(الصفحة 251)
ثبوت الوجوب لا يتحقق وجوب الا بعد اجتماعها و يكون نقصان واحد منها كافيا فى
عدم تحقق الوجوب لان المفروض شرطية الاجتماع.
الثانى ان ارتباط الزمان و اضافته الى الحج
يكون على نحوين فان الملحوظ ان كان نفس الزمان الذى يقع فيه اعمال الحج و
مناسكه تكون مدخليته في الحج بنحو الواجب المعلق الذى افاده المورد بمعنى كونه
قيدا و دخيلا في الواجب دون الوجوب و ان كان الملحوظ الاستطاعة الزمانية التى
هى وصف المكلف لان المراد به هى قدرته على ان يأتى بالحج في زمانه من دون ان
يكون هناك حرج و مشقة فاعتبارها انما هو في الوجوب كاعتبار الاستطاعة المالية و
الاستطاعه البدنية و لا يتحقق الوجوب بدونها لان القدرة العقلية شرط لاصل ثبوت
التكليف و دليل نفى الحرج رافع لاصل الحكم في مورد ثبوت الحرج.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان مقتضى الامرين عدم وجوب الحج مع انتفاء الاستطاعة
الزمانية كعدم وجوبه مع انتفاء الاستطاعة المالية او البدنية و مع عدم وجوب
الحج لا مجال للحكم بوجوب ابقاء الاستطاعة و التحفظ عليها الى العام القابل و
الا فاللازم وجوب ابقاء الاستطاعة البدنية ايضا إذا كانت الاستطاعة المالية
منتفية و لكنه يعلم بتحققها في العام القابل لان دخالة الاستطاعتين في الوجوب
على نحو واحد خصوصا مع التصريح في كثير من الروايات المتقدمة الواردة في تفسير
الاستطاعة باعتبار كلا الامرين كما ان اللازم فيما إذا كانت الاستطاعة المالية
متحققة دون البدنية الحكم بلزوم ابقائها خصوصا في صورة العلم بتحقق الاستطاعة
البدنية في العام القابل و الظاهر عدم التزامه به.
و لا مجال لدعوى ان المراد بالاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج هى
الاستطاعة و لو بعد خمسين عاما بحيث لو علم بتحقق الاستطاعة الزمانية بعد
الخمسين يجب عليه الحج فعلا و يجب عليه حفظ الاستطاعة المالية و ابقائها في مدة
(الصفحة 252)
الخمسين فالظاهر ـ حينئذ ـ ما افاده السيد (قدس سره) في العروة و العجب انه لم
يعلق المورد على هذا المورد في تعليقاته على العروة كاكثر المحشين على ما عرفت.
الثالثة الاستطاعة السربية و اعتبارها في
وجوب الحج هو المشهور بين الفقهاء بل ادعى عليه الاجماع كما ذكره النراقى في
المستند و يدل عليه الاية الشريفة المتضمنة لقوله تعالى: من استطاع اليه سبيلا
نظرا الى ان استطاعة السبيل هى الاستطاعة السربية و لا اقل من شموله لهذه
الاستطاعة كما يدل عليه جملة من الروايات المتقدمة الدالة على ان تخلية السرب
مأخوذة في الاستطاعة في رديف صحة البدن و الزاد و الراحلة و السرب بفتح السين
المهملة و قد تكسر بمعنى الطريق فلا اشكال في اعتبارها و عليه فلو كان في
الطريق مانع من الوصول الى الميقات او الى مواضع الاعمال الاخر كمكة و عرفات و
منى و نحوها لا يجب الحج من اول الامر نعم لو عرض المانع في الاثناء فهو من
المصدود الذى يأتى حكمه بعدا.
