(الصفحة 152)
بناء على كون المراد بالدفع المذكور فيهما هو الاتلاف مع ان الظاهر ان المراد
هو التأخير في العمل لا التصرف المخرج و يؤيده قوله «و ليس له شغل» و كذا قوله
«جعل يدفع ذلك» فلا دلالة لهما.
بقى الكلام في هذه المسئلة في امور:
الاول ان مقتضى ما ذكرنا من اعتبار البقاء
بالنحو المذكور في اصل وجوب الحج انه لو تصرف فيما بيده مما يكفيه للحج بما
يخرجه عن الاستطاعة لكان لازمه استقرار الحج عليه و عدم انتفاء وجوبه و اما
حرمة التصرف المذكور و عدم جوازه فلا مجال لثبوتها لان مقتضى وجود شرط الوجوب
تحققه لا حرمة التصرف المخرج فلو حج معه متسكعا فقد اتى بما هو الواجب عليه من
دون ان يكون مرتكبا لمحرم اصلا.
نعم لو توقف حجه على ابقاء الاستطاعة و حفظها بحيث كانت الاستطاعة مقدمة وجودية
لتحققه يصير الحفظ واجبا بالوجوب الغيرى المقدمى الشرعى او العقلى و من المعلوم
انه لا يترتب على مخالفة الامر الغيرى استحقاق العقوبة بوجه.
و مما ذكرنا يظهر انه لو كان التصرف المخرج بمثل المعاملة الناقلة كالهبة و
اشباهها لا مجال لتوهم البطلان فيها اما في صورة امكان الحج متسكعا و عدم توقف
وجود الحج على بقاء الاستطاعة فلانه لا حرمة في البين اصلا حتى يبحث في
اقتضائها للفساد عدمه، و اما في صورة توقف وجود الحج عليه فلان الامر الغيرى و
كذا النفسى لا يستتبعان للحرمة بوجه لعدم اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن الضد
مطلقا ـ كما قد حقق في محله ـ و على تقدير الاستتباع و الاقتضاء فالنهى الغيرى
لا يقتضى الفساد كما انه على تقدير كون النهى نفسيا لا دلالة فيه على الفساد
على ما ثبت في محله.
الثانى ان مقتضى ما ذكرنا من لزوم حفظ
الاستطاعة عدم جواز التصرف و ان علم بعدم تمكنه في هذا العام لعدم تعرض في
الاية و الرواية لخصوص عام الاستطاعة فالحكم باختصاص عدم الجواز بخصوص عامها و
انه لا يجب ابقاء
(الصفحة 153)
مسئلة 23 ـ ان كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده او مع غيره و يمكن من
التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا و الا فلا، فلو تلف في الصورة الاولى
بعد مضى الموسم، او كان التلف بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة استقر
عليه الحج على الاقوى، و كذا الحال لو مات مورثه و هو في بلد آخر1.
الاستطاعة الى السنين القابلة كما في المتن تبعا للعروة لعله يكون مستندا الى
الفتاوى و الاجماع كما في المستمسك.
الثالث ان ما في المتن من قوله و كذا لا
يجوز التصرف قبل مجىء وقت الحج لم يعلم المراد منه فانه ان كان المراد من وقت
الحج هو اشهر الحج فاللازم بقرينة المقابلة ان يكون المراد من الفرضين
المذكورين قبله ما إذا كان بعد اشهر الحج و عليه فيصير حكم قبل الاشهر اثقل مما
بعده لثبوت التفصيل فيما بعد و اطلاق عدم الجواز قبله، و ان كان المراد من وقت
الحج هو الوقت الخاص الذى يقع الحج فيه كعرفة و ما بعده من الايام المعدودة
فيرد عليه ان الفرضين المذكورين قبله واقعان قبل الوقت المذكور ـ كما هو ظاهر ـ
الا ان يراد قبيل الوقت المذكور بعد السفر الى البيت و هو ايضا في غاية البعد و
بالجملة لم يعلم المراد من هذا الفرض بوجه.
