(الصفحة 310)
الكافر عليه و الوجه فيه ما مر ايضا من اشتراط الاسلام في صحة العبادة و عدم
وقوعها من غير المسلم كذلك فلو حج في حال الارتداد لا يكون صحيحا و لو كان
ارتداده لاجل انكار ضرورى آخر ـ مثلا ـ.
الثالثة انه لا يقضى عنه كما انه لا يقضى عن
الكافر غاية الامر ان قوله: على الاقوى، هنا يشعر بوجود الخلاف و الاشكال هنا و
هو كذلك و قال في الجواهر: و لعل الاقوى عدم القضاء، و فيه اشعار بتوقفه في ذلك
و منشأ هذا ما في محكى قواعد العلامة حيث قال: و لو مات ـ يعنى المرتد المستطيع
ـ اخرج من صلب تركته و ان لم يتب على اشكال و استدل له باطلاق وجوب القضاء عمن
مات و عليه حجة الاسلام و بانه دين.
و مقتضى ما ذكرنا في الكافر من عدم وجوب القضاء عنه لانه لا تصح النيابة عن
الكافر في العبادة عدم القضاء في المقام ايضا كما ان مقتضى التعليل الذى ذكره
السيد (قدس سره)هناك عدم الفرق فالاقوى ـ حينئذ ـ هو العدم.
الرابعة انه ان تاب و رجع عن ارتداده لا
يسقط الوجوب و يصح منه.
اما عدم سقوط الوجوب فلان توبته ليست كاسلام الكافر لعدم جريان قاعدة «الجب» فى
غير الكافر الاصلى اما لاختصاص قوله صلّى اللّه عليه و اله: الاسلام يجب ما
قبله بالكافر الاصلى و عدم جريانه في المرتد بحكم التبادر كما ذكره السيد (قدس
سره) في العروة و مقصوده من التبادر الانصراف و الانسباق الى الذهن لا التبادر
الاصطلاحى و اما لعدم جريان السيرة القطعية من زمن النبى و زمن الائمة ـ عليه و
عليهم السلام و الصلوة ـ في المرتد لانه دليل لبى لا اطلاق له فالمرتد إذا تاب
لا يسقط عنه وجوب الحج بوجه لعدم الدليل على السقوط.
و اما صحته منه فيما إذا صدر بعد توبته فلا اشكال فيها في المرتد الملى الذى
تقبل توبته و رجوعه و اما المرتد الفطرى فيبتنى الحكم بالصحة على قبول توبته
ظاهرا
(الصفحة 311)
و ترتيب احكام المسلم عليه ما عدا الاحكام الثلاثة و هى تقسيم امواله و مفارقة
زوجته و قتله فان قلنا بالقبول كذلك كما هو الحق فيصح الحج الصادر منه و ان لم
نقل بذلك سواء قلنا بعدم قبولها مطلقا او قلنا بعدم قبولها ظاهرا و ان قبل
باطنا فلا مجال لصحة عبادته لعدم زوال كفره و ارتداده نعم يشكل بناء على هذين
القولين ان التكليف بالعبادة مع عدم صحتها و عدم امكان الاتيان بها صحيحة الى
آخر العمر كيف يجتمعان الا ان يكون هذا الاشكال دليلا على بطلان القولين فتدبر.
الخامسة انه لو احرم حال ارتداده لا يقع
احرامه صحيحا بل يكون باطلا فيجرى فيه حكم بطلان الاحرام من الرجوع الى الميقات
مع الامكان و الاّ فمن موضعه و إذا دخل الحرم يخرج خارج الحرم و يحرم.
السادسة لو حج في حال اسلامه ثم ارتد ففى
المتن: لم يجب عليه الاعادة على الاقوى خلافا للشيخ (قدس سره) في المبسوط حيث
قال في محكيه: «لان اسلامه الاول لم يكن اسلاما عندنا لانه لو كان كذلك لما جاز
ان يكفر...» فان كان مراده بالجواز هو الجواز التكليفى فمن المعلوم ان عدم
الجواز لا يختص بما إذا كان اسلامه الاول اسلاما بل يكون شاملا للكافر فان
الكافر لا يجوز له استدامة الكفر و البقاء عليه اصلا هذا مضافا الى ان عدم
الجواز كذلك لا ينافى الكفر بل دليل على تحققه و وقوعه و ان كان مراده بالجواز
هو الامكان فيرد عليه ان هذا الكلام مصادرة و عين المدعى لانه لم يقم دليلا على
عدم الامكان و انه لو كان اسلامه الاول اسلاما لما امكن له ان يكفر كما لا
يخفى.
