(الصفحة 33)
القافلة الاولى لا يسوّغه العقل و الدليل عليه ما عرفت من لزوم المبادرة بضميمة
حكم العقل فانه لا يرى مجالا للتأخير في هذه الصورة اصلا.
ثم انه في صورة الوثوق التى يجوز فيها التأخير لو صادف عدم خروج قافلة اخرى او
عدم التمكن من المسير معه لا يكون ترك الحج في العام الاول موجبا لاستحقاق
العقوبة و تحقق المعصية بوجه.
و اما في صورة عدم جواز التأخير لعدم الوثوق فان صار التأخير مستلزما لفوات
الحج لعدم خروج الرفقة الثانية فرضا فلا اشكال في استحقاق العقوبة على ترك الحج
و عدم الاتيان بما هو الواجب عليه من رعاية المبادرة و الفورية و اما إذا لم
يترتب عليه فوات الحج بل حصلت الفرقة الثانية و تمكن من المسير معها و خرج و
ادرك الحج فهل يترتب على مجرد التأخير غير الجائز استحقاق العقوبة ام لا ظاهر
الجواهر الترتب حيث قال: «و الا ـ اى و ان لم يثق ـ فالعصيان ثابت له من حيث
التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الاولى مع عدم الوثوق
بالثانية و ان تبين له الخلاف بعد ذلك و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء
السابق».
و الظاهر عدم تحقق التجرى بمجرد عدم الوثوق فان الاحتمال الذى يتساوى طرفاه لا
يجتمع مع تحققه بل الظاهر انه يتحقق في خصوص صورة الوثوق بالخلاف فلا يجرى ما
افاده في جميع صور المسئلة.
ثم ان ظاهر الجواهر انه لا فرق بين الوثوق و بين مطلق الظن مع ان الظاهر كون
الوثوق هو الظن القوى المتاخم للعلم الذى يعبر عنه بالاطمينان و يعامل معه عند
العقلاء و العرف معاملة العلم و الا فمجرد الظن مع عدم اعتباره بوجه لا يستلزم
جواز التأخير لعدم الفرق بينه و بين الاحتمال بوجه.
(الصفحة 34)مسئلة 3 ـ لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة في المسئلة السابقة او مع
وحدتها و اتفق عدم التمكن من المسير او عدم ادراك الحج بسبب التأخير استقر عليه
الحج و ان لم يكن اثما، نعم لو تبين عدم ادراكه لو سار معهم ايضا لم يستقر بل و
كذا لو لم يتبين ادراكه لم يحكم عليه بالاستقرار1.
1 ـ كان البحث في المسئلة السابقة مرتبطا بالحكم التكليفى و في هذه المسئلة
بالحكم الوضعى و هو الاستقرار و عدمه و ظاهر المتن استقرار الحج بمجرد التأخير
و لو كان جائزا كما في صورة الوثوق برفقة ثانية و التمكن من المسير معها فانه
لو تبين خلافه و لم تحصل الثانية او لم يتمكن من الخروج معها او لم يدرك الحج
مع الخروج يستقر عليه الحج فيجب عليه الاتيان به و لو زالت الاستطاعة في العام
الثانى و لكنه مبنى على ان يكون موضوع الحكم بالاستقرار مجرد ترك الحج مع
التمكن ـ منه كما قد صرح به في العروة ـ و لكن المحكى عن المحقق (قدس سره) ان
موضوع الحكم المذكور هو الاهمال و الترك العمدى و من المعلوم انه لا يتحقق الا
في صورة الترك رأسا و عدم الخروج مع شىء من القوافل او في صورة الترك المستند
الى عدم الخروج مع عدم الوثوق بالثانية فانه يتحقق ـ ح ـ عنوان الاهمال و لو
كان مقرونا بمجرد الاحتمال مع الوثوق المسوغ للتأخير فلا مجال لصدق الاهمال و
عليه فلا يحكم عليه بالاستقرار و حيث ان بحث الاستقرار من المباحث المهمة
الآتية و الظاهر عدم ورود دليل خاص فيه بل يكون مستفادا من الادلة الواردة في
الموارد المختلفة و من الاحكام الاخرى الثابتة فيها فاللازم احالة التحقيق في
ذلك الى محله.
ثم انه قد استثنى في المتن موردان عن حكم الاستقرار:
احدهما ـ صورة تبين عدم الادراك لو سار مع
الرفقة الاولى و الوجه فيه تبين عدم التمكن من الحج في العام الاول بوجه فلا
مجال للاستقرار اصلا.
ثانيهما ـ صورة الشك في الادراك مع الرفقة
الاولى و الوجه في عدم الاستقرار
(الصفحة 35)
القول في شرائط وجوب حجة الاسلام
و هى امور: احدها الكمال بالبلوغ و العقل فلا يجب على الصبى و ان كان
مراهقا، و لا على المجنون و ان كان ادواريا ان لم يف دور افاقته باتيان تمام
الاعمال مع مقدماتها غير الحاصلة، و لو حج الصبى المميز صح لكن لم يجز عن حجة
الاسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط عدا البلوغ و الاقوى عدم اشتراط صحة حجه
باذن الولى و ان وجب الاستئذان في بعض الصور1.
