(الصفحة 179)
على حمار اجدع ابتر.(1)
هذا و لكنك عرفت ان صحيحة العلاء كافية في اثبات الحكم مضافا الى كونها موافقة
للفتوى و لا حاجة الى الروايات الاخر التى تجرى فيها المناقشة و دعوى انه لا
مانع من قيام الدليل على ثبوت حكم حرجى في مورد خاص كما قام على وجوب الحج بنحو
التسكع مع ترك الحج في مورد الاستطاعة الملكية و زوالها مدفوعة ـ مضافا الى
كونها مخالفة للفتوى في المقام لعدم ذهاب احد الى الوجوب في مورد عرض الحج إذا
كان على حمار اجدع ابتر ـ بان الوجوب في مورد التسكع ناش عن المكلف نفسه
باعتبار ترك الحج و عصيان وجوبه مع وجود جميع الشرائط و في المقام لا مدخلية
لارادة المكلف فيه اصلا كما لا يخفى.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه يقع الكلام بعد الفراغ عن اصل الحكم و ثبوته في
الجملة في جهات:
الجهة الاولى في انه هل يختص الحكم بوجوب
الحج بسبب الاستطاعة البذلية بما إذا كان البذل بنحو التمليك او يعم ما إذا كان
بنحو الاباحة ايضا نسب الاول الى الحلى في السرائر فانه بعد الحكم بانه يعتبر
في البذل نفقة العائلة ايضا و انه مع عدم بذل النفقة يصح فيمن لا تجب عليه نفقة
غيره قال: بشرط ان يملكه ما يبذله و يعرض عليه لا وعد بالقول دون الفعال.و
ظاهره بملاحظة التعبير بالتمليك هو اعتبار كون البذل بهذا النحو و لكن عطف قوله
و يعرض عليه و نفى الوعد بالقول دون الفعال يظهر منه انه ليس مراده التمليك فى
مقابل الاباحة بل البذل العملى الموجب للوثوق في مقابل القول الخالى عن الوثوق
نوعا ففى الحقيقة يرجع كلامه الى اعتبار الوثوق و سيجىء البحث فيه انشاء اللّه
تعالى.
و كيف كان فيمكن ان يستدل لهذا القول و ان لم يكن الحلّى قائلا به بصحيحة
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 3
(الصفحة 180)
العلاء بن رزين المتقدمة التى هى الاصل في الحكم من جهة الرواية نظرا الى
الجوابين المذكورين فيها فان الجواب عن سؤال المراد من الاستطاعة بقوله: له ما
يحج به إذا انضم الى الجواب عن سؤال من عرض عليه الحج بقوله هو ممن يستطيع يظهر
منه ان المراد من عرض الحج هو العرض بنحو التمليك لظهور اللام في الملكية.
و لكن قد عرفت ان الجمع بين الجوابين يقتضى ان يجعل الجواب الثانى قرينة على
عدم كون المراد من اللام الملكية خصوصا مع ظهور كثير من الروايات الواردة في
عرض الحج هو كون العرض بنحو الاباحة و لذا ربما يقال بان القدر المتيقن من
الاخبار الواردة فى هذا المجال هو كون العرض بنحو الاباحة فدعوى الاختصاص
بالبذل بنحو التمليك واضحة البطلان.
