(الصفحة 304)
على المكلف و اما لو فرض كونه مخالفا للقاعدة و كان الدليل على ثبوته بنحو لا
يشمل الكافر فلا مجال للمناقشة اصلا و الظاهر انه من هذا القبيل اما كونه
مخالفا للقاعدة فلان مقتضى الادلة الاولية وجوب الحج على المستطيع و مقتضاها
سقوط التكليف مع زوال الاستطاعة و ان كان الترك مستندا الى العصيان و المخالفة.
و اما عدم كون الدليل عليه شاملا للكافر فلان ظاهره هو الترك العمدى للحج مع
الاعتقاد بوجوبه و ثبوت التكليف به غاية الامر كان المنشأ للترك هو التسويف و
الاهمال و هذا العنوان لا يشمل الكافر الذى يكون منشأ تركه عدم الاعتقاد بوجوبه
كما لا يخفى فدليل وجوب الحج مع التسكع قاصر عن الشمول للكافر و المفروض زوال
استطاعته فلا يجب عليه الحج في الصورة التى هى محل البحث.
اشكال مشهور ذكره صاحب المدارك في مبحث قضاء الصلوات و هو انه لا يعقل الوجوب ـ
اى وجوب القضاء عليه ـ اذ لا يصح منه إذا اتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا اسلم
و استظهر وجوب الحج عليه في كتاب الحج حيث قال في محكيه: «لو اسلم وجب عليه
الاتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا و بدونها في اظهر الوجهين و اعتبر
العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة الى زمان الاسلام و هو غير
واضح».
واجيب عنه بوجوه:
احدها ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة من
انه يمكن ان يكون الامر به حال كفره امرا تهكميا ـ اى استهزائيا ـ ليعاقب لا
حقيقيا و لكنه استشكل فيه لعدم امكان اتيانه به لا كافرا و لا مسلما فلا يكون
قابلا للامتثال و من الواضح عدم معقوليته مع عدم القابلية للامتثال.
و يرد على هذا الجواب ايضا انه لو كان دليل تكليف الكافر دليلا خاصا منحصرا
بالكافر يمكن ان يقال فيه ذلك و اما مع عموم الدليل و شموله للمسلم و الكافر
فلا مجال لهذا الجواب لانه لا معنى لحمل الامر الواحد على الحقيقى و التهكمى
بالاضافة اليهما.
(الصفحة 305)
ثانيها ما استظهره السيد (قدس سره) فيها و
هو انه حال استطاعته مأمور بالاتيان به مستطيعا و ان تركه فمتسكعا و هو ممكن في
حقه لامكان اسلامه و اتيانه مع الاستطاعة و لا معها ان ترك فحال الاستطاعة
مأمور به في ذلك الحال و مأمور ـ على فرض تركه حالها ـ بفعله بعدها قال: «و كذا
يدفع الاشكال في قضاء الفوائت فيقال انه في الوقت مكلف بالاداء و مع تركه
بالقضاء و هو مقدور له بان يسلم فيأتى بها اداء و مع تركها قضاء فتوجه الامر
بالقضاء اليه انما هو في حال الاداء على نحو الامر المعلق».
ثم قال: «فحاصل الاشكال انه إذا لم يصح
الاتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا اسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء و يعاقب
على تركه؟و حاصل الجواب انه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الاداء على نحو الوجوب
المعلق و مع تركه الاسلام في الوقت فوت على نفسه الاداء و القضاء فيستحق العقاب
عليه و بعبارة اخرى: كان يمكنه الاتيان بالقضاء بالاسلام في الوقت إذا ترك
الاداء و ـ ح ـ فاذا ترك الاسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الامر بالقضاء و
إذا اسلم يغفر له و ان خالف ايضا و استحق العقاب».
