(الصفحة 120)
بحمل دليل المنع على الكراهة و دليل الوجوب على مجرد الجواز فعلى هذا الوجه و
ان كان الرجوع الى حاكم الجور جائزا مكروها لكنه لا سبيل للحكم بوجوب الحج بعد
التصرف في ظاهر دليله بالاضافة الى مادة الاجتماع كما لا يخفى.
و لكن الذى يرد على صاحب الجواهر عدم كون الرجوع الى حاكم الجور لمجرد اقتضاء
الدين ركونا الى الظالم فان مرجع الركون هو جعل الظالم ركنا له و ظهيرا و هذا
لا يتحقق في الاقتضاء و اما الاستعانة به فلا دليل على حرمتها بنحو الاطلاق فان
الفقير الذى يرجع اليه لرفع فقره هل تكون استعانته به محرمة و نظير ذلك، نعم
فيما إذا تحاكم الى حاكم الجور كما فيما إذا فرض ان اثبات دينه يتوقف على
الرجوع اليه و حكمه يمكن ان يقال بان الدليل على المنع هى ادلة حرمة التحاكم
اليه و التحقيق في محله.
ثم ان لصاحب المستمسك منهجا آخر في ان التوقف على الرجوع الى الحاكم مطلقا و لو
كان حاكم الشرع يمنع عن فعلية الاستطاعة حيث قال ما ملخصه بتقديم و تأخير ان
المعتبر في الوجوب امران: الاول ان يملك الزاد و الراحلة الثانى ان يكون قادرا
على ذلك قدرة فعلية فمع انتفاء الاول لا يكون مستطيعا و ان كان قادرا عليه و
كذلك مع انتفاء الثانى فاذا كان مالكا و لم يكن قادرا بالقدرة الفعلية لا يكون
مستطيعا بل قادرا عليها و الوجه في ذلك انه و ان كان قد فسرت الاستطاعة في بعض
النصوص بمثل ان يكون له زاد و راحلة الذى يكون مقتضى اطلاقه وجوب الحج بمجرد
الملكية الا ان المستفاد من جملة اخرى اعتبار القدرة الفعلية على المال شرعية و
عرفية ففى صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال اللّه
تعالى: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال (عليه السلام) هذه
لمن كان عنده مال و صحة...الى ان قال إذا هو يجد ما يحج به.(1) و في
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب السادس ح ـ 1
(الصفحة 121)
بعض الروايات: إذا قدر الرجل على ما يحج به و من ذلك يظهر انه مع مماطلة
المديون لا قدرة فعلية بل له القدرة على تحصيل الاستطاعة و لا يجب معها الحج.
هذا و لكن الظاهر ما افيد في المتن تبعا للعروة من تحقق الاستطاعة الفعلية في
هذا الفرض فانه يصدق عليه ان عنده ما يحج به و مجرد التوقف المذكور لا يمنع عن
تحققه فهو ـ كما قيل ـ نظير ما إذا كان له مال مدفون في الارض او كان محرزا في
صندوق و توقف التصرف فيه على حفر الارض و فتح الصندوق بعلاج و نحوه فانه لا ريب
في الوجوب لان القدرة التكوينية إذا كانت متوقفة على مقدمات لا يوجب ذلك سقوط
الواجب بل يجب عقلا تحصيل المقدمات فالانصاف وجوب الحج في هذا الفرض ثم انه
استثنى في المتن عن تحقق الاستطاعة في الدين الحال ما إذا كان الاقتضاء حرجيا
او كان المديون معسرا او لم يمكن له اثبات الدين و لكن بعض الشارحين للعروة ذكر
ان ذلك انما يتم في بعض الصور دون بعض نظرا الى ان الدين لو تمكن من بيعه نقدا
باقل منه كما هو المتعارف يجب عليه بيعه لصدق الاستطاعة و ان عنده ما يحج به
هذا كله في الدين الحال.
