(الصفحة 341)
و اما الثانية فلمنع كون الخدمة مستلزمة
للحرج دائما فانها قد تكون حرجية و قد لا تكون كذلك و مع الاطلاق يلزم التقييد
بقاعدة نفى الحرج كما عرفت.
الخامس الروايات الكثيرة الدالة على ان من
ترك الحج مع الاستطاعة من دون عذر فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام او انه يحشر
يوم القيامة اعمى او انه يموت يهوديا او نصرانيا
و الجواب ان مقتضى اطلاق هذه الروايات و ان
كان هو الوجوب في صورة الحرج ايضا الا انه لا بد من رفع اليد عن الاطلاق بسبب
قاعدة نفى الحرج كما في سائر ادلة التكاليف.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على الوجوب في صورة الحرج و قد
عرفت انه لم يقع التصريح بالوجوب فيها بل يستفاد من اطلاق الكلمات او عمومها مع
انه لو كان مرادهم الشمول لكان ينبغى التصريح بذلك كما عرفت.
ثم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة الى وجوب الاتيان بالحج إذا استقر عليه و اما
بالاضافة الى وجوب القضاء عنه لو مات و لم يأت به فنقول: يمكن الاستدلال على
الوجوب بانه دين يجب ادائه من تركته لو كانت له تركة و الدليل على كونه دينا
التعبير بكلمتى «اللام و على» في الاية الشريفة الظاهرة في انه من حقوق اللّه
تبارك و تعالى على المستطيع كما هو الشايع في التعبير عن الدين فيقال لزيد على
عمر و كذا و لم يقع التعبير بذلك في الكتاب فى مثل الصلوة و الصيام و لعل الوجه
فيه الدلالة على اهمية الحج خصوصا بالاضافة الى جانبه الاجتماعى و اشتماله على
اجتماع المسلمين من جميع اقطار العالم و يترتب على هذا الاجتماع فوائد كثيرة و
نتائج هامة و الاطلاع على مشاكل المسلمين و الاقدام على رفعها و التوانس و
الارتباط بينهم مع ما فيه من ظهور عظمة الاسلام و شوكة المسلمين و لاجله يكون
تحمله شاقا على من لا يتحمل الاسلام و يأبى عن نفوذه و شيوعه من الزعماء و
الحاكمين و بعد ان امتنع عليهم منع المسلمين و صدهم عن الاجتماع المذكور سعوا
في ان لا يترتب عليه
(الصفحة 342)
فوائده الاجتماعية و لا يرتبط المسلمون بعضهم مع بعض في الجهات السياسية و
المشاكل التى اوقعهم الاستعمار فيها و لاجله اختاروا لحكومة الحرمين من كان
عبدا لهم لا يطيع اللّه بل يطيع الطاغوت و الشيطان و اقدروه كمال القدرة للصد
عن وصول المسلمين الى الاهداف المهمة الاجتماعية المترتبة على الحج و امروه
بالمقاومة و لو كانت متوقفة على قتل المأت من الحجاج الذين كان اكثرهم من
الشيوخ و الكبار من الرجال و النساء جنب مسجد الحرام فجعلوا قوله تعالى: «و من
دخله كان آمنا» تحت اقدامهم و اختاروا عبادة الطاغوت و الشيطان في لباس خدمة
الحرمين و ذكروا لتوجيه ذلك بعد ان لم يكن لهم وجه ما يضحك به الثكلى و يشهد
بكذبه من كان له ادنى حظ من الفهم و العقل.
و كيف كان يمكن استفادة وجوب القضاء الذى هو بمعنى اداء الدين بعد الموت من نفس
التعبير في الاية الشريفة و لو اغمض النظر عنه يدل على ذلك روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال سئلت ابا
عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و يترك مالا قال:
عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له(1) و السؤال فيها يحتمل
ان يكون مطلقا شاملا لمن لم يستطع اصلا ايضا و يمكن ان يكون مختصا بخصوص
المستطيع الذى استقر عليه الحج و لم يأت به و على كلا التقديرين دليل على
الوجوب في المقام.
و منها: رواية محمد بن مسلم قال: سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الاسلام يحج عنه؟قال: نعم.(2)
و منها: رواية اخرى له قال: سئلت ابا جعفر
(عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجّة الاسلام و لم يوص بها ايقضى عنه؟ قال:
نعم.(3) و الظاهر اتحادها مع الرواية
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 5
(الصفحة 343)
السابقة خصوصا مع كون الراوى عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو عاصم بن حميد و
الراوى عنه كذلك هو النضر بن سويد.
