(الصفحة 183)
البذلية فقد ذكر بعض الاعاظم ـ بعد الحكم بان الموضوع لوجوب الحج في المقام ليس
هو قول الباذل و تعبيره بانه حجّ و علىّ نفقتك بل الموضوع هو البذل الفعلى
حدوثا و بقاء لا حدوثا فقط فالموضوع هو البذل المستمر الى آخر الاعمال و الى ان
يرجع الى وطنه ـ انه مع الشك في البقاء لا يمكن اثبات الوجوب بالاطلاقات لكونه
من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
اقول هذا انما يتم لو لم يجر الاصل في الشبهة الموضوعية و الا فمع جريان الاصل
الحاكم بالبقاء يحرز تحقق عنوان العام فاستصحاب العالمية في زيد مع الشك فيها و
وجود الحالة السابقة يحكم بانه عالم فيترتب عليه حكم العام و وجوب الاكرام و
كذا المقام.
و بالجملة لم يعرف وجه للفرق بين الحكم بجريان الاستصحاب في الاستطاعة المالية
مع الشك في البقاء و عدم جريانه في الاستطاعة البذلية هذا لو قلنا باعتبار
الوثوق بالاضافة الى الحكم الظاهرى و هو ثبوت الوجوب ظاهرا و اما بالاضافة الى
الحكم الواقعى فيدل على عدمه اطلاق النصوص المتقدمة الحاكم بثبوت الوجوب بمجرد
البذل من دون ان تكون الوثاقة دخيلة فيه اصلا كما لا يخفى.
الجهة السادسة الظاهر انه يعتبر في
الاستطاعة البذلية ايضا نفقة العود لعين ما ذكر في الاستطاعة المالية من الوجه
و قد عرفت ان الوجه فيها اما الاستفادة العرفية من نفس الاستطاعة الى السفر فان
المتفاهم منها عندهم وجود نفقة الذهاب ايضا كنفقة الاياب فان عرض الحج المفروض
في روايات البذل معناه بذل نفقة السفر اليه المشتمل على الامرين و اما لزوم
الحرج المنفى في كلتا الصورتين نعم قد عرفت اختصاص اعتبار هذه النفقة بمن يريد
الرجوع الى وطنه او مثله و اما من كان مراده البقاء في مكة فلا تعتبر نفقة
العود بالاضافة اليه اصلا.
الجهة السابعة إذا كان المبذول بعض النفقة و
كان بعضها موجودا عنده بحيث كان
(الصفحة 184)
المجموع كافيا للحج فالمذكور في كلمات جماعة مرسلين له ارسال المسلمات من دون
تعرض لخلاف او اشكال هو وجوب الحج فالاستطاعة المركبة تكون كاحدى الاستطاعتين:
المالية و البذلية.
و قد استدل له في المدارك و الجواهر بالاولوية بالاضافة الى الاستطاعة البذلية
الكاملة و لكن الظاهر انه لا مجال لدعويها بعد عدم الاحاطة بملاكات الاحكام و
ربما يستدل له بان ثبوت الحكم في الاستطاعتين يدل على ثبوته الجامع بين
الامرين.
و اورد عليه بانه لم يثبت وجود الجامع مع التبعيض كما يتضح بملاحظة النظائر فان
ثبوت حكم لكر من حنطة و كر من شعير لا يدل على ثبوته لنصف كر من الحنطة و نصف
كر من الشعير.
و الحق ان صحيحة العلاء التى هى الاصل في الحكم تدل على ثبوته في هذا الفرض
ايضا فان المعيار المستفاد منها هو ان يكون له ما يحج به بالمعنى الشامل
للاباحة و هذا المعيار ينطبق على الاستطاعة المركبة في عرض انطباقها على
الاستطاعتين بمعنى انه لا يستفاد حكم المقام من حكمهما بل بمعنى استفادة الجميع
من نفس ذلك العنوان فله انواع ثلاثة من دون ارتباط لاحدها بالاخر و عليه فمقتضى
اطلاق الصحيحة وجوب الحج ببذل البقية.
الجهة الثامنة انه هل يعتبر في الاستطاعة
البذلية نفقة العيال في مدة السفر ذهابا و ايابا إذا لم تكن النفقة موجودة عند
المبذول له او لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج ايضا كما إذا كان يعمل في كل يوم
و يحصل نفقة العيال لذلك اليوم و في هذه الصورة يكون السفر الى الحج موجبا لان
لا تكون له نفقة العيال فهل تعتبر ـ ح ـ في الاستطاعة البذلية ام لا؟و الظاهر
ان اعتبارها هو المشهور بل يظهر من بعض الكلمات الاجماع عليه.
(الصفحة 185)
و الظاهر انه لا دلالة لشىء من روايات البذل على اعتبار نفقة العيال فان عرض
الحج لا يدل الاّ على اعتبار نفقة الذهاب و الاياب و اما نفقة العيال فلا دلالة
له عليه كما انه لا دلالة لدليل اعتبارها في الاستطاعة المالية على ما سيجىء
على اعتبارها في الاستطاعة البذلية كما في الرجوع الى الكفاية المعتبر فيها
دونها.
فالحق ان يقال انه ان كانت النفقة واجبة على المنفق شرعا فان قلنا باعتبار
القدرة الشرعية زائدة على الزاد و الراحلة و غيرهما في وجوب الحج فاللازم الحكم
بعدم وجوب الحج في المقام مع عدم بذل النفقة لعدم تحقق القدرة الشرعية مع وجوب
الانفاق المتوقف على البقاء في الوطن و عدم السفر و ان لم نقل باعتبار القدرة
الشرعية ـ كما هو الحق ـ فيتحقق التزاحم بين وجوب الانفاق و وجوب الحج فان ثبت
اهمية احد الامرين او احتمل اهمية خصوص احدهما فالترجيح معه و الا فالحكم هو
التخيير كما في سائر موارد التزاحم.
