(الصفحة 109)
مسئلة 15 ـ يعتبر في وجوبه وجدان نفقة الذهاب و الاياب زائدا عما يحتاج
اليه في ضروريات معاشه فلاتباع دار سكناه اللائقة بحاله و لا ثياب تجمله و لا
اثاث بيته و لا آلات صناعته، و لا فرس ركوبه او سيارة ركوبه، و لا سائر ما
يحتاج اليه بحسب حاله وزيه و شرفه، بل و لا كتبه العلمية المحتاج اليها في
تحصيله سواء كانت من العلوم الدينية او من العلوم المباحة المحتاج اليها في
معاشه و غيره، و لا يعتبر في شىء منها الحاجة الفعلية، و لو فرض وجود المذكورات
او شىء منها بيده من غير طريق الملك كالوقف
الظاهر ان مراده منها هى الازيدية و التعبير بالاول انما هو للملازمة النوعية
بين الامرين و عليه فلا مجال للاشكال عليه كما في بعض الشروح و اما استثناء
صورة الالجاء فان كان الالجاء مرتبطا بنفس العود الى ذلك المحل كما إذا لم
يتمكن من الرجوع الى وطنه لبعض الجهات فهو تام و امّا ان كان الالجاء مرتبطا
بنفس السكنى فيه و كان متمكنا من العود الى وطنه فاعتبار نفقة العود الى ذلك
المحل محل اشكال كما لا يخفى ثم ان في اعتبار نفقة العود في تحقق الاستطاعة
التى هى شرط لوجوب حجة الاسلام شبهة و هى انه لو فرض كون الشخص واجدا لهذه
النفقة عند السير الى الحج و كانت باقية عند المناسك و الاعمال باجمعها و لكن
بعد التمامية ذهبت من يده بسرقة او غيرها فصار فاقدا لنفقة العود بالمرة
فاللازم ان يقال بعدم كون حجه الذى اتى به بقصد حجة الاسلام كذلك مثل ما إذا
علم من اول الامر قبل المسير بان نفقة عوده تسرق بعد الاعمال فانه لا يجب عليه
الحج في هذه الصورة فكذلك المقام و عليه فيجب عليه الاتيان بها بعدا لو تحقق له
الاستطاعة له مع ان الالتزام به في غاية البعد لان لازمه ان السرقة كما ذهبت
بماله كذلك ذهبت بحجه.
و يمكن ان يقال في دفع هذه الشبهة بان الظاهر من النصوص الدالة على عدم اجزاء
حج المتسكع عن حجة الاسلام غير مثل هذا الفرض و اللازم ملاحظتها كما سيأتى
انشاء اللّه تعالى.
(الصفحة 110)
و نحوه وجب بيعها للحج بشرط كون ذلك غير مناف لشأنه و لم يكن المذكورات
فى معرض الزوال1.
1 ـ المشهور بين الفقهاء هو استثناء ما يحتاج اليه الشخص في ضروريات معاشه عن
الزاد و الراحلة المحقق للاستطاعة بمعنى انه يعتبر ان يكون الزاد و الراحلة
زائدا على ذلك و لا يجب عليه صرفه فيهما و يمكن الاستدلال عليه بامور:
احدها الاجماع المدعى في بعض الكتب كالمعتبر
و المنتهى و التذكرة، و الاشكال على الاستدلال به واضح مما ذكرناه مرارا.
ثانيها استثناء هذه الامور كلا اوجلا في دين
المخلوقين الذى هو اعظم من دين الخالق الذى هو الحج.و يرد عليه ان الكلام في
المقام في اصل ثبوت دين الخالق لان البحث في تحقق الاستطاعة الجائية من ناحيتها
الفريضة و الدين الالهى مع ان الظاهر انه فى صورة استقرار الحج و ثبوت الدين
الالهى لا يكون جميع هذه الامور مستثناة كما لا يخفى.