و منها: رواية رفاعة قال سئلت ابا عبد اللّه
(عليه السلام) عن رجل يموت و لم يحج حجة الاسلام و لم يوص بها، ايقضى عنه؟ قال
نعم.(1) ثم انه لو فرض ثبوت الاطلاق لهذه الروايات من جهة شمولها
لغير المستطيع فضلا عن المستطيع الذى لم يستقر عليه الحج فتارة يتمسك في
تقييدها بالاجماع بل الضرورة على عدم وجوب قضاء الحج عن غير المستطيع و الاجماع
ظاهرا على عدم وجوب قضائه عن المستطيع الذى لم يستقر عليه و اخرى يتمسك في
التقييد بالروايات الدالة عليه فنقول: اما التقييد من الجهة الاولى الراجعة الى
عدم الشمول لغير المستطيع فيدل عليه روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد
اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع
المال انه بمنزلة الدين الواجب و ان كان قد حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة
الاسلام و لم يترك الاّ قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم احق بما ترك فان شاؤا
اكلوا، و ان شاؤا حجوا عنه.(2) و الظاهر ان المراد بنفقة الحمولة هى
نفقة الحج كما وقع التعبير بها في بعض الروايات الآتية و مورد الجملة الاخيرة
هو غير المستطيع لانه وقع التعرض لحكم المستطيع في الجملتين الاوليين: الاولى
بالاضافة الى المستطيع الذى لم يحج و الثانية بالاضافة الى المستطيع الذى حج
حجة الاسلام و كانت وصيته هو الحج التطوعى و عليه فمورد الجملة الثالثة لا
محالة يكون غير المستطيع و مفاد الرواية عدم لزوم الحج عنه.
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن و العشرون ح ـ 6
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و العشرون ح ـ 4
(الصفحة 344)
و مثلها: رواية هرون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات
و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق
بميراثه ان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(1)
و منها: صحيحة بريد العجلى قال سئلت ابا
جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق
قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام، و ان كان مات و
هو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام فان فضل
من ذلك شىء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين، قلت ارأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم
مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه؟قال يكون جميع ما
معه و ما ترك للورثة الا ان يكون عليه دين فيقضى عنه او يكون اوصى بوصية فينفذ
ذلك لمن اوصى له و يجعل ذلك من ثلثه.(2)
و اما التقييد من الجهة الثانية الراجعة الى الاختصاص بالمستطيع الذى استقر
عليه الحج فيدل عليه صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلنى
رجل عن امرئة توفيت و لم تحج فاوصت ان ينظر قدر ما يحج به فان كان امثل ان يوضع
في فقراء ولد فاطمة (عليها السلام)وضع فيهم و ان كان الحج امثل حج عنها فقلت
له: ان كان عليها حجة مفروضة فان ينفق ما اوصت به في الحج احب الىّ من ان يقسم
في غير ذلك(3) فان الظاهر من قوله: احب هو اللزوم و المحبوبية
التعينية كما في قوله تعالى: و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض و عليه فمفاد
الرواية لزوم قضاء الحج عنها إذا كان عليها حجة مفروضة و من الواضح اختصاص هذا
العنوان بخصوص المستطيع الذى
-
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
-
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و العشرون ح ـ 2
-
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس و الستون ح ـ 4
(الصفحة 345)
استقر عليه الحج لان الموت مع عدم الاستقرار كاشف عن عدم الوجوب و عدم كون
الحجة مفروضة.
فقد ظهر من جميع ذلك ان مقتضى الجمع بين الروايات لزوم قضاء الحج عمن استقر
عليه الحج و الظاهر انه لا فرق في ذلك بين من تمكن من الاتيان بالحج و لم يأت
به عصيانا كما هو المفروض في المقام او حرجا و بين من لم يتمكن من الاتيان به
اصلا كما ان الظاهر صحة التبرع عنه لانه بعد فرض كون الحج بمنزلة الدين الواجب
و قد عرفت ظهور تعبير الاية في ذلك يجرى عليه حكم الدين من هذه الجهة ايضا فيصح
التبرع عنه كما في الدين فتدبر مضافا الى دلالة بعض الروايات على صحة التبرع.
المقام الثانى: فيما يتحقق به الاستقرار و
الظاهر كما حكى عن المدارك ان عنوان الاستقرار لا يكون في شىء من الروايات بل
هو اصطلاح فقهى و قد وقع الخلاف فيما يتحقق به على اقوال:
منها: ما هو المشهور ـ نقلا و تحصيلا كما في
الجواهر ـ من ان ما يتحقق به الاستقرار الذى يترتب عليه احكامه عبارة عن مضى
زمان يمكن فيه الاتيان بجميع افعاله مستجمعا للشرائط و هو الى اليوم الثانى عشر
من ذى الحجة.
و منها: ما اختاره في المهذب و احتمله
الشهيد من انه مضى زمان يمكن فيه الاتيان بالاركان جامعا للشرائط فيكفى بقائها
الى مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعى.
و منها: ما احتمله العلامة في محكى القواعد
من انه عبارة عن مضى زمان يتمكن فيه من الاحرام و دخول الحرم.
و منها: ما ذكره السيد (قدس سره) في العروة
بقوله: و ربما يقال باعتبار بقائها الى عود الرفقة.و ربما يستفاد ذلك مما ذكره
في التذكرة من ان من تلف ماله قبل