(الصفحة 260)
المطابقة حتى ينافى الامتنان بل مفاده عدم جعل الحكم اللزومى على الناس و هو
بنفسه امر امتنانى لا ترديد فيه و اما كون لازمه بناء على المبنى الثانى هو
البطلان فلا ينافى دلالة القاعدة عليه بوجه كما لا يخفى و ثانيا و هو المهم ان
غاية الامر عدم دلالة القاعدة على البطلان و كون لازم الامتنان هى الصحة
المناسبة معه لكن الكلام في المقام في الامر الزائد على الصحة و هو الاجزاء
فمجرد عدم دلالتها على البطلان بل اقتضائها الصحة لا يستلزم الاجزاء لعدم
الملازمة بينهما فان الحج الندبى يكون صحيحا و لا يكون مجزيا عن حجة الاسلام و
هذا بخلاف الوضوء الضررى و الحرجى فان صحته تستلزم جواز الاكتفاء به في الصلوة
و مثلها.
و بالجملة المدعى هو الاجزاء و الدليل لا يثبت الاّ الصحة و لا ملازمة بينهما
اصلا و قد عرفت ان القاعدة تقتضى عدم الاجزاء و الاجزاء يحتاج الى الدليل و مع
فقده لا مجال للالتزام به اصلا هذا كله فيما يتعلق بالحرج.
و اما من جهة الضرر فالكلام فيه مثل الحرج على مبنى المشهور و اما بناء على
مختار الماتن (قدس سره) في قاعدة نفى الضرر على ما عرفت فيرد عليه ان المراد من
الضرر النفسى فى المتن ماذا بعد انه لا شبهة في اختصاص قيد الحرج بالضرر المالى
كما يدل عليه قوله بعده و اما الضرر المالى غير البالغ حد الحرج فان كان المراد
به ما يشمل الضرر البدنى ايضا من جرح او قطع عضو او نحوهما كما يؤيده عطف الضرر
المالى عليه فيرد عليه انه ما الدليل على عدم وجوب الحج مع وجود هذا الضرر إذا
لم يكن حرجيا كما هو مقتضى الاطلاق فيصير ذلك مثل الضرر المالى غير البالغ حد
الحرج غير مانع عن وجوب الحج و اعتقاد خلافه غير قادح في الوجوب.
و ان كان المراد به ما يختص بتلف النفس و ان كان يبعده ظهور الخلاف بعد الحج
المفروض في صورة المسئلة فانه لا يجتمع مع مثله كما هو ظاهر فلزوم ترك
(الصفحة 261)
الحج معه انما هو لاجل التزاحم على ما عرفت و قد حكم في المتن بعد ذلك بان
الحكم فيه مع اعتقاد الخلاف هى الصحة التى يكون المقصود بها الاجزاء ايضا فلا
مجال للاشكال في الكفاية بل ترجيح عدمها كما لا يخفى.
بقى في هذا الفرع ما لو ارتفع الضرر او الحرج قبل الميقات و صار مستطيعا و
الظاهر فيه كما في المتن صحة الحج و الاجزاء لان ارتفاع الامرين قبل الميقات و
صيرورته مستطيعا قبله تكفى في وجوب الحج فهو كمن حدثت له الاستطاعة قبل الميقات
بعد ما كان فاقدا لها و قد سلك الطريق اختيارا لغير حجة الاسلام او قهرا و
عدوانا فان حجه حجة الاسلام من دون اشكال.
الفرع الرابع: ما لو اعتقد عدم المزاحم
الشرعى الاهم فبان الخلاف بعد الحج و الحكم فيه الصحة و الاجزاء كما في المتن و
الوجه فيه اولا الاولوية بالاضافة الى صورة وجود المزاحم و اعتقاده ثبوته فانه
قد مر فيه الحكم بالصحة لاحد امور تقدمت الاشارة اليها فاذا كان الحكم في هذه
الصورة هى الصحة ففى صورة اعتقاد الخلاف يكون بطريق اولى.