نعم في الجواهر الاستدلال له بقوله تعالى: و ما كان اللّه ليضل قوما بعد اذ
هديهم حتى يبين لهم ما يتقون، و من الواضح ان ذيل الاية دليل على امكان الاضلال
بعد الهداية و يؤيده بل يدل عليه مثل قوله تعالى: ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم
آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا...فان ظاهره تحقق الايمان و الكفر حقيقة و لا
مجال
(الصفحة 312)
لحمل الاية على الكفر الحقيقى و الايمان التخيّلى الاعتقادى
نعم هنا شبهة اخرى و هى تنشأ من ادلة
الاحباط الظاهرة في ان الكفر و الشرك يوجبان حبط الاعمال السابقة و جعلها
كالعدم فظاهرها ان الارتداد و ان لم يكن كاشفا عن بطلان اسلامه الاول و بطلان
حجه لذلك الا انه يوجب الحبط و صيرورة الحج كانه لم يتحقق اصلا.
و يدفع هذه الشبهة مضافا الى ان ادلة الاحباط لا اطلاق لها يشمل صورة التوبة و
الرجوع عن الارتداد و القدر المتيقن هو الكفر الباقى الى آخر العمر خصوصا مع
كون الاحباط على خلاف القاعدة لان مقتضاها صحة العمل الواقع مع شرائط الصحة فهو
اى الاحباط يتوقف على قيام دليل عليه، ان قوله تعالى و من يرتدد منكم عن دينه
فيمت و هو كافر فاولئك حبطت اعمالهم الاية ظاهر في كون الحبط انما هو في صورة
الموت و هو كافر فلم يقم دليل على بطلان الحج في المقام مع دلالة رواية صحيحة
على ذلك و هى ما رواه زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام) قال من كان مؤمنا فحج ثم
اصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شىء.(1)
و احتمال ان يكون المراد محبوبية كل عمل صالح يأتى به بعد التوبة دفعا لتوهم ان
الكفر بعد الايمان موجب لعدم قبول عمله يدفعه قوله من كان مؤمنا فحج فان ذكر
الحج بعد الايمان دليل على ان المراد هو العمل الذى اتى به في حال الايمان قبل
اصابة الفتنة فلا يبقى ـ ح ـ اشكال في الصحة.
السابعة لو احرم ثم ارتد ثم تاب ففى المتن
تبعا للسيد (قدس سره) لم يبطل احرامه على الاصح و اعلم ان العبادات من هذه
الجهة مختلفة فبعضها لا يكون الارتداد في اثنائها
-
1 ـ ئل ابواب مقدمة العبادات الباب الثلاثون ح ـ 1 و هذه الرواية رواها
الشيخ باسناده الى الحسين بن على بن سفيان البزوفرى و ذكر الشيخ في رجاله
طريقه الى كتبه و طريقه اليه صحيح فلا اشكال في الرواية من حيث السند.
(الصفحة 313)
موجبا للبطلان كما لو ارتد في اثناء الوضوء او الغسل او الاذان او الاقامة و
بعضها يكون الارتداد في اثنائها موجبا للبطلان كالصوم و بعضها مختلف فيها كالحج
و الصلوة.اما الحج فقد قال الشيخ في محكى المبسوط: «فان احرم ثم ارتد ثم عاد
الى الاسلام جاز ان يبنى عليه لانه لا دليل على فساده الا على ما استخرجناه في
المسئلة المتقدمة في قضاء الحج فان على ذلك التعليل لم ينعقد احرامه الاول ايضا
غير انه يلزم عليه اسقاط العبادات التى فاتته في حال الارتداد عنه لمثل ذلك
لانا إذا لم نحكم باسلامه الاول فكانه كان كافرا فى الاصل و كافر الاصل لم
يلزمه قضاء مافاته في حال الكفر و ان قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب و
في المسئلة نظر...».
