(الصفحة 286)
كما ترى لا يصلح مقيدا للاخبار المطلقة الدالة على وجوب الاستنابة مطلقا
لكونهما مثبتين و لا تنافى بينهما.
اقول ان كان مراده بالرواية المطلقة صحيحة الحلبى المتقدمة المشتملة على قوله:
و حال بينه و بين الحج مرض...فيرد عليه انه من الواضح كون المراد بالمرض
المذكور فيها هو المرض الذى لا يرجى زواله لان ظاهرها حيلولة المرض بينه و بين
طبيعة الحج غير المقيدة بسنة خاصة او سنوات كذلك و من الظاهر ان الحيلولة
المذكورة لا تتحقق الا في المرض المذكور فان المرض الحائل بينه و بين الحج في
بعض السنوات لا يكون متصفا بالحيلولة بينه و بين الطبيعة فلا مجال لدعوى
الاطلاق في هذه الرواية اصلا.
و ان كان مراده بالرواية المطلقة هى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على
قوله لو ان رجلا اراد الحج فعرض له مرض او خالطه سقم فلم يستطيع الخروج نظرا
الى ظهورها في كون المرض العارض مانعا عن استطاعة الخروج من دون فرق بين كونه
مرجو الزوال و غيره بل لعل ظاهره هو الاول كما لا يخفى.
فيرد عليه ان دعوى اختصاصها بالحج التطوعى و الارادى الخارج عن بحث المقام كما
ذكره بعض الاعلام و ان كانت ممنوعة الاّ ان ظهور الروايات المتقدمة في كون
المرض و مثله غير مرجو الزوال و بما يصير قرينة على حمل الرواية على الحج غير
الواجب او على كون المراد من المرض فيه ما لا يكون مرجو الزوال و ان كان خلاف
الاطلاق او خلاف ظاهرها فتدبر.
و بالجملة لم يثبت وجوب الاستنابة في المرض الذى يعلم بزواله بعد سنة او ازيد.
نعم ذكر بعض الاعلام انه لم يرد في شىء من الروايات اليأس او رجاء الزوال بل
المذكور فيها عدم التمكن و عدم الطاقة و الحيلولة بينه و بين الحج بمرض و نحوه
(الصفحة 287)
و الظاهر ان المأخوذ في الحكم بلزوم الاستنابة عدم الطاقة واقعا و عدم الطاقة
واقعا و عدم الاستطاعة كذلك و اما اليأس من زوال العذر فهو طريق عقلائى لعدم
التمكن من اتيانه واقعا كما انه تجوز له الاستنابة في فرض رجاء الزوال لاستصحاب
بقاء العذر و لكن ذلك حكم ظاهرى قال و بالجملة موضوع وجوب الاستنابة هو عدم
الطاقة و عدم القدرة واقعا و لكن اليأس عن زوال العذر او استصحاب بقاء العذر او
الاطمينان ببقاء ذلك كل ذلك طرق الى الواقع.
و لازم ذلك انه لا مدخلية لليأس في الحكم بلزوم الاستنابة بل مجرد احتمال
البقاء كاف في ذلك لجريان الاستصحاب هذا تمام الكلام في الفرع الثانى.
الفرع الثالث لو لم يستقر عليه الحج لكن لا
يمكنه المباشرة لشىء من المذكورات فى الفرع الثانى من المرض و الحصر و الهرم
ففى وجوب الاستنابة و عدمه قولان حكى الاول عن الاسكافى و الشيخ و ابى الصلاح و
ابن البراج و العلامة في التحرير و حكى عن الخلاف الاجماع عليه و ما في
المستمسك من قوله: و حكى عن الخلاف الاجماع على عدم وجوبها عليه لكنى لم اجده
فيه فالظاهر انه اشتباه.
و حكى الثانى عن ظاهر المفيد (قدس سره) و ابن ادريس و ابن سعيد و العلامة في
القواعد و المختلف و عن كاشف اللثام و نفى خلوه عن القوة في المتن كما ان السيد
(قدس سره) في العروة نفى خلو الاول عن القوة.