و الحق في المتن بذلك في عدم الوجوب ما لو كان خائفا على نفسه او بدنه او عرضه
او ماله و كان الطريق منحصرا به او كان جميع الطرق كذلك و الظاهر ان ملاك
الالحاق ليس هو شمول عدم تخلية السرب لصورة الخوف المذكور و عدم الا من فانه
مضافا الى ان التخلية و عدمها امران واقعيان و الاستطاعة السربية تكون كسائر
الاستطاعات من جهة الواقعية و لا ترتبط بالاحتمال الذى مورده النفس تكون تخلية
السرب امرا لانه عبارة عن عدم ثبوت المانع من الوصول الى الميقات او الى تمام
الاعمال و الخطر خصوصا إذا لم يكن على النفس امرا آخر.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان خوف الضرر بنفسه كما قد يستفاد
من بعض الروايات طريق عقلائى الى الضرر و لا يلزم ان يكون الضرر معلوما جزما بل
جرت سيرة العقلاء على الاجتناب عن محتمل الضرر فالحكم في مورد خوف الضرر مرفوع
واقعا حتى لو انكشف الخلاف و تبين عدم وجود المانع في الطريق
(الصفحة 253)
و قد ذكر في المستمسك: «ان الحكم هنا ظاهرى فان موضوع الحكم الواقعى بعدم
الوجوب لعدم الاستطاعة هو عدم تخلية السرب واقعا فمع الشك لا يحرز الحكم
الواقعى بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا نعم مع احتمال تلف النفس لما كان
يحرم السفر يكون الحكم الظاهرى بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعى بانتفاء
الاستطاعة و انتفاء وجوب الحج لكن لا لاجل تخلية السرب بل للحرمة الظاهرية
المانعة عن القدرة على السفر اما مع احتمال تلف المال او غيره مما لا يكون
الاقدام معه حراما فالاصول و القواعد العقلائية المرخصة في ترك السفر تكون من
قيل الحجة على انتفاء تخلية السرب و لاجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر
وجود الحجة على عدم وجوبه من اصل عقلائى او امارة كذلك تقتضى الترخيص في تركه و
عليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا انتهى موضوع الحاجة من كلامه
زيد في علو شأنه و مقامه.
و يرد عليه ان ما افاده في صورة الخوف على النفس مبنى على اعتبار القدرة
الشرعية غير المتحققة مع ثبوت الحرمة في الحج و وجوبه و قد مر و يأتى عدم
اعتبارها في الوجوب اصلا و ان الاستطاعة المعتبرة في الوجوب تجتمع مع توقف الحج
على الاتيان بالمحرم لكنه تتحقق المزاحمة حينئذ و الترجيح مع ما هو اهم كما
سيأتى و ان التفصيل بين هذه الصورة و بين صورة الخوف على غير النفس من جهة
انتفاء تخلية السرب في الاخيرة و عدم انتفائها في الاولى مما لا يقبله الذوق
الفقهى اصلا.
و اما ما افاده بعض الاعلام مما تقدم فيرد عليه ان وجوب دفع الضرر المحتمل ان
كان فى مورد العقاب المحتمل فهو و ان كان مسلما الا انه يرجع الى الاحتياط
اللازم في مورد احتمال العقاب و يكون من الاصول العملية و الاحكام الظاهرية و
ان كان في مورد الضرر غير العقاب فهو مع انه محل اشكال و مناقشة لعدم الدليل
على الوجوب و لو عند العقلاء لا يكون على تقديره الاّ اصلا عقلائيا و لا مجال
لدعوى
(الصفحة 254)
كون احتمال الضرر و ان كان احتمالا عقلائيا طريقا لثبوت الضرر الواقعى المرفوع
بقاعدة نفى الضرر ضرورة ان موضوع القاعدة هو ما إذا كان الضرر محققا ثابتا مع
انه قد ذكرنا مرارا ان قاعدة لا ضرر اجنبية عن الاحكام الفقهية بل هو حكم
حكومتى صادر من النبى صلّى اللّه عليه و اله بما انه حاكم على المسلمين و
التحقيق في محله.
