(الصفحة 190)
محكى المسالك من ان قبول الهبة نوع من الاكتساب و هو غير واجب للحج لان وجوبه
مشروط بوجود الاستطاعة فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق يرد عليه انه مع
شمول الرواية و حكمها بوجوب القبول لا يبقى مجال لهذا الاستدلال نعم يتم ذلك في
مورد لا يشمله النص كالفرض الثالث الاتى.
و اما الفرض الثانى و هو فرض التخيير فربما
يناقش في الحكم بوجوب القبول فيه تارة من جهة ظهور عرض الحج المذكور في النصوص
في عرضه على التعيين لا على التخيير و اخرى من جهة ان لتتخيير يرجع الى ان بذله
للحج مشروط بعدم صرفه المبذول فى جهة اخرى او الابقاء عنده و لا يجب على
المبذول له تحصيل الشرط و بعبارة اخرى موضوع الوجوب هو البذل للحج و الهبة مع
التخيير بذل للجامع و بذل الجامع لا يكون بذلا للحج بشخصه.
و يدفع المناقشة الاولى منع الظهور فيما ذكر فان عرض الحج عنوان عام كما يشمل
العرض بنحو التعيين كذلك يشمل العرض بنحو التخيير.
و المناقشة الثانية بان التخيير في المقام انما هو كالتخيير في الواجب التخييرى
فكما انه يتصف الطرفان او الاطراف في الواجب التخييرى بالوجوب و لا ينافى اتصاف
بعض الاطراف بالوجوب اتصاف الاخربه ايضا فكذلك المقام فان كلا من الحج و زيارة
الحسين (عليه السلام) مثلا ـ يصدق عليه انه معروض عليه و لا ينافى عرض الزيارة
عليه عرض الحج اصلا و الملاك هو صدق عنوان الدليل فهل يمكن ان يقال بانه مع
تصريح الواهب بالحج و ذكره بالخصوص و لو على نحو التخيير انه لم يعرض عليه الحج
فهذه المناقشة اشبه بالاجتهاد في مقابل النص.
و اما الفرض الثالث و هو الهبة المطلقة من
دون تعرض للحج لا تعيينا و لا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول لانه لا يصدق
بمجرد الهبة كذلك انه عرض عليه الحج فمن وهب ماله لولده محبة منه اليه و تفضلا
له عليه لا يصدق على عمله انه عرض الحج
(الصفحة 191)
على ابنه و الملاك هو صدق هذا العنوان فالظاهر ـ ح ـ عدم وجوب القبول في خصوص
هذا الفرض و قد ظهر مما ذكرنا ان الاقوى في مسئلة الهبة ما في المتن و العروة
من التفصيل.
المقام الثانى فيما إذا وقف شخص لمن يحج
فبذل المتولى ما يكفيه له او اوصى شخص كذلك فبذل الوصى ذلك او نذر شخص كذلك
فبذل الناذر ذلك او اوصى شخص لخصوص زيد ـ مثلا ـ ما يكفيه بشرط ان يحج و الظاهر
وجوب الحج في جميع هذه الفروض لتحقق الاستطاعة البذلية و صدق عرض الحج عليه في
تمامها لعدم الفرق بمقتضى اطلاق العنوان بين كون الباذل العارض مالكا لما يبذله
اباحة او تمليكا و بين ان يكون غير مالك و لكن كان له البذل شرعا بمقتضى
التولية او الوصاية نعم لا مجال لتوهم الشمول لما إذا بذل مال الغير بنحو غير
مشروع.
و اما مع المشروعية فلا وجه لتخيل عدم شمول الاطلاق مع انه يمكن ان يقال ان
الباذل الحقيقى هو الواقف او الموصى و المتولى و الوصى هما بمنزلة الوكيل في
البذل و كيف كان لا شبهة في الحكم اصلا نعم يرد على فرض النذر انه تكرار لما
سبق في اول مبحث البذل من انه لا فرق في وجوب الحج بالبذل بين ما إذا كان البذل
واجبا و بين غيره فان البذل الواجب هو البذل الواجب بالنذر و شبهه و يمكن ان
يقال بان الفرق بين الموردين انما هو في ان المورد الاول ما إذا كان النذر
متعلقا بالبذل الذى هو فعله و اما هذا المورد فالمراد منه ما إذا كان المنذور
صيرورة من يحج مالكا بنحو النتيجة فتدبر.
المقام الثالث فيما لو اعطاه خمسا او زكوة
بمقدار ما يكفيه للحج و شرط عليه ان يحج و الكلام يقع تارة في صحة الشرط و
عدمها و اخرى انه بعد عدم الصحة هل يجب عليه الحج ام لا و ثالثة في ثبوت الفرق
في الزكوة بين ما إذا كانت من سهم الفقراء و بين ما إذا كانت من سهم سبيل اللّه
و عدمه.
