(الصفحة 102)
الاستطاعة بعد الاحرام او ان ظاهرها هو حصول الاستطاعة قبل الشروع في اعمال
الحج كما افاده ذلك البعض لا يبعد ان يقال بالثانى فكما ان الدليل الدال على
شرطية شىء للمأمور به ظاهر في لزوم اقتران الشرط مع تمام اجزاء المأمور به من
اوله الى آخره كذلك الدليل الدال على شرطية شىء لتعلق التكليف بالمأمور به ظاهر
في لزوم تحقق الشرط قبل اجزاء المأمور به و الشروع فيها.
الثانية انه لو فرض ثبوت الاطلاق لادلة الحج
و شمولها لما إذا حصلت الاستطاعة بعد الاحرام الذى هو اول جزء من المأمور به
نقول ان في مقابل هذا الاطلاق اطلاقا آخر و هى الادلة الواردة فيمن احرم من
الميقات احراما صحيحا و لو ندبا الدالة على انه ليس له رفع اليد عن الاحرام بل
يجب عليه اتمام هذا العمل فان مقتضى اطلاقها الشمول لما إذا حصل شرط الوجوب بعد
الاحرام و عليه فيجب اتمامه ندبا و لا مجال لدعوى عدم نهوض دليل الاستحباب في
مقابل دليل الوجوب بعد كون مقتضى هذه الادلة لزوم الاكمال بعنوان الاستحباب
كصلوة الليل التى وقعت متعلقة للنذر فانه يجب على الناذر الاتيان بصلوة الليل
لكن بقصد الاستحباب دون الوجوب.
و بعد تعارض الاطلاقين لا مرجح لاطلاق ادلة وجوب الحج و ادخال مورد التعارض
تحتها كما لا يخفى.
الثالثة انه لو فرض ثبوت المزية لاطلاق ادلة
وجوب الحج و لزوم ادخال المورد تحتها فالحكم بانه يكشف عن فساد الاحرام الاول
لا سبيل اليه و الاستناد الى ما لو انكشف انه كان مستطيعا من بلده و كان لا
يعلم بذلك غير تام فانه في ذلك المورد يتبين له ان الشروع في الاحرام بعنوان
الاستحباب لم يكن في محله لكونه مستطيعا في الواقع يجب عليه حجة الاسلام و اما
المقام فالشروع بنية الندب كان في موضعه لعدم كونه مستطيعا في هذا الحال و لا
دليل على بطلان هذا الاحرام و مقتضى اطلاق ادلة
(الصفحة 103)
الحج لزوم كون الاعمال الآتية بعنوان حجة الاسلام فكما انه صرح هذا البعض في
العبد المنعتق قبل المشعر بان مقتضى ادلة اجزاء حجه عن حجة الاسلام هو الانقلاب
القهرى الشرعى من دون حاجة الى تجديد النية ايضا كذلك مقتضى شمول الاطلاق في
المقام ذلك و يمكن ان يقال بلزوم تجديد النية ايضا و اما الكشف عن الفساد و
لزوم تجديد احرام آخر فلم يظهر وجهه و (دعوى) ان لازم القول بتعدد المهية في
باب الحج ذلك (مدفوعة) بعدم كون لازمه ذلك بل اللازم هو العدول كما في صلوة
العصر حيث يعدل عنها الى صلوة الظهر لو انكشف له في الاثناء انه لم يأت بها و
كما في العدول في العبد المنعتق قبل المشعر لو لم نقل بالانقلاب القهرى و
(دعوى) كون العدول على خلاف القاعدة و الاصل و لا يؤخذ به الاّ في موارد وجود
الدليل و المفروض ثبوته في العبد المنعتق و عدم وجوده في المقام (مدفوعة) بان
التعبير في العبد و ان كان هو الاجزاء عن حجة الاسلام و في المقام هو الحكم
بوجوب الحج الاّ ان الظاهر انه لا فرق بينهما في الحقيقة لان مرجع الاجزاء الى
وجوب حجة الاسلام عليه في ذلك الحال غاية الامر ان الوجوب في المقام ثبت
بالاطلاق و هناك بالنص و هذا المقدار لا يوجب الفرق من جهة ما نحن فيه من
العدول الى حجة الاسلام كما لا يخفى.
