(الصفحة 253)
و قد ذكر في المستمسك: «ان الحكم هنا ظاهرى فان موضوع الحكم الواقعى بعدم
الوجوب لعدم الاستطاعة هو عدم تخلية السرب واقعا فمع الشك لا يحرز الحكم
الواقعى بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا نعم مع احتمال تلف النفس لما كان
يحرم السفر يكون الحكم الظاهرى بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعى بانتفاء
الاستطاعة و انتفاء وجوب الحج لكن لا لاجل تخلية السرب بل للحرمة الظاهرية
المانعة عن القدرة على السفر اما مع احتمال تلف المال او غيره مما لا يكون
الاقدام معه حراما فالاصول و القواعد العقلائية المرخصة في ترك السفر تكون من
قيل الحجة على انتفاء تخلية السرب و لاجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر
وجود الحجة على عدم وجوبه من اصل عقلائى او امارة كذلك تقتضى الترخيص في تركه و
عليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا انتهى موضوع الحاجة من كلامه
زيد في علو شأنه و مقامه.
و يرد عليه ان ما افاده في صورة الخوف على النفس مبنى على اعتبار القدرة
الشرعية غير المتحققة مع ثبوت الحرمة في الحج و وجوبه و قد مر و يأتى عدم
اعتبارها في الوجوب اصلا و ان الاستطاعة المعتبرة في الوجوب تجتمع مع توقف الحج
على الاتيان بالمحرم لكنه تتحقق المزاحمة حينئذ و الترجيح مع ما هو اهم كما
سيأتى و ان التفصيل بين هذه الصورة و بين صورة الخوف على غير النفس من جهة
انتفاء تخلية السرب في الاخيرة و عدم انتفائها في الاولى مما لا يقبله الذوق
الفقهى اصلا.
و اما ما افاده بعض الاعلام مما تقدم فيرد عليه ان وجوب دفع الضرر المحتمل ان
كان فى مورد العقاب المحتمل فهو و ان كان مسلما الا انه يرجع الى الاحتياط
اللازم في مورد احتمال العقاب و يكون من الاصول العملية و الاحكام الظاهرية و
ان كان في مورد الضرر غير العقاب فهو مع انه محل اشكال و مناقشة لعدم الدليل
على الوجوب و لو عند العقلاء لا يكون على تقديره الاّ اصلا عقلائيا و لا مجال
لدعوى
(الصفحة 254)
كون احتمال الضرر و ان كان احتمالا عقلائيا طريقا لثبوت الضرر الواقعى المرفوع
بقاعدة نفى الضرر ضرورة ان موضوع القاعدة هو ما إذا كان الضرر محققا ثابتا مع
انه قد ذكرنا مرارا ان قاعدة لا ضرر اجنبية عن الاحكام الفقهية بل هو حكم
حكومتى صادر من النبى صلّى اللّه عليه و اله بما انه حاكم على المسلمين و
التحقيق في محله.
و كيف كان فظاهر اطلاق المتن انه لا فرق في المال الذى يخاف عليه بين القليل و
الكثير كما ربما ظهر من معقد الاجماع المحكى عن التذكرة و نفى الخلاف في محكى
الحدائق و لكنه ذكر صاحب الجواهر انه لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف
اتجه الوجوب ـ حينئذ و كان ذلك كزيادة اثمان الالأت على الاقوى بل حكى فيه عن
كشف اللثام عدم السقوط و ان خاف على كل ما يملكه سواء قيل باشتراط الرجوع الى
الكفاية او قيل بعدمها لانه بالاستطاعة قد دخل في العمومات و خوف التلف غير
التلف و غاية ما يلزمه ان يؤخذ ماله فيرجع.
هذا و لكن التفصيل الذى ذكره صاحب الجواهر وجيه.