هذا و الظاهر انه لا مجال للمناقشة في شمول الاطلاق في بعض الروايات المتقدمة
لصورة عدم الاستقرار مثل صحيحة الحلبى المتقدمة المشتملة على قوله (عليه
السلام) و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج...فان هذا القول يشمل من كان
موسرا و مستطيعا في سنة الحج الذى حال بينه و بينه المرض و لم يكن كذلك قبلا
بان لم يستقر عليه الحج و ـ حينئذ ـ فمقتضى اطلاقها وجوب الاستنابة عليه ايضا و
كذلك رواية على بن ابى حمزة المتقدمة المشتملة على قوله: و سئلته عن رجل مسلم
حال
(الصفحة 288)
بينه و بين الحج مرض...فان اطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب يدل على عدم
اختصاص الحكم بمن استقر عليه الحج و شموله لغيره ايضا.
و بالجملة لا اشكال في ثبوت الاطلاق في المقام الا ان ثبوته بمجرده لا يكفى في
اثبات الحكم هنا و ليس كالفرع الثانى الذى يتوقف على مجرد قيام الدليل على
الوجوب و ذلك لانه في مقابل الاطلاق هنا الروايات الواردة في الاستطاعة الدالة
على تفسيرها بعد الاستطاعة المالية بالاستطاعة البدنية و السربية ايضا و ظاهرها
ان مدخلية الاستطاعتين في الحج عين مدخلية الاستطاعة المالية فكما ان لها
الشرطية في اصل وجوب الحج و ثبوت هذا التكليف و مرجعه الى ان فقد الاستطاعة
المالية يوجب عدم ثبوت الوجوب رأسا لا سقوط قيد المباشرة و الاتيان بالحج من
طريق النيابة كذلك ظاهر الروايات ان للاستطاعتين مدخلية في اصل الوجوب و انه مع
انتفاء شىء منها لا يكون هناك تكليف بالحج رأسا لا انه يسقط قيد المباشرة و
يقوم مقامه الاستنابة و الاتيان من طريق النيابة.
فلو كان في مقابل هذه الروايات رواية معتبرة واردة في خصوص من لم يستقر عليه
الحج دالة على لزوم الاستنابة عليه مع المرض او الحصر او الهرم ـ مثلا ـ لكان
اللازم الجمع بين الامرين بحمل روايات تفسير الاستطاعة على كون المراد مدخليتها
ـ بانواعها ـ فى لزوم المباشرة و ان انتفاء شىء من الاستطاعتين لا يوجب انتفاء
التكليف رأسا بل اللازم الاستنابة و الاتيان من طريق النيابة.
الا انه مع ثبوت الاطلاق في مقابلها لا بد من ملاحظة ان الترجيح مع الاطلاق
فيتصرف في تلك الروايات مثل ما إذا كان في البين رواية خاصة او ان الترجيح مع
ظهور تلك الروايات في كون مدخلية الاستطاعتين كمدخلية الاستطاعة المالية في اصل
الوجوب و ثبوت التكليف لا في اعتبار المباشرة.
و الظاهر ان الترجيح مع تلك الروايات لكون ظهورها مستندا الى الوضع
(الصفحة 289)
و اقوى بالاضافة الى الظهور المستند الى الاطلاق فالترجيح مع القول بعدم الوجوب
الفرع الرابع في ان وجوب الاستنابة في مورده
و هو خصوص من استقر عليه الحج او اعم منه و ممن لم يستقر فورى ام لا استظهر
السيد (قدس سره) في العروة الفورية و جعلها في المتن مقتضى الاحتياط اللزومى و
الدليل عليها هو الدليل المتقدم في اوائل كتاب الحج الدال على فورية وجوب الحج
و لا فرق فيه بين المستقر و غيره فاذا كان اصل التكليف ثابتا بنحو الفورية و
ادلة لزوم الاستنابة غايتها التوسعة في مقام الاداء و انه لا يختص بالاتيان به
مباشرة بل اللازم ايجاد الحج في الخارج و لو من طريق التسبيب و الاستنابة
فالتغيير الحاصل بسبب ادلة النيابة هو هذا المقدار الراجع الى عدم مدخلية قيد
المباشرة و اما اصل الوجوب و وصفه و هى الفورية فهما باقيان بحاله من دون
تغيير.