و ثانيا انه لو قلنا بالبطلان في الصورة المتقدمة فلا ملازمة بينه و بين الحكم
بالبطلان فى المقام لان اتصاف المزاحم الاهم بالمزاحمة انما هو في صورة فعلية
التكليف و تنجزه ضرورة انه لا مجال لتوهم التزاحم مع عدم فعلية احد التكليفين و
عدم اتصافه بالتنجز فاذا كان في المثال المعروف جاهلا بوجوب الازالة عن المسجد
جهلا يعذر فيه او جاهلا باصل تنجس المسجد لا يبقى مجال حينئذ للحكم بتأخر
الصلوة عن الازالة لاجل المزاحمة و المقام من هذا القبيل فانه بعد الاعتقاد
بعدم المزاحم الشرعى الاهم لا يكون التكليف حينئذ فعليا فلا تتحقق المزاحمة
بوجه بعد كونها مرتبطة بمقام الامتثال و راجعة الى عدم قدرة المكلف على الجمع
بين الواجبين فاللازم ان تكون العبادة مع كونها غير اهم صحيحة جامعة لجميع
الخصوصيات
(الصفحة 262)
مجزية عن حجة الاسلام في المقام.
الفرع الخامس: ما لو اعتقد كونه غير بالغ
فحج ندبا فبان خلافه و انه كان بالغا حين الحج و في المتن: فيه تفصيل مر نظيره
اقول بل مر نفس هذا الفرع في بعض المسائل السابقة فراجع.
الفرع السادس: هذا الفرض اى صورة اعتقاد
كونه غير بالغ غاية الامر ترك الحج لاجل الاعتقاد المذكور فبان الخلاف و انه
كان بالغا و في المتن استقرار الحج عليه مع بقاء الشرائط الى تمام الاعمال و
احتمل على اشكال اشتراط بقائها الى زمان امكان العود الى محله و العمدة في
البحث في هذا الفرع الحكم بالاستقرار مع كون ترك الحج مستندا الى اعتقاد الخلاف
و هو عدم كونه بالغا و اما البحث في انه ماذا يعتبر في الاستقرار من ناحية بقاء
الشرائط فيأتى تفصيله في المسئلة الرابعة و الخمسين الاتية و انه قد اختلفوا
فيما به يتحقق الاستقرار على اقوال فالمشهور مضى زمان يمكن فيه الاتيان بجميع
افعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثانى عشر من ذى الحجة و قيل باعتبار
مضى زمان يمكن فيه الاتيان بالاركان جامعا للشرائط فيكفى بقائها الى مضى جزء من
يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى و ربما يقال باعتبار بقائها الى عود
الرفقة و قد يحتمل كفاية بقائها الى زمان يمكن فيه الاحرام و دخول الحرم و قد
يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة و قد قوى الماتن (قدس سره) تبعا للسيد (قدس
سره) اعتبار بقائها الى زمان يمكن فيه العود الى وطنه بالنسبة الى الاستطاعة
المالية و البدنية و السربية و اما بالنسبة الى مثل العقل فيكفى بقائها الى آخر
الاعمال و العجب من السيد (قدس سره) حيث انه مع اختياره القول الاخير اعتبر فى
موضعين من المسئلة الخامسة و الستين بقاء الشرائط الى ذى الحجة و الظاهر انه
سهو من القلم بقرينة تصريحه بالقول الذى ذكرنا في المسئلة الواحدة و الثمانين و
كيف كان فالبحث في انه بماذا يتحقق الاستقرار يأتى في محله انشاء اللّه تعالى.
(الصفحة 263)
و اما البحث في اصل الاستقرار فنقول لا اشكال في ثبوته فيما إذا ترك الحج مع
وجود الشرائط متعمدا و مع التوجه و الالتفات و خاليا عن العذر انما الكلام في
مثل المقام مما إذا كان ترك الحج مسببا عن اعتقاد عدم وجوبه لاجل فقد بعض شرائط
الوجوب و قد حكى عن الجواهر انه نفى الخلاف و الاشكال من حيث النص و الفتوى في
استقرار الحج فى الذمة إذا استكملت الشرائط مع ان الموجود فيها ذلك في صورة
الاهمال الذى هو اعم من مطلق الترك فلا دلالة له على حكم المقام.
