(الصفحة 338)مسئلة 54 ـ لو استقر عليه الحج بان استكملت الشرائط و اهمل حتى زالت او
زال بعضها وجب الاتيان به باى نحو تمكن، و ان مات يجب ان يقضى عنه ان كانت له
تركة و يصح التبرع عنه، و يتحقق الاستقرار على الاقوى ببقائها الى زمان يمكن
فيه العود الى وطنه بالنسبة الى الاستطاعة المالية و البدنية و السربية، و اما
بالنسبة الى مثل العقل فيكفى بقائه الى آخر الاعمال.و لو استقر عليه العمرة فقط
او الحج فقط كما فيمن وظيفته حج الافراد او القران ثم زالت استطاعته فكما مر
يجب عليه باى وجه تمكن و ان مات يقضى عنه1.
1 - يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامين:
المقام الاول في حكم من استقر عليه الحج و
الاستقرار في الجملة عبارة عن استكمال الشرائط ثم الاهمال و المسامحة و عدم
الاتيان حتى زالت ـ كلاّ او بعضا ـ و يتصور فيه صور:
الاولى: ما إذا لم يكن قادرا على الاتيان
بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها بوجه بحيث كان فاقدا للقدرة العقلية بعده و
من المعلوم انه لا مجال لوجوب الحج في هذه الصورة بعد فرض انتفاء القدرة
العقلية فقد تحقق منه عصيان التكليف من دون ان يكون له طريق الى جبرانه من غير
سبيل التوبة نعم لو مات يقضى عنه من تركته مع وجودها ـ على ما سيأتى ـ.
الثانية: ما إذا كان قادرا على الاتيان
بالحج بعد عام الاستطاعة و زوالها من دون ان يكون مستلزما للحرج غاية الامر مع
التسكع الذى هو عبارة عن السير و الحركة مع التعسف و التكلف و هذه هى الصورة
التى حكم فيها بوجوب الحج متسكعا و الدليل عليه ليس هى الاية و الادلة الدالة
على وجوب الحج على المستطيع لان ظاهرها مدخلية الاستطاعة في الوجوب ـ حدوثا و
بقاء ـ كسائر العناوين الظاهرة في ذلك مثل عنوانى «المسافر و الحاضر» بل الدليل
هى النصوص الواردة في التسويف و التأخير الى
(الصفحة 339)
آخر العمر الظاهرة في الحرمة و انه موجب لترك شريعة من شرايع الاسلام او ان
تاركه يموت يهوديا او نصرانيا او انه يحشر يوم القيامة اعمى فان مفادها لزوم
الاتيان به ما دام لم يمت و ان زالت الاستطاعة فلا اشكال في هذه الصورة بل لا
خلاف من حيث الفتوى ايضا.
الثالثة: الصورة الثانية مع استلزامها
للحرج، مقتضى القاعدة مع ملاحظة دليل نفى الحرج عدم الوجوب في هذه الصورة لكن
ربما يقال بوجوبه و يمكن ان يستدل عليه بوجوه:
الاول: الاجماع لان الظاهر من كلمات الاصحاب
هو التسالم على وجوب الحج متسكعا على من استقر عليه الحج الا إذا انتفى اصل
القدرة.
و الجواب عنه ـ مضافا الى المناقشة في
الصغرى نظرا الى انه لو كان نظرهم الى وجوب الحج حتى مع الحرج لكان اللازم
التصريح به خصوصا مع ما هو المغروس في الاذهان مع ملاحظة قاعدة نفى الحرج التى
هى حاكمة على الادلة الاولية ـ منع الكبرى بعد احتمال استناد المجمعين الى بعض
الوجوه الآتية كما مرّ مرارا.
الثانى: انه اوقع نفسه بسوء اختياره في هذا
المحذور.
و الجواب عنه عدم كونه بمجرده دليلا على
الوجوب في صورة الحرج فانه لو كان هناك دليل على الوجوب لكان الوجه المذكور
صالحا لتوجيهه و قابلا لتقريبه و اما مع عدم الدليل المذكور فلا يكون هذا الوجه
بمجرده دليلا عليه كما لا يخفى خصوصا مع ملاحظة عدم اختصاص قاعدة الحرج بما إذا
لم يكن الحرج ناشيا من المكلف و بسوء اختياره
الثالث: الروايات المتقدمة الواردة في
الاستطاعة البذلية الدالة على انه ليس له ان يستحيى بل يجب عليه الخروج الى
الحج و لو على حمار اجدع ابتر مع دعوى كون الاستطاعة المالية كالبذلية.
(الصفحة 340)
و الجواب عنه انه قد تقدم انه يجرى في
الروايات احتمالان: احدهما ان يكون المراد وجوب الحج في عام الاستطاعة البذلية
و لو كان المبذول له حمارا اجدع ابتر ففى الحقيقة تدل على سعة دائرة البذل في
الاستطاعة البذلية
ثانيهما ان يكون المراد
وجوب الحج بعد زوال الاستطاعة البذلية و ان كان على حمار كذلك ففى الحقيقة تكون
ناظرة الى من استقر عليه الحج بالاستطاعة البذلية و الظاهر ان كلا من
الاحتمالين يؤيده بعض الروايات الاخر فراجع.
فان كان المراد الاحتمال الاول فلا ارتباط لهذه الروايات بالمقام اصلا و ان كان
المراد هو الاحتمال الثانى فالجواب ان الحج على حمار كذلك لا يكون مستلزما
للحرج دائما او نوعا بل قد يكون مستلزما و قد لا يكون كذلك و في هذه الصورة
يكون اطلاقها محكوما بقاعدة نفى الحرج فلا مجال للاستدلال بهذه الروايات.
