(الصفحة 224)مسئلة 38 ـ يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع و المراد
بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و ان لم يكن واجب النفقة شرعاً1 .
1 ـ يقع البحث في هذه المسئلة في مقامين.
الاول في اصل اعتبار الشرط فنقول الظاهر
اتفاق الفتاوى عليه و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بل ربما ظهر من بعضهم
الاجماع عليه و لكن الظاهر انه لا مجال لجعل الاجماع دليلا بعد احتمال كون
مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية التى: منها انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فان
قوله (عليه السلام) في تفسيرها ان يكون عنده ما يحج به او إذا قدر على ما يحج
به لا يكون المتفاهم منه عرفا الا كون ذلك زائدا على نفقة عياله و ان كان مقتضى
الجمود خلاف ذلك.
و منها ـ و هو العمدة ـ دليل نفى الحرج فانه إذا كان مقتضى هذا الدليل عدم وجوب
الحج إذا كان حرجيا من جهة فقدان الدار و الاثاث و الكتب و نحوها ففى المقام
يتحقق الحرج بطريق اولى ضرورة ان ايجاب الحج عليه مع عدم الاتفاق و احتياجهم
عليه يكون حرجيا بلا اشكال.
و منها ان حفظ نفس العيال واجب و وجوبه اهم من وجوب الحج بلا شبهة فيتقدم عليه.
و يرد عليه ان هذا الوجه اخص من المدعى لاختصاصه بما إذا كان ترك الانفاق موجبا
لتحقق الهلاك و تلف النفس و المدعى اعم من ذلك.
و منها ان الانفاق واجب شرعا و مع تزاحم هذا الوجوب لوجوب الحج يكون هذا الوجوب
متقدما لاشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية المنتفية مع وجود واجب آخر مزاحم.
و قد تقدم في مسئلة تزاحم الدين و الحج بطلان هذا المبنى و ان وجوب الحج لا
يكون مشروطا بالقدرة الشرعية و انه عند التزاحم لا بد من ملاحظة ما هو الاهم و
مع عدمه فالتخيير مع ان هذا الدليل ـ على تقدير تماميته ـ يختص بما إذا كان
العيال واجب النفقة شرعا
(الصفحة 225)
و منها رواية ابى الربيع الشامى قال سئل ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول
اللّه عز و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فقال ما يقول
الناس؟قال فقلت له: الزاد و الراحلة قال فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) قد
سئل ابو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد
و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق اليهم فيسلبهم اياه لقد
هلكوا إذا فقيل له فما السبيل؟قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و
يبقى بعضا لقوت عياله، اليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك
مأتى درهم.(1)
و المناقشة في السند باعتبار ابى الربيع الشامى حيث انه لم يوثق في كتب الرجال
مدفوعة بانه يكفى في وثاقته وقوعه في بعض اسانيد كتاب التفسير لعلى بن ابراهيم
القمى المشتمل على توثيق جميع رواته بنحو عامّ خصوصا مع رواية ابن محبوب عنه
بواسطة خالد و هو من اصحاب الاجماع و ان ناقشنا في ذلك في بعض المقامات.
و المراد بقوله (عليه السلام) لقد هلكوا إذا هل هى الهلاكة بمعنى تلف النفس او
وقوعهم في مشقة شديدة و حرج شديد و كيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على
اعتبار نفقة العيال زائدا على نفقة الحج
المقام الثانى في المراد من العيال الذى
يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به اياه و انه هل هو خصوص من تجب نفقته على
المستطيع او الاعم منه و ممن تلزم نفقته عليه باللزوم العرفى كالاخ الصغير او
الكبير الذى لا يقدر على التكسب و ادارة معاشه؟لاخفاء فى ان مقتضى بعض الوجوه
المتقدمة في المقام الاول هو الاختصاص و لكن مقتضى بعضها الاخر العدم و ذلك
كقاعدة نفى الحرج حيث انها لا تختص بذلك بل تجرى في مثل المثالين و كذلك
الرواية فان العيال المأخوذ فيها يكون المراد
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
(الصفحة 226)مسئلة 39 ـ الاقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية من تجارة او زراعة او صنعة
او منفعة ملك كبستان و دكان و نحوهما بحيث لا يحتاج الى التكفف و لا يقع في
الشدة و الحرج، و يكفى كونه قادرا على التكسب اللائق بحاله، او التجارة
باعتباره و وجاهته و لا يكفى ان يمضى امره بمثل الزكاة و الخمس و كذا من
الاستعطاء كالفقير الذى من عادته ذلك و لم يقدر على التكسب، و كذا من لا يتفاوت
حاله قبل الحج و بعده على الاقوى، فاذا كان لهم مؤنة الذهاب و الاياب و مؤنة
عيالهم لم يكونوا مستطيعين و لم يجز حجهم عن حجة الاسلام1 .
منه ما هو المتفاهم عند العرف و لا يكون مقيدا بمن تجب نفقته شرعا لعدم الدليل
على التقييد و ما ذكرنا من اختصاص بعض الوجوه المتقدمة مرجعه الى عدم دلالته
على ازيد من ذلك لا انه يدل على العدم في غيره كما لا يخفى.
و عليه فالمراد بالعيال كما في المتن ما يشمل العيال العرفى الذى تلزم نفقته
عليه لزوما عرفيا و لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان الشخص مراعيا للزوم
العرفى و منفقا على عياله كذلك خارجا و اما إذا لم يكن كذلك بل كان في البين
مجرد اللزوم العرفى من دون ان يكون هناك انفاق في الخارج فلا مجال لاعتبار وجود
نفقته اصلا و لعل التعبير بوجود ما يمون به عياله ظاهر في تحقق الانفاق العرفى
كما لا يخفى.
