(الصفحة 254)
كون احتمال الضرر و ان كان احتمالا عقلائيا طريقا لثبوت الضرر الواقعى المرفوع
بقاعدة نفى الضرر ضرورة ان موضوع القاعدة هو ما إذا كان الضرر محققا ثابتا مع
انه قد ذكرنا مرارا ان قاعدة لا ضرر اجنبية عن الاحكام الفقهية بل هو حكم
حكومتى صادر من النبى صلّى اللّه عليه و اله بما انه حاكم على المسلمين و
التحقيق في محله.
و كيف كان فظاهر اطلاق المتن انه لا فرق في المال الذى يخاف عليه بين القليل و
الكثير كما ربما ظهر من معقد الاجماع المحكى عن التذكرة و نفى الخلاف في محكى
الحدائق و لكنه ذكر صاحب الجواهر انه لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف
اتجه الوجوب ـ حينئذ و كان ذلك كزيادة اثمان الالأت على الاقوى بل حكى فيه عن
كشف اللثام عدم السقوط و ان خاف على كل ما يملكه سواء قيل باشتراط الرجوع الى
الكفاية او قيل بعدمها لانه بالاستطاعة قد دخل في العمومات و خوف التلف غير
التلف و غاية ما يلزمه ان يؤخذ ماله فيرجع.
هذا و لكن التفصيل الذى ذكره صاحب الجواهر وجيه.
بقى في هذه المسئلة فرعان:
احدهما ما لو كان طريق الا بعد مأمونا و قد
حكم في المتن بوجوب الذهاب منه و الوجه فيه ان اقربية الطريق لا دخالة لها في
وجوب الحج نعم لا بد من فرض المسئلة فيما إذا كانت الاستطاعة بقدر الطريق الا
بعد ضرورة انه لو لم تكن بهذا المقدار لا يجب عليه الذهاب منه.
ثانيهما ما لو كان الجميع مخوفا لكن يمكنه
الوصول اليه بالدوران في بلاد بعيدة نائية لا تعد طريقا اليه و قد حكم فيه ايضا
بعدم الوجوب و هذا الفرع بالنحو المفروض في المتن لا يرد على الحكم بعدم الوجوب
فيه شىء و اما بالنحو المذكور في العروة الخالى عن قيد: لا تعد طريقا اليه فيرد
عليه اشكال بعض الشروح فانه لو لم يكن البلاد البعيدة بحيث لا تعد طريقا اليه
لا وجه للحكم بعدم وجوب
(الصفحة 255)
مسئلة 43 ـ لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال له معتد به بحيث يكون
تحمله حرجا عليه لم يجب، و لو استلزم ترك واجب اهم منه او فعل حرام كذلك يقدم
الاهم لكن إذا خالف و حج صح و اجزئه عن حجة الاسلام و لو كان في الطريق ظالم لا
يندفع الا بالمال فان كان مانعا عن العبور و لم يكن السرب مخلى عرفا و لكن يمكن
تخليته بالمال لا يجب، و ان لم يكن كذلك لكن يأخذ من كل عابر شيئا يجب الا إذا
كان دفعه حرجيا1.
الحج حينئذ و الاستدلال له بعدم صدق تخلية السرب كما في العروة غير صحيح لان
المفروض عدم وجود المانع في العبور بهذا النحو و الدوران في بلاد بعيدة و مجرد
البعد لا يقتضى انتفاء تخلية السرب كما لا يخفى و اما مع القيد المذكور في
المتن فلا موقع للاشكال اصلا لان المفروض انه ليس في البين طريق عرفا حتى يكون
مخلى ام لا فالحكم مع هذا القيد ظاهر.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول ما لو استلزم الذهاب الى الحج تلف مال
له معتد به بحيث يكون تحمله حرجا عليه و الحكم فيه عدم الوجوب كما في جميع
الموارد التى يستلزم الحج الحرج فان وجوبه منفى بقاعدة نفى الحرج هذا على مبنى
الماتن (قدس سره) من ان دليل نفى الضرر غير مرتبط بالحكم الفقهى بل هو حكم
مولوى ناش عن مقام حكومة النبى (صلى الله عليه وآله) و اما على مبنى المشهور من
ان الدليل المذكور رافع للاحكام الضررية في رديف دليل نفى الحرج فلا يحتاج الى
القيد الاخير و هو كون تحمله حرجا عليه بل يكفى كون المال معتدا به يكون تلفه
مضرا بحاله و ان لم يكن حرجا كما عنونه في العروة كذلك و ان اورد عليه بان الحج
من الاحكام الضررية التى لا يجرى فيها دليل نفى الضرر لانه من التكاليف المبنية
على الضرر كالزكوة و الخمس و الجهاد و نحوها تكون ادلتها مخصصة لدليل نفى
الضرر.
