(الصفحة 148)
انه ذكر بعض الاعلام في شرح العروة انه لا ينبغى الريب في عدم جواز تعجيز نفسه
بعد وجوب الحج بشرائطه و حدوده و ان كان الواجب متأخرا لان الميزان في عدم جواز
تعجيز النفس عن اتيان الواجب هو تنجز الوجوب و فعليته و ان كان زمان الواجب
متأخرا و مبدء هذا الوجوب ليس خروج الرفقة و لا التمكن من المسير و لا دخول
اشهر الحج بل مقتضى الاية و الروايات الواردة في تفسيرها تنجز الوجوب بحصول
الزاد و الراحلة و ما يحج به و تخلية السرب و صحة البدن بحيث لا يكون الحج
حرجيا و لا فرق في حصول ذلك بين اشهر الحج و خروج الرفقة و التمكن من المسير و
اشهر الحج انما هى ظرف الواجب لا انها ظرف الوجوب و هو غير محدّد بزمان خاص و
عليه يظهر عدم جواز تعجيز نفسه في هذه السنة إذا تمكن من الحج في السنة الثانية
و يجب عليه ابقاء المال الى المقبل.
و لم يقع في كلامه التعرض لان بقاء الاستطاعة هل يكون معتبرا في وجوب الحج ام
لا و انه إذا لم يكن معتبرا فكيف لا يكون الوجوب ثابتا فيما إذا سرق الزاد و
الراحلة و إذا كان معتبرا فكيف يجب تحصيله مع ان تحصيل اصل الاستطاعة و حدوثها
لا يكون كذلك و هذه الجهة هى المشكلة الاصلية في هذه المسئلة لا كون وجوب الحج
تعليقيا.
و من اجل ما ذكرنا ذكر بعض الاعاظم في شرح العروة ان مقتضى القواعد الاولية
جواز التصرف المخرج عن الاستطاعة و ان تمكن من المسير و اجتمعت الشرائط نظرا
الى ان الزاد و الراحلة موضوع لوجوب الحج و لذلك لم يتوهم احد وجوب تحصيلهما
على من كان فاقدا لهما و الى انهما كما يكونان موضوعا لوجوب الحج حدوثا كذلك
يكون موضوعا بقاء و لذلك لا اشكال في انه إذا تلف ماله في اثناء الاعمال يكشف
عن عدم وجوب الحج عليه من اول الامر و الى ان اذهاب الموضوع ليس حراما في حد
نفسه ما لم يرد دليل خاص على حرمته و لذا لا يحرم
(الصفحة 149)
السفر ـ على مقتضى القاعدة ـ في شهر رمضان مع انه اذهاب لموضوع وجوب الصوم و هو
الحضر فالتصرفات المخرجة في المقام لا تكون حراما و على فرض الحرمة لو عصى و
اتلف الموضوع انتفى الحكم قهرا لان وجود الحكم حدوثا و بقاء دائر مدار وجود
موضوعه حدوثا و بقاء فالاتلاف على تقدير حرمته لا يقتضى بقاء وجوب الحج اصلا.
و ذكر سيد المستمسك ان المستفاد من الاية ان الاستطاعة آناما موجبة لتحقق
الوجوب نظير قوله من افطر وجب عليه الكفارة نعم لو كانت عبارة التشريع هكذا:
المستطيع يجب عليه الحج كانت ظاهرة في اناطة الحكم بالوصف حدوثا و بقاء كما إذا
قيل المسافر يجب عليه القصر حيث يكون الحكم منوطا بالسفر حدوثا و بقاء و عليه
فيكفى في اطلاق الوجوب حدوثا و بقاء تحقق الاستطاعة آناما غاية الامر ان
استطاعة السبيل الى البيت لا تحقق آناما الا إذا كانت مقدمات الوجود حاصلة في
الواقع كل منها في محله فاذا كان المكلف في علم اللّه يبقى ماله و راحلته و
صحته الى ان يصل الى البيت الشريف و لا مانع يمنعه عن ذلك يكون مستطيعا من اول
الامر و يجب عليه الحج فاذا عجّز نفسه باذهاب ماله مثلا كان مخالفا للوجوب
المذكور.