(الصفحة 192)
اما من الجهة الاولى فقد استظهر السيد (قدس
سره) في العروة صحة الشرط و صرح الماتن ـ ادام اللّه ظله الشريف ـ باللغوية و
عدم الصحة.
و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية
الامر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكوة بل و في باب الخمس ـ
على خلاف ـ و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على
تقدير القول بالاشاعة الذى يرجع الى الاشتراك فانه لا مجال لاحد الشريكين عند
دفع سهم الشريك الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق
ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذى يدفع بعنوان الخمس هى
مؤونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال ـ ح ـ لشرط الحج و قد صرح السيد ـ قد
ـ في مسائل ختام الزكوة انه لا يجوز اعطاء الزكوة للفقير من سهم الفقراء
للزيارة او الحج او نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلاميه.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و
الاشتراط الذى مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدى انما يجرى في
الامور القابلة للتعليق كالامور الاعتبارية و اما التكوينية فهى غير قابلة
للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الاطلاق و السعة و الامر الخارجى
التكوينى في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجى
بالامام الحاضر فان الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا او عمرا
و انما الدواعى تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الامور التكوينية الخارجية
تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذى
وجب عليه الخمس او الزكوة هو الاعطاء و الايتاء و هو امر خارجى غير قابل
للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هى بيد الشارع
فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا
مجال للتعليق في المقام اصلا.
(الصفحة 193)
و يرد عليه ـ مضافا الى النقض بموارد كثيرة
مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) من رجوع
القيد الى المادة و كون المجىء في مثل اكرم زيدا ان جائك قيدا لزيد الذى يجب
اكرامه و معناه وجوب اكرام زيد الجائى بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد الى
الهيئة التى وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.
و مثل العناوين القصدية التى يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان
بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الايذاء
ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيأ واحدا.
و مثل مسئلة الايتمام التى تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لانكار ثبوت
صورتين فيها بحسب الواقع فان الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا ام
عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.
ـ ان الموجود الخارجى إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالارادة و الاختيار لا بنحو
الاطلاق الشامل للاكراه و الاجبار فلا بدّ في تحققه من الارادة الناشية عن
مباديها فاذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التى
قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الارادة انما تعلقت
بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها
محدودا و مقيدا لعدم تعلق الارادة بغير المحدود و المقيد اصلا و لعله تخيل ان
مراد القائل بالتقييد في الامر الخارجى هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج
مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا
من اول الامر ففى المقام إذا كان الاعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الاعطاء
الارادى انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا
خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما
ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ
(الصفحة 194)
لغوية الشرط في المقام عدم ثبوت الولاية للمعطى بالاضافة الى تعيين المصرف اصلا
هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.
و اما الجهة الثانية فان قلنا بصحة الشرط
فاللازم وجوب القبول و وجوب الحج لانه يصدق عليه انه عرض عليه الحج و لو من
طريق الاشتراط المشروع نعم قد عرفت ان صحة الشرط تبتنى ايضا على ان يكون الحج
معدودا من مؤونة السنة في باب الخمس نظرا الى ان الزيارات كلها معدودات من
المؤونة و الا فلا يبقى مجال لهذا الاشتراط و لو قلنا بثبوت الولاية للمعطى على
تعيين المصرف و بالجملة فعلى تقدير صحة الاشتراط يجب القبول و الحج.
و اما ان قلنا بلغوية الشرط فالظاهر كما في المتن من عدم وجوب الحج ـ حينئذ ـ
لانه بعد فرض اللغوية يكون وجود هذا الشرط كالعدم فلا يصدق عنوان عرض الحج معه
خلافا لما في المستمسك من انه لو بنى على بطلان الشرط امكن ان يدعى الوجوب
بلحاظ صدق العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة
الشرط، مع انك عرفت ان مرجع اللغوية الى كون وجوده كالعدم و لا مجال لصدق العرض
ـ حينئذ ـ كما لا يخفى.
و اما الجهة الثالثة فالكلام فيها تارة من
حيث وجوب القبول و عدمه و اخرى من حيث انه بعد عدم وجوب القبول إذا قبل ما
حكمه؟و قبل البحث من الحيثيتين لا بد من التنبيه على امر و هو انه لا اشكال في
هذا الفرض في صحة الشرط و لم يناقش فيها احد ممن تعرض و الوجه فيه ان اشتراط
الحج في هذا الفرض لا يرجع الى تعيين المصرف كما فى الفرض المتقدم بل الى تعيين
مصداق من مصاديق سبيل اللّه فكما ان تعيين المستحق فى ذلك الفرض كان بيده و له
الولاية عليه كذلك تعيين شىء من مصاديق سبيل اللّه و عليه لا مجال للمناقشة في
صحة الشرط في هذا الفرض و نقول بعد ذلك:
|