و لكنه اجيب عن الايراد المذكور بان الحج و ان كان حكما ضرريا في نفسه
(الصفحة 256)
لكن بالنسبة الى المقدار اللازم مما يقتضيه طبع الحج و اما الضرر الزائد عن ذلك
الذى ليس من شؤون الحج و لا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له و لا مانع من شمول
دليل نفى الضرر له.
الثانى ما لو استلزم الحج ترك واجب او فعل
حرام و قد مر ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج هى الاستطاعة الجامعة
للااستطاعات الاربعة المتقدمة التى هى امور واقعية و ليست الاستطاعة الشرعية
معتبرة فيه زائدة على الاستطاعة الجامعة المذكورة و ـ ح ـ فمع تحقق هذه
الاستطاعة يتنجز التكليف بالحج فان كان الحج مستلزما لتركب واجب او فعل حرام
فاللازم اجراء قواعد باب التزاحم بينهما من ترجيح ما هو الاهم قطعا او محتمل
الاهمية و التخيير في غير الصورتين فاذا استلزم الحج لتلف نفس محترمة فلا اشكال
في تقدم وجوب حفظ النفس على وجوب الحج و إذا استلزم ترك صلة الرحم ـ مثلا ـ فلا
شبهة في تقدم وجوب الحج على وجوبها و هكذا لا بد من ملاحظة ما هو الاهم و
ترجيحه على غيره و التخيير في صورة التساوى المطلق.
ثم انه قد حقق في الاصول انه لو خالف الامر بالاهم و اشتغل بالمهم و كان عبادة
كما فى المثال المعروف و هى الصلوة و الازالة تكون العبادة صحيحة اما لوجود
ملاك الامر فيها و اما لاجل صحة الترتب و امكانه المقتضى لصحة العبادة و لو على
القول بافتقارها الى الامر الفعلى او بنحو ثالث حققه الماتن (قدس سره) في علم
الاصول.
و كيف كان فمع المخالفة و الاشتغال بالحج لا
موقع للاشكال في صحته بل يصح و يجزى عن حجة الاسلام كما لا يخفى.
الثالث ما إذا كان في الطريق ظالم لا يندفع
الا بالمال و قد فرض فيه فرضين:
احدهما ما إذا كان غرض الظالم و هدفه مجرد
المنع عن العبور و عليه فلا يكون السرب مخلى لوجود الظالم المانع من العبور و
لكن يمكن تخليته بالمال و الحكم فيه عدم دفع المال لتحقق التخلية لان تحصيل
التخلية كتحصيل الاستطاعة المالية و مثلها
(الصفحة 257)
مسئلة 44 ـ لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان خلافه لم يجز عن حجة الاسلام،
و كذا لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان الخلاف، و لو اعتقد عدم الضرر او الحرج
فبان الخلاف فان كان الضرر نفسيا او ماليا بيغ حد الحرج او كان الحج حرجيا ففى
كفايته اشكال بل عدمها لا يخلو من وجه، و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج
فغير مانع عن وجوب الحج، نعم لو تحمل الضرر و الحرج حتى بلغ الميقات فارتفع
الضرر و الحرج و صار مستطيعا فالاقوى كفايته.و لو اعتقد عدم المزاحم الشرعى
الاهم فحج فبان الخلاف صح، و لو اعتقد كونه غير بالغ فحج ندبا فبان خلافه ففيه
تفصيل مر نظيره و لو تركه مع بقاء الشرائط الى تمام الاعمال استقر عليه و يحتمل
اشتراط بقائها الى زمان امكان العود الى محله على اشكال.و ان اعتقد عدم كفاية
ماله عن حجة الاسلام فتركها فبان الخلاف استقر عليه مع وجود سائر الشرائط، و ان
اعتقد المانع من العدو او الحرج او الضرر المستلزم له فترك فبان الخلاف فالظاهر
استقراره عليه سيما في الحرج، و ان اعتقد وجود مزاحم شرعى اهم فترك فبان الخلاف
استقر عليه1.
