(الصفحة 198)
الصلوة بل بطلانها كما اختاره سيدنا العلامة الاستاذ البروجردى (قدس سره) و
احتمله سيدنا المحقق الاستاذ الماتن ـ دام ظله ـ فلا يبقى مجال للحكم بوجوب
الاتمام و حرمة القطع اصلا لعدم امكان اتصاف الاجزاء الباقية بالصحة بناء على
ما ذكر.
و اما من الجهة الثانية فلانه على تقدير
تسليم الحكم في المقيس عليه نمنع ثبوت الحكم في المقام: اما لاجل عدم وجوب
الاتمام في المقام لان الحج الذى يجب اتمامه ما كان الشروع فيه بعنوان الندب او
ما كان الشروع فيه بعنوان الوجوب مع بقاء الاستطاعة و عدم زوالها و اما ما شرع
فيه عن استطاعة ثم زالت الاستطاعة قبل الاتمام بالسرقة و غيرها فالظاهر انه لا
يجب اتمامه و المقام من هذا القبيل لعدم الفرق بين الاستطاعة المالية و
الاستطاعة البذلية من هذه الجهة و بالجملة بعد ما كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز
الرجوع بعد الاحرام ايضا لم ينهض دليل في مقابلها حتى يمنع عن جريانها لان
المانع هو وجوب الاتمام و لم يدل عليه دليل في المقام.
و اما لان الاتمام على تقدير وجوبه لا يتوقف على لغوية الرجوع و عدم تأثيره
مطلقا لانه يمكن الاتمام من طريق آخر كالاستدانة و الاستيهاب و العمل للغير و
الخدمة له بالاجرة و غيرها من الطرق نعم يتوقف عليها في بعض الصور و هو ما لم
يكن له طريق الى الاتمام غير ما بذل له.
و اما لاجل انه على تقدير ثبوت التوقف دائما لا مطابقة بين الدليل و المدعى لان
المدعى هى لغوية الرجوع التى مرجعها الى لزوم ان يكون الزاد و الراحلة
المبذولتان عنده الى آخر اعمال الحج و الدليل يقتضى ضمان الباذل لمصاريف
الاتمام بلحاظ ان الاذن في الحج اذن في الاتمام و هو يتوقف على مصاريف و اللازم
على الباذل بصورة الضمان بذل تلك المصاريف و من الواضح ان الضمان امر و لغوية
الرجوع
(الصفحة 199)
امر آخر و ربما يترتب ثمرة عملية كما إذا كانت المصاريف اقل مما ينقسم على
الاتمام من المبذول كما إذا كان المبذول زائدا على مصرف الحج بضعفين او اكثر و
عليه فالدليل لا ينطبق على المدعى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تمامية
الدليل الذى اعتمد عليه المحقق النائينى (قدس سره).
و ربما يستشهد على عدم جواز الرجوع في مثل المقام بما وقع التسالم عليه من عدم
جواز رجوع المالك الاذن في رهن ملكه عن الرهن بعد تحققه و لكن يرد عليه ـ مضافا
الى انه يكون في المقامات المختلفة موارد جوزوا ـ للمالك فيها الرجوع و لم يقم
دليل على ان المقام هل يكون من قبيل الموارد الجائزة او يكون من قبيل الموارد
غير الجائزة ـ وضوح الفرق بين المقام و بين الرهن فانه هناك يكون حدوث الرهن
موجبا لتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة و مقتضى قاعدة السلطنة الثابتة له عدم
جواز التصرف في العين المرهونة بما ينافى كونها رهنا و لذا يتوقف بيع العين
المرهونة من الراهن على اجازة المرتهن كما ثبت في محله و بالجملة تصير العين
بعد الرهن متعلقة لحق الغير و اما في المقام فلم يتعلق حق من المبذول له بعد
تحقق البذل فالمقايسة في غير محلها.
