(الصفحة 207)
من دون قيد و شرط و لازمه عدم وجوب الحج عليه ثانيا و ان استطاع و مقتضى
الطائفة الثانية ان حجه حجة الاسلام بشرط ان لا يتحقق له الاستطاعة بعده فان
مات قبل حصول ذلك كان حجه حجة الاسلام و الا كان عليه الحج ثانيا فاختلافهما
بالاطلاق و الاشتراط قال و هذا نظير ما ورد في حق الصبى و المملوك من ان الصبى
إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام
حتى يعتق.(1) و يرد عليه عدم وضوح كون هذا النحو من الجمع جمعا
مقبولا عند العقلاء في المقام و ان كان حمل المطلق على المقيد امرا شايعا
مقبولا عندهم كما لا يخفى و استعمال حجة الاسلام في الرواية على سبيل المسامحة
بعد دلالة الادلة الكثيرة على اعتبار البلوغ و الحرية فى الوجوب الذى هو قوام
حجة الاسلام.
الثالث ما يظهر من المشهور و قد صرح به
الشيخ (قدس سره) في التهذيب من حمل الطائفة الثانية الدالة على وجوب الحج ثانيا
على الاستحباب جمعا بينها و بين الطائفة الاولى الظاهرة في الاجزاء و عدم
الوجوب.
و يرد عليه مضافا الى ان حمل الامر على الاستحباب و ان كان غير بعيد الا ان حمل
قوله (عليه السلام) عليه ان يحج او عليه الحج كما في صدر رواية الفضل و ابى
بصير على الاستحباب في غاية البعد ان ظاهر هذه الطائفة كون الحكم الثابت بعد
اليسار مختصا بمن حج عن استطاعة بذلية و انه هو الذى يأتى بالحج ثانيا مع انه
لو كان المراد هو الحج الاستحبابى لما كان ذلك مختصا به لان استحباب الحج ثابت
بالاضافة الى الجميع فتدبر.
الرابع ما ذكره صاحب الوسائل بعد نقل رواية
الفضل بن عبد الملك و بعد نقل حمل الشيخ (قدس سره) اياها على الندب و حكمه بانه
جيد من قوله: و يمكن الحمل على الوجوب الكفائى كما مر في الحج الثانى، و على
كون الحج الاول على وجه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح ـ 2
(الصفحة 208)
النيابة عن الغير كما يأتى.
و مراده من الوجوب الكفائى هو الوجوب الثابت بمقتضى ما دل على انه لا يجوز
تعطيل الكعبة و لا يجوز ان لا يشترك احد في مراسم الحج و الاتيان بمناسكه و من
الواضح كون هذين الحملين ايضا في غاية الاستبعاد.
الخامس ما افاده في المستمسك من قوله: و
العمدة وهن الخبرين بالاعراض و الهجر.
و يرد عليه ان اعراض المشهور عن الخبر و ان كان موجبا لسقوطه عن الاعتبار و ان
كان من حيث هو في غاية الصحة الا انه لا بد من احراز الاعراض و تحقق الهجر و هو
غير ثابت في المقام لانه يحتمل ان يكون الخبر ان محمولين عند المشهور على
الاستحباب بل هو الظاهر على ما ذكرنا تبعا للشيخ في كتاب التهذيب و مع هذا
الاحتمال لا يكون الاعراض بمحرز اصلا.
هذه هى وجوه الجمع و قد عرفت المناقشة في الجميع و لكن الحمل على الاستحباب
اولى من الجميع و ان لم نقل به فالظاهر تحقق المعارضة و الترجيح ـ حينئذ ـ مع
روايات الاجزاء لانها الموافقة للشهرة الفتوائية التى هى اول المرجحات في باب
المتعارضين على ما ثبت في محله فالنتيجة ـ حينئذ ـ هو القول بالاجزاء كما في
المتن هذا تمام الكلام في المقام الاول.