و كيف كان فقد ذكر بعض الاعلام في شرح العروة ان الظاهر عدم الاستقرار قال ما
ملخصه: «اما اولا فلان موضوع وجوب الحج هو المستطيع و متى تحقق عنوان الاستطاعة
صار الحكم بوجوب الحج فعليا لفعلية الحكم بفعلية موضوعه و إذا زالت الاستطاعة و
ارتفع الموضوع يرتفع وجوب الحج لارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حتى بالاتلاف و
العصيان نظير القصر و التمام بالاضافة الى الحاضر و المسافر و لو لم تكن الادلة
الواردة في مورد التسويف الدالة على ذمّه و انه تضييع شريعة من شرائع الاسلام
لقلنا بعدم وجوبه و عدم الاستقرار في مورد الترك عن عمد ايضا لعدم دلالة الادلة
الاولية الا على الوجوب ما دامت الاستطاعة باقية و من المعلوم ان ما ورد في
التسويف لا يشمل المقام لعدم صدق عنوان التسويف على المعتقد بالخلاف و انه غير
بالغ لا يجب عليه الحج.
و اما ثانيا فلان الاحكام و ان كانت تشمل الجاهل و لكن لا تشمل المعتقد بالخلاف
لانه غير قابل لتوجه الخطاب اليه فهو غير مأمور بالحكم واقعا فلا يكون وجوب في
البين حتى يستقر عليه ففى زمان الاعتقاد بالخلاف لا يكون مكلفا و بعد الانكشاف
لا يكون مستطيعا على الفرض.
و اما ثالثا فلان الاستقرار انما هو فيما إذا كان الترك لا عن عذر و مع
الاستناد
(الصفحة 264)
الى العذر كما في المقام لا موجب له و عليه فالظاهر في المقام العدم».
اقول: عمدة ما يرد عليه امران:
احدهما انا قد حققنا في الاصول تبعا لسيدنا
الاستاذ الماتن ـ رضوان اللّه تعالى عليه و حشره مع اجداده الطاهرين سلام اللّه
عليهم اجمعين ـ ان الخطابات العامة لا تكاد تنحل الى خطابات متعددة حسب تعدد
المكلفين و تكثر افرادهم حتى يلاحظ حال المكلف و انه يمكن ان يتوجه اليه خطاب
ام لا بل الملحوظ فيها حال الغالب و انه صالح لتوجه التكليف و الخطاب اليه ام
لا و عليه فكما يكون الجاهل مشمولا للخطابات كذلك يكون المعتقد بالخلاف ايضا
مكلفا واقعا و التكليف ثابت عليه غاية الامر انه يكون معذورا في المخالفة غير
مستحق للعقوبة عليها و عليه فلا مجال لدعوى عدم ثبوت التكليف بالاضافة الى من
اعتقد عدم كونه بالغا.
ثانيهما انه لا بد من ملاحظة ان الاستقرار
في موارد ثبوته هل يكون على وفق القاعدة و ثابتا بمقتضى الادلة الاولية الدالة
على وجوب الحج على المستطيع او انه يكون على خلافها و ان تلك الادلة لا تدل على
ثبوته بل يحتاج الى مثل الروايات الواردة في التسويف بحيث لو لا تلك الروايات
لما كان دليل على الاستقرار اصلا.
و الظاهر هو الوجه الاول فان موضوع وجوب الحج و ان كان هو عنوان المستطيع الا
انه لا دليل على كونه مثل عنوانى المسافر و الحاضر من العناوين التى لها دخل في
ترتب الحكم حدوثا و بقاء بل الظاهر كونه من العناوين التى لها دخل في ترتب
الحكم حدوثا فقط و عليه فحدوث الاستطاعة يكفى في بقاء التكليف و ثبوته بعد زوال
الاستطاعة غاية الامر انه ليس المراد بالحدوث مجرده بل ما به يتحقق الاستقرار
من الاحتمالات التى اشرنا اليها في اول هذا الفرع.
و الدليل على ذلك اى كون عنوان المستطيع من قبيل هذه العناوين ـ مضافا الى انه
لا يبعد الاستظهار مطلقا في جميع العناوين المأخوذة الا ما قام الدليل فيه على
|