهما من
التفصيل في بيان الادلة و ما هو المختار فراجع.
نعم لا اشكال في صحة الحج و لو كان اداء الحقوق اهم بالاضافة اليه لعدم كون
المزاحمة موجبة لبطلان المزاحم غير الاهم إذا كان عبادة كما في الصلوة و
الازالة و ان كانت الاراء في وجه الصحة مختلفة و النظرات متعددة.
لكن في المقام إذا قلنا بان تعلق الخمس و الزكوة بالمال انما هو بنحو الاشاعة و
الشركة لكان اللازم عدم كون ثوب الاحرام المشترى بالمال المذكور بنحو الثمن
المعين او الثمن الكلى لكن مع البناء حين المعاملة على الاداء من ذلك المال
منتقلا اليه و كذا ثمن الهدى.
و اما إذا قلنا بكون تعلقهما انما هو بنحو الكلى في المعين فالمعاملة صحيحة إذا
بقى عنده من المال مقدارهما.
و قد مر ايضا ان غصبية ثوبى الاحرام لا تكاد تضر بالاحرام لعدم مدخليتهما في
حقيقته نعم غصبية الثوب حال الطواف و صلوته قادحة في صحتهما كما ان الاخلال
بالهدى و كونه غصبا يقدح في صحة الحج و يمنع عن وقوع الاعمال المترتبة عليه
صحيحة.
(الصفحة 280)مسئلة ـ 48 يجب على المستطيع الحج مباشرة فلا يكفيه حج غيره عنه تبرعا او
بالاجارة، نعم لو استقر عليه و لم يتمكن منها لمرض لم يرج زواله او حصر كذلك او
هرم بحيث لا يقدر او كان حرجا عليه وجبت الاستنابة عليه، و لو لم يستقر عليه
لكن لا يمكنه المباشرة لشىء من المذكورات ففى وجوبها و عدمه قولان لا يخلو
الثانى عن قوة و الاحوط فورية وجوبها.
و يجزيه حج النائب مع بقاء العذر الى ان مات بل مع ارتفاعه بعد العمل
بخلاف اثنائه فضلا عن قبله و الظاهر بطلان الاجارة و لو لم يتمكن من الاستنابة
سقط الوجوب و قضى عنه، و لو استاب مع رجاء الزوال لم يجز عنه فيجب بعد زواله و
لو حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية، و الظاهر عدم كفاية حج المتبرع
عنه في صورة وجوب الاستنابة و فى كفاية الاستنابة من الميقات اشكال و ان كان
الاقرب عدم الكفاية1.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع متعددة:
الاول: انه إذا كان المستطيع قادرا على
مباشرة الحج يجب عليه الحج مباشرة و لا يكفيه حج غيره عنه تبرعا او بالاجارة و
الوجه فيه ـ مضافا الى تسلمه و ثبوت الاجماع القطعى عليه ـ كون جواز النيابة و
الاستنابة امرا مخالفا للقاعدة مفتقرا الى قيام الدليل و لم يقم دليل عليه مع
فرض قدرة المستطيع على مباشرة الحج.
