(الصفحة 125)
مسئلة 19 ـ لو كان عنده ما يكفيه للحج و كان عليه دين فان كان مؤجلا و
كان مطمئنا بتمكنه من ادائه زمان حلوله مع صرف ما عنده وجب بل لا يبعد وجوبه مع
التعجيل و رضا دائنه بالتأخير مع الوثوق بامكان الاداء عند المطالبة، و في
غيرهاتين الصورتين لا يجب، و لا فرق في الدين بين حصوله قبل الاستطاعة او بعدها
بان تلف مال الغير على وجه الضمان عنده بعدها و ان كان عليه خمس او زكوة و كان
عنده ما يكفيه للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة فلا يكون مستطيعا، و
الدين المؤجل باجل طويل جدا كخمسين سنة و ما هو مبنى على المسامحة و عدم الاخذ
رأسا، و ما هو مبنى على الابراء مع الاطمينان بذلك لم يمنع عن الاستطاعة1.
1 ـ فى هذه المسئلة مباحث:
الاول انه إذا كان عنده مال يكفى للحج و
يمكن صرفه فيه و لكن كان عليه دين بمقدار لو صرف المال فيه كلا او بعضا لا يقدر
على الحج فهل يمنع الدين عن تحقق الاستطاعة ام لا فيه اقوال و آراء مختلفة:
احدها عدم المانعية مطلقا و الحكم بوجوب
الحج في مفروض البحث و في «المستند» بعد ان حكى عن المحقق الاردبيلى الوجوب
استظهر انه مذهب القدماء حيث لم يتعرضو الاشتراط الخلو من الدين ـ مع كون
المسئلة مما تعم بها البلوى و لا يمكن ان تكون مغفولا عنها بوجه ـ ثم قال: و هو
الحق.
ثانيها المانعية كذلك يظهر هذا القول من
اطلاق عبارة الشرايع حيث قال: «و لو كان له مال و عليه دين بقدره لم يجب الاّ
ان يفضل عن دينه ما يقوم بالحج» و قد صرح العلامة فى محكى القواعد و المنتهى
بعدم الفرق بين الحال و المؤجل و كذلك الشهيد في الدروس.
و مقتضى اطلاقهما انه لا فرق في الدين الحال بين المطالب به و غيره و كذا
(الصفحة 126)
لا فرق في الدين المؤجل بين ما إذا كان الاجل يسع للحج و العود و بين غيره و
كذا بين ما إذا لم يكن مطمئنا بالتمكن من الاداء زمان الحلول و بين غيره و
اختار هذا القول صاحب المستمسك مصرحا بالتعميم.
ثالثها ما نسب الى صاحب المدارك من مانعية
خصوص الدين الحال المطالب به و لكن عبارته تقضى بحكمه بالمانعية في بعض صور
التأجيل ايضا حيث قال في رد استدلال المنتهى للمانعية مطلقا بعدم تحقق
الاستطاعة مع الحلول و توجه الضرر مع التأجيل: «و لمانع ان يمنع توجه الضرر في
بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا او حالا لكنه غير مطالب به و كان للمديون
وجه للوفاء يعد الحج و متى انتفى الضرر و حصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة
المقتضية للوجوب... «فان الظاهر ان قوله: و كان للمديون...قيد للدين المؤجل
ايضا و الا لكان اللازم المنع من توجه الضرر مطلقا حيث ان الاستدلال به انما هو
في الدين المؤجل و عليه فيظهر انّه في الدين الموجل إذا لم يكن للمديون وجه
للوفاء بعد الحج يكون مانعا عن تحقق الاستطاعة كما لا يخفى.
رابعها ما حكى عن كاشف اللثام من مانعية
الدين مطلقا الاّ المؤجل الذى وسع وقته للحج و العود.
خامسها ما يدل عليه صدر عبارة المستند من
انه في صورة الحلول مع المطالبة او التأجيل مع عدم سعة الاجل للذهاب و العود
يقع التزاحم بين دليل وجوب الحج و دليل وجوب اداء الدين و اللازم بعد عدم
الترجيح الحكم بالتخيير بينهما، و في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير او التأجيل
مع سعة الاجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من اداء الدين بعد ذلك
يقدم الحج.
و قد عرفت ان ذيل عبارته ظاهر في اختيار القول الاول و هو عدم المانعية مطلقا و
لم يظهر لى وجه للجمع بين الصدر و الذيل و التوجيه بان الذيل ناظر الى
(الصفحة 127)
اصل ثبوت الاستطاعة و وجوب الحج مع قطع النظر عن التزاحم لا يكاد ينطبق على
ادلته الظاهر في تقديم الحج على الدين مطلقا كما لا يخفى.
سادسها ما اختاره في المتن ـ تبعا للعروة ـ
من انه إذا كان الدين مؤجلا و يتمكن من الاداء بعد الحج عند حلول اجله لا يكون
مانعا عن تحقق الاستطاعة و وجوب الحج و كذا إذا كان حالا و رضى دائنه بالتأخير
و كان واثقا بالتمكن من الاداء عند المطالبة و في غيرهاتين الصورتين لا يجب
الحج و يكون الدين مانعا.
إذا عرفت هذه الاقوال فالكلام يقع في بيان مستندها فنقول:
قد استدل لمانعية الدين و عدم وجوب الحج معه بامور:
الاول: ما استدل به في المستمسك على
المانعية في جميع فروض الدين و هو ان الظاهر من روايتى ابى الربيع و عبد الرحيم
القصير ـ المتقدمتين ـ اعتبار السعة و اليسار في تحقق الاستطاعة و حصولها و هما
غير حاصلين مع الدين إذا لم يزد ما يحتاج اليه في الحج على ما يقابل الدين من
غير فرق بين المؤجل و الحال، مع المطالبة و بدونها، و مجرد القدرة بعد ذلك على
الوفاء في المؤجل و في الحال مع الرضا بالتأخير غير كاف في صدق السعة و اليسار
فعلا.