1 ـ قد مر ان المعيار في حصول الاستطاعة ما إذا اجتمع امور ثلاثة هى عبارة عن
ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفهما في الحج عبارة عن
ملك الزاد و الراحلة و التمكن من التصرف فيهما و امكان صرفها في الحج و اما
حضور المال و غيابه فهما امران لا ارتباط لهما بالاستطاعة اثباتا و نفيا فاذا
كان المال غائبا و تمكن من التصرف فيه و لو بالتوكيل يكون مستطيعا كما انه إذا
كان المال حاضرا و لم يتمكن من التصرف فيه لاجل الغصب او وجود مانع آخر لا يكون
مستطيعا فالغياب و الحضور خارجان عن مسئلة الاستطاعة و منه يظهر حال ما لو مات
مورثه و هو في بلد آخر فان المعيار هو التمكن من التصرف في الارث من دون فرق
بين كونه في بلد اخر و غيره فانه ربما يكون التمكن متوفقا على شىء او اشياء
(الصفحة 154)
مسئلة 24 ـ لو وصل ماله بقدر الاستطاعة و كان جاهلا به او غافلا عن وجوب
الحج عليه ثم تذكر بعد تلفه بتقصير منه و لو قبل او ان خروج الرفقة، او تلف و
لو بلا تقصير منه بعد مضى الموسم استقر عليه الحج مع حصول سائر الشرائط حال
وجوده.2 .
مع الحضور ايضا كما هو المتعارف في هذه الازمنة من اثبات النسب و انحصار
الوراثة و مثلهما من المقدمات فالملاك ما ذكرنا كما هو ظاهر.
2 ـ فى هذه المسئلة اقوال ثلاثة:
احدها ما اختاره صاحب العروة و الماتن ـ دام
ظله ـ من استقرار الحج نظرا الى وجود الاستطاعة بحسب الواقع و هى الشرط في ثبوت
التكليف و العلم شرط في التنجز لا في اصل التكليف و عدم التمكن من جهة الجهل او
الغفلة لا ينافى الوجوب الواقعى غاية الامر انه معذور في ترك ما وجب عليه و اما
الاستقرار فهو تابع للوجوب الواقعى و عدم الاتيان بالحج فاللازم الحكم بثبوت
الاستقرار في الفرضين غاية الامر انه إذا كان التلف بلا تقصير لا بد من فرض
تحققه بعد مضى الموسم لان التلف قبله يكشف عن عدم الاستطاعة كما عرفت و إذا كان
بتقصير لا بد من تعميمه لما إذا كان قبل خروج الرفقة ايضا كما ان المفروض فيهما
ما إذا ارتفع الجهل و النسيان بعد ما لم يتمكن من الحج في عام الاستطاعة كما لا
يخفى.
ثانيها ما حكى عن المحقق القمى (قدس سره) في
اجوبة مسائله من عدم الوجوب اى عدم الاستقرار نظرا الى انه ما دام كونه جاهلا
او غافلا لا يكون التكليف متوجها اليه و بعد ارتفاعهما لا يكون عنده ما يكفيه
للحج على ما هو المفروض فلم يستقر عليه و قال في «المستمسك»: و كان الوجه الذى
دعا القمى الى نفى الاستطاعة ما تضمن من النصوص من ان من ترك الحج و لم يكن له
شغل يعذره اللّه به فقد ترك فريضة من فرائض الاسلام مما يدل على ان وجود العذر
ناف للاستطاعة.
و اورد عليه بان المفهوم من النصوص العذر الواقعى الذى لا يشمل قصور
(الصفحة 155)
المكلف من جهة غلطه و جهله و اشتباهه بل يختص بالامر الواقعى الذى يكون معلوما
تارة و مجهولا اخرى.
ثالثها ما اختاره بعض الاعلام ـ على ما في
تقريراته في شرح العروة ـ من التفصيل في الغفلة بين ما إذا كانت مستندة الى
تقصير منه كترك التعلم و بين ما إذا كانت غير مستندة اليه ككثرة الاشتغال و
الابتلاء ففى الاول يستقر عليه الحج دون الثانى و كذا في الجاهل بين ما إذا كان
جهله بسيطا فيستقر و بين ما إذا كان مركبا فلا اما التفصيل في الغفلة فلان
مقتضى حديث الرفع في غير «ما لا يعملون» هو الرفع الواقعى و مرجعه الى التخصيص
في الادلة الاولية و عدم ثبوت الحكم في حقه واقعا و عليه ففى فرض الغفلة لا يجب
عليه الحج لعدم ثبوته في حقه و بعد رفعها لا مال له بالفعل حتى يجب عليه الحج
غاية الامر اختصاص الحديث بما إذا كانت الغفلة غير مستندة الى التقصير و اما مع
استنادها اليه فلا مخصص في مقابل الادلة الاولية فالحج واجب عليه و مستقر.