بقى في هذه المسئلة فرعان:
احدهما ما لو كان طريق الا بعد مأمونا و قد
حكم في المتن بوجوب الذهاب منه و الوجه فيه ان اقربية الطريق لا دخالة لها في
وجوب الحج نعم لا بد من فرض المسئلة فيما إذا كانت الاستطاعة بقدر الطريق الا
بعد ضرورة انه لو لم تكن بهذا المقدار لا يجب عليه الذهاب منه.
ثانيهما ما لو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه
الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه و قد حكم فيه ايضا
بعدم الوجوب و هذا الفرع بالنحو المفروض في المتن لا يرد على الحكم بعدم الوجوب
فيه شىء و اما بالنحو المذكور في العروة الخالى عن قيد: لا تعد طريقا اليه فيرد
عليه اشكال بعض الشروح فانه لو لم يكن البلاد البعيدة بحيث لا تعد طريقا اليه
لا وجه للحكم بعدم وجوب
(الصفحة 255)
مسئلة 43 ـ لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون
تحمله حرجا عليه لم يجب، و لو استلزم ترك واجب اهم منه او فعل حرام كذلك يقدم
الاهم لكن إذا خالف و حج صح و اجزئه عن حجة الاسلام و لو كان في الطريق ظالم لا
يندفع الا بالمال فان كان مانعا عن العبور و لم يكن السرب مخلى عرفا و لكن يمكن
تخليته بالمال لا يجب، و ان لم يكن كذلك لكن يأخذ من كل عابر شيئا يجب الا إذا
كان دفعه حرجيا1.
الحج حينئذ و الاستدلال له بعدم صدق تخلية السرب كما في العروة غير صحيح لان
المفروض عدم وجود المانع في العبور بهذا النحو و الدوران في بلاد بعيدة و مجرد
البعد لا يقتضى انتفاء تخلية السرب كما لا يخفى و اما مع القيد المذكور في
المتن فلا موقع للاشكال اصلا لان المفروض انه ليس في البين طريق عرفا حتى يكون
مخلى ام لا فالحكم مع هذا القيد ظاهر.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول ما لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال
له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه و الحكم فيه عدم الوجوب كما في جميع
الموارد التى يستلزم الحج الحرج فان وجوبه منفى بقاعدة نفى الحرج هذا على مبنى
الماتن (قدس سره) من ان دليل نفى الضرر غير مرتبط بالحكم الفقهى بل هو حكم
مولوى ناش عن مقام حكومة النبى (صلى الله عليه وآله) و اما على مبنى المشهور من
ان الدليل المذكور رافع للاحكام الضررية في رديف دليل نفى الحرج فلا يحتاج الى
القيد الاخير و هو كون تحمله حرجا عليه بل يكفى كون المال معتدا به يكون تلفه
مضرا بحاله و ان لم يكن حرجا كما عنونه في العروة كذلك و ان اورد عليه بان الحج
من الاحكام الضررية التى لا يجرى فيها دليل نفى الضرر لانه من التكاليف المبنية
على الضرر كالزكوة و الخمس و الجهاد و نحوها تكون ادلتها مخصصة لدليل نفى
الضرر.
و لكنه اجيب عن الايراد المذكور بان الحج و ان كان حكما ضرريا في نفسه
(الصفحة 256)
لكن بالنسبة الى المقدار اللازم مما يقتضيه طبع الحج و اما الضرر الزائد عن ذلك
الذى ليس من شؤون الحج و لا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له و لا مانع من شمول
دليل نفى الضرر له.