فيها انه بناء على المبنى الاول ايضا لا بد من احراز موضوع الحكم بالاستقرار و
المفروض الشك في التمكن و عدمه فلا يترتب الاستقرار مع الشك في موضوعه كما لا
يخفى.
1 ـ فى هذا الامر جهات من البحث:
الاولى: عدم وجوب حجة الاسلام على الصبى
مطلقا و ان كان مميز مراهقا و عدم وجوبها على المجنون مطلقا و ان كان ادواريا و
الوجه فيه ـ مضافا الى الاجماع المحقق ـ الروايات العامة الظاهرة في انه رفع
القلم عن الصبى حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق الدالة على رفع قلم التكليف
مطلقا.
و يدل عليه في خصوص المقام الروايات الآتية في الجهة الثانية الدالة على ان حج
الصبى لا يجزى عن حجة الاسلام فانه لو كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة لكان حجه
حجة الاسلام.
نعم يستثنى من المجنون الادوارى ما إذا كان دور افاقته وافيا باتيان تمام
الاعمال و المناسك و تحصيل المقدمات غير الحاصلة فانه ـ ح ـ عاقل يتمكن من الحج
بمقدماته فهو واجب عليه كما في العاقل المطلق و كما في سائر التكاليف و الوظائف
فلا اشكال في هذه الجهة من البحث.
(الصفحة 36)
الثانية: صحة حج الصبى و عدم اجزائه عن حجة
الاسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ و يدل عليه روايات: منها
صحيحة اسحاق بن عمار قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين
يحج؟قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت.(1)
و منها رواية شهاب عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال سئلته عن ابن
عشر سنين يحج قال عليه حجة الاسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا
طمثت.(2)
و منها رواية مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال لو
ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام.(3) و هذه
الروايات الثلاثة مشتركة في الدلالة على عدم كون حج الصبى حجة الاسلام و انه لا
يجزى عنه بعد البلوغ و لو كان حجه واجدا لجميع الشرائط و الخصوصيات سوى البلوغ
و اما كون الوجه فيه هو بطلان عبادة الصبى و الحج الصادر منه او ان الوجه شىء
آخر يجتمع مع صحة عباداته و حجه فلا دلالة للروايات عليه اما الرواية الاخيرة
فدلالتها باعتبار عدم اشتمالها على السؤال المذكور في الاولتين واضحة لان ثبوت
حجة الاسلام بعد الاحتلام يجتمع مع كلا الاحتمالين و اما غيرها فلا يظهر من
السؤال فيه مفروغية صحة حج الصبى عند السائل حتى يكون الجواب ظاهرا في التقرير
لان مجرد فرض صدور الحج من ابن عشر سنين لا دلالة فيه على ثبوت الصحة و التعرض
في الجواب لعدم الاجزاء بصورة وجوب حجة الاسلام عليه بعد الاحتلام لا يكون
قرينة على ان مورد السؤال هو الاجزاء حتى يقال بانه
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى عشر ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى عشر ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح ـ 2
(الصفحة 37)
لابد في الاجزاء و عدم الاجزاء من فرض الصحة لان الحج الباطل لا مجال لاجزائه
عن حجة الاسلام اصلا فاللازم استفادة صحة حج الصبى من الروايات الاخرى او من
القاعدة الكلية الدالة على ان عبادة الصبى شرعية و قد حققناها في كتابنا:
«القواعد الفقهية» و سيأتى في ذيل هذه الجهة انشاء اللّه تعالى.
و منها ما رواه الصدوق باسناده عن ابان بن الحكم قال: سمعت ابا عبد اللّه (عليه
السلام) يقول: الصبى إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر(1) و
الكلام في هذه الرواية تارة من حيث السند و اخرى من حيث الدلالة.
اما الاول فقد روى صاحب الوسائل الرواية عن
ابان بن الحكم و ربما يقال مع توضيح منا: انه لا وجود له في الكتب الرجالية و
لا في كتب الحديث و الصحيح كما في محكى الفقيه هو ابان عن الحكم و الظاهر ان
ابانا هذا لا يكون ابان بن تغلب الذى هو من اعاظم الرواة وثقاتهم لعدم روايته
عن غير الامام (عليه السلام) غالبا و لا يكون ابان بن عثمان ايضا لعدم ثبوت
رواية له عن حكم بن الحكيم نعم يوجد فمن روى عن حكم بن الحكيم الصيرفى الثقة
روايتان رواهما ابان عنه ـ كما في جامع الرواة و ازاحة الاشتباهات عن الطرق و
الاسناد: احد بهما في التهذيب و الاخرى في الكافى و لكن لا يعلم حاله من جهة
الوثاقة فالرواية من حيث السند ضعيفة هذا و لكن الظاهر انه هو ابان بن عثمان
الثقة و الرواية معتبرة من حيث السند كما سيأتى في بعض المباحث الآتية انشاء
اللّه تعالى.
و قد صرح هذا القائل ايضا في بعض المباحث الاتية بان الراوى عن حكم بن الحكيم
هو ابان بن عثمان و قد حكى ذلك ايضا عن المجلسى في المرآت.
و اما من حيث الدلالة فظاهرها اطلاق حجة الاسلام على حج الصبى و ان كان التقييد
بقوله: حتى يكبر ظاهرا ايضا في عدم اجزائه عن الحج بعد الكبر
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح ـ 1