المقام الثانى فيما لو رجع الباذل في
الاثناء و الظاهر ان مراد المتن من كلمة «الاثناء» ليس هو اثناء مناسك الحج و
اعماله حتى يختص فرض المسئلة بخصوص هذا الفرض بل اعم منه و من الرجوع قبل
الاحرام لانه ايضا رجوع في الاثناء اى بعد الشروع الذى يتحقق بالسفر من وطنه
الى مدينة ـ مثلا ـ و يؤيده قوله: متمكنا من الحج مع انه لو كان المراد هو
اثناء الاعمال لكان المناسب ان يقول: متمكنا من اتمام الحج كما لا يخفى و كيف
كان ففى مسئلة الرجوع فرضان:
(الصفحة 209)
الاول الرجوع في المدينة ـ مثلا ـ قبل ان
يحرم و يأخذ في الاعمال و في هذا الفرض تارة لا يكون للمبذول له مال يتمكن به
من الحج و اخرى يكون له مال كذلك.
ففى الصورة الاولى لا يجب عليه الحج قطعا لانه بالرجوع ينكشف عدم كونه مستطيعا
بالاستطاعة البذلية و المفروض عدم ثبوت الاستطاعة المالية فلا مجال للزوم الحج
عليه اصلا و قد عرفت انه يجب على الباذل الراجع نفقة عوده الى وطنه.
و في الصورة الثانية الظاهر وجوب الحج عليه لتمكنه من الحج و الاتيان بمناسكه
لكن الوجوب هل يكون لاجل الاستطاعة البذلية الملفقة او لاجل الاستطاعة المالية؟
و تظهر الثمرة في الشرائط لاختلاف الاستطاعتين فيها كالرجوع الى الكفاية و
كاستثناء الدار و اثاث البيت و اشباههما حيث لا يكون ذلك معتبرا في الاستطاعة
البذلية بخلاف الاستطاعة المالية.
و يظهر من المتن ـ بناء على عمومه لفرض الرجوع قبل الاحرام كما استظهرنا منه ـ
ان هذه الصورة من قبيل الاستطاعة المالية التى يعتبر فيها الشرائط قبل الاحرام
و لكنه يمكن ان يقال بانه من قبيل الاستطاعة المركبة لانه لا فرق فيها بين ان
يكون المبذول بعض النفقة بمقدار يمكن معه الذهاب الى المدينة و العود منها و
كان البعض الاخر ملكا للمبذول له و بين ان يكون المبذول تمام النفقة و لكنه قد
رجع عن بذله في المدينة ـ مثلا ـ فان هذا الفرض ايضا كالفرض الاول تكون
الاستطاعة فيه مركبة و عليه لا يعتبر فيها الشرائط قبل الاحرام كما لا يخفى.
و بالجملة ظاهر من عمّم الاستطاعة البذلية
للاستطاعة الملفقه عدم اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة و المركبة و
هى تشمل المقام لانه نوع منها على ما ذكرنا و لكنه لا ينبغى الالتزام بعدم
اعتبار شرائط الاستطاعة المالية في الملفقة اصلا سواء كانت ببذل البعض ابتداء
او ببذل التمام ثم الرجوع كما في المقام لان عمدة الدليل في اعتبار تلك الشرائط
هى قاعدة نفى الحرج على ما تقدم في استثناء مثل
(الصفحة 210)مسئلة 35 ـ لو عين مقدارا ليحج به و اعتقد كفايته فبان عدمها فالظاهر عدم
وجوب الاتمام عليه سواء جاز الرجوع له ام لا، و لو بذل ما لا ليحج به فبان بعد
الحج انه كان مغصوبا فالاقوى عدم كفايته عن حجة الاسلام و كذا لو قال: «حج و
على نفقتك» فبذل مغصوبا1.
الدار و على ما يأتى انشاء اللّه تعالى في اعتبار الرجوع الى الكفاية و من
الواضح جريان القاعدة فيما إذا كان المبذول له واجدا لبعض النفقة ايضا فتدبر.
