(الصفحة 135)
الدين فقال: لا عذر له يسوف الحج، ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع
الاسلام(1) فانها ظاهرة في عدم كون الدين كالتجارة عذرا مجوزا
لتسويف الحج و تأخيره فتدل على تقدم الحج على الدين.
هذا و لكن الظاهر ان توصيف الرجل بكونه ذا المال و صاحب الثروة مع وضوح ان مجرد
الاستطاعة لا يوجب تحقق هذا العنوان يدل على ان شغل التجارة و كذا الدين انما
كان الشخص معتذرا بهما لاجل الفرار عن الحج من دون ان يكون هناك مزاحمة في
البين.
و بالجملة لا دلالة للرواية على تقدم الحج على الدين في فرض الدوران و المزاحمة
كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا في الروايات الظاهرة في تقدم الحج على الدين انها
بين ما يكون معرضا عنها و ما يكون مشتملا على ضعف في السند و ما يكون غير ظاهرة
فى التقدم مع المزاحمة نعم ذكرنا ان الرواية الاولى ظاهرة في ذلك و لكن الانصاف
انه ليس ظهورا قويا يمكن الاعتماد عليه و الفتوى على طبقه فلم يثبت الى هنا
تقدم الدين على الحج و لا تقدم الحج على الدين و اللازم بعد ذلك ملاحظة المسئلة
من باب التزاحم فنقول يقع البحث من هذه الجهة في مقامات ثلاثة:
المقام الاول في اصل ثبوت التزاحم هنا في
الجملة و الظاهر انه لا مجال لانكاره كما فى صدر كلام المستند المتقدم لانه
توجه الى المكلف تكليفان احدهما متعلق بالحج بلحاظ وجود شرطه و هى الاستطاعة و
الآخر باداء الدين بلحاظ القدرة عليه عقلا و لا يقدر المكلف على الجمع بين
الامرين و رعاية كلا التكليفين فيقع التزاحم في البين.
و ما ذكره السيد في العروة في مقام منع المزاحمة و الجواب عن المستند
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4
(الصفحة 136)
من كون وجوب الحج مشروطا بالاستطاعة و هى غير متحققة و التزاحم فرع كون
الواجبين مطلقين و في عرض واحد و المفروض ان وجوب اداء الدين مطلق و وجوب الحج
مشروط بالاستطاعة الشرعية.
يرد عليه ما تقدم من وضوح تحقق الاستطاعة الشرعية في المقام لانه يصدق ان عنده
ما يحج به و كذا ما تقدم من ان الواجب المشروط بعد تحقق شرطه و حصوله يكون في
عرض الواجب المطلق و لا وجه لتقدمه على الواجب المشروط المفروض بوجه و عليه
فانكار اصل التزاحم في الجملة مما لا سبيل اليه اصلا.
المقام الثانى في ان التزاحم هل يكون متحققا
في جميع فروض الدين او يكون ثابتا فى بعضها؟الظاهر هو الثانى و ذلك لانه لو فرض
كون الدين مؤجلا و كان المكلف مطمئنا بتمكنه من الاداء عند حلول اجله لا مجال
لتوهم التزاحم لان المفروض قدرته على رعاية كلا التكليفين و الاتيان بكلا
العملين كما انه لو كان الدين حالا و لكن كان الدائن راضيا بالتأخير و المديون
مطمئنا بالتمكن من الاداء عند المطالبة لا يتحقق التزاحم.
نعم ذكر صاحب المستند في الدين المؤجل انه إذا كان اجله يسع للحج و العود لا
يكون مزاحما مع الحج و ان لم يكن واثقا بالتمكن من الاداء عند حلوله مع ان
الظاهر انه فى صورة عدم الوثوق حيث يجب عليه حفظ القدرة المالية للصرف في اداء
الدين في وقته و لا يجوز الصرف في مصرف آخر فالتزاحم يتحقق بين وجوب الحج و
وجوب حفظ القدرة لاداء الدين و وفائه نعم مع الوثوق لا يبقى مجال لتوهم
التزاحم.
المقام الثالث في انه بعد ثبوت التزاحم في
بعض الفروض هل يكون هنا ما يوجب تقدم احد المتزاحمين على الاخر؟ربما يقال: نعم
نظرا الى جريان احتمال الاهمية بالاضافة الى الدين و قد ثبت في محله ان احتمال
الاهمية كالجزم بها يكون مرجحا لمحتملها فاللازم ترجيح الدين و الحكم بعدم وجوب
الحج في صورة المزاحمة
(الصفحة 137)
معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في
العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لاجله.
و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الاهمية في خصوص الدين بل يجرى
هذا الاحتمال في الحج ايضا بلحاظ ما مرّ من الادلة الدالة على تقدمه فان تلك
الادلة و ان لم تنهض لاثبات الاهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه
و عليه فيجرى احتمال الاهمية في الحج ايضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة
التخيير لعدم المزية اصلا.
كما انه ربما يقال بتقدم الاسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه
سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للاسبقية.
و لكن التحقيق ـ كما حقق في محله ـ عدم كون الاسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه
و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذى لا
تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و
عدم كون الاسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.
