(الصفحة 296)
كيف اعتمد في الحكم المخالف للقاعدة المقتضية لعدم الاجزاء لانه لا مجال
للاجزاء بمجرد الاحرام و يفتقر الحكم بالاجزاء الى تعبد واضح على مفهوم جملة
شرطية فى رواية واحدة و هى صحيحة بريد العجلى قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام)
عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق قال ان كان صرورة ثم
مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام، و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم
جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل من ذلك شىء فهو
للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت ارأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق
قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال يكون جميع ما معه و ما ترك
للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه او يكون اوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى
له و يجعل ذلك من ثلثة(1) و يرد على الاستدلال بها انه ان قيل بثبوت
المفهوم للقضية الشرطية ـ على خلاف ما هو التحقيق و الثابت في محله ـ ففى
الرواية قضيتان شرطيتان مفهوم الاولى انه إذا لم يكن الموت في الحرم لا يكون ما
اتى به مجزيا عن حجة الاسلام و مفهوم الثانية انه إذا كان موته بعد الاحرام
يكون مجزيا و بينهما تهافت و تناقض فاللازم ان يقال: اما بعدم ثبوت المفهوم
لشىء من الشرطيتين لاجل ثبوت التعارض و لازمه عدم تعرض الرواية لهذه الصورة
التى هى محل البحث و هو الموت بعد الاحرام و قبل دخول الحرم فلا يبقى مجال
للاستدلال بها على الاجزاء.
و اما بما حكى عن «المستند» و احتمله السيد (قدس سره) في العروة من كون المراد
من قوله في الرواية: «قبل ان يحرم» قبل ان يدخل في الحرم كما يقال: «انجد» اى
دخل في نجد و ايمن اى دخل اليمن و هذا المعنى و ان كان خلاف الظاهر في نفسه الا
انه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
(الصفحة 297)
يمكن جعل الجملة الشرطية الاولى قرينة عليه كما في سائر الموارد التى يحمل
اللفظ على خلاف ظاهره لاجل وجود القرينة على الخلاف و على هذا الوجه ايضا لا
يبقى مجال للاستدلال بها على الاجزاء بل هى دليل على العدم كما لا يخفى.
و اما بتعارض المفهومين و مقتضى القاعدة هو التساقط و الرجوع الى ادلة اخرى و
مقتضاها وجوب القضاء عنه و عدم الاجزاء كما هو مقتضى القاعدة ايضا.
ثم انه لو فرض انحصار مدلول الرواية بالجملة الشرطية الثانية و ثبوت المفهوم
لها لكان يعارضه منطوق صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على عدم الاجزاء قبل
الانتهاء الى مكة التى قد عرفت ان المراد بها الحرم و من الواضح اقوائية
المنطوق فاللازم رفع اليد عن المفهوم.
و قد ظهر مما ذكرنا عدم صلاحية الرواية للاستدلال بها على الاجزاء فاللازم
الحكم بعدم الاجزاء و وجوب القضاء عنه.
الثالثة: ما إذا دخل في الحرم قبل الاحرام
كما إذا نسيه في الميقات و لم يحرم ثم دخل الحرم بلا احرام فمات و في المتن
الحكم بعدم الكفاية و الاجزاء كما في الصورة الثانية و الوجه فيه ان المذكور في
مثل صحيحة ضريس و ان كان هو الموت في الحرم و مقتضى اطلاقه بدوا الشمول لما إذا
لم يتحقق منه الاحرام رأسا الا ان المنساق منه هو الدخول في الحرم بما هو
المتعارف الغالب من الاحرام في الميقات و عدم نسيانه لا مجرد تحقق الموت في
الحرم و لو لم يحرم اصلا مع ان مقتضى اطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة بريد:
«و ان كان مات و هو صرورة قبل ان يحرم...» هو الشمول لما إذا كان ذلك في الحرم
كما لا يخفى و اما قوله في صحيحة ضريس: «خرج حاجا حجة الاسلام» فلا دلالة له
على تحقق الاحرام لان المراد بالخروج حاجا هو الخروج من البلد بقصد حجة الاسلام
لا الورود فيها المتحقق بالاحرام نعم مفهوم صحيحة زرارة الوارد في الاجزاء دال
على اعتبار كون الموت في حال الاحرام.
(الصفحة 298)
الرابعة: ما إذا مات بين الاحرامين و في
المتن الحكم بالاجزاء و الوجه فيه ـ مضافا الى الاولوية فانه إذا كان مجرد
الاحرام و دخول الحرم ثم الموت كافيا و مجزيا عن حجة الاسلام ففيما إذا اتى
بجميع اعمال عمرة التمتع ثم احل ثم مات يكون الاجزاء و عدم وجوب القضاء بطريق
اولى ـ ظهور مثل صحيحة ضريس في الاكتفاء بالموت في الحرم غاية الامر انا حملناه
على ما إذا تحقق الاحرام من الميقات و وقع دخول الحرم بعده و اما اعتبار كون
الموت في حال الاحرام فلا دلالة له عليه نعم ظاهر مفهوم صحيحة زرارة اعتبار كون
الموت في حال الاحرام و يمكن ان يقال ان المراد بقوله ان مات و هو محرم ليس هو
الموت في حال الاحرام بل الموت بعد تحقق الاحرام من الميقات و ان لم يكن مقرونا
به و كيف كان لا مجال لرفع اليد عن ظهور صحيحة ضريس في ان المعيار هو الموت في
الحرم و هو متحقق في الفرض.