و اما الصورة الثانية و هى الدين المؤجل ففيه فروض:
الاول: ما إذا كان المديون باذلا للدين من
دون مطالبة و الظاهر تحقق الاستطاعة ـ ح ـ و وجوب الاخذ إذا لم يستلزم الحرج
بوجه و لكن ظاهر صاحب الجواهر العدم حيث قال: «و لو كان مؤجلا و بذله المديون
قبل الاجل ففى كشف اللثام: وجب الاخذ لانه بثبوته في الذمة و بذل المديون له
بمنزلة المأخوذ و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفا بذلك و فيه انه
يمكن منع ذلك كله...».
و الوجه في الوجوب ان مرجع تأجيل الدين ليس الى عدم كون الدين ملكا للدائن قبل
حلول الاجل بل مرجعه الى الثبوت في الذمة غاية الامر اشتراط التأجيل في التأدية
و عليه فما يبذله المديون قبل الاجل انما يكون ماله و مضافا اليه فهو مالك
(الصفحة 122)
للزاد و الراحلة و قادر عليهما بالبذل و عليه فيفترق المقام عن الهبة التى لا
يكون فيها ملك الا بعد تحقق القبول و ان القبول تحصيل للاستطاعة و هو غير واجب
فالفرق حصول الاستطاعة في المقام و عدمه في الهبة.
هذا إذا كان شرط التأجيل بنفع المديون خاصة كما هو الغالب و اما لو فرض كونه
بنفع الدائن ايضا كما إذا كان هذا الاشتراط من ناحيته لغرض متعلق به فالظاهر
عدم كونه مانعا عن تحقق الاستطاعة مع بذل المديون قبل الاجل لان بذله يوجب تحقق
القدرة الفعلية و ان كان مخالفا لغرضه كما لا يخفى.
الثانى: ما إذا توقف بذل المديون قبل حلول
الاجل على مجرد المطالبة و يكون الدائن واثقا بذلك و انه على تقدير المطالبة
يبذله فصريح المتن هو عدم وجوب المطالبة ـ ح ـ و عدم تحقق الاستطاعة و الظاهر
ان الفرق بين هذه الصورة و بين الدين الحال الذى تجب مطالبته هو ثبوت حق
المطالبة هناك دون هذه الصورة لا بمعنى ثبوت الفرق من جهة الحرمة و عدمها حتى
يقال ان المانع الشرعى كالمانع العقلى و ان الاستطاعة لا تجتمع مع حرمة
المطالبة بل بمعنى ثبوت نفس الحق و عدمه و الظاهر ان هذا الفرق و ان كان موجودا
الا انه لا يوجب ان يكون فارقا من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة
فى كلتا الصورتين و لازمها وجوب من جهة الاستطاعة و عدمها بل الاستطاعة متحققة
في كلتا الصورتين و لازمها وجوب المطالبة و لذا اختار جماعة كالسيد في العروة و
بعض الشارحين تحقق الاستطاعة و انه لا فرق بين هذه الصورة و بين الصورة الاولى.
الثالث: ما إذا شك الدائن في بذل المديون لو
طالبه بالدين و الظاهر ـ كما هو مقتضى اطلاق المتن ـ عدم الوجوب لان مجرد ملكية
الزاد و الراحلة ـ عينا او قيمة ـ لا يوجب تحقق الاستطاعة ما لم يكن عنده و
بيده و اختياره و المفروض الشك في ذلك لاجل الشك في بذل المديون على تقدير
المطالبة و الشك في شرط التكليف يوجب الشك في المشروط و هو مجرى اصالة البرائة
و قد حققنا في الاصول ان حكم المشهور
(الصفحة 123)
بانه مع الشك في القدرة العقلية لا تجرى اصالة البرائة لا يجتمع مع الحكم
باشتراط القدرة في اصل ثبوت التكليف بل لا بد من ان يقال بان حكمهم بذلك و انه
لا تجرى اصالة البرائة مع الشك في القدرة يكشف عن عدم كون القدرة شرطا اصلا و
الفرق بان القدرة العقلية غير دخيلة في الملاك بخلاف القدرة الشرعية المأخوذة
في الملاك لا يوجب الفرق من جهة جريان اصالة البرائة و عدمه فان القدرة العقلية
على هذا الفرض يكون التكليف مشروطا بها لا محالة و ان لم تكن دخيلة في الملاك و
الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط كذلك فاللازم ان يقال بعدم الشرطية و
التحقيق في محله.
