(الصفحة 307)
فلو اسلم جبّ عنه ذلك و لو لم يسلم بقى في ذمته و عوقب عليه و هذا معنى تكليفه
بالقضاء لا انه توجه اليه خطاب آخر بالقضاء حتى يقال بتعلقه بغير مقدور او انه
خطاب بلا فائدة.
و يرد عليه منع كون الامر بالقضاء دليلا على كون الامر الاول المتعلق بالصلوة
في الوقت واردا بنحو تعدد المطلوب بحيث كان للمولى مطلوبان: احدهما طبيعة
الصلوة من حيث هى و ثانيهما ايقاع تلك الطبيعة في الوقت و سند المنع ان لازم
ذلك عدم كون القضاء بعنوانه الظاهر في اتيان الفعل خارج الوقت متعلقا للامر
المولوى الذى هو ظاهر الامر بوجه لانه لا يبقى لهذا العنوان الذى هو عنوان ثالث
مغاير للمطلوبين المذكورين مجال مع انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر قوله اقض ما
فات في تعلق الامر المولوى بعنوان القضاء بالمعنى المصطلح و عليه فاللازم ان
يقال بعدم تحقق الامر به الا بعد خروج الوقت و عدم الاتيان بالمأمور به فيه.
رابعها ما افاده بعض الاعلام على ما في شرح
العروة من ان الصحيح في الجواب ان يقال انه بناء على تكليف الكفار بالفروع ان
الكافر و ان كان لا يمكن تكليفه بالقضاء الا انه يعاقب بتفويته الملاك الملزم
على نفسه اختيارا.
و يرد عليه انه مع عدم ثبوت التكليف و لو كان المنشأ له هو عدم قابليته
للامتثال لا يكون هناك ما يكشف عن ثبوت المصلحة الملزمة فان الكاشف له نوعا هو
التكليف و مع عدمه لا مجال للمكشوف خصوصا مع ملاحظة ان التكليف بالقضاء انما
يلائم مع تخفيف المخالفة الحاصلة بترك الاداء و هو يناسب شأن المسلم فيمكن ان
لا يكون للقضاء بالاضافة الى الكافر مصلحة اصلا و بالجملة لا بد في الحكم
باستحقاق العقاب من احراز تفويت الملاك و من الواضح انه لا طريق الى اثباته.
(الصفحة 308)
و الحق في الجواب ما ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهية مما استفدناه من
سيدنا الاستاذ الماتن (قدس سره) في بعض مباحثه الاصولية و هو ان الاستحالة انما
تتحقق إذا كان الخطاب متوجها الى خصوص الكافر كالخطاب المتوجه الى العاجز و اما
لو كان الخطاب متوجها الى العموم من دون فرق بين المسلم و الكافر فلا تكون صحة
هذا الخطاب متوقفة على صحته الى كل واحد من المخاطبين الا ترى انه يصح الخطاب
الى جماعة بخطاب واحد ان يعملوا عملا و لو مع العلم بعدم قدرة بعضهم على ايجاد
العمل نعم لو كان الجميع او الاكثر غير قادرين لما صح العقاب و اما مع عجز
البعض فلا مانع منه مع انه لو انحل الخطاب الواحد الى الخطابات المتعددة لما صح
لاستحالة بعث العاجز مع العلم بعجزه و فى المقام ايضا كذلك فان التكليف بوجوب
القضاء عام شامل للمسلم و الكافر و عدم قابليته للامتثال بالاضافة الى الكافر
لا يقدح في ثبوت الخطاب و التكليف بنحو العموم غاية الامر انه لا بد له من
التمسك بالعذر في صورة المخالفة و من الظاهر ان الكفر لاجل انه امر اختيارى لا
يكاد يتحقق به العذر كما لا يخفى.
الجهة الرابعة انه لو بقى الكافر المستطيع
الذى استقر الحج عليه على كفره الى ان مات ففى المتن تبعا لغيره: لا يقضى عنه و
قد استدل عليه السيد (قدس سره) في العروة بعدم كونه اهلا للاكرام و الابراء.