و يرد عليه اولا ان الظاهر ـ كما عرفت سابقا في معنى رواية ابى الربيع ـ ان
المراد بالسعة هو الرجوع بالكفاية و القدرة على المعاش بعد المراجعة و لا
ارتباط لها بمسئلة الدين اصلا.
و ثانيا ان الظاهر ان الروايات الدالة على تفسير الاستطاعة بان عنده ما يحج به
و قد عرفت انها تدل على اعتبار امور ثلاثة هى ملكية الزاد و الراحلة و كونه
عنده و بيده و كونه بحيث يمكن الاستعانة به في سفر الحج لا تكون مغائرة لما يدل
على تفسيرها بالسعة و اليسار و القوة بل الظاهر ان المراد بالسعة و امثالها هو
ما يدل عليه تلك الروايات و لا دلالة لها على اعتبار امر رابع في الاستطاعة
زائد على الامور
(الصفحة 128)
الثلاثة كما لا يخفى.
و ثالثا على تقدير تسليم جميع ما ذكر نمنع جريان الدليل في جميع فروض الدين ففى
الصورتين المذكورتين في القول السادس لا يكون الدين مانعا عن تحقق اليسار فان
من كان له دين مؤجل و اجله بعد الحج و يطمئن بوجود مال له في ذلك الوقت كاف في
مقام اداء الدين كيف لا يكون بالنظر الى هذا المال الموجود موسرا و له سعة
الثانى ما اشتهر و ارتكز عند المتشرعة من
اهمية حق الناس من حق اللّه تعالى فاللازم تقديم الدين على الحج لان الاول حق
الناس و الثانى حق اللّه و يرد عليه انه لم يقم دليل من آية او رواية على ثبوت
هذه الاهمية و ما ورد و نقله في المستمسك من ان الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر و ذنب
لا يغفر، و ذنب لا يترك، فالذى يغفر ظلم الانسان نفسه، و الذى لا يغفر ظلم
الانسان ربه ـ يعنى الشرك الذى ورد في الكتاب انه لظلم عظيم و ان اللّه لا يغفر
ان يشرك به ـ و الذى لا يترك ظلم الانسان غيره.
لا دلالة له على اهمية ظلم الانسان غيره من ظلم الانسان نفسه فان عدم الترك
بلحاظ ارتباطه بالغير و عدم الغفران الا بمراجعة صاحب الحق امر و الاهمية امر
آخر لا ارتباط لاحدهما بالاخر كما ان الغفر ان في ظلم الانسان نفسه بلحاظ
ارتباطه باللّه الغفار الرؤف الرحيم لا دلالة له على عدم الاهمية اصلا.
و بالجملة هذا الحكم و ان كان مرتكزا عند المتشرعة الا انه لم يبلغ الى حد يمكن
التعويل عليه.
ثم انه استشهد السيد في العروة بعد منع اهمية حق الناس من حق اللّه بانه لو فرض
كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدم دين الناس.
و حكى في المستمسك الاشكال من بعض الحواشى على ذلك بان الدين و الحج لما تعلقا
بعد الموت باعيان التركة لم يبق لرعاية الاهمية موقع.
و اورد عليه بانه إذا كان الدين اهم كان اللازم ان لا يتعلق الحج بالتركة مع
(الصفحة 129)
المزاحمة بالدين كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية و هكذا فتعلق الحج و
الدين معا مع المزاحمة يدل على عدم اهمية الدين من الحج.
و اورد بعض الاعلام على السيد اولا بان مورد التوزيع هو حال الوفاة و ذلك لا
يكشف عن عدم الاهمية للدين حال الحيوة فان الميت لا تكليف عليه و انما يكون
ضامنا و مديونا و هذا بخلاف الحى فانه مكلف باداء الدين و الحج ايضا و لا يقاس
الحكم التكليفى بالوضعى فاحد البابين اجنبى عن الاخر.
و ثانيا ان المصرح به في الروايات كون الحج دينا و انه يخرج من صلب المال فهما
سيان من هذه الجهة غاية الامر احدهما دين اللّه و الاخر دين الناس فهو كانه
مدين لشخصين لا يفى المال الا لاحدهما و يوزع المال بينهما قهرا فلا يكون
التوزيع ـ ح ـ شاهدا على عدم اهمية دين الناس.
و ثالثا ان التوزيع المذكور لم يدل عليه اىّ دليل و انما ذكره العلماء في
كلماتهم بل يظهر من صحيح بريد العجلى الوارد فيمن مات قبل ان يحرم انه يصرف
جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو للدين ثم
للورثة عدم التوزيع و تقديم الحج على الدين و لكن انما نلتزم بذلك في مورد
الوفاة للنص و اين هذا من تكليف نفس الشخص حال حيوته و كان عليه دين غير واثق
بادائه في وقته او انه حال مطالب به.
و الجواب اما عن الوجه الاول فان حكم الدين
بالاضافة الى الميت و ان كان وضعيا محضا الا انه لا شبهة في ترتب حكم تكليفى
عليه غاية الامر ان المكلف لا يكون نفس الميت بل الحاكم او الوصى او الوارث و
الاختلاف لا يوجب الاختلاف في الحكم فاذا كان الحكم التكليفى بعد الوفاة متعلقا
بالتوزيع كما هو المفروض فلا فرق بينه و بين حال الحيوة الذى يكون الحكمان:
التكليفى و الوضعى متوجهين الى شخص واحد كما لا يخفى.
|