الثانى الرجوع في اثناء اعمال الحج و بعد
الاحرام و الفرض مبنى على القول بجواز الرجوع و تأثيره و عدم لغويته كما اختاره
الماتن ـ دام ظله الشريف ـ في بحث الرجوع سابقا و على هذا المبنى تارة يقال
بلزوم اتمام الحج عليه و ان لم يكن له من الاموال الشخصية ما يتمكن به من
الاتمام كما اختاره الماتن ايضا نظرا الى كون الباذل ضامنا لنفقة الاتمام
لقاعدة الغرور او غيرها و اخرى يقال بعدم لزوم اتمام الحج عليه إذا لم يكن له
مال يفى بذلك.
فعلى الاول يجب عليه الاتمام و الظاهر اجزائه عن حجة الاسلام لعدم خروجه عن
الحج البذلى بالرجوع بعد ثبوت ضمانه لنفقة الاتمام كما لا يخفى.
و على الثانى إذا كان له مال يفى بالاتمام يصير المفروض من الاستطاعة الملفقة و
المركبة و يجرى فيه ما تقدم في الفرض الاول من انه هل يعتبر فيها شرائط
الاستطاعة المالية ام لا و قد عرفت ان الظاهر اعتبارها و يظهر من المتن انه لا
بد من ملاحظة تحقق الشرائط قبل الاحرام و قبل الشروع في الاعمال و لكنه يمكن ان
يقال بملاحظة ما تقدم فى حج الصبى من كفاية البلوغ قبل المشعر عدم لزوم تحقق
الشرائط قبل الاحرام فتأمل جيدا.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول لو عين الباذل مقدارا ليحج المبذول له
بذلك المقدار و اعتقد الباذل
(الصفحة 211)
كفايته فبان له عدم الكفاية فهل يجب على الباذل اتمام ذلك المقدار بما يكفى
للحج ام لا يجب عليه الاتمام؟اختار في المتن عدم الوجوب مطلقا سواء كان الرجوع
في البذل جائزا للباذل ام لا و قال السيد في العروة في هذا الفرع: «وجب عليه
الاتمام في الصورة التى لا يجوز له الرجوع الا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير
كفايته» و مقتضاه وجوب الاتمام على الباذل بشرطين.
احدهما كون تبين عدم الكفاية في الحال» التى
لا يجوز فيها الرجوع كما إذا كان في اثناء المناسك و قلنا بعدم جواز الرجوع في
هذه الحالة.
ثانيهما عدم كون بذل المقدار الذى تبين عدم
كفايته مقيدا بفرض الكفاية و تقديرها فانه مع هذا التقييد الذى مرجعه الى
اشتراط البذل بصورة الكفاية فلا بذل مع عدمها كما هو المتبين لا يجب عليه
الاتمام لفرض عدم تحقق شرطه و تبين عدم الكفاية كما ان اعتبار الشرط الاول انما
هو بلحاظ انه مع جواز الرجوع و استرداد ما بذل لا مجال للحكم بوجوب الاتمام و
اما مع عدم الجواز فالدليل على وجوب الاتمام هو الدليل على عدم جواز الرجوع
فاذا لم يجز له الرجوع لاجل لزوم اتمام المناسك بعد الشروع فيها ـ مثلا ـ
فاللازم الاتمام في هذه الصورة.
و اما وجه عدم وجوب الاتمام عليه مطلقا كما في المتن فهو ان اعتقاد الكفاية
الذى هو الفرق بين ما نحن فيه و بين سائر موارد البذل التى لا يجب فيها الاتمام
لا يكون فارقا و موجبا لثبوت وجوب الاتمام و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في
ذلك فان عدم جواز الرجوع فيما بذله لاجل لزوم اتمام المناسك على المبذول له ـ
مثلا ـ لا يستلزم وجوب اتمام ما بذله الباذل و الا لكان اللازم الحكم بوجوب
الاتمام و لو مع اعتقاد عدم الكفاية من اول الامر فتدبر.
الفرع الثانى ما إذا بذل له ما لا ليحج به
كما إذا قال له: حج بهذا المال فبان بعد الحج انه كان مغصوبا فقد اختار في
المتن عدم اجزائه عن حجة الاسلام و ذكر