(الصفحة 29)
ان يكون المراد به هو الترك فهل يصدق على مجرد الترك في عام الاستطاعة او يتحقق
بالترك الى آخر العمر الذى وقع التعرض له في روايات التسويف المتقدمة و الظاهر
هو الاول فتدبر.
و يمكن الاستدلال على كون التأخير معصية كبيرة بالاية الشريفة الواردة في الحج
المشتملة على قوله تعالى (و من كفر ...)
بناء على ان يكون سبب الكفر هو مجرد الترك لا الترك الناشى عن اعتقاد عدم
الوجوب ـ كما اخترناه في تفسير الاية ـ و على ان يكون المراد بالترك مطلق الترك
الحاصل بالترك في عام الاستطاعة لا الترك المطلق المتوقف على الترك الى ان يموت
فان اطلاق الكفر على الترك بناء على الامرين لا بد و ان يكون بنحو العناية و
التسامح و لكن يستفاد منه كونه معصية كبيرة لانه لا مجال لاطلاق الكفر و لو
مجازا على المعصية غير الكبيرة كما هو واضح.
و الظاهر منع كلا الامرين اما الاول فقد اشير اليه آنفا و اما الثانى فلظهور
الآية في الترك المطلق و ان مفادها نظير مفاد الاخبار الواردة في التسويف الى
ان يموت و لا ملازمة بين الكفر الناشى عن ترك الحج الى آخر العمر و بين الكفر
الناشى عن مجرد التأخير عن عام الاستطاعة كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما
ذكرنا انه لا مجال لاثبات كون التأخير معصية كبيرة و لعله لذا لم يقع التعرض له
في المتن مع وقوع التصريح به في الشرايع.
ثانيهما: قد فسرت الفورية في المتن تبعا
للفقهاء بانه تجب المبادرة في العام الاول من الاستطاعة و ان تركه فيه ففى
الثانى و هكذا و مرجعه الى اعتبار الفورية في جميع السنوات على تقدير المخالفة
في السابقة و الدليل عليه بعض ما يدل على اصل اعتبار الفورية كالاخبار الواردة
في التسويف الدالة على عدم جوازه بعنوانه و بطبيعته و من المعلوم انه كما ان
التأخير عن العام الاول تسويف كذلك التأخير عن العام الثانى مع عدم الاتيان به
في العام الاول فلا مجال لتوهم انه على تقدير مخالفة الفورية
(الصفحة 30)
مسئلة ـ 2 لو توقف ادراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة من السفر و
تهيئة اسبابه وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام، و لو تعددت الرفقة و
تمكن من المسير بنحو يدركه مع كل منهم فهو بالتخيير، و الاولى اختيار اوثقهم
سلامة و ادراكا، و لو وجدت واحدة و لم يكن له محذور في الخروج معها لا يجوز
التأخير الا مع الوثوق بحصول اخرى1.
في العام الاول تسقط الفورية بالمرة و لا يجب عليه المبادرة فى العام الثانى
كما هو ظاهر
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لحكم امرين:
احدهما المقدمات من السفر و تهيئة اسبابه
بعد حصول الاستطاعة التى هى شرط التكليف و قد حكم بوجوب تحصيلها على وجه يدرك
الحج في ذلك العام و المراد من الوجوب هو الوجوب الشرعى بناء على الالتزام
بامرين احدهما الوجوب المعلق في مقابل الوجوب المنجز و قد وقع البحث في الاصول
في استحالته و امكانه نظرا الى انفكاك البعث عن المبعوث اليه لمدخلية الوقت
المخصوص في تحقق الحج فاذا قلنا بفعلية الوجوب بمجرد الاستطاعة يصير الوجوب
فعليا و الواجب استقباليا و القائل بالاستحالة لا يرى امكان الانفكاك كما ان
القائل بالعدم لا يرى منعا فيه و التحقيق في محله و ثانيهما ثبوت الملازمة
العقلية بين وجوب ذى المقدمة و الوجوب الشرعى للمقدمة فانه ـ ح ـ يصير وجوب
تحصيل المقدمات في باب الحج وجوبا شرعيا لاقتضاء الامر الاول ثبوت التكليف
بالحج قبل الموسم بعد حصول الاستطاعة و اقتضاء الامر الثانى وجوب تحصيل
المقدمات بالوجوب الشرعى لان المفروض ثبوت الملازمة بين الوجوبين الشرعيين.
اما لو قلنا باستحالة الواجب المعلق و ان دخالة الوقت في باب الحج كدخالته في
باب الصلوة حيث لا تجب قبله فوجوب تحصيل المقدمات ـ ح ـ يصير وجوبا عقليا لان
العقل يحكم بانه إذا توقف اتيان المأمور به في وقته على ايجاد مقدمات قبله لا
محيص عن الاتيان بها و تحصيلها بحيث يقدر على
(الصفحة 31)
اتيان المأمور به في وقته و يعبر عن هذا بلزوم المقدمات المفوتة كما انه إذا
انكرنا الملازمة في بحث مقدمة الواجب تكون المقدمة محكومة باللابدية العقلية
لتوقف حصول المأمور به عليها لفرض المقدمية فالوجوب في هاتين الصورتين يكون
وجوبا عليا و في الفرض الاول يكون شرعيا كما عرفت.
ثانيهما تعدد الرفقة و فيه فرضان:
الاول: ما إذا كانوا موافقين في الخروج
زمانا و الظاهر انه لا اشكال في انه إذا كانوا متفقين في اصل الوثاقة و في
مرتبتها و تمكن من المسير مع كل منهم يكون مخيرا في الخروج مع اىّ واحد منهم
كما انه لا اشكال في انه إذا كانوا مختلفين في اصل الوثاقة فاللازم بحكم العقل
اختيار من يثق بوصوله و ادراكه الحج معه و لا يجوز له اختيار من لا يثق بوصوله
و ادراكه الحج.