ثالثها فحوى رواية ابى الربيع الشامى الدالة
على ان المراد بالسبيل في الاية هى السعة فى المال لكنه قد تقدم و سيأتى ايضا
في بحث الرجوع الى الكفاية ان المراد بالسعة ماذا؟.
رابعها و هو العمدة قاعدة نفى العسر و الحرج
و لا مجال للاشكال على الاستدلال بهذه القاعدة الا ان اللازم بملاحظة كون الحرج
المأخوذ فيها حرجا شخصيا لا نوعيا دوران الحكم مداره فاذا فرض عدم تحقق الحرج
اصلا من بيع بعض المستثنيات و صرف ثمنه فى الحج فاللازم القول بوجوب الحج عليه
لفرض تحقق الاستطاعة و عدم لزوم الحرج بوجه.
و دعوى انه لو توقف حجه على بيع بعض المستثنيات لم يكن نفس الحج حرجيا عليه بل
هو مستلزم لامر حرجى و هو فقده لما يحتاج اليه في معيشته فالحرج لا يكون ثابتا
فى اصل حجه بل في لازمه.
(الصفحة 111)
مدفوعة بانه مع التوقف المذكور و فرض كون فقده لما يحتاج اليه في معيشته امرا
حرجيا يصدق كون الحرج آتيا من قبل الحكم و هو ايجاب الحج و لا يلزم في قاعدة
نفى الحرج ان يكون متحققا في نفس المأمور به و الاّ لا مجال لاستفادة اعتبار
نفقة العود من هذه القاعدة لعدم كون الحج مع عدمها حرجيا بوجه فالملاك هو كون
الحكم موجبا لتحقق الحرج سواء كان في المأمور به او في غيره مما يلازمه كما لا
يخفى.
كما ان (دعوى) ان الاستناد بهذه القاعدة انما يجدى لنفى الالزام و هو لا ينافى
الاجزاء عن حجة الاسلام فلو تحمل الحرج و اتى بالحج يكون حجه صحيحا مجزيا
(مدفوعة) بانه على تقدير تسليم كون تحمل الحرج غير مناف للصحة لاحتمال البطلان
كما رجحناه في البحث عن القاعدة في كتابنا في القواعد الفقهية نقول ان غايته هو
الحكم بالصحة و اما الاجزاء عن حجة الاسلام فلا مجال له بعد تغاير المهية في
الحج و ثبوت حقيقة خاصة لحجة الاسلام التى تكون عمدة مشخصاتها هى الوجوب و
كونها فريضة فاجراء القاعدة فى المقام و مثله يكون ملازما لعدم الاجزاء.
إذا ظهر لك ذلك فنقول: اما مسئلة الثياب ففى محكى الدروس و التحرير انها لاتباع
و مقتضى اطلاقها انه لا فرق بين ثياب المهنة ـ بالفتح و الكسر ـ اى ما يبتذ له
من الثياب لان المهنة الخدمة و بين ثياب التجمل و في الشرايع: و لاتباع ثياب
مهنة و في المتن: «و لا ثياب تجمله» و شموله لثياب المهنة انما هو بنحو
الاولوية و لكن شمول مثل عبارة الشرايع لثياب التجمل محل اشكال.
و العمدة على ما عرفت هو دليل نفى العسر و الحرج و الظاهر شموله لثياب التجمل
ايضا و كذلك اثاث البيت إذا كان لائقا بحاله و لم يكن زائدا على حاجته
(الصفحة 112)
بحسب زيه و شرفه و زمانه و مكانه و سائر الخصوصيات الموجبة للفرق بين الاشخاص
من جهة الحاجة.
و اما آلات صناعته فعن الدروس التوقف في استثناء ما يضطر اليه من امتعة المنزل
و السلاح و آلات الصنايع و هو محل نظر بعد فرض وجود الاحتياج اليه في معاشه و
ادارة اموره.