ثم انه ربما يستظهر ان الوجه في توقف السيد (قدس سره) في العروة في الحكم بجواز
الرجوع في المقام مع انه افتى بجواز الرجوع في مسئلة الصلوة المذكورة في كلام
المحقق النائينى (قدس سره)هو التمسك بقاعدة الغرور المعروفة المدلول عليها
بقوله (صلى الله عليه وآله) المغرور يرجع الى من غره و هذا الحديث و ان لم يوجد
ـ على ما قاله بعض المتتبعين في الاحاديث ـ في شىء من كتب الاحاديث العامة و
الخاصة و ان اسنده الى النبى (صلى الله عليه وآله) بعض الاعاظم من الفقهاء
كالمحقق الكركى و صاحب الجواهر الا ان الدليل عليها لا ينحصر بالرواية النبوية
بل يدل عليها الاجماع و تسالم الاصحاب و السيرة
(الصفحة 200)
العقلائية و الروايات الواردة في تدليس الزوجة من جهة ارائتها حرة مع كونها امة
و من جهة العيوب المختلفة و قد وقع في بعضها التعليل بقوله (عليه السلام): كما
غر الرجل و خدعه و بالجملة لا مجال للاشكال في حجية القاعدة و كونها من القواعد
الفقهية المسلمة و قد تعرضنا لها مفصلا في كتابنا في القواعد الفقهية الا ان
الاشكال في صحة الاستدلال بها للمقام.
تارة من جهة عدم تحقق عنوان الغرور هنا لان تحققه انما هو في مثل ما إذا قدم
طعام الغير المغصوب الى ضيفه الجاهل بالحال مع ان معنى الضيافة و ظاهرها كون
الطعام لنفسه و اما في المقام فلم يتحقق من المالك الا مجرد الاباحة و هى لا
تنافى الرجوع حتى فيما لو صرح ببقائها بل الاباحة موضوع لجواز الرجوع كما ان
الطلاق الرجعى موضوع لجواز الرجوع و لا دلالة لايقاعه على انه لا يرجع و لا
يتحقق فيه الرجوع بل هو انشاء الفراق بنحو قابل للرجوع و في المقام تكون خصوصية
الاباحة في مقابل التمليك هى جواز الرجوع بمقتضى قاعدة السلطنة غير الجارية في
صورة التمليك و عليه فلا مجال لان يقال ان انشاء الاباحة ظاهر في عدم الرجوع و
تغرير للمباح له و ايقاع له في خلاف ما هو الظاهر منه.
نعم ربما يقترن التصريح بعدم الرجوع في الاباحة بانشائها و يكون مقتضى التصريح
ـ حينئذ ـ الوعد بالعدم و انه لا يخلف في وعده و ـ حينئذ ـ يتحقق التعزير لاجل
هذا التصريح لا لاجل اصل انشاء الاباحة كما لا يخفى.
و اخرى من جهة ان صدق الغرور يتوقف على علم الغار و جهل المغرور و ربما يقال
بانه يعتبر فيه زائدا على العلم قصد ايقاع المغرور في خلاف الواقع لان الغرور
من العناوين القصدية المتقومة بالقصد فاذا لم يكن الغار قاصدا للايقاع في خلاف
الواقع لا يتحقق الغرور و ان ناقشنا في اعتبار القصد فيه في كتابنا في القواعد
الفقهية و كيف كان فلا شبهة فى اعتبار علم الغار مع ان فرضه في المقام الذى
يتحقق منه البذل
(الصفحة 201)
مسئلة 33 ـ الظاهر ان ثمن الهدى على الباذل و اما الكفارات فليست على
الباذل و ان اتى بموجبها اضطرارا او جهلا او نسيانا بل على نفسه1.
للحج باختياره في غاية الندرة.
و ثالثة من جهة ما اشرنا اليه من ان مقتضى قاعدة الغرور ضمان الغار و الكلام في
المقام ليس في الضمان و عدمه بل في جواز الرجوع و لغويته و هما امر ان غير
مرتبطان فلا يكون الدليل على الضمان دليلا على لغوية الرجوع التى هى محل البحث
و الكلام.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الاقوى ما في المتن من جواز الرجوع بعد الاحرام
ايضا غاية الامر انه إذا كان الرجوع قبل الاحرام يجب عليه نفقة عوده الى وطنه و
ان كان بعد الاحرام فالمذكور في المتن وجوب نفقة الاتمام ايضا و هو يبتنى على
وجوب الاتمام على المبذول له و قد مرت المناقشة فيه هذا كله في البذل و اما
الهبة الموجبة للملكية فجواز الرجوع فيها و عدمه انما هو مثل جواز الرجوع و
عدمه في الهبات الاخرى لان المقام مصداق من مصاديقها غاية الامر وجوب القبول
هنا دون سائر المقامات و لكنه لا يوجب تغير حكم الهبة فيجوز الرجوع هنا في
موارد الجواز هناك و لا يجوز في موارد عدم الجواز كما هو ظاهر.