و ان لم يكن الانفاق واجبا عليه فتارة يكون تركه حرجيا عليه لملاحظة بعض الجهات
و بعض ما يترتب على تركه من انهتاك الشأن و الحيثية و اخرى لا يكون كذلك ففى
الصورة الثانية يجب الحج بلا اشكال مع عدم بذل النفقة و في الصورة الاولى
الظاهر عدم الوجوب لاستلزام وجوب الحج للحرج و هو منفى كما في سائر موارد
استلزام وجوبه للحرج.
الجهة التاسعة في عدم مانعية الدين من وجوب
الحج بالاستطاعة البذلية و الوجه فيه ان رفع اليد من الحج و عدم قبول البذل لا
يوجب التمكن من اداء الدين كما في الاستطاعة المالية حيث يدور امر المال بين
الصرف في الحج و بين الصرف في اداء الدين و لا يمكن الجمع بين الامرين فتتحقق
مانعية الدين او التزاحم بين الوجوبين كما مرّ البحث عنه مفصلا و اما في
الاستطاعة البذلية فلا يكون في البين مال يدور امره بين الصرف في جهتين بل مال
لا بد و ان يصرف في الحج فان صرف فيه و الا فلا مجال
(الصفحة 186)
للصرف في جهة اخرى فلا وجه للمانعية او المزاحمة.
نعم يصح هذا في الاستطاعة البذلية الكاملة و اما الاستطاعة الملفقة و المركبة
فبالاضافة الى المقدار الذى يكون له تتحقق المانعية او المزاحمة لعين ما تقدم
في ذلك البحث لانه لا فرق بين كون ماله بمقدار الاستطاعة او بمقدار بعضها اصلا
و من هنا يظهر ان اطلاق المتن انّ الدين لا يمنع من وجوبه في غير محله خصوصا مع
التصريح قبله بان الاستطاعة البذلية كما تتحقق ببذل تمام النفقة كذلك تتحقق
ببذل البعض مع وجود البعض الاخر.
بقى الكلام في هذه الجهة فيما افاده بصورة الاستدراك و الاستثناء و انه لو كان
الدين حالا و الدائن مطالبا و هو يتمكن من ادائه لو لم يحج ففى كونه مانعا
وجهان: وجه عدم كونه مانعا اطلاق النصوص و الفتاوى اما اطلاق النصوص فلعدم
التعرض فيها للدين و ان المعيار في وجوب الحج بالبذل هو مجرد عرض الحج عليه و
تحقق البذل من دون فرق بين ما إذا كان هناك دين و ما إذا لم يكن، و اما اطلاق
الفتاوى فلتصريح كثير من الكلمات و العبارات بعدم كون الدين مانعا في الاستطاعة
البذلية من دون فرق بين فروضه و صوره.
و وجه المانعية بعد ملاحظة وجوب السعى في اداء الدين و تحصيل القدرة عليه ان
الملاك في مانعية الدين في الاستطاعة المالية متحقق هنا و كذلك المزاحمة على
تقديرها كما اخترناه غاية الامران منشأ التزاحم هناك عدم التمكن من صرف المال
في الامرين الحج و اداء الدين و اما منشأ التزاحم هنا فهو عدم التمكن من صرف
الوقت ـ مثلا ـ في كليهما لانه على تقدير عدم الحج يكتسب كل يوم ـ مثلا ـ و
يقدر بذلك على اداء الدين و بالاخرة لا يقدر على الجمع بين الامرين و الظاهر من
الوجهين هو الوجه الاخير لما عرفت فى دليله.
الجهة العاشرة في انه لا يشترط الرجوع الى
الكفاية في وجوب الحج بالبذل
(الصفحة 187)
و ان قلنا باشتراطه في الوجوب بالاستطاعة المالية و الوجه فيه عدم جريان دليل
الاشتراط هناك في المقام سواء كان الدليل هى قاعدة نفى الحرج او كان الدليل هى
الرواية امّا القاعدة فعدم جريانها في المقام واضح لانه ليس هناك مال لو لم
يصرفه في الحج يتمكن من صرفه في مخارجه بعد الرجوع من سفر الحج بخلاف الاستطاعة
المالية التى لو لم تصرف في الحج يستعين بها على نفقته و نفقة عياله بعد العود
ففى المقام لا يكون الا مجرّد الضيافة، و الاستفادة منها و عدمها سيّان فيما
يتعلق بحال الشخص من جهة النفقة و عليه فلا مجال للحكم بالاشتراط بعد كون الوجه
فيه هى قاعدة نفى الحرج غير الجارية في المقام.
و اما الرواية فالعمدة هى رواية ابى الربيع الشامى على نقل المفيد (قدس سره)
قال سئل ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على
الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فقال ما يقول الناس قال فقلت له: الزاد و
الراحلة قال فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) قد سئل ابو جعفر (عليه السلام)عن
هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و
يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا
فقيل له فما السبيل؟قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضها
لقوت عياله.(1) و المناقشة في السند من جهة ابى الربيع مدفوعة اما
من جهة وقوعه في اسانيد تفسير على بن ابراهيم و اما من جهة فتوى المشهور على
طبق روايته الجابرة للضعف و اما الدلالة فموردها هى الاستطاعة المالية و لم يقم
دليل على ان كل ما اعتبر فيها يكون معتبرا فى الاستطاعة البذلية ايضا خصوصا مع
اطلاق نصوصها.
بقى الكلام في الصورة التى استدركها في
المتن و هو انه يعتبر ان لا يكون الحج موجبا لاختلال امور معاشه فيما يأتى لاجل
غيبته و ذلك كما لو فرض ان
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1