(الصفحة 231)
و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال: الصحة في البدن و القدرة
في ماله(1) و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو
باعتبار ان عناوين القوة في المال و القدرة فيه و اليسار لا تكاد تتحقق بدون
الرجوع المذكور.
و لكن الظاهر ـ كما افيد ـ ان هذه العناوين ذات مراتب و لا ظهور فيها في
المرتبة التى تكون زائدة على الزاد و الراحلة المفسرة بهما الاستطاعة في جملة
من الروايات المفسرة بحيث يتحقق التعارض و الاختلاف بينهما كما لا يخفى.
و منها صحيحة ذريح المحاربى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مات و لم
يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به او مرض لا يطيق فيه الحج او
سلطان يمنعه فليمت يهوديا او نصرانيا.(2)
و اورد على الاستدلال بها بان الاجحاف امر مشكك ذو مراتب و ما ورد من تفسير
الاستطاعة بالزاد و الراحلة مفسر لهذا العنوان فيعلم منها ان المراد من عدم
حصول الاجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدى آخر على
اعتبار وجدانه زائدا على ذلك.
و الجواب عن هذا الايراد ان وجدانه للزاد و الراحلة مأخوذ في موضوع المسئلة
ضرورة ان المراد من قوله من مات و لم يحج حجة الاسلام ليس مطلق من لم يحج بل
خصوص المستطيع و هو الواجد للزاد و الراحلة لا محالة و بعبارة اخرى ظاهر مفروض
السؤال ثبوت المقتضى للوجوب و تحقق المانع عن العمل بداهة ان غير المستطيع لا
يكون له مانع عن الحج بل عدم صدور الحج عنه لعدم تحقق المقتضى.
فاذا كان وجود الزاد و الراحلة مفروضا في اصل الموضوع فلا محالة يكون المراد من
الحاجة المجحفة مثل نفقة العيال في مدة الغيبة و نفقة نفسه و عياله بعد
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 12
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 1
(الصفحة 232)
الرجوع فالانصاف صحة الاستدلال بهذه الرواية لتماميتها من حيث السند و الدلالة.
و منها ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى: و للّه على الناس حج البيت
من استطاع اليه سبيلا من قوله: المروى عن ائمتنا (عليهم السلام) انه الزاد و
الراحلة و نفقة من تلزمه نفقته و الرجوع الى كفاية اما من مال او ضياع او حرفة
مع الصحة في النفس و تخلية الدرب (السرب) من الموانع و امكان المسير.(1)
و الظاهر عدم كونها رواية و لو مرسلة بل انما هو استنباط له من ملاحظة الروايات
الواردة في الباب فلا يصح للاستناد اليه بوجه.
و منها صحيحة هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات
و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق
بميراثه ان شاوا أكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(2) و مثلها صحيحة معاوية
بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان
كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قدر حج فمن ثلثه،
و من مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم
احق بما ترك فان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(3) و دلالتهما على
اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار الحكم بعدم وجوب الحج على الورثة
إذا كانت التركة بمقدار نفقة الحج فيعلم من ذلك انه يعتبر في الوجوب على المورث
امر زائد على ذلك و هو الرجوع الى الكفاية.
و لكن ورد في هذا المجال رواية اخرى و هى صحيحة ضريس الكناسى قال سئلت ابا جعفر
(عليه السلام) عن رجل عليه حجة الاسلام نذر نذرا في شكر ليحجنّ به
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 5
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس والعشرون ح ـ 4
(الصفحة 233)
رجلا الى مكة فمات الذى نذر قبل ان يحج حجة الاسلام و من قبل ان يفى بنذره الذى
نذر قال: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما
يحج به رجلا لنذره و قدوفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به
حجة الاسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه(1)
و ظاهرها تعين وجوب الحج في الفرض المذكور في الروايتين الذى حكم فيه بعدم
الوجوب و تخيير الورثة بين فعل الحج و تركه.
و لكن الظاهر ان مورد هذه الرواية بقرينة قوله: عليه حجة الاسلام صورة استقرار
الحج على الرجل و عليه فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و الروايتين حملهما على
صورة عدم الاستقرار و عليه فتدلان على اعتبار الرجوع الى الكفاية لانه لو لا
ذلك لكان اللازم على الورثة الحج مع عدم كون المتروك الا بمقدار خصوص نفقة الحج
الا ان يقال ان عدم الوجوب في الفرض المذكور ليس لاجل عدم تحقق الرجوع الى
الكفاية بل لاجل عروض الموت للمورث الكاشف عن عدم وجوب حجة الاسلام فان
المستطيع لو مات في سنة الاستطاعة قبل ان يحج لا يجب عليه حجة الاسلام و لو كان
شرط الرجوع الى الكفاية متحققا بالاضافة اليه فعدم الوجوب في مورد الرواية لعله
كان لاجل الموت لا لفقدان الرجوع اليها كما لا يخفى.
هذا و لكن الظاهر عدم اختصاص موردهما بما إذا عرض الموت في سنة الاستطاعة بل
مقتضى الاطلاق الشمول لما إذا عرض بعدها غاية الامر خلو الاستطاعة الحاصلة عن
الرجوع الى الكفاية و عليه فالفرق بين الموردين اختصاص مورد صحيحة ضريس بما إذا
استقر عليه حجة الاسلام و من الممكن اعتبار الرجوع الى الكفاية في تحقق
الاستقرار فتدبر.