ان قلت لعل نظره في الحكم ببطلان الاحرام
الى ان توجه الحكم بالوجوب اليه بعد الاستطاعة ـ لفرض الاطلاق ـ يقتضى البطلان
من جهة ان الامر انما تعلق بالحج و هى عبادة مركبة من عدة اجزاء منها الاحرام
فكانّ الامر تعلق الى الاحرام و لا معنى لتعلقه اليه فى حالة الاحرام الاّ بعد
كون الاحرام الاول محكوما بالفساد لانه لا معنى للامر بالاحرام في حالة كونه
محرما بالاحرام الصحيح لانه من تحصيل الحاصل كما لا يخفى.
(الصفحة 104)
مع صحة الاحرام الاوّل و اما لو تعلق الامر بمركب ذات اجزاء كثيرة يكون الاحرام
جزء واحدا منها الا يكون معناه الاّ الاتيان بسائر الاجزاء غير الاحرام و لا
دلالة له على بطلان الاحرام الاّول بوجه.
فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يظهر وجه للحكم ببطلان الاحرام الاول هذا على
تقدير ثبوت الاطلاق لادلة وجوب الحج و شموله لما إذا استطاع بعد الشروع و تحقق
الاحرام مع ان فيه مناقشة واضحة فان ظاهر هذه الادلة لزوم تحقق الشرط قبل
الشروع في المأمور به فكما ان ظاهر ادلة اشتراط شىء في المأمور به لزوم اقترانه
مع جميع الاجزاء كما في قوله لا صلوة الا بطهور فكذلك ظاهر ادلة اشتراط الامر
بشىء اقترانه مع جميع الاجزاء.
و مما ذكرنا يظهر انه لا مجال للاستدلال في المقام بما دل على ان من ادرك
المشعر فقد ادرك الحج لان غاية مفاده هى الصحة و ان ادراك المشعر يوجب اتصاف
الحج بالصحة و وقوعه كذلك و لكن ذلك لا يكفى في كونه حجة الاسلام التى هى واجبة
بالشرع الاّ إذا ثبت الاطلاق لادلة وجوبها و مع عدم ثبوته لا مجال للحكم
بالوجوب و لذا ذكرنا في الصبى البالغ قبل الوقوف بالمشعر ان ادلة من ادرك إذا
انضمت الى الاطلاق المستفاد من قوله (عليه السلام) الجارية عليها الحج إذا طمثت
يستفاد منها كون حجه حجة الاسلام و بدون ثبوت الاطلاق لا مجال لهذه الاستفادة
لان غاية مفاد ادلة من ادرك لا تتجاوز عن الصحة.
فقد ظهر من جميع ذلك ان الظاهر ما افاده بعض الاعاظم (قدس سره) من الحكم بلزوم
اتمام الحج ندبا و عدم كون حجه حجة الاسلام و لكن الاحتياط لا ينبغى تركه كما
انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ما إذا كان امامه ميقات آخر و بين ما إذا لم
يكن اصلا.