الرابع: رواية ابى بصير قال قلت لابى عبد
اللّه (عليه السلام) قول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس حج البيت من
استطاع اليه سبيلا قال يخرج و يمشى ان لم يكن عنده قلت لا يقدر على المشى؟قال
يمشى و يركب، قلت لا يقدر على ذلك اعنى المشى؟قال يخدم القوم و يخرج معهم.(1)
و الاستدلال بهذه الرواية مع الاغماض عن سندها ـ لضعفه بعلى بن ابى حمزة
البطائنى الراوى عن ابى بصير ـ مبنى على دعوى كون الرواية واردة في مورد
الاستقرار و على دعوى كون خدمة القوم مستلزمة للحرج و كلتا الدعويين ممنوعة:
اما الاولى فلاجل كونها واردة في مقام
الجواب عن سؤال تفسير الاية الدالة على وجوب اصل الحج مع الاستطاعة و قد عرفت
ان الآية لا دلالة لها على وجوب الحج في صورة الاستقرار لظهورها في كون عنوان
«المستطيع» دخيلا ـ حدوثا و بقاء ـ فلا مجال لحمل الرواية على بيان حكم
الاستقرار اصلا نعم تكون الرواية معرضا عنها كما مر
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الحاديعشر ح ـ 2
(الصفحة 341)
و اما الثانية فلمنع كون الخدمة مستلزمة
للحرج دائما فانها قد تكون حرجية و قد لا تكون كذلك و مع الاطلاق يلزم التقييد
بقاعدة نفى الحرج كما عرفت.
الخامس الروايات الكثيرة الدالة على ان من
ترك الحج مع الاستطاعة من دون عذر فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام او انه يحشر
يوم القيامة اعمى او انه يموت يهوديا او نصرانيا
و الجواب ان مقتضى اطلاق هذه الروايات و ان
كان هو الوجوب في صورة الحرج ايضا الا انه لا بد من رفع اليد عن الاطلاق بسبب
قاعدة نفى الحرج كما في سائر ادلة التكاليف.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على الوجوب في صورة الحرج و قد
عرفت انه لم يقع التصريح بالوجوب فيها بل يستفاد من اطلاق الكلمات او عمومها مع
انه لو كان مرادهم الشمول لكان ينبغى التصريح بذلك كما عرفت.
ثم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة الى وجوب الاتيان بالحج إذا استقر عليه و اما
بالاضافة الى وجوب القضاء عنه لو مات و لم يأت به فنقول: يمكن الاستدلال على
الوجوب بانه دين يجب ادائه من تركته لو كانت له تركة و الدليل على كونه دينا
التعبير بكلمتى «اللام و على» في الاية الشريفة الظاهرة في انه من حقوق اللّه
تبارك و تعالى على المستطيع كما هو الشايع في التعبير عن الدين فيقال لزيد على
عمر و كذا و لم يقع التعبير بذلك في الكتاب فى مثل الصلوة و الصيام و لعل الوجه
فيه الدلالة على اهمية الحج خصوصا بالاضافة الى جانبه الاجتماعى و اشتماله على
اجتماع المسلمين من جميع اقطار العالم و يترتب على هذا الاجتماع فوائد كثيرة و
نتائج هامة و الاطلاع على مشاكل المسلمين و الاقدام على رفعها و التوانس و
الارتباط بينهم مع ما فيه من ظهور عظمة الاسلام و شوكة المسلمين و لاجله يكون
تحمله شاقا على من لا يتحمل الاسلام و يأبى عن نفوذه و شيوعه من الزعماء و
الحاكمين و بعد ان امتنع عليهم منع المسلمين و صدهم عن الاجتماع المذكور سعوا
في ان لا يترتب عليه
(الصفحة 342)
فوائده الاجتماعية و لا يرتبط المسلمون بعضهم مع بعض في الجهات السياسية و
المشاكل التى اوقعهم الاستعمار فيها و لاجله اختاروا لحكومة الحرمين من كان
عبدا لهم لا يطيع اللّه بل يطيع الطاغوت و الشيطان و اقدروه كمال القدرة للصد
عن وصول المسلمين الى الاهداف المهمة الاجتماعية المترتبة على الحج و امروه
بالمقاومة و لو كانت متوقفة على قتل المأت من الحجاج الذين كان اكثرهم من
الشيوخ و الكبار من الرجال و النساء جنب مسجد الحرام فجعلوا قوله تعالى: «و من
دخله كان آمنا» تحت اقدامهم و اختاروا عبادة الطاغوت و الشيطان في لباس خدمة
الحرمين و ذكروا لتوجيه ذلك بعد ان لم يكن لهم وجه ما يضحك به الثكلى و يشهد
بكذبه من كان له ادنى حظ من الفهم و العقل.
و كيف كان يمكن استفادة وجوب القضاء الذى هو بمعنى اداء الدين بعد الموت من نفس
التعبير في الاية الشريفة و لو اغمض النظر عنه يدل على ذلك روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا
عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و يترك مالا قال:
عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له(1) و السؤال فيها يحتمل
ان يكون مطلقا شاملا لمن لم يستطع اصلا ايضا و يمكن ان يكون مختصا بخصوص
المستطيع الذى استقر عليه الحج و لم يأت به و على كلا التقديرين دليل على
الوجوب في المقام.
و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الاسلام يحج عنه؟قال: نعم.(2)
و منها: رواية اخرى له قال: سئلت ابا جعفر
(عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجّة الاسلام و لم يوص بها ايقضى عنه؟ قال:
نعم.(3) و الظاهر اتحادها مع الرواية
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 5