و اما إذا كانوا مختلفين في مرتبة الوثاقة كما إذا كان بعضهم اوثق من الاخر
فظاهر السيد في العروة لزوم اختيار الاوثق سلامة و ادراكا و صريح المتن عدم
الوجوب و ان الاولى ترجيح الاوثق و هو اولى لانه لا دليل على مرجحية الاوثقية
عند العقل بعد كون الملاك بنظره هو مجرد الوثاقة المشتركة بين الجميع كما انه
لا دليل عليها في الشرع فيجوز له اختيار غير الاوثق كما لا يخفى.
الثانى: ما إذا كانوا مختلفين في الخروج من
حيث الزمان او كانت هناك رفقة واحدة و احتمل وجود اخرى و هذه الصورة مذكورة في
المتن فانه ليس المراد بوحدة الرفقة المذكورة فيه هو الانحصار الحاصل بالعلم
بعدم وجود اخرى فانه ـ مضافا الى عدم كونه مرادا له ـ يغايره استثناء صورة حصول
الوثوق بحصول اخرى بعد ظهور كون الاستثناء متصلا.
و كيف كان ففى هذا الفرض اقوال اربعة:
الاول: ما افاده الشهيد في «الروضة» من وجوب
الخروج مع الرفقة الاولى
(الصفحة 32)
و ظاهره ثبوت الوجوب و لو مع العلم بالتمكن من المسير مع الثانية و ادراك الحج
معها نظرا الى ان مجرد التأخير تفريط في اداء الواجب فاللازم الخروج مع الاولى
مطلقا.
الثانى: ما عن الشهيد في الدروس من عدم جواز
التأخير الا مع الوثوق بالثانية و بالتمكن من المسير و ادراك الحج معها و قد
تبعه في المتن.
الثالث: ما احتمله قويا في المدارك حيث انه
بعد استحسانه لما نقله عن الدروس قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال
سفر الثانية لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى.
الرابع: ما حكاه في المدارك عن التذكرة من
انه اطلق جواز التأخير عن الرفقة الاولى قال لكن المسئلة في كلامه مفروضة في حج
النائب و الظاهر انه لا ارتباط بين المسئلتين فان الحج النيابى تابع من جهة
الفورية و من سائر الخصوصيات لما يدل عليه عقد الاجارة لفظا او انصرافا و هذا
بخلاف المقام الذى يرتبط بما هو المستفاد من الادلة اللفظية الشرعية الدالة على
الفورية بضميمة حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات فتصير الاقوال فى المسئلة
ثلاثة.
و الظاهر هو القول الثانى الذى هو الوسط بين القولين لان تعين الخروج مع الرفقة
الاولى و لو مع العلم او الوثوق الذى يقوم مقامه عند العقلاء يحتاج الى دليل و
دعوى كون مجرد التأخير تفريطا في اداء الواجب ممنوعة جدا فانه بعد فرض تعدد
الرفقة و عدم الفرق بين الاولى و الثانية بل ربما كانت الثانية اوثق سلامة و
ادراكا لا يحكم العقل بتعين الخروج مع الاولى و عدم جواز التأخير لحصول الغرض و
هو ادراك الحج في عام الاستطاعة على كلا الفرضين كما هو المفروض.
كما انه لا مجال لاحتمال جواز التأخير بمجرد احتمال حصول اخرى او التمكن منها
فان التأخير بذلك مع احتمال الفوت و عدم الادراك و المفروض التمكن مع
(الصفحة 33)
القافلة الاولى لا يسوّغه العقل و الدليل عليه ما عرفت من لزوم المبادرة بضميمة
حكم العقل فانه لا يرى مجالا للتأخير في هذه الصورة اصلا.
ثم انه في صورة الوثوق التى يجوز فيها التأخير لو صادف عدم خروج قافلة اخرى او
عدم التمكن من المسير معه لا يكون ترك الحج في العام الاول موجبا لاستحقاق
العقوبة و تحقق المعصية بوجه.
و اما في صورة عدم جواز التأخير لعدم الوثوق فان صار التأخير مستلزما لفوات
الحج لعدم خروج الرفقة الثانية فرضا فلا اشكال في استحقاق العقوبة على ترك الحج
و عدم الاتيان بما هو الواجب عليه من رعاية المبادرة و الفورية و اما إذا لم
يترتب عليه فوات الحج بل حصلت الفرقة الثانية و تمكن من المسير معها و خرج و
ادرك الحج فهل يترتب على مجرد التأخير غير الجائز استحقاق العقوبة ام لا ظاهر
الجواهر الترتب حيث قال: «و الا ـ اى و ان لم يثق ـ فالعصيان ثابت له من حيث
التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الاولى مع عدم الوثوق
بالثانية و ان تبين له الخلاف بعد ذلك و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء
السابق».
و الظاهر عدم تحقق التجرى بمجرد عدم الوثوق فان الاحتمال الذى يتساوى طرفاه لا
يجتمع مع تحققه بل الظاهر انه يتحقق في خصوص صورة الوثوق بالخلاف فلا يجرى ما
افاده في جميع صور المسئلة.
ثم ان ظاهر الجواهر انه لا فرق بين الوثوق و بين مطلق الظن مع ان الظاهر كون
الوثوق هو الظن القوى المتاخم للعلم الذى يعبر عنه بالاطمينان و يعامل معه عند
العقلاء و العرف معاملة العلم و الا فمجرد الظن مع عدم اعتباره بوجه لا يستلزم
جواز التأخير لعدم الفرق بينه و بين الاحتمال بوجه.
|