قال: و من ذلك يظهر انه لا مجال لدعوى كون الاستطاعة شرطا للوجوب حدوثا و بقاء
من جهة ان الزاد و الراحلة لو سرقا في الطريق انتفى الوجوب و كذا لو حدث مانع
من السفر من سيل او عدوّ او مرض او غيرها فان ذلك يوجب انتفاء الوجوب، وجه
الاشكال عليها ان حدوث الامور المذكورة كاشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر فلا
وجوب حدوثا و لا بقاء بخلاف ما لو القى زاده في البحر او قتل راحلته او مرّض
نفسه فان ذلك لا يكشف عن عدم الاستطاعة من اول الامر بل هو مستطيع لكنه عجّز
نفسه فاذا كان مستطيعا كان التكليف ثابتا في حقه فيكون تعجيز نفسه مخالفة منه
للتكليف الثابت عليه فيكون حراما.
(الصفحة 150)
هذا و قد عرفت انه يرد على بعض الاعلام انه لم يتعرض لحل المشكلة الاصلية في
هذا الباب و هى انه لا يجتمع الحكم باعتبار بقاء الاستطاعة في الوجوب مع الحكم
بلزوم الابقاء و وجوب حفظ الاستطاعة و عدم اتلافه بل وقع التعرض لجهة الوجوب
التعليقى الذى يرجع الى فعلية الوجوب و تنجزه و كون الواجب امرا استقباليا.
و يرد على بعض الاعاظم ان الحكم بعدم وجوب حفظ الاستطاعة و ابقائها و جواز
الاتلاف و التصرف المخرج ـ مع انه يوجب تعطيل الحج و عدم القيام به الا من
النادر الذى يأتى به طمعا في الثواب العظيم و الاجر الكثير المترتب عليه على ما
تدل عليه الروايات و لا يقاس بالسفر في شهر رمضان حيث انه لا يوجب الا الفرار
من الاداء و يبقى عليه وجوب القضاء ـ خلاف لما هو المرتكز في اذهان المتشرعة و
الثابت عندهم بحيث يكون القبول ثقيلا عليهم جدا كما لا يخفى.
و يرد على المستمسك ان الحكم بكشف سرقة الزاد و الراحلة عن عدم حدوث الاستطاعة
لم يعلم المراد به فان كان المراد به هو الكشف العقلى كما هو الظاهر من كلامه
نقول انه لا مجال لهذا الكشف اصلا لانه بعد حدوث الاستطاعة و بقائها مدة بحيث
كان السفر الى البيت الشريف ممكنا له من جميع الجهات غاية الامر انه اخّره لسعة
الوقت و عدم لزوم التعجيل ثم عرض لها السرقة كيف يمكن ان يقال بان السرقة كاشفة
عن عدم حدوث الاستطاعة و هل هذا الا تكذيب ما هو محسوس بالوجدان و مرئى بالعين
نعم لو لم تبق الاستطاعة في يده الامدة قليلة لم يتمكن من السفر الى البيت في
تلك المدة كان بقيت في يده ساعات ـ مثلا ـ يمكن القول بالكشف المزبور.
و ان كان المراد به هو الكشف التعبدى الذى يرجع الى ان مقتضى الجمع بين ما يدل
على انتفاء الوجوب بالسرقة و بين الآية الظاهرة ـ بمقتضى ما افاده ـ في كون
حدوث الاستطاعة شرطا للوجوب ان تجعل السرقة كاشفة عن عدم الحدوث
(الصفحة 151)
تعبدا نقول ان الجمع لا ينحصر بذلك فلم لا يجعل الدليل المذكور دالا على عدم
كون الحدوث بمجرده شرطا للوجوب بل الشرط هو حدوث الاستطاعة و بقائها.
