(الصفحة 192)
اما من الجهة الاولى فقد استظهر السيد (قدس
سره) في العروة صحة الشرط و صرح الماتن ـ ادام اللّه ظله الشريف ـ باللغوية و
عدم الصحة.
و الوجه في العدم عدم ثبوت ولاية و سلطنة للدافع المعطى على تعيين المصرف غاية
الامر ثبوت الولاية له على تعيين المستحق في باب الزكوة بل و في باب الخمس ـ
على خلاف ـ و لا ملازمة لهذه الولاية و الولاية على تعيين المصرف خصوصا على
تقدير القول بالاشاعة الذى يرجع الى الاشتراك فانه لا مجال لاحد الشريكين عند
دفع سهم الشريك الآخر اليه ان يعين له المصرف بل يكون سهمه امانة عنده يتحقق
ردها بالدفع اليه كما انه يمكن ان يقال بان المقدار الذى يدفع بعنوان الخمس هى
مؤونة السنة و ان الحج خارج عنها فلا مجال ـ ح ـ لشرط الحج و قد صرح السيد ـ قد
ـ في مسائل ختام الزكوة انه لا يجوز اعطاء الزكوة للفقير من سهم الفقراء
للزيارة او الحج او نحوهما من القربات و عليه فيتحقق التهافت بين كلاميه.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام وجها آخر لعدم صحة الشرط و ملخصه ان التعليق و
الاشتراط الذى مرجعه الى الالتزام المرتبط بالالتزام العقدى انما يجرى في
الامور القابلة للتعليق كالامور الاعتبارية و اما التكوينية فهى غير قابلة
للتقييد لان التقييد انما يصح في مورد الاطلاق و السعة و الامر الخارجى
التكوينى في نفسه مضيق و غير قابل لعروض التقييد عليه نظير الايتمام الخارجى
بالامام الحاضر فان الايتمام قد حصل و تحقق خارجا سواء كان الامام زيدا او عمرا
و انما الدواعى تختلف باختلاف الموارد و بالجملة الامور التكوينية الخارجية
تتصف بالوجود و العدم و لا يجرى فيها التعليق و عليه فالواجب في المقام الذى
وجب عليه الخمس او الزكوة هو الاعطاء و الايتاء و هو امر خارجى غير قابل
للتعليق و اما الملكية الشرعية فليست تحت يده و اختياره و انما هى بيد الشارع
فما هو تحت يده لا يقبل التعليق و ما هو قابل له خارج عن يده و اختياره فلا
مجال للتعليق في المقام اصلا.
(الصفحة 193)
و يرد عليه ـ مضافا الى النقض بموارد كثيرة
مثل الواجب المشروط بناء على مبنى الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) من رجوع
القيد الى المادة و كون المجىء في مثل اكرم زيدا ان جائك قيدا لزيد الذى يجب
اكرامه و معناه وجوب اكرام زيد الجائى بل و على مبنى المشهور من رجوع القيد الى
الهيئة التى وضعها كوضع العرف اى يكون وضعها عاما و الموضوع له خاصا.
و مثل العناوين القصدية التى يعتبر في تحققها القصد فان ضرب اليتيم إذا كان
بقصد التأديب يترتب عليه هذا العنوان الراجح و إذا كان بقصد الظلم و الايذاء
ينطبق عليه عنوان الظلم مع انه في الخارج ليس الا شيأ واحدا.
و مثل مسئلة الايتمام التى تقدمت نظرا الى ما مر من انه لا مجال لانكار ثبوت
صورتين فيها بحسب الواقع فان الايتمام على كل تقدير سواء كان الامام زيدا ام
عمروا يغاير الايتمام المقيد بكونه زيدا و قد انكشف خلافه.