و كيف كان فلا شبهة في المقام في انه في صورة الشك تجرى اصالة البرائة فلا مجال
لوجوب المطالبة.
الرابع: ما إذا علم بانه على تقدير المطالبة
ايضا لا يبذل المديون الدين بل يؤخره الى اجله و الحكم فيه واضح من جهة عدم
تحقق الاستطاعة و عدم وجوب الحج
الفرع الثانى: ما إذا كان غير مستطيع و
امكنه الاقتراض للحج و الاداء بعده بسهولة و الظاهر فيه عدم الوجوب لان
الاقتراض تحصيل للاستطاعة غير الموجودة قبل الاقتراض و تحصيلها غير واجب و لكن
لو اقترض يجب عليه الحج و ان كان يصير مديونا بسبب الاقتراض الا انه سيأتى في
المسئلة الآتية ان الدين لا يكون مانعا عن وجوب الحج في بعض الموارد و الصور و
منه يظهر ان حكم المتن بعدم الكفاية هنا مطلقا مع حكمه في تلك المسئلة بعدم كون
الدين مانعا في الصورتين من الصور الاربعة المفروضة فيها لا يكاد يجتمع بل
اللازم التفصيل كما هناك.
الفرع الثالث: ما إذا كان له مال غائب لا
يمكن صرفه في الحج فعلا او مال حاضر كذلك او دين مؤجل لا يبذله المديون قبل
اجله و لو بالمطالبة و قد حكم فيه في المتن بعدم وجوب الاستقراض و الصرف في
الحج ـ كما في الفرع الثانى ـ خلافا
(الصفحة 124)
للسيد في العروة حيث استظهر الوجوب في هذه الصورة نظرا الى صدق الاستطاعة عرفا
الا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب او حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب
الاستقراض لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة و قد تبع السيد في ذلك صاحبى
الدروس و المدارك ففى محكى الاول: «و تجب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله و
كان وافيا بالقضاء».و في محكى الثانى: «و متى امتنع الاقتضاء اما لتأجيل الدين
او لكونه على جاحد و لم يكن له سواه لم يجب عليه الحج لان الاستطاعة غير حاصلة
و لا تجب الاستدانة و يحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج
كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به...» بل المستفاد منه وضوح لزوم الاقتراض
في مفروض المقام هذا و لكن اعترض اكثر الشارحين للعروة عليها بانه لا فرق بين
هذا الفرع و الفرع المتقدم في عدم لزوم الاقتراض و عدم تحقق الاستطاعة نظرا الى
ان المستفاد من النصوص انه يعتبر فى الاستطاعة امور ثلاثة: الملك للمال و كونه
عنده و كونه مما يمكن الاستعانة به على السفر و يظهر الاول من قوله (عليه
السلام): ان يكون له زاد و راحلة و الثانى من قوله (عليه السلام): إذا قدر على
ما يحج به، او كان عنده ما يحج به، او وجد ما يحج به و الثالث من ذكر باء
الاستعانة فى قوله (عليه السلام): ان يكون عنده ما يحج به فاذا لم يكن له ملك
فليس بمستطيع و كذلك إذا كان له ذلك و لكن لم يكن عنده كالعبد الآبق و الدين
المؤجل فانه ليس بمستطيع و ان امكنه تبديله: و كذلك إذا كان عنده و لكن لم يمكن
تبديله بنحو يستعين به في السفر و لو ببدله كالمال المرهون و المال الحاضر الذى
لا يرغب احد في شرائه فانه ليس بمستطيع ايضا ثم انه على تقدير الاقتراض و
صيرورته مديونا بسببه يجرى في مانعية الدين عن الاستطاعة ما افاده في المسئلة
الاتية من التفصيل فاطلاق منع الحكم بالكفاية عن حجة الاسلام في المتن في غير
محله كما في الفرع المتقدم.