ثم انهم بعد الحكم بوجوب الحج بالاستطاعة البذلية الشاملة للبذل التمليكى قطعا
تعرضوا لمسئلة اخرى و هى ما إذا وهبه ما يكفيه للحج و حكموا فيها بعدم وجوب
القبول بنحو الاطلاق كما عن الشرايع او بالتفصيل بين ما إذا وهبه لان يحج او
وهبه و خيره بين ان يحج به او لا و بين ما إذا وهبه و لم يذكر الحج اصلا بالحكم
بوجوب القبول في الاولين دون الاخير او بوجوب القبول في خصوص الصورة الاولى و
كيف كان فمسئلة الهبة اختلافية مع ان مسئلة البذل وفاقية و ـ ح ـ يقع الكلام في
الفرق بين الهبة المفيدة للمكلية التى لا يجب قبولها مطلقا او في الجملة و بين
البذل التمليكى الذى يظهر منهم الاتفاق على وجوب القبول فيه و المستفاد من بعض
الكلمات ان الفرق هو كون البذل من الايقاعات و لا يعتبر فيه القبول و الهبة من
العقود المفتقرة الى القبول و لكن يرد عليه ان البذل التمليكى الايقاعى مما لا
نجد له في الفقه عينا و لا اثرا فان البذل بنحو الاباحة كما في اطعام الضيف و
غيره شايع و اما البذل بنحو التمليك فمما لم يعرف بوجه و سيجىء التحقيق في
مسئلة الهبة الآتية انشاء اللّه تعالى.
الجهة الثانية في انه هل يختص الحكم المذكور
بما إذا كان هناك بذل عين
(الصفحة 181)
الزاد و الراحلة او يعم صورة بذل الثمن ايضا؟اشترط الشهيد الثانى في محكى
المسالك بذل العين قال: «نعم يشترط بذل عن الزاد و الراحلة فلو بذل له اثمانهما
لم يجب عليه القبول» و استظهر ذلك من عبارة التذكرة ايضا معللا ذلك بثبوت المنة
في بذل الثمن.
هذا و الظاهر ان العنوان المأخوذ في الدليل و هو عرض الحج يعم صورة بذل الثمن
ايضا فكما ان الاستطاعة المالية لا تتوقف على ملكية عين الزاد و الراحلة كما
عرفت بل تعم ملكية اثمانهما إذا امكن الصرف فيهما كذلك الاستطاعة البذلية و
ظاهر صحيحة العلاء المتقدمة عدم كون الحكم بالوجوب في الاستطاعة البذلية ثابتا
على خلاف القاعدة حتى يقال بالاقتصار على القدر المتيقن و هو ما إذا كان هناك
بذل عين الزاد و الراحلة فان ثبوته فيها في رديف ثبوته بالاستطاعة المالية من
دون فرق كما يظهر من قوله (عليه السلام) هو ممن يستطيع، و اما التعليل بالمنة
كما في كلام التذكرة فغير ظاهر لان التفكيك بين البذلين من هذه الجهة مما لم
يعلم وجهه.
الجهة الثالثة في انه هل يختص الحكم المذكور
بما إذا كان البذل واجبا على الباذل بنذر او شبهه او يعم ما إذا لم يكن البذل
واجبا بل مستحبا او مباحا؟حكى الاول عن العلامة فى التذكرة حيث قال: «و ان قلنا
بعدم وجوبه ـ اى البذل ـ ففى ايجاب الحج اشكال اقربه العدم لما فيه من تعليق
الواجب بغير الواجب» و حكى ذلك عن جامع المقاصد ايضا.
هذا و الظاهر ان مقتضى اطلاق الادلة هو الثانى لان عرض الحج اعم و دعوى
الاختصاص بصورة الوجوب ممنوعة خصوصا مع ملاحظة كون العرض الواجب نادرا بالاضافة
الى البذل غير الواجب.
و التعليل المذكور في كلام العلامة بظاهره مما يقطع بخلافه فان الوجوب في
الاستطاعة المالية من تعليق الواجب بغير الواجب ضرورة عدم لزوم تحصيل
(الصفحة 182)
الاستطاعة فضلا عن مثل وجوب الاتمام عند قصد الاقامة و وجوب القصر عند السفر و
كل واجب مشروط بفعل المكلف لعدم كون شرط الوجوب واجبا على ما قرر في مبحث مقدمة
الواجب من مباحث الاصول.
هذا و يحتمل ان يكون مراد العلامة (قدس سره) من الوجوب هو الوثوق و ذكر الوجوب
انما هو باعتبار انّه احد طرق تحقق الوثوق فيرجع الى الجهة الآتية.