لا يكون واجبا لانه لا يجب تحصيل شرط التكليف.
ثانيهما ما إذا كان السرب مخلى و لكن غرض
الظالم و هدفه اخذ المال من دون ان يكون المنع عن العبور مقصودا فيأخذ من كل
عابر شيئا و الحكم فيه وجوب دفع المال فيما إذا لم يكن حرجا و موجبا لوقوعه في
المشقة و العسر.
و الفرق بين الفرضين واضح فان الغرض في الاول عبارة عن المنع عن العبور و في
الثانى عبارة عن اخذ المال و لذا لو لم يدفع اليه مال و رجع العابر عن الطريق
يتحقق الغرض في الاول دون الثانى فلا مجال لتوهم انه لا فرق بين الفرضين لتوقف
العبور على دفع المال في كليهما.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لفروع كثيرة تجمعها احدى الضابطتين:
(الصفحة 258)
اعتقاد وجود بعض الشرائط مع كونه مفقودا في الواقع و الانكشاف بعد الحج، و
اعتقاد فقد بعض الشرائط مع كونه موجودا في الواقع كذلك.
الاول: ما لو اعتقد كونه بالغا فحج ثم بان
الخلاف و الحكم فيه عدم كونه مجزيا عن حجة الاسلام لان المفروض ان ما اتى به لم
يكن واجدا لشرائطها لعدم وقوعه في حال البلوغ فلا محالة يقع ندبا ـ بناء على
مشروعية عبادات الصبى كما هو مقتضى التحقيق ـ و الحج الندبى لا يجزى عن حجة
الاسلام التى هى حج واجب باصل الشرع و بعبارة اخرى بعد ما صار بالغا و كان سائر
الشرائط موجودا يكون مقتضى اطلاق الكتاب و السنة وجوب الحج عليه و ليس في
مقابله ما يدل على العدم فاللازم حينئذ الحكم بعدم الاجزاء.
الثانى: ما لو اعتقد كونه مستطيعا مالا فبان
الخلاف و قد سوى الماتن (قدس سره) بينه و بين الفرع الاول في الحكم بعدم
الاجزاء و لكن السيد (قدس سره) في العروة بعد الحكم في الفرع الاول بان الظاهر
بل المقطوع عدم اجزائه عن حجة الاسلام ذكر في هذا الفرع ان في اجزائه عن حجة
الاسلام و عدمه وجهين: من فقد الشرائط واقعا و من ان القدر المسلم من عدم اجزاء
حج غير المستطيع عن حجة الاسلام غير هذه الصورة.
و كانه (قدس سره) تخيل ان الحكم بعدم الاجزاء حكم مخالف للقاعدة يقتصر فيه على
المقدار الذى دل الدليل عليه و حيث ان الدليل في المقام هو الاجماع و هو دليل
لبى يقتصر فيه على القدر المسلم و هو ما إذا كان الحج المأتى به متصفا بعنوان
الاستحباب واقعا و اعتقادا و اما المقام الذى يكون الاعتقاد على خلاف الواقع
فلا يعلم بشمول الاجماع له فيحكم بالاجزاء على وفق القاعدة.
مع انك عرفت ان الحكم بعدم الاجزاء حكم موافق للقاعدة و منشأه اطلاق الكتاب و
السنة الحاكم بلزوم الحج على المستطيع و ان تحقق منه الحج قبل الاستطاعة
|