الخامسة: ما إذا مات في الحل بعد دخول الحرم
محرما كما إذا خرج بين الاحرامين عن الحرم لضرورة او غيرها و في المتن
الاستشكال في الاجزاء و الوجه فيه ما عرفت من ظهور صحيحة ضريس في اعتبار ظرفية
الحرم للموت فانه لم يقع التعبير بما إذا كان الموت بعد الاحرام و دخول الحرم
بل التعبير هو الموت في الحرم و لا مجال لدعوى انه لا خصوصية المحرم بعد كون
المحتمل ـ قويا ـ ثبوت الخصوصية من جهة شرافة الحرم و علو مكانته و عظمة شأنه و
لا يقاوم هذا الظهور الاطلاق المستفاد من صحيحة زرارة الدالة بمفهومها على انه
ان كان الموت بعد الانتهاء الى مكة يكون مجزيا نظرا الى صدق «البعدية» بعد
الخروج منها ايضا و ذلك لضعف الاطلاق في مقابل الظهور في مثل صحيحة ضريس كما لا
يخفى.
السادسة: ما إذا مات في اثناء عمرة التمتع
اى بعد الاحرام و دخول الحرم و الظاهر الاجزاء عن حجه ايضا لان حجة الاسلام عمل
واحد مركب من العمرة و الحج فكما
(الصفحة 299)
ان الموت في اثناء حجه يجزى عن حجة الاسلام الواجبة عليه كذلك الموت في اثناء
عمرته بعد كون مجموعهما عملا واحدا و لذا لا يترتب على عمرته بمجردها شىء اصلا.
و اما من كانت وظيفته حج القران او الافراد المتقدم على عمرتهما فان مات في
اثناء الحج فلا شبهة بمقتضى النص في الاجزاء عن حجه لانهما ايضا من مصاديق حجة
الاسلام المذكورة في الروايات و اما الاجزاء عن عمرتهما فمشكل لان الحج و
العمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع الا ان يقال بان ظاهر الاجزاء عن
حجة الاسلام هو الاجزاء عن كليهما لان عنوان حجة الاسلام يطلق على المجموع و ان
كانا عملين مستقلين و قد نفى السيد (قدس سره) في العروة ابتداء البعد عن
الاجزاء و ان استشكل فيه اخيرا.
السابعة: من مات في اثناء الحج النذرى لا
يكتفى به و ان كان موته بعد الاحرام و دخول الحرم و ذلك لان الاجزاء في ذلك
المورد انما هو على خلاف القاعدة لان مقتضاها العدم بعد عدم تحقق المأمور به في
الخارج و فقدان الحج لاركانه فالاجزاء يحتاج الى الدليل و قد دل عليه في خصوص
حجة الاسلام للتصريح بها في الروايات المتقدمة و لم ينهض دليل عليه في غيرها و
عليه فالحكم لا يجرى في الحج النذرى بل الحكم فيه على وفق القاعدة المقتضية
لعدم الاجزاء.
و هكذا الكلام في العمرة المفردة فان الموت في اثنائها و لو كان بعد الاحرام و
دخول الحرم لا يوجب الاجزاء لعدم الدليل عليه و هذا من دون فرق بين ما إذا لم
تكن مقرونة بحج القران او الافراد كما لو فرض وجوبها على المستطيع لخصوصها او
كانت مقرونة باحدهما و ذلك لعدم انطباق حجة الاسلام عليه و كونها عملا مستقلا
في قبال الحج.
و اما الحج الافسادى فهو اى جريان حكم الروايات فيه مبنى على ان حجة الاسلام
(الصفحة 300)
هل هو الحج الفاسد الذى يتمه اولا و الحج الثانى عقوبة للافساد و جزاء عليه او
انها هو الحج الثانى الذى يأتى به بعد اتمام الحج الاول الفاسد فان قلنا بالاول
فالحكم لا يجرى فيه لان المفروض تحقق الموت في اثناء الحج الثانى و هو ليس بحجة
الاسلام فلا دليل على الاجزاء فيه بل يجب القضاء عنه و ان قلنا بالثانى فالحكم
بالاجزاء يجرى فيه لان المفروض انه هو حجة الاسلام فتشمله الروايات هذا تمام
الكلام في المقام الاول.
و اما الكلام في المقام الثانى و هو من لم
يستقر عليه الحج بل كان عام استطاعته فالمهم فيه هو الحكم بوجوب القضاء عنه و
فيه اقوال ثلاثة:
الاول القول بوجوب القضاء عنه حكى عن
المقنعة و المبسوط و النهاية و ظاهر القواعد و اختاره في المستند حيث قال: «لو
مات المستطيع في طريق الحج فان كان قبل الاحرام و دخول الحرم وجب القضاء عنه
بشرط استقرار الحج في ذمته سابقا على المشهور و مطلقا على الاقرب المنصور» و
كذا اختاره جمع من المحققين من شراح العروة.
الثانى القول باستحباب القضاء عنه و هو ظاهر
الجواهر حاكيا له عن بعض و جعله السيد في العروة اظهر.
الثالث عدم وجوب القضاء عنه و عدم استحبابه
ايضا و هو مختار المتن و لعله المشهور.
اما القول الاول فمستنده الاخذ باطلاق صحيحة
ضريس الظاهرة في وجوب القضاء عنه فيما إذا مات دون الحرم فان قوله فيها رجل خرج
حاجا حجة الاسلام مطلق شامل لمن لم يستقر الحج عليه ايضا و لا يقدح في ذلك كون
الحكم بوجوب القضاء مختلفا بالاضافة الى من استقر و من لم يستقر حيث انه في
الاول يكون موافقا للقاعدة و في الثانى مخالفا لها نظرا الى ان الموت في عام
الاستطاعة بعد الاحرام قبل دخول الحرم يكشف عن عدم وجوب الحج عليه من الاول
لفقد الاستطاعة الزمانية المعتبرة في وجوب الحج بحكم العقل و قاعدة نفى الحرج
على ما عرفت سابقا