هذا و لكن ربما يناقش في اصل دلالة الروايتين بان غاية مفادهما ان وجدانه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح ـ 1
(الصفحة 234)
لنفقة الحج فقط لا يكفى في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه زائدا على ذلك و اما
اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا دلالة لهما عليه فلعله يكفى كونه
واجدا لنفقة العيال الى زمان عوده الى وطنه زائدا على نفقة حجه فتدبر.
المقام الثانى في انه بعد اعتبار الرجوع الى
الكفاية في الجملة هل يجب الحج على الفقير الذى يعيش من الزكوة او على طالب
العلم الذى يعيش من سهم الامام (ع) او على السيد الذى يستحق سهم السادة و يعيش
به و امثالهم و طرح البحث فيهم يمكن ان يكون على سبيل البحث الكبروى بان كان
البحث في انه هل يعتبر فيهم الرجوع الى الكفاية ايضا او لا يعتبر فيهم كما في
الاستطاعة البذلية حيث عرفت انه لا يعتبر فيها الرجوع الى الكفاية و يمكن ان
يكون على نحو البحث الصغروى بان كان البحث في انه بعد اعتبار الرجوع الى
الكفاية مطلقا هل يتحقق الرجوع اليها بالاضافة اليهم ام لا، يستفاد من السيد في
العروة الاول كما ان ظاهر المتن هو الثانى.
و كيف كان فاللازم ملاحظة الادلة فنقول: ان قلنا بان الدليل على اصل اعتبار
الرجوع الى الكفاية هى قاعدة نفى العسر و الحرج فاللازم ان يقال بعدم اعتباره
في الموارد المذكورة و مثلها لعدم كون وجوب الحج في مثله مستلزما للعسر و الحرج
فاذا فرض ان طالبا من طلاب العلم مع كون اعاشته من طريق الرواتب التى هى من
الخمس نوعا صار مستطيعا بسبب الارث بمقدار نفقة الحج و العيال في مدة الغيبة
فقط لا يكون ايجاب الحج عليه مستلزما للعسر و الحرج بعد كون اعاشته من الرواتب
الثابتة بعد الحج ايضا.
و ان قلنا بان الدليل على اصل الاعتبار هو كون الرجوع الى الكفاية مأخوذا في
معنى الاستطاعة بحسب نظر العرف و انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فاللازم الحكم
بعدم الوجوب في الموارد المذكورة لعدم تحقق الرجوع الى الكفاية و لزوم كونه
مالكا لما يستعين به على الاعاشة بعد الرجوع و يستغنى به كما هو المفروض.
(الصفحة 235)
و ان قلنا بان الدليل هى الروايات الواردة في الباب فمقتضى رواية ابى الربيع
الشامى المتقدمة على نقل المفيد (قدس سره) ايضا عدم الوجوب لصراحتها في ان
المراد بالاستطاعة هى السعة في المال بنحو يبقى بعضا يقوت به نفسه و عياله و
ظاهرها باعتبار ذكر النفس هو القوت بعد الرجوع و من المعلوم عدم تحقق السعة
بهذا المعنى في مثل الموارد المذكورة كما لا يخفى و لكن قد عرفت عدم ثبوت هذا
النقل كما ان مقتضى ما ورد مما يدل على ان المراد من الاستطاعة هى القوة في
المال او القدرة فيه او اليسار او مثلها من التعبيرات هو عدم الوجوب بناء على
عدم تحقق هذه العناوين في مثل الموارد المذكورة لكنك عرفت انه محل تأمل و اشكال
لتفسير السعة بالزاد و الراحلة و نفقة العيال فقط في رواية ابى الربيع على نقل
المشايخ الثلاثة على ما مرّ.
هذا و قد عرفت ان العمدة في الروايات هى صحيحة ذريح المحاربى المتقدمة المشتملة
على قوله لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به و من الظاهر انه مع وجود ما يستغنى به
من مثل الزكوة و الخمس لا يكون في البين حاجة تجحف به لارتفاع حاجته به و على
ما ذكرنا فالظاهر وجوب الحج في الموارد المذكورة و مثلها كالفقير الذى يعيش
بالصدقة المستحبة بالاستعطاء و الاخذ و الاعتياد بهما كما ان الظاهر عدم
محدودية ذلك بالعمر او السنة او مثلهما بل الملاك عدم وجود الحاجة المجحفة و لو
فرض تحقق الحاجة الكذائية على خلاف العادة بعد الرجوع من الحج لا يكشف ذلك عن
عدم وجوب حجه و عدم كونه حجة الاسلام كما لا يخفى.
و قد صادف هذا الزمان مع فاجعة عظيمة و حادثة مولمة ينبغى ان يسيل لاجلها بدل
الدموع الدّم و هى المصيبة الكبرى التى ابتلى بها المسلمون في جميع اقطار
العالم بل غير المسلمين من المستضعفين و هى ارتحال سيدنا الاستاذ الاعظم الامام
الخمينى الماتن (قدس سره)بعد دورة قليلة من المرض و الكسالة الذى اضطر فيه الى
العمل