(الصفحة 137)
معه و لعل هذا هو مستند المتن في ترجيح الدين و من البعيد ان يكون مستنده ما في
العروة من عدم تحقق الاستطاعة في هذه الصورة فلا يجب الحج لاجله.
و لكن الظاهر انه لا مجال لدعوى جريان احتمال الاهمية في خصوص الدين بل يجرى
هذا الاحتمال في الحج ايضا بلحاظ ما مرّ من الادلة الدالة على تقدمه فان تلك
الادلة و ان لم تنهض لاثبات الاهمية لكن اقتضائها لثبوت الاحتمال لا مجال لنفيه
و عليه فيجرى احتمال الاهمية في الحج ايضا و مقتضى القاعدة في هذه الصورة
التخيير لعدم المزية اصلا.
كما انه ربما يقال بتقدم الاسبق من حيث الزمان و عليه فلو كان الحج مستقرا عليه
سابقا و بعده حصل الدين يحكم بتقدم الحج للاسبقية.
و لكن التحقيق ـ كما حقق في محله ـ عدم كون الاسبقية مرجحة في باب التزاحم بوجه
و لذا اختار السيد في العروة التخيير في الدوران بين الحج المستقر الذى لا
تعتبر فيه الاستطاعة و بين الدين نظرا الى ثبوت التزاحم في خصوص هذه الصورة و
عدم كون الاسبقية موجبة للترجيح في باب المتزاحمين.
المبحث الثانى انه لا فرق في حكم الدين
المتقدم في المبحث الاول بين ما إذا كان سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة
او لا حقا له كما إذا استطاع للحج ثم عرض عليه دين كما إذا اتلف مال الغير ـ
مثلا ـ على وجه الضمان من دون تعمد قبل خروج الرفقة او بعده قبل ان يخرج هو او
بعد خروجه قبل الشروع في الاعمال ـ كما مثل به السيد في العروة ـ او تلف مال
الغير على وجه الضمان عنده ـ كما مثل به في المتن ـ و لعل مثال السيد اولى و ان
كان لا فرق بينه و بين ما في المتن في الجهة الراجعة الى هذا المبحث بل الفرق
بينهما في جهة اخرى تستفاد من تقييد الاتلاف بما إذا كان من دون تعمد و هو انه
إذا كان الاتلاف للمال الذى هو بقدر الاستطاعة عمديا يترتب عليه استقرار الحج
كما سيأتى البحث عنه فيما بعد انشاء اللّه
(الصفحة 138)
تعالى و عليه فتلف مال الغير على وجه الضمان ان كان شاملا لصورتى التعدى و
التفريط كما هو مقتضى الاطلاق لكان اللازم الحكم بالاستقرار كالاتلاف العمدى و
يمكن ان يقال بالاختصاص بمثل العارية المضمونة التى يكون فيها الضمان من دون
تعمد و تفريط ايضا.
و كيف كان فالوجه في عدم الفرق بين ما إذا كان الدين سابقا على الاستطاعة او لا
حقا انه لا يكفى في تحقق الاستطاعة حدوثها بل اللازم بقائها لوضوح انه لو تحققت
سرقة الاستطاعة قبل الشروع في الاعمال يكشف ذلك عن عدم الوجوب و عليه فاذا قلنا
بعدم اجتماع الدين مع الاستطاعة فاللازم الحكم بذلك في البقاء ايضا فان الدين
العارض يمنع عن بقاء الاستطاعة و هو معتبر كما عرفت كما انه لو قلنا باعتبار
اليسار و السعة و هو لا يجتمع مع الدين فاللازم الحكم به في البقاء ايضا كما
انه لو قلنا بالمزاحمة على ما اخترناه يكون اللازم تحققها مع عروض الدين ايضا و
قد عرفت ان الاسبقية من حيث الزمان لا تكون مرجحة في باب التزاحم اصلا
المبحث الثالث: فيما إذا كان عليه خمس او
زكوة بقدر الاستطاعة ـ مثلا ـ فتارة يكونان على ذمته و اخرى في عين ماله، اما
على الاول كما إذا اتلف متعلق الخمس او الزكوة حيث انه يوجب الانتقال الى الذمة
فيكون حالهما حال الدين المعجل المطالب به لان المستحقين لهما طالبون و لا فرق
بين الدين الشخصى و الجهة اصلا فيجرى في هذا الفرض حكم الدين المذكور و يظهر من
تفريع المتن قوله: فلا يكون مستطيعا ان الوجه فى الحكم بتقدم الدين هو عدم
اجتماعه مع الاستطاعة كما عرفت تصريح السيد في العروة بذلك و ان كان يحتمل مع
قطع النظر عن ذلك ان يكون الوجه عنده المزاحمة و تقدم الدين لاهميته او
احتمالها.