ـ ان الموجود الخارجى إذا لو حظ مع وصف كونه صادرا بالارادة و الاختيار لا بنحو
الاطلاق الشامل للاكراه و الاجبار فلا بدّ في تحققه من الارادة الناشية عن
مباديها فاذا كان من جملة مباديها التصديق بفائدة المراد و فرض ان الفائدة التى
قد صدقها كانت منحصرة بصورة خاصة فلا بد من ان يقال ان الارادة انما تعلقت
بصدورها بهذه الكيفية و عليه فما هو الصادر في الخارج يكون من حين صدورها
محدودا و مقيدا لعدم تعلق الارادة بغير المحدود و المقيد اصلا و لعله تخيل ان
مراد القائل بالتقييد في الامر الخارجى هو تقييده بعد وجوده و تحققه في الخارج
مع ان مراده هو التقييد في مرحلة قبل التحقق في الخارج بحيث كان الواقع مقيدا
من اول الامر ففى المقام إذا كان الاعطاء مشروطا بالحج فمعناه ان الاعطاء
الارادى انما تحقق مقيدا لعدم التصديق بالفائدة في غيره فهو و ان كان امرا
خارجيا الا انه صدر و تحقق مقيدا لا انه وجد ثم قيد كما لا يخفى و قد ظهر بما
ذكرنا بطلان هذا الوجه و ان منشأ
(الصفحة 194)
لغوية الشرط في المقام عدم ثبوت الولاية للمعطى بالاضافة الى تعيين المصرف اصلا
هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.
و اما الجهة الثانية فان قلنا بصحة الشرط
فاللازم وجوب القبول و وجوب الحج لانه يصدق عليه انه عرض عليه الحج و لو من
طريق الاشتراط المشروع نعم قد عرفت ان صحة الشرط تبتنى ايضا على ان يكون الحج
معدودا من مؤونة السنة في باب الخمس نظرا الى ان الزيارات كلها معدودات من
المؤونة و الا فلا يبقى مجال لهذا الاشتراط و لو قلنا بثبوت الولاية للمعطى على
تعيين المصرف و بالجملة فعلى تقدير صحة الاشتراط يجب القبول و الحج.
و اما ان قلنا بلغوية الشرط فالظاهر كما في المتن من عدم وجوب الحج ـ حينئذ ـ
لانه بعد فرض اللغوية يكون وجود هذا الشرط كالعدم فلا يصدق عنوان عرض الحج معه
خلافا لما في المستمسك من انه لو بنى على بطلان الشرط امكن ان يدعى الوجوب
بلحاظ صدق العرض فتشمله نصوص البذل فيجب عليه الحج للاستطاعة البذلية لا لصحة
الشرط، مع انك عرفت ان مرجع اللغوية الى كون وجوده كالعدم و لا مجال لصدق العرض
ـ حينئذ ـ كما لا يخفى.
و اما الجهة الثالثة فالكلام فيها تارة من
حيث وجوب القبول و عدمه و اخرى من حيث انه بعد عدم وجوب القبول إذا قبل ما
حكمه؟و قبل البحث من الحيثيتين لا بد من التنبيه على امر و هو انه لا اشكال في
هذا الفرض في صحة الشرط و لم يناقش فيها احد ممن تعرض و الوجه فيه ان اشتراط
الحج في هذا الفرض لا يرجع الى تعيين المصرف كما فى الفرض المتقدم بل الى تعيين
مصداق من مصاديق سبيل اللّه فكما ان تعيين المستحق فى ذلك الفرض كان بيده و له
الولاية عليه كذلك تعيين شىء من مصاديق سبيل اللّه و عليه لا مجال للمناقشة في
صحة الشرط في هذا الفرض و نقول بعد ذلك:
(الصفحة 195)
اما البحث من الحيثية الاولى فقد صرح بعض الاعلام ـ تبعا للسيد في العروة ـ
بوجوب القبول بناء على عدم اختصاص سبيل اللّه بالمصالح العامة و شموله لمثل
الحج من المصالح الفردية نظرا الى انه يصير بذلك مستطيعا و الظاهر ان مراده صدق
عنوان «عرض الحج» عليه لانه بعد ما كان الاشتراط في هذا الفرض جائزا و لا يكون
وجوده كالعدم يتحقق هذا العنوان فيجب عليه القبول لتحقق الاستطاعة البذلية.