المبحث الثانى انه لا فرق في حكم الدين
المتقدم في المبحث الاول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة
او لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا اتلف مال الغير ـ
مثلا ـ على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة او بعده قبل ان يخرج هو او
بعد خروجه قبل الشروع في الاعمال ـ كما مثل به السيد في العروة ـ او تلف مال
الغير على وجه الضمان عنده ـ كما مثل به في المتن ـ و لعل مثال السيد اولى و ان
كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق
بينهما في جهة اخرى تستفاد من تقييد الاتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه
إذا كان الاتلاف للمال الذى هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج
كما سيأتى البحث عنه فيما بعد انشاء اللّه
(الصفحة 138)
تعالى و عليه فتلف مال الغير على وجه الضمان ان كان شاملا لصورتى التعدى و
التفريط كما هو مقتضى الاطلاق لكان اللازم الحكم بالاستقرار كالاتلاف العمدى و
يمكن ان يقال بالاختصاص بمثل العارية المضمونة التى يكون فيها الضمان من دون
تعمد و تفريط ايضا.
و كيف كان فالوجه في عدم الفرق بين ما إذا كان الدين سابقا على الاستطاعة او لا
حقا انه لا يكفى في تحقق الاستطاعة حدوثها بل اللازم بقائها لوضوح انه لو تحققت
سرقة الاستطاعة قبل الشروع في الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب و عليه فاذا قلنا
بعدم اجتماع الدين مع الاستطاعة فاللازم الحكم بذلك في البقاء ايضا فان الدين
العارض يمنع عن بقاء الاستطاعة و هو معتبر كما عرفت كما انه لو قلنا باعتبار
اليسار و السعة و هو لا يجتمع مع الدين فاللازم الحكم به في البقاء ايضا كما
انه لو قلنا بالمزاحمة على ما اخترناه يكون اللازم تحققها مع عروض الدين ايضا و
قد عرفت ان الاسبقية من حيث الزمان لا تكون مرجحة في باب التزاحم اصلا
المبحث الثالث: فيما إذا كان عليه خمس او
زكوة بقدر الاستطاعة ـ مثلا ـ فتارة يكونان على ذمته و اخرى في عين ماله، اما
على الاول كما إذا اتلف متعلق الخمس او الزكوة حيث انه يوجب الانتقال الى الذمة
فيكون حالهما حال الدين المعجل المطالب به لان المستحقين لهما طالبون و لا فرق
بين الدين الشخصى و الجهة اصلا فيجرى في هذا الفرض حكم الدين المذكور و يظهر من
تفريع المتن قوله: فلا يكون مستطيعا ان الوجه فى الحكم بتقدم الدين هو عدم
اجتماعه مع الاستطاعة كما عرفت تصريح السيد في العروة بذلك و ان كان يحتمل مع
قطع النظر عن ذلك ان يكون الوجه عنده المزاحمة و تقدم الدين لاهميته او
احتمالها.
ثم ان الظاهر ان مراد من علل التقدم بعدم الاستطاعة ان نفس ثبوت الدين او الخمس
او الزكوة مانعة عن تحققها سواء صرف المال فيها ام لم
(الصفحة 139)
يصرف و عليه فما في كلام بعض الاعلام من انه بالصرف تزول الاستطاعة لا وجه له
ظاهرا.
و اما على الثانى فلا اشكال في تقديمهما على الحج و كذا على سائر الديون لعدم
تحقق الاستطاعة ـ ح ـ من دون فرق بين ما إذا قلنا بان تعلقهما بالمال على نحو
الاشاعة او على نحو الكلى في المعين او على نحو تعلق الحق به كحق الرهانة فانه
لا يتحقق على شىء من التقادير عنوان الاستطاعة غاية الامر انه على بعض الاقوال
تكون العلة عدم الملكية و على البعض الاخر عدم جواز التصرف فلا يصدق انه عنده
ما يحج به.
ثم انه لا مجال لتوهم الاطلاق في عبارة المتن و الشمول لكلتا الصورتين بعد كون
التعبير فيه: و ان كان عليه خمس او زكوة حيث ان ظاهره تعلقهما بالذمة كما
يستفاد من كلمة «عليه» و عليه فالمتن متعرض لخصوص الصورة الاولى و لعل الوجه في
عدم التعرض للصورة الثانية وضوح حكمها على ما عرفت.
المبحث الرابع: إذا كان الدين مؤجلا باجل
طويل جدا كخمسين سنة ـ مثلا ـ او كان مبنيا على المسامحة و عدم الاخذ رأسا
كمهور نساء اهل الهند على ما مثل به السيد في العروة حيث انهم يجعلون المهر ما
لا يقدر الزوج على ادائه كمأة الف روبية او خمسين الف لاظهار الجلالة و ليسوا
مقيدين بالاعطاء و الاخذ، او كان الدين مبنيا على الابراء بان وعده الدائن به و
كان مطمئنا بذلك ففى المتن انه لم يمنع شىء من ذلك من الاستطاعة.
لكن الظاهر انه لو فرض العلم بانه لا يقدر في الفرض الاول على اداء الدين عند
حلول اجله الاّ من طريق حفظ ما عنده مما يكون بقدر الاستطاعة فلا مجال لدعوى
عدم كونه مانعا عن الاستطاعة لو كان الوجه في تقدم الدين هى المانعية عن
الاستطاعة كما انه لو احتمل في الفرض الثانى مطالبة الزوجة و لو عند تحقق
الطلاق او مطالبة