و اما الترديد الذى يشعر به الاحتياط اللزومى فلعلّ منشأه عدم دلالة شىء من
اخبار الاستنابة و لزومها على فوريتها مع ان الوجه فيه ما عرفت من كون الغرض
منها افادة الغاء اعتبار قيد المباشرة فقط من دون نظر الى شىء آخر هذا مضافا
الى ظهور بعضها في الفورية كما لا يخفى.
الفرع الخامس إذا استناب و صار النائب في
مقام الاتيان بالحج و تحقق منه فان بقى العذر و استمرّ الى ان مات المنوب عنه
فلا شبهة في اجزاء حج النائب و مرجعه الى عدم وجوب الاتيان به ثانيا نيابة عنه
بعد الموت و ذلك لظهور ادلة الاستنابة في ان الحج الذى يأتى به النائب هو الحج
الواجب على المنوب عنه و انه يأتى به مكانه فحجّه حجّه فلا مجال للزوم الاتيان
به ثانيا كما إذا اتى به مباشرة حيث لا يبقى موقع للزوم التكرار و اما إذا لم
يبق العذر كذلك ففيه صور ثلاثة:
الاولى: ما إذا ارتفع العذر بعد فراغ النائب
عن العمل و الاتيان بالحج فالمنسوب
(الصفحة 290)
الى المشهور بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه عدم الاجزاء و انه يجب عليه الاتيان
بالحج بعد ذلك مباشرة و لكن صاحب الجواهر (قدس سره) استفاد من فتوى المشهور عدم
لزوم الاستنابة و لكن صاحب الجواهر (قدس سره) استفاد من فتوى المشهور عدم لزوم
الاستنابة و انهم غير قائلين بالوجوب نظرا الى انه على تقدير الوجوب لكان مقتضى
القاعدة الاجزاء كما هو المقرر في الاصول.
و بالجملة فمختار المتن ـ تبعا للسيد في
العروة ـ الاجزاء لما ذكرنا من ان ظاهر الاخبار ان ما يأتى به النائب من الحج
هو الذى كان واجبا على المنوب عنه فاذا اتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه و لا
دليل على وجوبه مرة اخرى.
نعم يمكن المناقشة في ذلك بان العذر المسوّغ
للاستنابة هو العذر الباقى غير الزائل و مع ارتفاعه بعد عمل النائب يستكشف انه
لم يكن مجال للاستنابة و لكن يدفعها ما ثبت فى الاصول من اقتضاء الامر الظاهرى
للاجزاء و ان استصحاب بقاء العذر يكفى في صحة عمل النائب و وقوعه عن المنوب
عنه.
الثانية و الثالثة ما إذا ارتفع العذر في
اثناء عمل النائب اى بعد الاحرام او في اثناء الطريق قبل الشروع في الحج و قد
اختار السيد (قدس سره) فيهما الاجزاء ايضا نظرا الى وقوع الاستنابة بامر الشارع
و كون الاجارة لازمة لا دليل على انفساخها خصوصا إذا لم يمكن ابلاغ النائب
الموجر ذلك و لا مجال لدعوى كون جواز النيابة ماداميا.
و لكن مختار المتن هو عدم الاجزاء نظرا الى ان ارتفاع العذر في الصورتين كاشف
عن عدم مشروعية النيابة و الاجارة لان المفروض عدم تحقق الحيلولة بينه و بين
الحج اصلا و انه كان متمكنا من الحج مباشرة و استصحاب بقاء العذر لا دلالة له
على مشروعية النيابة بعد ارتفاع العذر فالنيابة لم تكن مشروعة بحسب الواقع و
عليه فالاجارة الواقعة عليها باطلة لعدم مشروعية العمل المستأجر عليه و منه
يظهر انه لا يجب على الاجير ايضا اتمام الحج عن نفسه لعدم كون احرامه متصفا
بالمشروعية فلم يتحقق
|