و من الواضح انه لا يلائم مع كونه دليلا فقهيا مستندا للحكم و الفتوى خصوصا مع
كون عنوان الابراء يشمل مثل الدين من حقوق الناس فانه لا اشكال ظاهرا في وجوب
اداء دينه من تركته مع استلزامه تحقق الابراء.
فالاولى في مقام الاستدلال ان يقال ان
القضاء عنه بعد الموت لا يكاد يتحقق الا بالنيابة عنه و كون الفاعل قاصدا لها و
قد تحقق في بحث النيابة اشتراط كون المنوب عنه مسلما في النيابة عنه في
العبادات فادلة النيابة تمنع عن النيابة عن الميت الكافر في
(الصفحة 309)
المقام نعم استثنى مورد واحد و هو ما إذا كان المنوب عنه ناصبا و النائب ولدا
له كما ورد في النص.
الجهة الخامسة إذا احرم الكافر ثم اسلم لا
يكفيه احرامه المتقدم على اسلامه لانه جزء العبادة و قد تقدم عدم صحة العبادة
من الكافر من دون فرق بين مجموع العبادة او اجزائها و عليه فاحرامه المتقدم لم
يقع صحيحا و منه يظهر انه لو الغى الخصوصية من الروايات الواردة في العبد
المنعتق قبل احد الموقفين الدالة على اجزائه عن حجة الاسلام و حكم بعدم
اختصاصها بالعبد و جريانها في مثل الصبى الذى بلغ قبل احد الموقفين و ان حجه
يجزى عن حجة الاسلام لما كان وجه للتسرية الى اسلام الكافر قبل احدهما و ذلك
لان احرام العبد و الصبى وقع صحيحا غاية الامر ان فقدان شرط الحرية و البلوغ
كان مانعا عن اتصافه بكونه جزء لحجة الاسلام و قد دل الدليل على ان تحقق
الشرطين قبل احد الموقفين يوجب الاجزاء عن حجة الاسلام و اما في المقام فلم
يتحقق الاحرام من الكافر صحيحا من اول الامر فلا مجال لاستفادة حكمه من روايات
العبد بوجه.
فاذا كان الاحرام باطلا فاللازم كما سيأتى تفصيله انه مع انكشاف بطلان الاحرام
لا بد من العود الى الميقات مع الامكان و الا فالاحرام من موضعه نعم إذا دخل
الحرم فاسلم او انكشف البطلان فالاحوط مع الامكان ان يخرج خارج الحرم ثم يحرم.
المقام الثانى في المرتد و فيه ايضا جهات من
البحث:
الاولى في وجوب الحج عليه كسائر التكاليف من
دون فرق بين ان تكون استطاعته حال اسلامه او تكون حال ارتداده و الدليل عليه ما
مر في الكافر من اشتراك ادلة الاحكام و عدم اختصاصها بالمؤمنين و شمولها للكافر
و المرتد ايضا.
الثانية عدم صحة الحج من المرتد و لازمه انه
لو استمر ارتداده الى الموت و مات كافرا من دون ان يتوب و يرجع عن ردته يعاقب
على تركه في الاخرة كعقاب
(الصفحة 310)
الكافر عليه و الوجه فيه ما مر ايضا من اشتراط الاسلام في صحة العبادة و عدم
وقوعها من غير المسلم كذلك فلو حج في حال الارتداد لا يكون صحيحا و لو كان
ارتداده لاجل انكار ضرورى آخر ـ مثلا ـ.
الثالثة انه لا يقضى عنه كما انه لا يقضى عن
الكافر غاية الامر ان قوله: على الاقوى، هنا يشعر بوجود الخلاف و الاشكال هنا و
هو كذلك و قال في الجواهر: و لعل الاقوى عدم القضاء، و فيه اشعار بتوقفه في ذلك
و منشأ هذا ما في محكى قواعد العلامة حيث قال: و لو مات ـ يعنى المرتد المستطيع
ـ اخرج من صلب تركته و ان لم يتب على اشكال و استدل له باطلاق وجوب القضاء عمن
مات و عليه حجة الاسلام و بانه دين.
و مقتضى ما ذكرنا في الكافر من عدم وجوب القضاء عنه لانه لا تصح النيابة عن
الكافر في العبادة عدم القضاء في المقام ايضا كما ان مقتضى التعليل الذى ذكره
السيد (قدس سره)هناك عدم الفرق فالاقوى ـ حينئذ ـ هو العدم.
الرابعة انه ان تاب و رجع عن ارتداده لا
يسقط الوجوب و يصح منه.
اما عدم سقوط الوجوب فلان توبته ليست كاسلام الكافر لعدم جريان قاعدة «الجب» فى
غير الكافر الاصلى اما لاختصاص قوله صلّى اللّه عليه و اله: الاسلام يجب ما
قبله بالكافر الاصلى و عدم جريانه في المرتد بحكم التبادر كما ذكره السيد (قدس
سره) في العروة و مقصوده من التبادر الانصراف و الانسباق الى الذهن لا التبادر
الاصطلاحى و اما لعدم جريان السيرة القطعية من زمن النبى و زمن الائمة ـ عليه و
عليهم السلام و الصلوة ـ في المرتد لانه دليل لبى لا اطلاق له فالمرتد إذا تاب
لا يسقط عنه وجوب الحج بوجه لعدم الدليل على السقوط.
و اما صحته منه فيما إذا صدر بعد توبته فلا اشكال فيها في المرتد الملى الذى
تقبل توبته و رجوعه و اما المرتد الفطرى فيبتنى الحكم بالصحة على قبول توبته
ظاهرا
(الصفحة 311)
و ترتيب احكام المسلم عليه ما عدا الاحكام الثلاثة و هى تقسيم امواله و مفارقة
زوجته و قتله فان قلنا بالقبول كذلك كما هو الحق فيصح الحج الصادر منه و ان لم
نقل بذلك سواء قلنا بعدم قبولها مطلقا او قلنا بعدم قبولها ظاهرا و ان قبل
باطنا فلا مجال لصحة عبادته لعدم زوال كفره و ارتداده نعم يشكل بناء على هذين
القولين ان التكليف بالعبادة مع عدم صحتها و عدم امكان الاتيان بها صحيحة الى
آخر العمر كيف يجتمعان الا ان يكون هذا الاشكال دليلا على بطلان القولين فتدبر.
الخامسة انه لو احرم حال ارتداده لا يقع
احرامه صحيحا بل يكون باطلا فيجرى فيه حكم بطلان الاحرام من الرجوع الى الميقات
مع الامكان و الاّ فمن موضعه و إذا دخل الحرم يخرج خارج الحرم و يحرم.
السادسة لو حج في حال اسلامه ثم ارتد ففى
المتن: لم يجب عليه الاعادة على الاقوى خلافا للشيخ (قدس سره) في المبسوط حيث
قال في محكيه: «لان اسلامه الاول لم يكن اسلاما عندنا لانه لو كان كذلك لما جاز
ان يكفر...» فان كان مراده بالجواز هو الجواز التكليفى فمن المعلوم ان عدم
الجواز لا يختص بما إذا كان اسلامه الاول اسلاما بل يكون شاملا للكافر فان
الكافر لا يجوز له استدامة الكفر و البقاء عليه اصلا هذا مضافا الى ان عدم
الجواز كذلك لا ينافى الكفر بل دليل على تحققه و وقوعه و ان كان مراده بالجواز
هو الامكان فيرد عليه ان هذا الكلام مصادرة و عين المدعى لانه لم يقم دليلا على
عدم الامكان و انه لو كان اسلامه الاول اسلاما لما امكن له ان يكفر كما لا
يخفى.
نعم في الجواهر الاستدلال له بقوله تعالى: و ما كان اللّه ليضل قوما بعد اذ
هديهم حتى يبين لهم ما يتقون، و من الواضح ان ذيل الاية دليل على امكان الاضلال
بعد الهداية و يؤيده بل يدل عليه مثل قوله تعالى: ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا...فان ظاهره تحقق الايمان و الكفر حقيقة و لا
مجال
|