و التحقيق ان مقتضى الجمع بين الادلة ذلك
غاية الامر ان شرطية البقاء ليست كشرطية الحدوث بمعنى انه كما ان الحدوث يكون
بنحو الاطلاق شرطا للوجوب لا يكون البقاء كذلك شرطا فان المستفاد من دليل
انتفاء الوجوب بالسرقة ان الموجب للانتفاء اجتماع امرين الاول عدم البقاء و
الثانى كون عدم البقاء مستندا الى امر غير اختيارى فيستفاد منه العموم بهذا
النحو و هو ان عدم البقاء إذا كان مستندا الى كل امر غير اختيارى يوجب انتفاء
الوجوب و اما إذا كان عدم البقاء مستندا الى امر اختيارى كالاتلاف و التصرف
المخرج كما في المقام فلا دليل على انتفاء الوجوب بسببه و عليه فاعتبار البقاء
فى الوجوب غير اعتبار الحدوث فيه فاذا لم يكن تحصيل الاستطاعة لازما فلا يستلزم
ذلك جواز الاتلاف و عدم لزوم الحفظ ثم لا يخفى ان اعتبار الحدوث و كذا البقاء
بالنحو المذكور انما هو في اصل وجوب الحج و حدوثه لا ان يكون الحدوث معتبرا في
الحدوث و البقاء في البقاء و عليه فما في كلام المستمسك من ذكر كلمة الحدوث و
البقاء عقيب الوجوب لا وجه له.
كما ان اعتبار البقاء في اصل الوجوب مع عدم العلم به نوعا انما هو لاجل
الاستصحاب الجارى الحاكم بالبقاء كما عرفت في استصحاب بقاء الدم الى ثلاثة ايام
الموجب لكون الدم من اول حدوثه متصفا بالحيضية هذا تمام الكلام في الجهة
الاولى.
و اما الجهة الثانية فربما يقال ان مقتضى بعض الادلة الخاصة ايضا عدم جواز
الاتلاف مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) إذا قدر الرجل على ما
يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام(1)
و رواية على بن حمزة عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) انه قال من قدر على ما يحج
به و جعل يدفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة
من شرايع الاسلام.(2)
-
1 و 2 ـ ئل ابواب وجوب الحج الباب السادس
(الصفحة 152)
بناء على كون المراد بالدفع المذكور فيهما هو الاتلاف مع ان الظاهر ان المراد
هو التأخير في العمل لا التصرف المخرج و يؤيده قوله «و ليس له شغل» و كذا قوله
«جعل يدفع ذلك» فلا دلالة لهما.
بقى الكلام في هذه المسئلة في امور:
الاول ان مقتضى ما ذكرنا من اعتبار البقاء
بالنحو المذكور في اصل وجوب الحج انه لو تصرف فيما بيده مما يكفيه للحج بما
يخرجه عن الاستطاعة لكان لازمه استقرار الحج عليه و عدم انتفاء وجوبه و اما
حرمة التصرف المذكور و عدم جوازه فلا مجال لثبوتها لان مقتضى وجود شرط الوجوب
تحققه لا حرمة التصرف المخرج فلو حج معه متسكعا فقد اتى بما هو الواجب عليه من
دون ان يكون مرتكبا لمحرم اصلا.
نعم لو توقف حجه على ابقاء الاستطاعة و حفظها بحيث كانت الاستطاعة مقدمة وجودية
لتحققه يصير الحفظ واجبا بالوجوب الغيرى المقدمى الشرعى او العقلى و من المعلوم
انه لا يترتب على مخالفة الامر الغيرى استحقاق العقوبة بوجه.
و مما ذكرنا يظهر انه لو كان التصرف المخرج بمثل المعاملة الناقلة كالهبة و
اشباهها لا مجال لتوهم البطلان فيها اما في صورة امكان الحج متسكعا و عدم توقف
وجود الحج على بقاء الاستطاعة فلانه لا حرمة في البين اصلا حتى يبحث في
اقتضائها للفساد عدمه، و اما في صورة توقف وجود الحج عليه فلان الامر الغيرى و
كذا النفسى لا يستتبعان للحرمة بوجه لعدم اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن الضد
مطلقا ـ كما قد حقق في محله ـ و على تقدير الاستتباع و الاقتضاء فالنهى الغيرى
لا يقتضى الفساد كما انه على تقدير كون النهى نفسيا لا دلالة فيه على الفساد
على ما ثبت في محله.
الثانى ان مقتضى ما ذكرنا من لزوم حفظ
الاستطاعة عدم جواز التصرف و ان علم بعدم تمكنه في هذا العام لعدم تعرض في
الاية و الرواية لخصوص عام الاستطاعة فالحكم باختصاص عدم الجواز بخصوص عامها و
انه لا يجب ابقاء