و قد تبعه في جواز البناء على احرامه المحقق في الشرايع و بعض آخر و العمدة في
هذا المقام بيان الفرق بين الحج و بين الصيام و لعل الوجه فيه مضافا الى عدم
دخول الزمان فى مفهوم الاحرام بخلاف الصيام فانه ليس مجرد الامساك المخصوص او
الترك كذلك من دون نظر الى الزمان ان الصوم في جميع الآنات فعل اختيارى قارّ
سواء كان امرا وجوديا او عدميا و عليه تكون عبادة اختيارية حدوثا و بقاء و لذا
لا يجتمع مع نية القطع و لو في آن واحد فهو عمل اختيارى مستمر و لا بد من ثبوت
النية في جميع الآنات و لو ارتكازا و عند التوجه و الالتفات.
و اما الاحرام فهو حالة حاصلة للمحرم و صفة متحققة له نظير الطهارة و الحدث
فكما ان الطهارة ـ مثلا ـ إذا تحققت تستمر الى ان يتحقق شىء من النواقض
المعروفة و لا يكون مثل نية القطع قادحا في بقائها لعدم كون النية معتبرة في
البقاء كذلك الاحرام لا يبطل بسبب نية العدول بل هو مستمر الى ان يتحقق المحلل
من الحلق او التقصير و عليه فبطلان الاحرام بالارتداد يتوقف على ان يكون الكفر
من الامور التى يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد يتوقف على ان
يكون الكفر من الامور التى يتحقق بها التحليل كما ان بطلان الطهارة بالارتداد
يتوقف على كون الكفر من النواقض.
و بالجملة الفرق بين الصيام و بين الاحرام
انما هو في كون الاول من الافعال
(الصفحة 314)مسئلة 51 ـ لو حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه الاعادة بشرط ان يكون
صحيحا في مذهبه و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق1.
و الثانى من الصفات و الحالات و لا يجتمع الفعل القار مع الارتداد بخلاف الصفات
هذا في الحج.
و اما الصلوة فظاهر الجواهر بطلانها بالارتداد في الاثناء و المراد منه هو
الارتداد في السكوتات و السكونات المتخللة بين الافعال و الحركات و قوى السيد
(قدس سره) في العروة عدم البطلان استنادا الى عدم كون الهيئة الاتصالية جزء في
الصلوة و الظاهر عدم تمامية مستند السيد لان اعتبار الهيئة الاتصالية فيها
تستفاد من عد امور بعنوان القواطع كالضحك و البكاء و التكلم و نحوها فان
التعبير بالقطع دليل على اعتبار هيئة مستمرة اتصالية مع ان نظر المتشرعة انما
هو ان المصلى إذا دخل في الصلوة تكون الصلاة ظرفا له الى آخر الصلوة و لا يكون
السكوت او السكون المتخلل موجبا لعدم كونه في الصلوة و عليه فالارتداد في
اثنائها يكون ارتدادا في بعض اجزاء الصلوة فيكون مبطلا لها و التفصيل موكول الى
كتاب الصلوة:
1 ـ فى هذه المسئلة جهات من الكلام.
الاولى في اصل وجوب الاعادة و عدمه بنحو
الاجمال فيما لو حج المخالف ثم استبصر فالمشهور شهرة عظيمة هو عدم الوجوب و حكى
الخلاف عن ابن الجنيد و ابن البراج و يدل على المشهور روايات معتبرة مستفيضة
جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من ابواب المستحقين للزكوة و احسنها سندا و
متنا و من جهة الاشتمال على التعليل صحيحة بريد العجلى عن ابى عبد اللّه (عليه
السلام): كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثم من اللّه تعالى عليه و عرفه
الولاية فانه يوجر عليه الا الزكوة فانه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها
لانها لاهل الولاية و اما الصلوة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء.