(الصفحة 380)
الاعمال و المناسك مع ان قطع الطريق و المسافة لا يلزم ان يتحقق بعنوان المقدمة
للحج فاذا سافر الى المدينة للتجارة ـ مثلا ـ ثم استطاع هناك كما إذا مات ابوه
كذلك و انتقل اليه بالارث اموال كثيرة موجبة لتحقق الاستطاعة لا يجب عليه الا
الحج من المدينة و لا يلزم عليه العود الى الوطن و السفر منه بقصد الحج و كذا
إذا كان مستطيعا في البلد و لكنه لم يكن قاصدا للحج اصلا فسافر الى المدينة
لغرض آخر ثم بداله بعد الوصول اليها ان يحج و يأتى بما هو الواجب عليه، و كذا
في صورة الاستطاعة في البلد يمكن له الخروج منه للحج متسكعا من دون صرف مال كما
عرفت سابقا.
فهذا و اشباهه دليل على ان طى الطريق لا ارتباط له بالحج الا من جهة المقدمية
فلو اختطف المستطيع في بلده و ارسل في المدينة يجب عليه الحج منها فلا ريب
حينئذ في ان مقتضى القاعدة هو قضاء حج الميت عنه من الميقات بل لا يلزم الا من
اقرب المواقيت الى مكة المكرمة.
و اما: ما يمكن ان يستدل به على وجوب الحج
من البلد فهو امران:
احدهما: انه لا فرق بين الاستنابة في الحج
عن الميت و بين استنابة الحى التى عرفت لزومها مع عدم القدرة على المباشرة في
صورة استقرار الحج لمرض او هرم او شبههما فكما انه يجب على المكلف هناك
الاستنابة من البلد كذلك يجب هنا لعدم الفرق بين المقامين اصلا.
و الجواب: اولا انه لم يثبت هناك لزوم
الاستنابة من البلد بل قد عرفت الاشكال و الاختلاف في المسئلة.
و ثانيا: انه على تقدير القول بذلك هناك لم
يثبت اتحاد المقامين و عدم تحقق الفرق فى البين بل ثبت الفرق من بعض الجهات
كعدم جريان التبرع هناك و جريانه في المقام بلا اشكال على ما عرفت من اقتضاء
النص و الفتوى لذلك.
(الصفحة 381)
و ثالثا: انه على تقدير المساواة و عدم ثبوت
الفرق تكون تسرية حكم ذلك المقام الى هنا من مصاديق القياس الا مع تنقيح المناط
القطعى او الغاء الخصوصية و كلاهما مفقودان بلا ريب.
ثانيهما: الروايات المتعددة و النصوص
المتكثرة و التمسك بهذه الروايات مبنى اولا على دلالتها على كون الواجب
الاستيجار من البلد و الاقرب اليه فالاقرب في موردها و هى الوصية فان جميعها
وارد في هذا المورد و لم يرد شىء منها في المقام الذى هى صورة عدم الوصية و
ثانيا على اثبات انه لا فرق بين الصورتين: الوصية و غيرها و مع عدم تمامية شىء
من الامرين لا يبقى مجال للاستدلال بها اصلا كما لا يخفى فنقول: منها صحيحة على
بن رئاب قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اوصى ان يحج عنه حجة
الاسلام و لم يبلغ جميع ما ترك الاخمسين درهما قال: يحج عنه من بعض المواقيت
التى وقّتها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من قرب.(1) و الظاهر
ان مورد السؤال صورة الوصية بحجة الاسلام فقط من دون تعيين المقدار و لا تعيين
المحل الذى يحج عنه من البلد او الميقات او غيرهما و المراد من الجواب لزوم
الحج عنه من بعض المواقيت و اما قوله (عليه السلام) من قرب فيحتمل ان يكون
المراد منه هو القرب من الميقات الذى عبر عنه في بعض الروايات بما دون الميقات
و يحتمل ان يكون المراد هو اقرب المواقيت المذكور في كلام المشهور و يحتمل ان
يكون المراد نفى لزوم الحج عنه من البلد بلحاظ كون الميقات قريبا من مكة و لو
ابعد المواقيت.
و كيف كان فالسؤال يدل على انه مع فرض كون التركة واسعة و كافية للحج من البلد
يكون اللزوم من البلد مرتكزا في ذهن السائل و الجواب تقرير له على هذه الجهة
فمقتضاها الوجوب من البلد مع سعة المال و كفايته.
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 1
(الصفحة 382)
و منها موثقة عبد اللّه بن بكير عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) انه سئل عن رجل اوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به
من بلاده قال: فيعطى في الموضع الذى يحج به عنه.(1) و دلالتها على
لزوم الاستنابة من البلد مع سعة المال و الاقرب اليه فالاقرب مع عدمها واضحة.
و منها ما رواه ابن ابى نصر البزنطى عن محمد
بن عبد اللّه قال سئلت ابا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يموت فيوصى
بالحج من اين يحج عنه؟قال: على قدر ماله، ان وسعه ماله فمن منزله، و ان لم يسعه
ماله فمن الكوفة فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة.(2) و اورد على
الاستدلال بها سندا و دلالة اما من حيث السند فلان الراوى و هو محمد بن عبد
اللّه بن عيسى الاشعرى القمى لم تثبت وثاقته و ان زيدت كلمة «الثقة» في النسخة
المطبوعة من كتاب الشيخ بعد عده من اصحاب الرضا (عليه السلام) لكن هذه النسخة
لم تثبت صحتها و كل من نقل عن الشيخ لم يذكر التوثيق اصلا و انا اضيف اليه ان
البزنطى و ان كان من اصحاب الاجماع الا ان كون الرجل من اصحابه لا يقتضى وثاقة
من يروى عنه اصلا بل غايته كون الرجل بنفسه مجمعا على وثاقته و صحة روايته
فالرواية ضعيفة من حيث السند.