و كيف كان فظاهر اطلاق المتن انه لا فرق في المال الذى يخاف عليه بين القليل و
الكثير كما ربما ظهر من معقد الاجماع المحكى عن التذكرة و نفى الخلاف في محكى
الحدائق و لكنه ذكر صاحب الجواهر انه لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف
اتجه الوجوب ـ حينئذ و كان ذلك كزيادة اثمان الالأت على الاقوى بل حكى فيه عن
كشف اللثام عدم السقوط و ان خاف على كل ما يملكه سواء قيل باشتراط الرجوع الى
الكفاية او قيل بعدمها لانه بالاستطاعة قد دخل في العمومات و خوف التلف غير
التلف و غاية ما يلزمه ان يؤخذ ماله فيرجع.
هذا و لكن التفصيل الذى ذكره صاحب الجواهر وجيه.
بقى في هذه المسئلة فرعان:
احدهما ما لو كان طريق الا بعد مأمونا و قد
حكم في المتن بوجوب الذهاب منه و الوجه فيه ان اقربية الطريق لا دخالة لها في
وجوب الحج نعم لا بد من فرض المسئلة فيما إذا كانت الاستطاعة بقدر الطريق الا
بعد ضرورة انه لو لم تكن بهذا المقدار لا يجب عليه الذهاب منه.
ثانيهما ما لو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه
الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه و قد حكم فيه ايضا
بعدم الوجوب و هذا الفرع بالنحو المفروض في المتن لا يرد على الحكم بعدم الوجوب
فيه شىء و اما بالنحو المذكور في العروة الخالى عن قيد: لا تعد طريقا اليه فيرد
عليه اشكال بعض الشروح فانه لو لم يكن البلاد البعيدة بحيث لا تعد طريقا اليه
لا وجه للحكم بعدم وجوب
(الصفحة 255)
مسئلة 43 ـ لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون
تحمله حرجا عليه لم يجب، و لو استلزم ترك واجب اهم منه او فعل حرام كذلك يقدم
الاهم لكن إذا خالف و حج صح و اجزئه عن حجة الاسلام و لو كان في الطريق ظالم لا
يندفع الا بالمال فان كان مانعا عن العبور و لم يكن السرب مخلى عرفا و لكن يمكن
تخليته بالمال لا يجب، و ان لم يكن كذلك لكن يأخذ من كل عابر شيئا يجب الا إذا
كان دفعه حرجيا1.
الحج حينئذ و الاستدلال له بعدم صدق تخلية السرب كما في العروة غير صحيح لان
المفروض عدم وجود المانع في العبور بهذا النحو و الدوران في بلاد بعيدة و مجرد
البعد لا يقتضى انتفاء تخلية السرب كما لا يخفى و اما مع القيد المذكور في
المتن فلا موقع للاشكال اصلا لان المفروض انه ليس في البين طريق عرفا حتى يكون
مخلى ام لا فالحكم مع هذا القيد ظاهر.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول ما لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال
له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه و الحكم فيه عدم الوجوب كما في جميع
الموارد التى يستلزم الحج الحرج فان وجوبه منفى بقاعدة نفى الحرج هذا على مبنى
الماتن (قدس سره) من ان دليل نفى الضرر غير مرتبط بالحكم الفقهى بل هو حكم
مولوى ناش عن مقام حكومة النبى (صلى الله عليه وآله) و اما على مبنى المشهور من
ان الدليل المذكور رافع للاحكام الضررية في رديف دليل نفى الحرج فلا يحتاج الى
القيد الاخير و هو كون تحمله حرجا عليه بل يكفى كون المال معتدا به يكون تلفه
مضرا بحاله و ان لم يكن حرجا كما عنونه في العروة كذلك و ان اورد عليه بان الحج
من الاحكام الضررية التى لا يجرى فيها دليل نفى الضرر لانه من التكاليف المبنية
على الضرر كالزكوة و الخمس و الجهاد و نحوها تكون ادلتها مخصصة لدليل نفى
الضرر.
و لكنه اجيب عن الايراد المذكور بان الحج و ان كان حكما ضرريا في نفسه
|