الجهة الرابعة انه لا فرق بين كون الباذل
واحدا او متعددا و الوجه فيه اطلاق الدليل لان عرض الحج يشمل ما إذا كان العارض
واحدا او متعددا هذا و يدل على صورة التعدد رواية معاوية بن عمار المتقدمة
المشتملة على قوله (عليه السلام) فان كان دعاه قوم ان يحجوه...فان ظاهره كون
الداعى متعددا فلا فرق بين الصورتين.
الجهة الخامسة انه هل يختص الحكم المذكور
بما إذا كان هناك وثوق و اطمينان بعدم رجوع الباذل و وفائه به صريح المتن
الاعتبار و قد سبقه صاحب المدارك حيث قال فى محكيه: «نعم لا يبعد اعتبار الوثوق
بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض
للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم و المشقة الزائدة فكان منفيا.
اقول لا اشكال في ثبوت الحكم بالوجوب فيما إذا كان هناك وثوق و طمأنينة كما انه
لا اشكال في عدم ثبوت الحكم المذكور إذا كان هناك وثوق بالرجوع و عدم الوفاء
لانه يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة العلم و حيث انه يعتبر في الاستطاعة
مطلقا البقاء فالعلم او الوثوق بعدمه يمنع عن تحقق الوجوب و ثبوته.
انما الاشكال في صورة الشك فان كان فيها خوف على النفس كما اشير اليه في عبارة
المدارك فلا شبهة في عدم وجوب الحج لكون السفر حراما فلا يكون مستطيعا بحسب
الواقع و ان لم يكن فيها خوف على النفس فلا اشكال في الاستطاعة المالية في
الوجوب نظرا الى جريان استصحاب البقاء كما مر سابقا و اما في الاستطاعة
(الصفحة 183)
البذلية فقد ذكر بعض الاعاظم ـ بعد الحكم بان الموضوع لوجوب الحج في المقام ليس
هو قول الباذل و تعبيره بانه حجّ و علىّ نفقتك بل الموضوع هو البذل الفعلى
حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط فالموضوع هو البذل المستمر الى آخر الاعمال و الى ان
يرجع الى وطنه ـ انه مع الشك في البقاء لا يمكن اثبات الوجوب بالاطلاقات لكونه
من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
اقول هذا انما يتم لو لم يجر الاصل في الشبهة الموضوعية و الا فمع جريان الاصل
الحاكم بالبقاء يحرز تحقق عنوان العام فاستصحاب العالمية في زيد مع الشك فيها و
وجود الحالة السابقة يحكم بانه عالم فيترتب عليه حكم العام و وجوب الاكرام و
كذا المقام.
و بالجملة لم يعرف وجه للفرق بين الحكم بجريان الاستصحاب في الاستطاعة المالية
مع الشك في البقاء و عدم جريانه في الاستطاعة البذلية هذا لو قلنا باعتبار
الوثوق بالاضافة الى الحكم الظاهرى و هو ثبوت الوجوب ظاهرا و اما بالاضافة الى
الحكم الواقعى فيدل على عدمه اطلاق النصوص المتقدمة الحاكم بثبوت الوجوب بمجرد
البذل من دون ان تكون الوثاقة دخيلة فيه اصلا كما لا يخفى.
الجهة السادسة الظاهر انه يعتبر في
الاستطاعة البذلية ايضا نفقة العود لعين ما ذكر في الاستطاعة المالية من الوجه
و قد عرفت ان الوجه فيها اما الاستفادة العرفية من نفس الاستطاعة الى السفر فان
المتفاهم منها عندهم وجود نفقة الذهاب ايضا كنفقة الاياب فان عرض الحج المفروض
في روايات البذل معناه بذل نفقة السفر اليه المشتمل على الامرين و اما لزوم
الحرج المنفى في كلتا الصورتين نعم قد عرفت اختصاص اعتبار هذه النفقة بمن يريد
الرجوع الى وطنه او مثله و اما من كان مراده البقاء في مكة فلا تعتبر نفقة
العود بالاضافة اليه اصلا.
الجهة السابعة إذا كان المبذول بعض النفقة و
كان بعضها موجودا عنده بحيث كان