(الصفحة 105)
مسئلة 13 ـ لو وجد مركب كسيارة او طيارة و لم يوجد شريك للركوب فان لم
يتمكن من اجرته لم يجب عليه و الا وجب الا ان يكون حرجيا عليه، و كذا الحال في
غلاء الاسعار في تلك السنة، او عدم وجود الزاد و الراحلة الا بالزيادة عن ثمن
المثل، او توقف السير على بيع املاكه باقل منه1.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع اربعة مشتركة في الحكم من جهة الملاك و المستند و
المهم فيها صورة تحقق الضرر المالى من دون ان يبلغ الى حد الحرج لانه مع البلوغ
اليه لاخفاء في ارتفاع وجوب الحج لقاعدة نفى الحرج و اولى منه صورة عدم التمكن
و القدرة بوجه فالمهم صورة وجود الضرر و قد توقف العلامة في الوجوب في الفرع
الاول مستدلا بان بذل المال له خسران لا مقابل له و حكى عن الشيخ القول بعدم
الوجوب في الفرع الثالث و هى الزيادة عن ثمن المثل و العمدة في هذا البحث قاعدة
نفى الضرر و اللازم التكلم فيها على جميع المبانى فنقول: اما على ما اختاره شيخ
الشريعة الاصفهانى (قدس سره)في رسالته في هذه القاعدة من ان مرجعها الى النهى
عن الاضرار بالغير في شريعة الاسلام بحيث كانت الجملة انشائية مسوقة لافادة
النهى كقوله تعالى: لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فلا ارتباط لها بمثل
المقام لانها ايضا حكم شرعى اوّلى كسائر الاحكام الاولية مثل حرمة شرب الخمر و
غيره غاية الامر ان متعلقه الاضرار بالغير.
كما انه على ما اختاره سيدنا الاستاذ الاعظم الماتن ـ دام ظله الشريف ـ و
رجحناه تبعا له في المباحث الاصولية من ان قوله (صلى الله عليه وآله) لا ضرر و
لا ضرار في الاسلام حكم صادر عن النبى ناش من مقام الحكومة و الولاية الثابتة
له على المسلمين لا من مقام رسالته المرتبطة بالوحى فهو لا يرتبط بباب الفقه
اصلا و لا يكون من الاحكام الشرعية الاولية و لا الثانوية بل يرتبط بمقام
الحكومة و الزعامة و ادارة امر المسلمين و شؤونهم.
(الصفحة 106)
و اما على ما اختاره المشهور في معنى القاعدة من ان مفادها حكم ثانوى الهى ناظر
الى الاحكام الاولية و حاكم عليها بتضييق دائرتها بما إذا لم يجىء من ناحيتها
الضرر بالتقريب المذكور في كلام الشيخ في الرسائل او بالتقريب المذكور في كلام
المحقق الخراسانى (قدس سره) في الكفاية فمقتضاه في بادى النظر و ان كان هو عدم
الوجوب لان المفروض استلزامه لتحقق الضرر المالى و القاعدة حاكمة على الادلة
الاولية التى منها دليل وجوب الحج في المقام.
و لكنه ذكر في «المستمسك» ان ادلة الوجوب على المستطيع لما كانت متضمنة لصرف
المال كانت اخص من ادلة نفى الضرر فتكون مخصصة لها و ما اشتهر و تحقق من ان
ادلة نفى الضرر حاكمة على الادلة فذلك يختص بالادلة المطلقة التى لها فردان
ضررى و غير ضررى فتحكم عليها و تخرج الفرد الضررى عنها و ليس من ذلك ادلة وجوب
الحج على المستطيع.
و اورد عليه بعض الاعلام بان الحج و ان كان
ضرريا و لكن المجعول من الضرر ما يقتضيه طبعه مما يحتاج اليه المسافر الى الحج
و اما الزائد على ما يقتضيه طبع الحج فهو ضرر آخر اجنبى عن الضرر اللازم من طبع
الحج و المرفوع بحديث لا ضرر انما هو الضرر الزائد عما يقتضيه طبع الواجب و
الذى لا يرتفع بلا ضرر انما هو الضرر اللازم منه مما يقتضيه طبعه.
و الجواب عن هذا الايراد ـ بعد تسليم المبنى
و بعد تسليم عروض التخصيص لقاعدة نفى الضرر مع ان سياقها آب عن التخصيص خصوصا
إذا كان المخصص كثيرا كالحكم بوجوب الزكوة في موارده و الحكم بوجوب الخمس في
محله و الحكم بوجوب الحج كذلك و غير ذلك من الاحكام الضررية مع ان الظاهر لزوم
الالتزام بان خروجها يكون بنحو التخصص لا التخصيص ـ.
انه لو كانت ادلة الحج بالنسبة الى الضرر الزائد الناشى عن عدم وجود الشريك
|