الثانى: من استقر عليه الحج و لم يتمكن بعد
الاستقرار من المباشرة لشىء من الامور المذكورة في المتن ففى وجوب الاستنابة
عليه و عدمه قولان فالمشهور بل المدعى عليه الاجماع في جمع من الكتب كالروضة و
المسالك و المفاتيح و شرحها و بعض آخر هو الوجوب و جزم صاحب المستند بعدم
الوجوب و استظهره من الذخيرة بل من الشرايع و النافع و الارشاد لترددهم في
مسئلة استنابة المعذور من غير تفصيل بين الاستقرار و عدمه، و قد قواه صاحب
الجواهر و حكى التردد من بعضهم في الوجوب
(الصفحة 281)
و مستند الاختلاف الروايات الكثيرة الواردة في المسئلة و هى على طوائف: الطائفة
الاولى ما ظاهره الوجوب من غير تقييد للنائب بعنوان مخصوص و هى: صحيحة معاوية
بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان عليا (عليه السلام) رأى شيخا
لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فامره ان يجهز رجلا فيحج عنه.(1)
و لا يخفى ظهور قوله: فامره في وجوب التجهيز و الاستنابة لظهور مادة الامر في
ذلك بل ظهورها في الوجوب اقوى من ظهور هيئة افعل فيه كما قرر في محله الا ان
اطلاق السؤال و شموله لغير المستطيع لعدم التعرض فيه لوصف الاستطاعة اصلا لا
يجتمع مع وجوب الاستنابة اصلا فهل الترجيح ـ ح ـ مع ظهور مادة الامر في الوجوب
و لازمه تقييد المورد بقيد الاستطاعة او مع اطلاق المورد و لازمه حمل الامر على
الاستحباب لانه لا مجال لايجاب الاستنابة مع عدم الاستطاعة اصلا ـ لا سابقا و
لا في الحال؟لا يبعد ان يقال بالثانى لانه ـ مضافا الى اقوائية ظهور الامر في
الوجوب و الى كون المستفاد عرفا من عدم وقوع الحج منه قط و عدم طاقته منه فعلا
لاجل الكبر هو الحج الذى هى فريضة الهية و كان الواجب عليه الاتيان به كما لا
يخفى ـ يكون تقييد المورد بالقيدين مع كون الامام (عليه السلام)في مقام بيان
الحكم بصورة نقل الواقعة في زمن المولى امير المؤمنين (عليه السلام) لا بيان
نقل خصوصيات الواقعة و لو لم تكن دخيلة في الحكم كبياض لحيته و رأسه ـ مثلا ـ
دليلا على كون المراد من الامر هو الوجوب لعدم مدخلية شىء من القيدين فى
استحباب الاستنابة اصلا فالانصاف انه لا مجال للمناقشة في دلالة الرواية على
الوجوب.
و مثلها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال ان امير
المؤمنين (عليه السلام) امر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره ان يجهز
رجلا يحج عنه.(2)
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 6
(الصفحة 282)
و صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) قال كان على (عليه السلام)
يقول لو ان رجلا اراد الحج فعرض له مرض او خالطه سقم فلم يستطيع الخروج فليجهز
رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه.(1) و الظاهر و لو بقرينة ظهور قوله:
فليجهز في الوجوب ان المراد من الحج الذى اراده هو الحج الواجب و هى حجة
الاسلام الواجبة باصل الشرع مضافا الى ان اطلاق الحج ظاهر فيه لعدم افتقاره الى
التقييد بخلاف الحج الاستحبابى فتدبر.
ثم ان هذه الروايات مشتركة في كون من يجهزه و يستنيبه متصفا بالرجولية و الظاهر
ان العرف يلغى هذه الخصوصية كالغائه في مثل رجل شك بين الثلاث و الاربع و لو
نوقش في الغاء الخصوصية يستفاد ذلك من بعض الروايات الواردة في المقام و ان كان
في دلالته على اصل الوجوب مناقشة من حيث السند و الدلالة و هى ما رواه المفيد
في «المقنعة» عن الفضل بن العباس قال: اتت امرأة من خثعم رسول اللّه (صلى الله
عليه وآله) فقالت ان ابى ادركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع ان يلبث
على دابته فقال لها رسول (صلى الله عليه وآله)فحجى عن ابيك.(2) و
رواه الشيخ في الخلاف في المسئلة السادسة من كتاب الحج عن سفيان بن عيينة عن
الزهرى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس بهذه الصورة: ان امرأة من خثعم سئلت رسول
اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالت: ان فريضة اللّه في الحج على عباده ادركت ابى
شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على راحلة فهل ترى ان احج عنه فقال (صلى الله
عليه وآله) نعم قال و في رواية عمرو بن دينار عن الزهرى مثله و زاد: فقالت يا
رسول اللّه فهل ينفعه ذلك فقال: نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه.
و لا دلالة في قوله (صلى الله عليه وآله) فحجى في رواية المفيد على الوجوب لعدم
وجوب النيابة على الغير بل الكلام في وجوب الاستنابة على المستطيع التارك و لا
دلالة في الرواية على
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 4