ثم ان الظاهر ان مراد من علل التقدم بعدم الاستطاعة ان نفس ثبوت الدين او الخمس
او الزكوة مانعة عن تحققها سواء صرف المال فيها ام لم
(الصفحة 139)
يصرف و عليه فما في كلام بعض الاعلام من انه بالصرف تزول الاستطاعة لا وجه له
ظاهرا.
و اما على الثانى فلا اشكال في تقديمهما على الحج و كذا على سائر الديون لعدم
تحقق الاستطاعة ـ ح ـ من دون فرق بين ما إذا قلنا بان تعلقهما بالمال على نحو
الاشاعة او على نحو الكلى في المعين او على نحو تعلق الحق به كحق الرهانة فانه
لا يتحقق على شىء من التقادير عنوان الاستطاعة غاية الامر انه على بعض الاقوال
تكون العلة عدم الملكية و على البعض الاخر عدم جواز التصرف فلا يصدق انه عنده
ما يحج به.
ثم انه لا مجال لتوهم الاطلاق في عبارة المتن و الشمول لكلتا الصورتين بعد كون
التعبير فيه: و ان كان عليه خمس او زكوة حيث ان ظاهره تعلقهما بالذمة كما
يستفاد من كلمة «عليه» و عليه فالمتن متعرض لخصوص الصورة الاولى و لعل الوجه في
عدم التعرض للصورة الثانية وضوح حكمها على ما عرفت.
المبحث الرابع: إذا كان الدين مؤجلا باجل
طويل جدا كخمسين سنة ـ مثلا ـ او كان مبنيا على المسامحة و عدم الاخذ رأسا
كمهور نساء اهل الهند على ما مثل به السيد في العروة حيث انهم يجعلون المهر ما
لا يقدر الزوج على ادائه كمأة الف روبية او خمسين الف لاظهار الجلالة و ليسوا
مقيدين بالاعطاء و الاخذ، او كان الدين مبنيا على الابراء بان وعده الدائن به و
كان مطمئنا بذلك ففى المتن انه لم يمنع شىء من ذلك من الاستطاعة.
لكن الظاهر انه لو فرض العلم بانه لا يقدر في الفرض الاول على اداء الدين عند
حلول اجله الاّ من طريق حفظ ما عنده مما يكون بقدر الاستطاعة فلا مجال لدعوى
عدم كونه مانعا عن الاستطاعة لو كان الوجه في تقدم الدين هى المانعية عن
الاستطاعة كما انه لو احتمل في الفرض الثانى مطالبة الزوجة و لو عند تحقق
الطلاق او مطالبة
(الصفحة 140)
مسئلة 20 ـ لو شك في ان ماله وصل الى حد الاستطاعة او علم مقداره و شك فى
مقدار مصرف الحج و انه يكفيه يجب عليه الفحص على الاحوط1 .