و يرد عليه امران:
الاول ان الواجب المعلق و ان كان تصويره
بمكان من الامكان و لا مانع منه ثبوتا و قد تحقق بالاضافة الى الحج بالنظر الى
الموسم و في غيره الا ان الالتزام به يحتاج الى قيام الدليل عليه و قد قام في
مثل الحج فان مقتضى الاية الواردة فيه هو تحقق الوجوب بمجرد الاستطاعة الجامعة
للاستطاعات الاربعة و الجمع بينه و بين ما يدل على توقف صحته على وقوعه في
الموسم و الزمان الخاص يقتضى الالتزام بالفرق بين الاستطاعة و بين الوقت الخاص
بان الاولى لها مدخلية في اصل الوجوب و التكليف و الثانى قيد للواجب فالوجوب
فيه بعد الاستطاعة حالى و الواجب استقبالى و اما في المقام فلم يدل دليل عليه
فان ظاهر قوله: اقض ما فات هو تحقق الوجوب المتعلق بالقضاء بعد تحقق الفوت
المتوقف
(الصفحة 306)
على ترك الاداء فمن اين يستفاد ثبوته بنحو التعليق في وقت الاداء.
ان قلت ان طريق استفادة ذلك هو ثبوت التكليف
بالقضاء بالاضافة الى الكافر ايضا فانه إذا كان ثبوته بعد الوقت مستلزما لعدم
المعقولية لما ذكره صاحب المدارك من عدم قابليته للامتثال لعدم صحته في حال
الكفر و عدم ثبوته بعد الاسلام فهذه قرينة عقلية على كون ثبوته بنحو الواجب
المعلق في حال الاداء فالدليل على ذلك هو حكم العقل.
قلت ان الالتزام بذلك فرارا عن الاشكال
المذكور انما يتم مع انحصار طريق التخلص بذلك و الا فلو فرض طريق آخر للتخلص
فلا مجال للالتزام به كما لا يخفى
الثانى ان ما افاده على تقدير تماميته انما
يتم في قضاء الصلوة و الصيام و لا يتم في الحج الذى هو محل البحث في المقام لما
عرفت من عدم كون وجوب الحج متسكعا على تقدير الترك في عام الاستطاعة حكما
موافقا للقاعدة مشتركا بين المسلم و الكافر بل هو حكم ثابت بالنصوص الخاصة على
خلاف الادلة الاولية الواردة في وجوب الحج و مورده المسلم المعتقد بوجوب الحج
التارك له في عام الاستطاعة عمدا مسامحة و مساهلة و اما الكافر الذى لا يعتقد
بوجوب الحج و يكون منشأ تركه في العام المذكور هو عدم الاعتقاد بالوجوب فلا
دلالة لها على وجوب الحج متسكعا بالاضافة اليه و عليه فهذا الوجه لا يجرى في
الحج.
ثالثها ما في شرح بعض الاعاظم (قدس سره) على
العروة على ما في تقريراته من انه لا نقول بتوجه امر بالقضاء على حدة بعد فوات
وقت الاداء حتى لزم المحذور المذكور بل نقول انه انما توجه اليه الامر باتيان
الفعل في الوقت و كان ذلك ممكنا له بان يسلم ثم يأتى بالفعل في الوقت و هذا
الامر انما يكون على نحو تعدد المطلوب لما ورد من دليل قضاء الفوائت.
و على هذا لو لم يسلم و ترك الفعل المأمور به في الوقت فلا محالة يبقى في ذمته
(الصفحة 307)
فلو اسلم جبّ عنه ذلك و لو لم يسلم بقى في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه
بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور او انه
خطاب بلا فائدة.
و يرد عليه منع كون الامر بالقضاء دليلا على كون الامر الاول المتعلق بالصلوة
في الوقت واردا بنحو تعدد المطلوب بحيث كان للمولى مطلوبان: احدهما طبيعة
الصلوة من حيث هى و ثانيهما ايقاع تلك الطبيعة في الوقت و سند المنع ان لازم
ذلك عدم كون القضاء بعنوانه الظاهر في اتيان الفعل خارج الوقت متعلقا للامر
المولوى الذى هو ظاهر الامر بوجه لانه لا يبقى لهذا العنوان الذى هو عنوان ثالث
مغاير للمطلوبين المذكورين مجال مع انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله اقض ما
فات في تعلق الامر المولوى بعنوان القضاء بالمعنى المصطلح و عليه فاللازم ان
يقال بعدم تحقق الامر به الا بعد خروج الوقت و عدم الاتيان بالمأمور به فيه.