و اما التفصيل في الجاهل فلان الجاهل بالجهل البسيط و ان لم يجب عليه الحج
بمقتضى حديث الرفع الا ان هذا الحكم حكم ظاهرى لا ينافى وجوب الحج عليه واقعا
فاذا انكشف الخلاف يجب عليه الاتيان بالحج لاستقراره عليه لان العلم بالاستطاعة
لم يؤخذ في الموضوع و انما الموضوع وجود ما يحج به واقعا و الجاهل بالجهل
البسيط يتمكن من اتيان الحج و لو احتياطا و اما الجاهل بالجهل المركب فلا يتوجه
اليه التكليف واقعا لعدم تمكنه من الامتثال و لو على نحو الاحتياط، و الاحكام و
ان كانت مشتركة بين العالم و الجاهل و لكن بالجهل البسيط الذى يتمكن من
الامتثال لا الجهل المركب و الجزم بالعدم الذى لا يتمكن من الامتثال ابدا فهو
كالغفلة.
اقول: قد حققنا في الاصول تبعا لسيدنا
العلامة الاستاذ الماتن ـ دام ظله
(الصفحة 156)
مسئلة 25 ـ لو اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا فان امكن فيه الاشتباه في
التطبيق صح و اجزأ عن حجة الاسلام، لكن حصوله مع العلم و الالتفات بالحكم و
الموضوع مشكل، و ان قصد الامر الندبى على وجه التقييد لم يجز عنه و في صحة حجة
تأمل، و كذا لو علم باستطاعته ثم غفل عنها، و لو تخيل عدم فوريته فقصد الندب لا
يجزى و في صحته تأمل1.
العالى ـ ان الخطابات العامة المتضمنة للتكاليف و الاحكام بنحو العموم لا تكاد
تنحلّ الى خطابات متكثرة حسب تكثر افراد المكلفين و تعدد آحادهم بل انما هى
خطاب واحد متضمن لحكم عام و تكليف كلى و مقتضاه ثبوت مقتضاه بالاضافة الى
الجميع غاية الامر كون بعض الامور عذرا بالنسبة الى المخالفة و موجبا لعدم ترتب
استحقاق العقوبة عليها كالعجز و الجهل و الغفلة في الجملة و لا ملازمة بين
كونها عذرا و بين عدم ثبوت التكليف الذى يتضمنه الخطاب العام فقوله و للّه على
الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا يدل على ثبوت هذا التكليف و تحقق هذا
الدين في جميع موارد تحقق الاستطاعة الواقعية و عليه فالتكليف ثابت بنحو العموم
فاذا انكشف للجاهل انه مستطيع و للغافل انه كان يجب عليه الحج و لم يؤت به بعد
فاللازم الحكم بالاستقرار و لزوم الاتيان به و لو بنحو التسكع و لا فرق من هذه
الجهة بين فرضى الغفلة و كذا فرضى الجهل و ان كان بينهما فرق احيانا من جهة
المعذورية و عدمها و عليه لا مجال لدعوى خروج الجاهل بالجهل المركب عن الاحكام
المشتركة بين العالم و الجاهل و التفصيل المذكور مبتن على القول بالانحلال و
اختصاص كل مكلف بخطاب خاص و قد انقدح مما ذكرنا ان الاقوى ما عليه المتن.
1 ـ وجه الاجزاء عن حجة الاسلام في صورة الاشتباه في التطبيق على تقدير امكانه
هو انه في هذه الصورة قصد الامر الواقعى المتعلق بالحج بالاضافة اليه غاية
الامر تخيله باعتبار اعتقاده عدم الاستطاعة انه هو الامر الندبى فقصده و لو كان
عالما بالاستطاعة لكان يقصد الامر الوجوبى المتوجه اليه ففى الحقيقة كان قصده
امتثال الامر
|