الثانى ما لو استلزم الحج ترك واجب او فعل
حرام و قد مر ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج هى الاستطاعة الجامعة
للااستطاعات الاربعة المتقدمة التى هى امور واقعية و ليست الاستطاعة الشرعية
معتبرة فيه زائدة على الاستطاعة الجامعة المذكورة و ـ ح ـ فمع تحقق هذه
الاستطاعة يتنجز التكليف بالحج فان كان الحج مستلزما لتركب واجب او فعل حرام
فاللازم اجراء قواعد باب التزاحم بينهما من ترجيح ما هو الاهم قطعا او محتمل
الاهمية و التخيير في غير الصورتين فاذا استلزم الحج لتلف نفس محترمة فلا اشكال
في تقدم وجوب حفظ النفس على وجوب الحج و إذا استلزم ترك صلة الرحم ـ مثلا ـ فلا
شبهة في تقدم وجوب الحج على وجوبها و هكذا لا بد من ملاحظة ما هو الاهم و
ترجيحه على غيره و التخيير في صورة التساوى المطلق.
ثم انه قد حقق في الاصول انه لو خالف الامر بالاهم و اشتغل بالمهم و كان عبادة
كما فى المثال المعروف و هى الصلوة و الازالة تكون العبادة صحيحة اما لوجود
ملاك الامر فيها و اما لاجل صحة الترتب و امكانه المقتضى لصحة العبادة و لو على
القول بافتقارها الى الامر الفعلى او بنحو ثالث حققه الماتن (قدس سره) في علم
الاصول.
و كيف كان فمع المخالفة و الاشتغال بالحج لا
موقع للاشكال في صحته بل يصح و يجزى عن حجة الاسلام كما لا يخفى.
الثالث ما إذا كان في الطريق ظالم لا يندفع
الا بالمال و قد فرض فيه فرضين:
احدهما ما إذا كان غرض الظالم و هدفه مجرد
المنع عن العبور و عليه فلا يكون السرب مخلى لوجود الظالم المانع من العبور و
لكن يمكن تخليته بالمال و الحكم فيه عدم دفع المال لتحقق التخلية لان تحصيل
التخلية كتحصيل الاستطاعة المالية و مثلها
(الصفحة 257)
مسئلة 44 ـ لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه لم يجز عن حجة الاسلام،
و كذا لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف، و لو اعتقد عدم الضرر او الحرج
فبان الخلاف فان كان الضرر نفسيا او ماليا بيغ حد الحرج او كان الحج حرجيا ففى
كفايته اشكال بل عدمها لا يخلو من وجه، و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج
فغير مانع عن وجوب الحج، نعم لو تحمل الضرر و الحرج حتى بلغ الميقات فارتفع
الضرر و الحرج و صار مستطيعا فالاقوى كفايته.و لو اعتقد عدم المزاحم الشرعى
الاهم فحج فبان الخلاف صح، و لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه ففيه
تفصيل مر نظيره و لو تركه مع بقاء الشرائط الى تمام الاعمال استقر عليه و يحتمل
اشتراط بقائها الى زمان امكان العود الى محله على اشكال.و ان اعتقد عدم كفاية
ماله عن حجة الاسلام فتركها فبان الخلاف استقر عليه مع وجود سائر الشرائط، و ان
اعتقد المانع من العدو او الحرج او الضرر المستلزم له فترك فبان الخلاف فالظاهر
استقراره عليه سيما في الحرج، و ان اعتقد وجود مزاحم شرعى اهم فترك فبان الخلاف
استقر عليه1.
لا يكون واجبا لانه لا يجب تحصيل شرط التكليف.
ثانيهما ما إذا كان السرب مخلى و لكن غرض
الظالم و هدفه اخذ المال من دون ان يكون المنع عن العبور مقصودا فيأخذ من كل
عابر شيئا و الحكم فيه وجوب دفع المال فيما إذا لم يكن حرجا و موجبا لوقوعه في
المشقة و العسر.
و الفرق بين الفرضين واضح فان الغرض في الاول عبارة عن المنع عن العبور و في
الثانى عبارة عن اخذ المال و لذا لو لم يدفع اليه مال و رجع العابر عن الطريق
يتحقق الغرض في الاول دون الثانى فلا مجال لتوهم انه لا فرق بين الفرضين لتوقف
العبور على دفع المال في كليهما.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لفروع كثيرة تجمعها احدى الضابطتين:
|