رابعها ما افاده بعض الاعلام على ما في شرح
العروة من ان الصحيح في الجواب ان يقال انه بناء على تكليف الكفار بالفروع ان
الكافر و ان كان لا يمكن تكليفه بالقضاء الا انه يعاقب بتفويته الملاك الملزم
على نفسه اختيارا.
و يرد عليه انه مع عدم ثبوت التكليف و لو كان المنشأ له هو عدم قابليته
للامتثال لا يكون هناك ما يكشف عن ثبوت المصلحة الملزمة فان الكاشف له نوعا هو
التكليف و مع عدمه لا مجال للمكشوف خصوصا مع ملاحظة ان التكليف بالقضاء انما
يلائم مع تخفيف المخالفة الحاصلة بترك الاداء و هو يناسب شأن المسلم فيمكن ان
لا يكون للقضاء بالاضافة الى الكافر مصلحة اصلا و بالجملة لا بد في الحكم
باستحقاق العقاب من احراز تفويت الملاك و من الواضح انه لا طريق الى اثباته.
(الصفحة 308)
و الحق في الجواب ما ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهية مما استفدناه من
سيدنا الاستاذ الماتن (قدس سره) في بعض مباحثه الاصولية و هو ان الاستحالة انما
تتحقق إذا كان الخطاب متوجها الى خصوص الكافر كالخطاب المتوجه الى العاجز و اما
لو كان الخطاب متوجها الى العموم من دون فرق بين المسلم و الكافر فلا تكون صحة
هذا الخطاب متوقفة على صحته الى كل واحد من المخاطبين الا ترى انه يصح الخطاب
الى جماعة بخطاب واحد ان يعملوا عملا و لو مع العلم بعدم قدرة بعضهم على ايجاد
العمل نعم لو كان الجميع او الاكثر غير قادرين لما صح العقاب و اما مع عجز
البعض فلا مانع منه مع انه لو انحل الخطاب الواحد الى الخطابات المتعددة لما صح
لاستحالة بعث العاجز مع العلم بعجزه و فى المقام ايضا كذلك فان التكليف بوجوب
القضاء عام شامل للمسلم و الكافر و عدم قابليته للامتثال بالاضافة الى الكافر
لا يقدح في ثبوت الخطاب و التكليف بنحو العموم غاية الامر انه لا بد له من
التمسك بالعذر في صورة المخالفة و من الظاهر ان الكفر لاجل انه امر اختيارى لا
يكاد يتحقق به العذر كما لا يخفى.
الجهة الرابعة انه لو بقى الكافر المستطيع
الذى استقر الحج عليه على كفره الى ان مات ففى المتن تبعا لغيره: لا يقضى عنه و
قد استدل عليه السيد (قدس سره) في العروة بعدم كونه اهلا للاكرام و الابراء.
و من الواضح انه لا يلائم مع كونه دليلا فقهيا مستندا للحكم و الفتوى خصوصا مع
كون عنوان الابراء يشمل مثل الدين من حقوق الناس فانه لا اشكال ظاهرا في وجوب
اداء دينه من تركته مع استلزامه تحقق الابراء.
فالاولى في مقام الاستدلال ان يقال ان
القضاء عنه بعد الموت لا يكاد يتحقق الا بالنيابة عنه و كون الفاعل قاصدا لها و
قد تحقق في بحث النيابة اشتراط كون المنوب عنه مسلما في النيابة عنه في
العبادات فادلة النيابة تمنع عن النيابة عن الميت الكافر في
|