ورثتها على تقدير الموت و لا يقدر على التأدية بوجه لا مجال للدعوى المذكورة
كما انه على تقدير كون المبنى هى المزاحمة كما اخترناه تتحقق فيما ذكر و اما في
الفرض الثالث فحيث يكون الاطمينان علما بحسب نظر العرف لا يكون الدين المذكور
مانعا عن وجوب الحج بوجه اصلا كما لا يخفى:
1 ـ الشبهة في كلا الفرضين موضوعية و قد اشتهر انه لا يجب الفحص فيها بخلاف
الشبهة الحكمية نظرا الى اطلاق ادلة اعتبار الاصول و عدم ما يدل على اعتبار
الفحص في جريانها و قد حققنا في الاصول ان جريان اصالة البرائة العقلية في
الشبهات الموضوعية ـ على تقديره كما هو الحق ـ مشروطة بالفحص مطلقا في مقابل من
يقول بعدم اعتبار الفحص كذلك او بالتفصيل ـ على قولين مذكورين هناك ـ و اما
الاصول الشرعية فلا يجب الفحص فيها في الشبهات الموضوعية لانه ـ مضافا الى ما
ذكر من اطلاق ادلة اعتبار الاصول و عدم وجود مقيّد في البين ـ يدل عليه فقرة من
صحيحة زرارة الثالثة المستدل بها في باب حجيّة الاستصحاب في الاصول و هى قول
زرارة: فهل على ان شككت في انه اصابه شىء ان انظر فيه؟قال لا و لكنك انما تريد
ان تذهب الشك الذى وقع في نفسك.فان ظاهره عدم وجوب النظر في الثوب ليعلم انه هل
اصابه شىء ام لا مع ان النظر فيه امر جزئى خفيف المؤنة بل حكم بجريان الاصل
المقتضى للطهارة.
هذا و لكن الظاهر ان المشهور اختاروا في باب الحج و كذا في باب الخمس و الزكوة
إذا شك في زيادة الربح على المؤنة او في بلوغ النصاب وجوب الفحص و قد استدل لهم
بوجوه ثلاثة:
الاول ان مثل المراجعة الى دفتر الحساب
لتعلم الاستطاعة و عدمها و النظر
(الصفحة 141)
الى الافق لتبين الفجر و نحوهما لا يعد عرفا من الفحص حتى يقال بعدم وجوبه و
يرد عليه ـ مضافا الى ان مقتضاه وجوب النظر في مورد سؤال زرارة المتقدم لعدم
كون مجرد النظر فيه لاستكشاف حاله فحصا ـ ان هذا الوجه انما يلائم ما لو كان
الدليل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية مثل الاجماع القائم على العدم
مع كون مقتضى ادلة اعتبار الاصول الشرعية هو الوجوب فانه ـ حينئذ ـ يناسب ان
يقال ان معقد الاجماع هو الفحص و هذا لا يعد فحصا و اما لو قلنا باطلاق ادلة
اعتبار الاصول و عدم ما يدل على وجوب الفحص فالبحث في تحقق عنوان الفحص و عدمه
لا مجال له اصلا بل اللازم البحث في تحقق الجهل الذى هو مجرى الاصول الشرعية و
عدمه و الظاهر انه لا شبهة في تحقق عنوان الجهل قبل المراجعة الى الدفتر في
المثال المذكور و لذا يعد من لم يراجع الى رسالة المجتهد الحاضر عنده جاهلا
غاية الامر توصيفه بكونه مقصرا و هذا التوصيف انما يكون مورده الشبهات الحكمية
و لا يجرى في الشبهات الموضوعية اصلا فلا مجال لانكار تحقق الجهل و الا لكان
اللازم ان يقال انه عالم نعم يمكن ان يقال بعدم صدق الجهل في بعض الموارد كما
في مثال الفجر إذا توقف تبينه على مجرد فتح العين للرؤية ففى مثله لا يجرى
الاصل الشرعى.
ثانيها لزوم المخالفة القطعية الكثيرة لو
قلنا بعدم وجوب الفحص و لا شبهة في كونها مبغوضة للشارع.
و اورد عليه اولا بالنقض بموارد الشك في الطهارة و النجاسة حيث انه يعلم
بمخالفة الاصول الجارية فيهما للواقع كثيرا.
و ثانيا بالحل نظرا الى ان المكلف لا يعلم بالنسبة الى نفسه بوقوعه في الخلاف و
الا لكان من العلم الاجمالى الجارى في التدريجيات نعم يعلم ذلك بالنسبة الى
سائر الناس بمعنى انه يعلم بان الاصول التى يجريها الناس عند شكهم في الاستطاعة
|