1 ـ يقع الكلام فى هذه المسئلة ايضا في مقامين:
المقام الاول في اصل اعتبار الرجوع الى
الكفاية و انه مع عدمه لا يجب الحج فالمنسوب الى اكثر القدماء هو الاعتبار قال
الشيخ (قدس سره) في المبسوط: «و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في
ذلك نفقته ذاهبا و جائيا، و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم، و
يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على امره او صناعة يلتجىء اليها فان كان ضياع
او عقار او مسكن يمكنه ان يرجع اليها و يكون قدر كفايته لزمه...» و نسب ذلك الى
ظاهر الصدوق و الشيخ المفيد و الحلبى و القاضى و بنى زهرة و حمزة و سعيد، بل عن
الخلاف و الغنية اجماع الامامية عليه.
(الصفحة 227)
و لكنه قال المحقق (قدس سره) في محكى المعتبر: «الرجوع الى الكفاية ليس شرطا و
به قال اكثر الاصحاب» و اختاره العلامة في القواعد و شارحها في جامع المقاصد و
من المتأخرين صاحب الحدائق و بعض آخر و كيف كان فالمسئلة خلافية و لاجله لا
مجال للتمسك فيها بالاجماع اصلا مع انه على تقديره و عدم وجود الخلاف لما كان
للاجماع اصالة بعد الظن بان مستند المجمعين انما هو بعض الوجوه الاتية التى
استدل بها على الاعتبار و هى: 1 ـ عدم صدق الاستطاعة المفسرة بمثل ان عنده ما
يحج به بدون قدر الكفاية بعد الرجوع كعدم صدقها بدون نفقة العيال في المسئلة
المتقدمة فهل التاجر الذى يكون رأس ماله بمقدار مصاريف الحج و إذا حج و رجع لا
يقدر على التجارة بوجه بل يضطر الى ان يستعطى من الغير و يمد يده الى الناس
يصدق عليه ان عنده ما يحج به و هو رأس المال الذى لا يقدر بدونه على التجارة و
التعيش من طريق التكسب الظاهر عدم الصدق.
2 ـ قاعدة نفى العسر و الحرج فانه لا شبهة في تحقق الحرج في المثال المتقدم إذا
وجب عليه صرف رأس المال في الحج و الرجوع مع فقدان رأس المال و توقف اعاشته و
تجارته عليه كما هو ظاهر فهذه القاعدة نافية للوجوب مع الرجوع لا الى كفاية.
3 ـ الروايات الدالة على ذلك و هى كثيرة: منها رواية ابى الربيع الشامى
المتقدمة في المسئلة السابقة بناء على دعوى كون ذيلها و هو قوله: و يبقى بعضا
لقوت عياله لا يختص بقوته في خصوص مدة غيبة المعيل و طول سفره في الحج بل اعم
منه و من القوت بعد الرجوع من الحج و هو لا ينطبق الا على اعتبار الرجوع الى
الكفاية كاعتبار النفقة في مدة الغيبة.
و لو نوقش في ظهور الذيل في الاعم نظرا الى دعوى ظهوره في خصوص
(الصفحة 228)
النفقة في مدة الغيبة خصوصا مع عدم التعرض لقوت نفسه و لو كان المراد هو الاعم
لكان اللازم التصريح به ايضا او عدم ظهوره في الاعم و ان لم يكن ظاهرا في
الخصوص ايضا نقول ان الرواية قد رواها المفيد (قدس سره) في المقنعة بنحو آخر
يكون مقتضاه اعتبار الرجوع الى الكفاية و توضيحه ان صاحب الوسائل بعد ان روى
الرواية بالنحو المتقدم عن الكلينى (قدس سره) قال: «و رواه الشيخ باسناده عن
محمد بن يعقوب، و رواه الصدوق باسناده عن ابى الربيع الشامى، و رواه في العلل
عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن احمد بن محمد عن
الحسن ابن محبوب مثله، و رواه المفيد في المقنعة عن ابى الربيع مثله الا انه
زاد بعد قوله: و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس
بكفه لقد هلك إذا ثم ذكر تمام الحديث و قال فيه يقوت به نفسه و عياله».
و يستفاد منه ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة مسندة بالنحو الاول و ان
المفيد (قدس سره)قد تفرد بنقل الحديث عن ابى الربيع بالنحو الثانى و ظاهره
النقل عنه بنحو الارسال لخلو العبارة عن ذكر كلمة «الاسناد» و نحوها كما ان
الظاهر عدم كون ما نقله المفيد زيادة على النحو الاول بل القول المذكور انما هو
بدل قوله ينطلق اليهم فيسلبهم اياه لقد هلكوا إذا لا انه زيادة واقعة بينه و
بين قوله: و يستغنى به عن الناس لعدم المناسبة بين الزّيادة و بين قوله بعدها
ينطلق اليهم....اصلا فلا بد ان يكون المراد من الزيادة هى البدلية و وقوعه
مقامه كما ان قوله: يقوت به نفسه و عياله بدل لقوله: لقوت عياله، في ذيل
الرواية.
و كيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على ـ نقل المفيد ـ على اعتبار الرجوع
الى الكفاية و انه لا مجال لوجوب الحج مع سؤال الناس بكفه إذا رجع و قد عرفت
عدم دلالتها على نقل المشايخ الثلاثة على الاعتبار و ـ ح ـ فهل هذا الاختلاف
يرجع الى تعدد الرواية و يقتضى ان يقال بان في المقام روايتين و لا بد من