1 ـ الكلام في هذه المسئلة يقع في امرين:
الاول: ثمن الهدى و قد استظهر في المتن
ثبوته على الباذل و لا بد اوّلا من ملاحظة ان ثمن الهدى هل يكون جزء من
الاستطاعة المالية بحيث لا تتحقق الاستطاعة بدونه فلا يجب الحج او لا يكون جزء
منها فيجب الحج بدونه ربما يتوهم الثانى بل يظهر من بعض العبارات و لعل منشأه
ثبوت البدل للهدى و هو الصوم الذى تكون ثلاثة في الحج و سبعة بعد الرجوع فمع
ثبوت البدل له تتحقق الاستطاعة بدونه و لكن الظاهر هو الاول لان البدل حيث يكون
بدلا اضطراريا و ليس في عرض الهدى بل في طوله فمقتضى القاعدة ـ حينئذ ـ مدخليته
في الاستطاعة و بعد ذلك يقع الكلام
(الصفحة 202)
فى الاستطاعة البذلية فان كان المبذول غير مشتمل على ثمن الهدى و لكن كان
المبذول له واجدا له زائدا على مصارفه فلا اشكال ـ حينئذ ـ في تحقق الاستطاعة
الملفقة و المركبة نظرا الى ما تقدم في اوائل مبحث الاستطاعة البذلية من ثبوت
الملفقة ايضا.
و ان لم يكن المبذول له واجدا له فهو المورد لما في المتن من ثبوته على الباذل
و لكن التعبير بكلمة «على» تبعا للسيد في العروة الظاهرة في الحكم اللزومى ربما
لا ينطبق على ما تقدم من جواز الرجوع للباذل مطلقا سواء كان قبل الاحرام او
بعده الى آخر الاعمال فان الالزام لا يجتمع مع جواز الرجوع و لعله لاجل ذلك حمل
بعض الشرّاح عبارة السيد (قدس سره)على ما إذا كان البذل واجبا بنذر او شبهه او
على القول بعدم جواز الرجوع في البذل نظرا الى مثل قاعدة الغرور.
و لكن يرد عليه ان حمل العبارة على مورد وجوب البذل مع عدم الاشارة اليه في
غاية البعد كما ان ابتناء ذلك على القول بعدم جواز الرجوع بعيد جدا خصوصا
بملاحظة حكم المتن و العروة بالجواز قبلا مع انه على تقديره ينحصر مورده بما
بعد الاحرام و الكلام مطلق و الذى ظهر لى في وجه التعبير بكلمة «على» احد امرين
اما ان يكون الوجه فيه ان التعبير الذى هو القدر المتيقن في البذل في الاستطاعة
البذلية هو قول الباذل: «حج و علىّ نفقتك» فانه لو عبر الباذل بهذه العبارة و
لم يرجع في بذله يصح ان يقال بثبوت ثمن الهدى عليه على نحو اللزوم.
و اما ان يكون الوجه فيه ان المراد منه هو الضمان الذى هو حكم وضعى نظرا الى ما
تقدم من المتن من الحكم بلزوم نفقة الاتمام على تقدير الرجوع بعد الاحرام و
عليه فالمقصود هو ضمان ثمن الهدى.
و كيف كان فمقتضى ما ذكرنا في الاستطاعة المالية انه لو كان المبذول غير مشتمل
على ثمن الهدى لا يجب القبول على المبذول له ـ حينئذ ـ لعدم كفاية المبذول
لجميع مصارف الحج التى منها ثمن الهدى كما لا يخفى.
|