و اما من جهة الدلالة فقد ذكر بعض الاعلام ان الخبر يشتمل على امر لم يقل به
احد اذ لو كانت العبرة بصرف المال في المقدمات فلا بد من ملاحظة البلاد الاقرب
فالاقرب لا الطفرة من بلد الموصى الظاهر انه «خراسان» بقرينة روايته عن الرضا
(عليه السلام) الى الكوفة و منها الى المدينة بل اللازم بناء على ملاحظة الاقرب
فالاقرب من البلاد ملاحظة البلاد الواقعة فى الطريق كنيشابور و سبزوار و طهران
و هكذا لا انه يحج عنه
-
1 ـ ئل ابواب النيابة فى الحج ألباب الثانى ح ـ 2
-
2 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 3
(الصفحة 383)
من الكوفة و ان لم يسعه فمن المدينة مع تحقق مسافة بعيدة بين ذلك.
و يرد عليه ـ مضافا الى ان الراوى قمى لا خراسانى و يمكن ان لا يكون السؤال في
خراسان بل في الطريق اليه من المدينة كما لا يخفى و على تقديره فلا دلالة له
على كون الموصى بلده خراسان لان السؤال في بلد لا دلالة له على كون مورده ذلك
البلد ـ ان الجواب الاصلى الذى افاده الامام (عليه السلام) بصورة الضابطة و
القاعدة الكلية هو قوله (عليه السلام): «على قدر ماله» الذى يكون مقتضاه البلد
و الاقرب اليه فالاقرب و اما ما ذكره بعد ذلك فهو يشبه المثال و لا دلالة له
على لزوم الترتيب المذكور فيه فالمناقشة من حيث الدلالة غير واردة بل الرواية
ظاهرة في الترتيب بين البلد و الاقرب اليه فالاقرب
و منها: ما اورده في الجواهر بعنوان صحيحة
الحلبى عنه (عليه السلام) قال و ان اوصى ان يحج عنه حجة الاسلام و لم يبلغ ماله
ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت و الظاهر انه اعتمد فى ذلك على نقل صاحب المدارك
عن تهذيب الشيخ (قدس سره) مع ان الموجود في التهذيب هو ذكر هذا الكلام بعد
صحيحة الحلبى و الدقة فيه تقتضى عدم كونه ذيلا للصحيحة بل هو اما من كلام الشيخ
و عبارته و اما من كلام المفيد (قدس سره) في المقنعة التى يكون التهذيب شرحا
لها و كيف كان لا تكون رواية اصلا و يدل عليه عدم تعرض صاحب الوسائل لهذه
الرواية في الباب الذى اورد فيه سائر الروايات الواردة في المسئلة بل و لا في
غيره ظاهرا و لو كانت كذلك اى رواية لكانت دلالتها على اعتبار البلد مع سعة
المال اظهر من جميع روايات الباب و منها رواية ابى سعيد (سعيد في بعض الطرق)
عمن سئل ابا عبد اللّه (عليه السلام)عن رجل اوصى بعشرين درهما في حجة قال يحج
بها (عنه) رجل من موضعه.(1)
و منها: رواية ابى بصير عمن سئله قال قلت له
رجل اوصى بعشرين دينارا في حجة فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه.(2)
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 8
(الصفحة 384)
و الظاهر اتحاد الروايتين غاية الامر ان المذكور في احد الطريقين ابا سعيد و في
الاخر ابا بصير و الظاهر ان احدهما تصحيف و يؤيده ان الراوى عن كليهما هو ابن
مسكان و عنه محمد بن سنان كما انه يظهر ان المسؤل في الرواية الثانية هو ابو
عبد اللّه ـ (عليه السلام) ـ و ذكر الدرهم في احديهما و الدينار في اخرى لا يدل
على التعدد.
و منها: رواية عمر بن يزيد قال قال ابو عبد
اللّه (عليه السلام) في رجل اوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة، تجزى حجته من دون
الوقت.(1)
و منها: رواية اخرى لعمر بن يزيد قال قلت
لابى عبد اللّه (عليه السلام) رجل اوصى بحجة فلم تكفه قال فيقدمها حتى يحج دون
الوقت.(2) و من الواضح اتحاد الروايتين و ان جعلهما في الوسائل
متعددا.
و منها: ما رواه ابن ادريس في اخر السرائر
نقلا من كتاب مسائل الرجال بسنده عن عدة من اصحابنا قالوا: قلنا لابى الحسن
يعنى على بن محمد (عليهما السلام) ان رجلا مات في الطريق و اوصى بحجة و ما بقى
فهو لك، فاختلف اصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو او فر للشىء ان يبقى
عليه و قال بعضهم: يحج عنه من حيث مات فقال: (عليه السلام)يحج عنه من حيث مات.(3)
و المراد من قوله (عليه السلام) من حيث مات يحتمل ان يكون لاجل كون اللازم في
قضاء الحج عنه في مورده هو الاستنابة و النيابة من البلد الذى يكون المعيار فيه
هو بلد الموت و يحتمل ان يكون لاجل كون المورد و هو الموت في الطريق و اللازم
بمقتضى الرواية هى النيابة عنه من حيث مات ليكمل الحج من بلد الاقامة و
الاستيطان و على الثانى لا تكون الرواية مرتبطة بالمقام الا من جهة دلالتها على
كون المراد هو الحج من البلد.
-
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 6
-
2 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 7
-
3 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الثانى ح ـ 9