و عليه فلا بد للقائل بعدم وجوب القبول المنع من تحقق العنوان في المقام و
الوجه فيه ان الظاهر من عرض الحج على شخص هو عرضه عليه لان يحج لنفسه مثل ما
إذا كان مستطيعا بالاستطاعة المالية فالحج يضاف الى من عرض عليه و له جميع ما
يترتب عليه من الثواب و الاجر و لذا لا يصدق هذا العنوان فيما إذا كان الحج
المعروض حجا استيجاريا و نيابيا مع ان ظاهر العنوان الصدق في هذه الصورة ايضا
فاذا فرض عدم الصدق فيها لوضوح عدم وجوب القبول في الحج الاستيجارى و لم يقل
احد بالوجوب فيه فالظاهر عدم الصدق في المقام ايضا لان الحج فيه بما انه مصداق
من مصاديق سبيل اللّه يكون الاتيان به مسقطا للتكليف المتوجه الى المعطى
فالاضافة في الحقيقة مرتبطة اليه و ان كان في البين ترتب الثواب بالنسبة الى
المعروض عليه ايضا لكن هذا الثواب ثابت في الحج النيابى ايضا.
و بالجملة فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا من مدخلية الحج المزبور في سقوط التكليف عن
المعطى عدم صدق العنوان المذكور فلا دليل على وجوب القبول و عليه فالحق ما في
المتن.
و اما البحث من الحيثية الثانية فالظاهر انه بعد القبول و ان كان غير واجب يجب
عليه الصرف في الحج و لا يجوز صرفه في غيره و لكن هذا الحج لا يكون حج المستطيع
لا بالاستطاعة المالية و لا بالاستطاعة البذلية اما الاولى فواضحة و اما
الثانية فلان المفروض عدم صدق العنوان المأخوذ في نصوص البذل و عليه فيكون هذا
(الصفحة 196)
مسئلة 32 ـ يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام و كذا بعده
على الاقوى، و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم سائر الهبات عليه، و لو رجع
عنه فى اثناء الطريق فلا يبعد ان يجب عليه نفقة عوده، و لو رجع بعد الاحرام فلا
يبعد وجوب بذل نفقة اتمام الحج عليه1.
الحج كالحج الواجب بالنذر و شبهه و من المعلوم انه لا يجزى عن حجة الاسلام إذا
استطاع بعدا هذا و في العبارة خلل و حقها ان يقال نعم لو اعطاه سهم من سهم سبيل
اللّه ليحج لا يجب عليه القبول و لكنه إذا قبل لا يجوز صرفه في غيره و لا يكون
من الاستطاعة المالية....فتأمل في الفرق بين العبارتين.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول الرجوع عن البذل قبل الدخول في
الاحرام و الظاهر انه لا اشكال عندهم في الجواز و هو كذلك لو كان البذل بنحو
الاباحة ضرورة ان مقتضى سلطنة الناس على اموالهم جواز الرجوع حتى فيما صرح
ابتداء ببقاء الاباحة لكان التصريح بذلك لا يمنع عن الرجوع بالاضافة الى البقاء
فهو اى المال في كل حال باختياره و تحت سلطنته فيجوز لمن قدم طعاما الى غيره
للاكل ان يرجع عن اباحته في وسط الاكل و قبل تمامه فلا اشكال في الجواز مطلقا
فيما لو كان البذل بنحو الاباحة.
و اما لو كان بنحو التمليك فظاهر اطلاقهم جواز الرجوع في هذه الصورة ايضا مع ان
الظاهر انه لم يقم دليل عليه لانه لا مجال لقاعدة السلطنة هنا بعد فرض خروجه عن
ملكه و كما ان الاصل في العقود اللزوم كذلك الاصل في الايقاعات كالعتق و نحوه و
قد قام الدليل على جواز الرجوع في الطلاق بالاضافة الى احد نوعيه و هو الطلاق
الرجعى و بالجملة لا بد من اقامة الدليل على الجواز في هذه الصورة و لم يثبت
ذلك و لعل اطلاقهم جواز الرجوع انما يكون لاجل ان المرتكز عندهم كون البذل
الايقاعى انما يكون بنحو الاباحة دون التمليك و ان صرح بالتعميم في اول مسئلة
البذل كما في المتن على ما تقدم.
|