و اما فرس الركوب او السيارة في زماننا هذا فقد ناقش في استثنائه كاشف اللثام
حيث قال في محكى كشفه: لا ارى له وجها فان فرسه ان صلح لركوبه الى الحج فهو من
الراحلة و الاّ فهو في مسيره الى الحج لا يفتقر اليه و انما يفتقر الى غيره و
لا دليل على انه ـ ح ـ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم الا بثمنه.
و قد عرفت ان الدليل هى قاعدة نفى العسر و الحرج المقتضية لعدم الوجوب مع
الحاجة اليه و ان كان لا يحتاج اليه في مسيره الى الحج بوجه.
و اما الكتب فالمحكى عن ابن سعيد انه قال: لا يعد في الاستطاعة لحج الاسلام و
عمرته دار السكنى و الخادم و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير
ذلك.و المحكى عن التحرير انه اطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع
او غيرهما من الذخائر.
و المحكى عن المنتهى انه بعد دعوى اجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم
الحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و اثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو
ذلك.
و الظاهر ما في المتن من تخصيص الاستثناء بالكتب المحتاج اليها سواء كان
احتياجه اليها لاجل الضرورة الدينية التى هى اعظم من الدنيوية من دون فرق بين
ان تكون لاجل التحصيل او العمل و اخذ الحكم او لاجل الضرورة الدنيوية كما إذا
احتاج اليها لاجل معاشه او لاجل التدريس و التأليف و مثلهما و لا وجه
(الصفحة 113)
للتخصيص بالكتب العلمية الدينية ـ كما هو ظاهر السيد في العروة ـ لعموم الدليل
و هى قاعدة نفى الحرج و الظاهر انه لا يعتبر في جريانها وجود الحاجة الفعلية بل
يكفى كونها في معرض الحاجة و المراجعة.
و الظاهر ان حلّى المرئة بحسب حالها في زمانها و مكانها ايضا كذلك كما عن الشيخ
و الشهيد الحاقها بالثياب و الاستشكال فيه بعدم الدليل ـ كما في الجواهر ـ
مندفع بجريان القاعدة هنا ايضا و يشمله عموم المتن في قوله: و لا سائر ما يحتاج
اليه بحسب حاله وزيّه و شرفه.
ثم انه لو فرض وجود دار موقوفة غير داره المملوكة و كان كل منهما لائقا بحاله
مناسبا لشأنه حتى مع وصف الوقفية بمعنى عدم كون السكنى في الدار الموقوفة
منافيا لشأنه اصلا و لم تكن في معرض الزوال ايضا بعروض الخراب او الاخذ من يده
او غيرهما فهل يجب عليه بيع الدار المملوكة بشرط كون ثمنها وافيا بالحج او
متمما للاستطاعة و مكملا لها ام لا؟فى المسئلة صورتان و قبل ذكرهما لا بد من
التنبيه على امر و هو انه ليس المراد من وجوب البيع المذكور في مثل هذه الموارد
ان البيع يكون واجبا شرعا بل المراد هى صيرورة الشخص بذلك مستطيعا تجب عليه حجة
الاسلام فلو لم يبع الدار مع كونه كذلك و حج متسكعا يكون حجه حجة الاسلام من
دون ان تتحقق منه مخالفة فالمراد انه إذا انحصر طريق الحج بالبيع بحيث لم يمكنه
ان يحج الا بالبيع فاللازم البيع لا انه يجب البيع مطلقا.
الصورة الاولى ما إذا كانت الدار الموقوفة
بيده و تحت اختياره و لا مجال للاشكال فى عدم استثناء داره المملوكة في هذه
الصورة لعدم كون بيعها و صرف ثمنها في الحج موجبا لتحقق الحرج عليه اصلا على ما
هو المفروض و الظاهر عدم شمول عبارة الجواهر لهذه الصورة حيث قال: «و ان كان
الاقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالاوقاف العامة و شبهها بل
في الدروس القطع بذلك».
|